المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - شعراء بنى أمية - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٢

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌العصر الإسلامى

- ‌الكتاب الأولفى عصر صدر الإسلام

- ‌الفصل الأولالإسلام

- ‌1 - قيم روحية

- ‌2 - قيم عقلية

- ‌3 - قيم اجتماعية

- ‌4 - قيم إنسانية

- ‌الفصل الثانىالقرآن والحديث

- ‌1 - نزول القرآن وحفظه وقراءاته

- ‌2 - سور القرآن وتفسيره فى العهد الأول

- ‌3 - اثر القرآن فى اللغة والأدب

- ‌4 - الحديث النبوى

- ‌الفصل الثالثالشعر

- ‌1 - كثرة الشعر والشعراء المخضرمين

- ‌2 - الشعر فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - الشعر فى عصر الخلفاء الراشدين

- ‌4 - شعر الفتوح

- ‌الفصل الرابعالشعراء المخضرمونومدى تأثرهم بالإسلام

- ‌1 - كثرة المخضرمين المتأثرين بالإسلام

- ‌4 - لبيد

- ‌5 - الحطيئة

- ‌الفصل الخامسالنثر وتطوره

- ‌1 - تطور الخطابة

- ‌2 - خطابة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - خطابة الخلفاء الراشدين

- ‌4 - الكتابة

- ‌الكتاب الثانىفى عصر بنى أمية

- ‌الفصل الأولمراكز الشعر الأموى

- ‌1 - المدينة ومكة

- ‌2 - نجد وبوادى الحجاز ونزوح قيس إلى الشمال

- ‌3 - الكوفة والبصرة

- ‌4 - خراسان

- ‌5 - الشام

- ‌6 - مصر والمراكز الأخرى

- ‌الفصل الثانىمؤثرات عامة فى الشعر والشعراء

- ‌1 - الامتزاج بالأمم الأجنبية وتعرّبها وأثر ذلك فى اللغة

- ‌2 - الإسلام وأثره فى موضوعات الشعر

- ‌3 - السياسة

- ‌4 - الحضارة

- ‌5 - الثقافة

- ‌6 - الاقتصاد وموقف العرب من الموالى

- ‌الفصل الثالثشعراء المديح والهجاء

- ‌1 - شعراء المديح

- ‌ نصيب

- ‌القطامى

- ‌2 - شعراء الهجاء

- ‌ ابن مفرّغ

- ‌ الحكم بن عبدل

- ‌3 - شعراء النقائض

- ‌4 - الأخطل

- ‌5 - الفرزدق

- ‌6 - جرير

- ‌الفصل الرابعشعراء السياسة

- ‌1 - شعراء الزبيريين

- ‌ ابن قيس الرقيات

- ‌2 - شعراء الخوارج

- ‌ عمران بن حطّان

- ‌الطّرمّاح

- ‌3 - شعراء الشيعة

- ‌ كثيّر

- ‌الكميت

- ‌4 - شعراء ثورة ابن الأشعث

- ‌ أعشى همدان

- ‌5 - شعراء بنى أمية

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل الصريح

- ‌ عمر بن أبى ربيعة

- ‌الأحوص

- ‌العرجى

- ‌2 - شعراء الغزل العذرى

- ‌ قيس بن ذريح

- ‌3 - شعراء الزهد

- ‌أبو الأسود الدّؤلى

- ‌4 - شعراء اللهو والمجون

- ‌أبو الهندى

- ‌5 - شعراء الطبيعة

- ‌ذو الرّمّة

- ‌6 - الرّجّاز

- ‌العجّاج

- ‌رؤبة

- ‌الفصل السادسالخطابة والخطباء

- ‌1 - ازدهار الخطابة

- ‌2 - خطباء السياسة

- ‌ زياد بن أبيه

- ‌3 - خطباء المحافل

- ‌ الأحنف بن قيس

- ‌4 - خطباء الوعظ والقصص

- ‌ الحسن البصرى

- ‌الفصل السابعالكتابة والكتّاب

- ‌1 - التدوين

- ‌2 - كثرة الرسائل المدوّنة

- ‌3 - كتّاب الدواوين

- ‌خاتمة

- ‌1 - خلاصة

- ‌2 - تعليق

الفصل: ‌5 - شعراء بنى أمية

‌5 - شعراء بنى أمية

لا نريد هنا أن نتحدث عن مدّاح بنى أمية، فالمديح شئ والشعر السياسى شئ آخر. المديح ثناء يقدمه الشاعر ابتغاء النوال والعطاء، أما الشعر السياسى فنضال عن الحكم وعن نظرية معينة فيه، فهو ليس مجرد مديح، إنما هو دفاع من جهة وهجوم من جهة ثانية، دفاع عن نظرية، تعتنقها جماعة من الجماعات أو فرقة من الفرق، وهجوم على خصومها ومن يقفون فى الصفوف المعارضة لها.

وأول صورة تلقانا للشعر السياسى المناصر لبنى أمية ما أخذ ينظمه الأمويون أنفسهم من مثل الوليد بن عقبة عقب مقتل عثمان، إذ مضوا يهاجمون الثوار، الذين قتلوه، جاعلين أنفسهم أصحاب الحق فى الثأر من قتلته، فهم أهله الأقربون، ومن ثمّ فهم أولياء دمه. وكان علىّ قد بويع بالخلافة وانشق عليه طلحة والزبير والسيدة عائشة، كما انشق زعيم بنى أمية معاوية أمير الشام يسنده جيش يمنى موال له تمام الولاء. وبذلك انقسمت الجماعة الإسلامية شيعا، وأخذت كل شيعة تحاول أن تفرض رأيها السياسى باللجوء إلى السيف والقوة.

ومضى الثلاثة الأولون إلى العراق ونزلوا البصرة فتبعهم على ونزل الكوفة، وبذلك خرجت الخلافة من المدينة، ولم يلبث طلحة والزبير أن سقطا فى وقعة الجمل، فخلا الجو لمعاوية ومطالبته بالثأر من قتلة ابن عمه عثمان. وأسرع على بعد أن بايعه أهل العراق جميعا قاصدا معاوية فالتقى به عند صفّين على حدود الفرات.

ونشبت معركة عنيفة كاد ينتصر فيها علىّ انتصارا حاسما لولا ما لجأ إليه معاوية من رفع المصاحف وطلب الاحتكام إلى القرآن لا إلى السيف. وفى هذه الموقعة نظم شعر كثير تبادل فيه الفريقان الهجاء، وكل منهم يدافع عن نظريته فى الحكم وعن إمامه الذى ارتضاه مستلهما خصومة الشام والعراق فى الجاهلية وما كان من تنافس على سلطان القبائل العربية بين الغساسنة والمناذرة، على شاكلة قول كعب بن جعيل التغلبى:

ص: 336

أرى الشام تكره ملك العراق

وأهل العراق لهم كارهونا

وقالوا علىّ إمام لنا

فقلنا رضينا ابن هند رضينا

وردّ عليه بعض شعراء العراق، فقال ينقض ما زعمه، مشيرا إلى ما بين الطرفين من عداوات قديمة:

أتاكم علىّ بأهل العراق

وأهل الحجاز فما تصنعونا

فإن يكره القوم ملك العراق

فقدما رضينا الذى تكرهونا (1)

وتطورت الظروف وقتل على بعد التحكيم، وبايع الناس معاوية، ودخلت العراق فى طاعته وطاعة من خلفوه من الأمويين، ولكنها ظلت تعارضهم خفية، وكلما استطاعت أن تجهر بمعارضتها نهضت إلى ذلك تارة مع الخوارج، وتارة مع الشيعة، وتارة مع ابن الأشعث أو يزيد بن المهلب. وعارضهم الحجاز فى عهد يزيد بن معاوية وتجسمت معارضتها فى عبد الله بن الزبير.

وقد رأينا شعراء مختلفين يقفون فى هذه الصفوف المعارضة يناضلون عن نظرياتهم السياسية، وكان الأمويون يستظهرون عليهم بشعرائهم طوال العصر.

وكان أول ما استخدموا فيه هؤلاء الشعراء هجاء عبد الرحمن بن حسان والأنصار حين اشتبك مع يزيد بن معاوية، وفى رواية مع عبد الرحمن بن الحكم، فاستعان عليه يزيد بالأخطل النصرانى التغلبى، على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع، ومنذ هذا التاريخ أصبح الأخطل شاعرا أمويّا يناضل عن السياسة الأموية. ويحاول معاوية أن يجعل الخلافة وراثية فى بيته، وأن يأخذ البيعة لابنه يزيد فى حياته. وكان ذلك فى رأى كثيرين بدعة منكرة، إذ تخرج الخلافة به عن الشورى وتصبح إرثا من الأب لابنه، على نحو ما هو معروف عند الروم وما كان معروفا عند الفرس، وعرف معاوية نفور المسلمين من ذلك، فدفع بعض الخطباء إلى الدعوة لفكرته، كما دفع بعض الشعراء، وكان أسرع من لبّاه منهم مسكين الدارمى فأنشأ يقول فى كلمة له (2):

(1) انظر الأخبار الطوال للدينورى (طبع ليدن) ص 170.

(2)

الأغانى (ساسى) 18/ 71.

ص: 337

بنى خلفاء الله مهلا فإنما

يبوّئها الرحمن حيث يريد (1)

إذا المنبر الغربىّ خلّى مكانه

فإن أمير المؤمنين يزيد

على الطائر الميمون والجدّ صاعد

لكلّ أناس طائر وجدود (2)

ويقال إن معاوية أقبل عليه، فقال: ننظر فيما قلت يا مسكين ونستخير الله، ووصله هو وابنه يزيد وأجزلا صلته.

ومن شعراء آل أبى سفيان المتوكل (3) الليثى وعبد الله (4) بن همّام السلولىّ «وكان مكينا حظيّا فيهم وهو الذى حدا يزيد بن معاوية على البيعة لابنه معاوية» فى أشعار يرويها الرواة، كان يرثى فيها أباه ويحضه على البيعة لابنه من مثل قوله (5):

اصبر يزيد فقد فارقت ذامقة

واشكر حباء الذى بالملك حاباكا

لا رزء أعظم فى الأقوام نعلمه

كما رزئت ولا عقبى كعقباكا

أصبحت راعى أهل الدين كلّهم

فأنت ترعاهم والله يرعاكا

وفى معاوية الباقى لنا خلف

إذا نعيت ولا نسمع بمنعاكا

ونمضى إلى عصر المروانيين، وأول من نلقاه من شعرائهم أبو العباس (6) الأعمى الشاعر المكى مولى بنى الدّئل يقول أبو الفرج الأصبهانى:«كان من شعراء بنى أمية المعدودين المقدّمين فى مدحهم والتشيع لهم وانصباب الهوى إليهم» ونراه حين غلب ابن الزبير على الحجاز ونفى عنه الأمويين وعلى رأسهم مروان ابن الحكم يبكيهم بأشعار كثيرة من مثل قوله:

ولم أر حيّا مثل حىّ تحمّلوا

إلى الشام مظلومين منذ بريت (7)

أعزّ وأمضى حين تشتجر القنا

وأعلم بالمسكين حيث يبيت

(1) يبوئها: ينزلها.

(2)

الجد: الحظ.

(3)

انظر الأغانى (طبع دار الكتب) 12/ 159.

(4)

انظر فى ترجمته الشعر والشعراء 2/ 633 وابن سلام ص 522 والخزانة 3/ 638.

(5)

البيان والتبيين 2/ 132. والمبرد ص 785 وراجع المصادر السابقة.

(6)

انظر فى ترجمته الأغانى (طبع الساسى) 15/ 57 ونكت الهميان للصفدى ص 153 ومعجم الأدبا 11/ 179 والتهذيب 3/ 449 والبيان والتبيين 1/ 232، 233.

(7)

تحملوا: ارتحلوا. بريت: خلقت.

ص: 338

إذا مات منهم سيّد قام سيد

بصير بعورات الكلام زميت (1)

وقوله:

ليت شعرى أفاح رائحة المس

ك وما إن أخال بالخيف أنسى (2)

حين غابت بنو أميّة عنه

والبهاليل من بنى عبد شمس

خطباء على المنابر فرسا

ن عليها وقالة غير خرس

لا يعابون صامتين وإن قا

لوا أصابوا ولم يقولوا بلبس

وبلغ ابن الزبير نبذ من كلامه وأنه يمدح عبد الملك ويرسل له بجوائزه وصلاته، فنفاه إلى الطائف، وهناك أخذ يهجوه وآله هجاء مرّا، محرضا عبد الملك على حربه، وعلى نحو ما كان ينحرف عن ابن الزبير كان ينحرف عن بنى هاشم، وفى ذلك يقول لأبى الطفيل عامر بن واثلة وكان شيعيّا:

لعمرك إننى وأبا طفيل

لمختلفان والله الشهيد

لقد ضلّوا بحب أبى تراب

كما ضلّت عن الحق اليهود

ويقال إنه أدرك دولة بنى العباس، وتروى له أشعار مختلفة-إن صحت-فى بكاء الأمويين، يتفجع فيها عليهم ويتحسر تحسرا شديدا من مثل قوله:

خلت المنابر والأسرّة منهم

فعليهم حتى الممات سلام

وممن كان يلهج بهم ويقف فى صفوفهم نابغة بنى شيبان (3) عبد الله بن المخارق، ويستظهر أبو الفرج أنه كان نصرانيّا، لحلفه بالإنجيل والرهبان والأيمان التى يحلف بها النصارى، وفى ديوانه أشعار كثيرة تدل أنه اعتنق الإسلام من مثل قوله:

ويزجرنى الإسلام والشّيب والتّقى

وفى الشّيب والإسلام للمرء زاجر

(1) زميت: وقور.

(2)

الخيف: ناحية من منى بمكة.

(3)

انظر فى ترجمته الأغانى (طبع دار الكتب) 7/ 106 وقد نشرت دار الكتب ديوانه.

ص: 339

وكان منقطعا إلى عبد الملك، فلما همّ بخلع أخيه عبد العزيز وتولية ابنه الوليد العهد مثل بين يديه ينشده قصيدة طويلة يقول فى تضاعيفها:

لابنك أولى بملك والده

ونجم من قد عصاك مطّرح

فعلم الناس أن هذا هو رأى عبد الملك. وظل من بعده يمدح أبناءه، وله تهنئة طويلة ليزيد حين قضى أخوه مسلمة على ابن المهلب. ولزم بعده ابنه الوليد، وله فيه مدائح كثيرة، وكان من هواه فى الخمر والشراب، وله فيها أشعار طريفة.

وعلى شاكلته فى الانتصار لبنى مروان أعشى قبيلته عبد (1) الله بن خارجة، وكان شديد التعصب لهم، وله فى عبد الملك مدائح كثيرة، يحضه فيها على حرب ابن الزبير والقضاء عليه من مثل قوله:

آل الزبير من الخلافة كالتى

عجل النّتاج بحملها فأحالها (2)

قوموا إليهم لا تناموا عنهم

كم للغواة أطلتم إمهالها

إن الخلافة فيكم لا فيهم

ما زلتم أركانها وثمالها (3)

أمسوا على الخيرات قفلا مغلقا

فانهض بيمنك فافتتح أقفالها

ومن شعراء بنى أمية أبو عطاء (4) السّندىّ مولى بنى أسد، وكانت فيه لكنة سبق أن تحدثنا عنها وكان من شعراء يزيد بن عمر بن هبيرة آخر ولاة الأمويين على العراق، ولما قتله العباسيون رثاه مراثى بديعة. وقد عاش إلى أيام المنصور، ونراه يبكى بنى أمية حين سقطت دولتهم هاجيا العباسيين فى أشعار كثيرة من مثل قوله:

يا ليت جور بنى مروان عاد لنا

وأنّ عدل بنى العباس فى النار

وقوله:

بنى هاشم عودوا إلى نخلاتكم

فقد قام سعر التّمر صاعا بدرهم

فإن قلتم رهط النبىّ وقومه

فإن النصارى رهط عيسى بن مريم

(1) انظر ترجمته فى الأغانى طبع (ساسى) 16/ 155 وقد نشر جاير ديوانه ملحقا بديوان أعشى قيس.

(2)

أحالها: جعلها لا تنتج.

(3)

الثمال: الغياث الذى يقوم بأمر قومه.

(4)

انظر فى ترجمة أبى عطاء أغانى (ساسى) 16/ 78 والشعر والشعراء 2/ 742 والخزانة 4/ 170 ومعجم الشعراء للمرزبانى ص 456 والعينى 1/ 560.

ص: 340

وبجانب هؤلاء الشعراء كثيرون كانوا لا ينقطعون لبنى أمية، ولكنهم كانوا يمدحونهم من حين إلى حين، منوهين بأن الأمة لا تصلح إلا عليهم، ولا تتم لها سعادتها إلا بهم، وكانوا لا يزالون يقولون إنهم المختارون للأمة على شاكلة قول الأحوص فى الوليد بن عبد الملك (1):

تخيّره ربّ العباد لخلقه

وليّا وكان الله بالناس أعلما

وقد يصعدون بهم فيشهونهم بالأنبياء، يقول يزيد بن الحكم فى سليمان (2):

سمّيت باسم امرئ أشبهت شيمته

عدلا وفضلا سليمان بن داودا

أحمد به فى الورى الماضين من ملك

وأنت أصبحت فى الباقين محمودا

وكان فى زهد عمر بن عبد العزيز مدد لهم لا ينفد فى تصوير تقواه وانصرافه عن الدنيا ومتاعها الزائل على نحو ما أسلفنا عند كثيّر، ويقول العبلى فى هشام بن عبد الملك وأسلافه (3):

يقطعون النهار بالرأى والحز

م ويحيون ليلهم بالسجود

والغريب أن نجد هذا التصوير يمتدّ حتى إلى من عرفوا منهم بالمجون مثل الوليد بن يزيد، وفيه يقول يزيد بن ضبّة (4):

إمام يوضح الحقّ

له نور على نور

ولما اضطربت الدولة فى عهده وعهد خلفائه، وأخذوا يحتربون ويقتل بعضهم بعضا، وبدت فى الأفق النّذر بزوال حكمهم كتب نصر بن سيار واليهم على خراسان إلى يزيد بن عمر بن هبيرة واليهم على العراق يستنصره وينبئه عن تحرك الشيعة فى دياره قائلا (5):

أرى خلل الرّماد وميض جمر

فيوشك أن يكون له اضطرام

فقلت من التعجب ليت شعرى

أأيقاظ أميّة أم نيام

فإن كانوا لحينهم نياما

فقل قوموا فقد طال المنام

(1) أغانى (دار الكتب) 1/ 298.

(2)

أغانى (دار الكتب) 12/ 288.

(3)

أغانى 11/ 306.

(4)

انظر ترجمته فى الأغانى 7/ 95 وما بعدها.

(5)

البيان والتبيين 1/ 158.

ص: 341

ولم تلبث الثورة عليهم أن اندلعت، وقوّضت حكمهم سنة 132 للهجرة بين عويل كثير من الشعراء وبكائهم، على نحو ما أسلفنا عند أبى عطاء السندى ونقف الآن عند شاعرين مهمين من شعرائهم.

عبد الله (1) بن الزّبير

كوفى المنزل والمنشأ من بنى أسد «كان من شيعة بنى أمية وذوى الهوى فيهم والتعصب والنصرة على عدرهم» ونراه يلهج بالشعر منذ خلافة معاوية، وحدث أن فسد ما بينه وبين عبد الرحمن بن أم الحكم واليه على الكوفة فأخذ يهجوه، ويقال إن يزيد بن معاوية هو الذى كان يغريه على ذلك، إذ كان يبغض ابن أم الحكم، ولما طلبه استجار منه بمروان بن الحكم وهو على المدينة فأجاره، ومدحه. ونراه يمدح عمرو بن عثمان مديحا رائعا، إذ يقول:

سأشكر عمرا إن تراخت منيّتى

أيادى لم تمنن وإن هى جلّت

فتى غير محجوب الغنى عن صديقه

ولا مظهر الشكوى إذا النّعل زلّت

رأى خلّتى من حيث يخفى مكانها

فكانت قذى عينيه حتى تجلّت (2)

ويمدح أسماء بن خارجة، ويقال إنه شفع له عند ابن أم الحكم، فعفا عنه، ولم يكتف أسماء بذلك فقد وصله وجعل له ولعياله عطاء دائما، مما جعله يشيد به بمثل قوله:

ولا مجد إلا مجد أسماء فوقه

ولا جرى إلا جرى أسماء فاضله

فتى لا يزال الدهر ما عاش مخصبا

ولو كان بالموماة تخدى رواحله (3)

وعزل ابن أم الحكم عن الكوفة وضمّت إلى عبيد الله بن زياد مع البصرة، فلزمه يمدحه وينوّه به فى قصائد كثيرة، ومن قوله فيه:

تصافى عبيد الله والمجد صفوة ال

حليفين ما أرسى ثبير ويثرب (4)

وأنت إلى الخيرات أولّ سابق

فأبشر فقد أدركت ما كنت تطلب

(1) انظر فى ترجمته الأغانى (طبع دار الكتب) 14/ 217 وما بعدها والخزانة 1/ 345 ومعاهد التنصيص 1/ 20.

(2)

الخلة: الحاجة والخصاصة. والقذى: ما يقع فى العين.

(3)

الموماة: المفازة. تخدى الناقة: تسرع فى سيرها.

(4)

ثبير: جبل يظاهر مكة. يثرب: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ص: 342

ويتوفى يزيد بن معاوية، وتموج الفتنة بالعراق، فيفر ابن زياد إلى الشام وتخلص الكوفة للمختار الثقفى فيتحول إليه ابن الزّبير يتوعده ويتهدّده بكتائب المروانيين. ويغلب مصعب على الكوفة ويؤتى به أسيرا، فيمنّ عليه ويصله ويحسن إليه، فيمدحه، ولكنه لا ينتقل بولائه إلى أخيه عبد الله، إذ نراه يهجوه حين يبلغه قتله لبعض شيعة بنى أمية، وله يقول:

أيها العائذ فى مكة كم

من دم أهرقته فى غير دم

أيد عائذة معصمة

ويد تقتل من حلّ الحرم

ولما قضى عبد الملك على مصعب، وخلص له العراق، وأرسل الحجاج للقضاء على ابن الزبير بمكة مضى ينذره بسوء المصير قائلا:

كأنى بعبد الله يركب ردعه

وفيه سنان زاعبىّ محرّب (1)

وقد فرّ عنه الملحدون وحلّقت

به وبمن آساه عنقاء مغرب (2)

تولّوا فخلّوه فشال بشلوه

طويل من الأجذاع عار مشذّب (3)

بكفّى غلام من ثقيف نمت به

قريش وذو المجد التّليد معتّب

ويلزم بشر بن مروان فى ولايته على العراق، ويمدحه مدائح كثيرة وقد توفّى فى خلافة عبد الملك، ويظهر أنه لم يعش طويلا بعد بشر، ويقال إنه عمى بأخرة، ويقول أبو الفرج إنه كان هجاء يرهب شره.

عدى (4) بن الرّقاع

من عاملة إحدى قبائل قضاعة، كان منزله بدمشق، وهو بذلك يسلك فى حاضرة الشعراء. وكان مقدّما عند بنى أمية-كما يقول أبو الفرج مدّاحا

(1) يقال ركب ردعه: إذا سقط قتيلا يتشخب دمه. والزاعبية: ضرب من الرماح. محرب: محدد.

(2)

يقال عنقاء مغرب على الوصف وبالإضافة يقصد حوم الطير على أشلائهم.

(3)

الشلو: الجسد. شال به: رفعه أى أنه صلب على جذع طويل. مشذب: مصلح مقوم.

(4)

انظر فى ترجمة عدى وأخباره وأشعاره أغانى (طبع دار الكتب) 1/ 299 وما بعدها و 9/ 307 وما بعدها و (طبع الساسى) 17/ 165 والطبرى 5/ 2 والشعر والشعراء 2/ 600 وابن سلام ص 324، 435، 551، 558 ومعجم الشعراء للمرزبانى ص 86 والاشتقاق ص 375 والموشح ص 190 والطرائف الأدبية (طبع لجنة التأليف) ص 81.

ص: 343

لهم، خاصّا منهم بالوليد بن عبد الملك. ونراه يشترك فى مخاصمات أشراف قبيلته لعهد يزيد بن معاوية. ولما أشرعت الأسنة بين القبائل اليمنية وقيس فى الشام ناصر قومه وبنى أمية. ونراه مع عبد الملك فى حربه لمصعب بن الزبير، وله يمدحه مفاخرا بنصرتهم له:

لعمرى لقد أصحرت خيلنا

بأكناف دجلة للمصعب (1)

يهزّون كلّ طويل القنا

ة ملتئم النّصل والثّعلب (2)

تقدّمنا واضح وجهه

كريم الضرائب والمنصب (3)

أعين بنا ونصرنا به

ومن ينصر الله لم يغلب

ولا نكاد نمضى فى عصر الوليد بن عبد الملك حتى نجده يقربه منه ويتخذه شاعره الرسمى، حتى ليعليه على جرير فى بعض مجالسه، ويثور جرير، ويهجوه، فيتدخل الوليد ويتهدده إن عاد إلى هجائه. ويظل فى رعايته يصفيه مدائحه، ويتغنى له فيها المغنون، ومما غنّى له ابن سريج فيه قوله:

صلّى الذى الصّلوات الطيّبات له

والمؤمنون إذا ما جمّعوا الجمعا

هو الذى جمع الرحمن أمّته

على يديه وكانوا قبله شيعا

إن الوليد أمير المؤمنين

ملك عليه أعان الله فارتفعا

وقوله:

صلّى الإله على امرئ ودّعته

وأتمّ نعمته عليه وزادها

أولا ترى أن البريّة كلّها

ألقت خزائمها إليه فقادها (4)

ولقد أراد الله إذ ولاّكها

من أمّة إصلاحها ورشادها

أعمرت أرض المسلمين فأقبلت

ونفيت عنها من يروم فسادها

(1) أصحرت: برزت

(2)

الثعلب: رأس الرمح

(3)

الضرائب: الطباع

(4)

الخزائم: جمع خزامة. وهى البرة يخزم بها البعير فى أنفه. كنى بذلك عن الانقياد والطاعة.

ص: 344

وأصبت فى أرض العدوّ مصيبة

عمّت أقاصى غورها ونجادها

ظفرا ونصرا ما تناول مثله

أحد من الخلفاء كان أرادها

وإذا نشرت له الثناء وجدته

جمع المكارم طرفها وتلادها (1)

وعلى هذا النحو كان يمدح الوليد مدحا مبالغا فيه مفرطا، محاولا بكل ما يستطيع أن يخلع عليه هالة من القداسة، فهو قد اصطفاه الله للأمة واختاره لسياستها وصلاح شئونها ورشاد أمورها والتئام شعثها، وقد انقادت إليه بأزمتها، والله يتم عليه نعمته، وهى تصلى له وتدعو بالتوفيق بل إن الله فى علاه ليصلى عليه كما يصلى على نبيه محمد المصطفى. ويصور حسن سياسته الداخلية، وكيف أعمر أرض المسلمين حتى ازدهرت وآتت أكلها، وإنه ليحوطها بجنده منزلا على أعدائها صواعقه، فتمحقهم محقا.

وفى أشعاره ما يدل على أنه كان يعنى بها عناية شديدة إذ ما يزال يصقلها ويشذبها حتى تلين له متونها، مرددا فيها نظره مجيلا عقله، يقول:

وقصيدة قد بتّ أجمع بينها

حتى أقوّم ميلها وسنادها (2)

نظر المثقّف فى كعوب قناته

حتى يقيم ثقافه منآدها (3)

واشتهر بين القدماء بأنه كان يحسن وصف الإبل وحمر الوحش والظباء، ومن بديع وصفه لظبية ترتعى ومعها شادنها أو ابنها قوله:

تزجى أغنّ كأن إبرة روقه

قلم أصاب من الدواة مدادها (4)

ويشبه امرأة بجؤذر، فيقول:

وكأنها وسط النساء أعارها

عينيه أحور من جآذر جاسم (5)

وسنان أقصده النّعاس فرنّقت

فى عينه سنة وليس بنائم (6)

(1) طرفها: حادثها. تلادها: قديمها.

(2)

السناد: من عيوب الروى.

(3)

المثقف: الذى يشحذ الرماح والسيوف ويقومها. منآدها: معوجها.

(4)

تزجى: تسوق. الأغن: الشادن فى صوته غنة. الروق: القرن. إبرته: طرفه المحدد.

(5)

الجآذر: جمع جؤذر وهو ولد البقرة. وجاسم: من قرى دمشق.

(6)

أقصده: صرعه. رنقت: خالطت.

ص: 345

ونراه يصف سنابك حمارى الوحش حين يعدوان فى الصحراء ويثيران من حولهما الغبار وصفا طريفا إذ يقول:

يتعاوران من الغبار ملاءة

غبراء محكمة هما نسجاها

تطوى إذا علوا مكانا ناشزا

وإذ السنابك أسهلت نشراها

وله فى النسيب أبيات تدل على دقة حسّه من مثل قوله:

ولقد تبيت يد الفتاة وسادة

لى جاعلا يسرى يدىّ وسادها

ولعل فى كل ما قدمنا ما يدل على أنه كان شاعرا بارعا، وأنه كان يطلب فى شعره أن يأتى بالصور الطريفة والأخيلة المبتكرة والأحاسيس الدقيقة.

ص: 346