الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)} {(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما).} ويوجب القرآن للزوجة كثيرا من الحقوق حين تفصم العلاقة بينها وبين زوجها، من ذلك أن يسرّحها بإحسان وأن لا يمسك عنها شيئا من صداقها، يقول جلّ وعز:{(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اِسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً).}
وبكلّ ذلك كفل الإسلام للمرأة حقوقها، وأوجب على الرجل أن يرعاها وأن يقوم بها خير قيام. ومن غير شك ليست هناك علاقة بين الإسلام ونظام الحريم الذى شاع فى العصر العباسى، فإن الإسلام يجلّ المرأة ويرفع قدرها، حتى لنراها فى الصدر الأول من العصر الإسلامى تشارك فى الأحداث السياسية على نحو ما هو معروف عن موقف السيدة عائشة أم المؤمنين فى حروب علىّ وطلحة والزبير، وكانت هى نفسها مصدرا كبيرا من مصادر الحديث النبوى وهدى الرسول الكريم.
4 - قيم إنسانية
رأينا الإسلام يرفع من شأن المسلم اجتماعيّا وعقليّا وروحيّا، وهو ارتفاع من شأنه أن يسمو بإنسانيته، إذ حرّره من الشرك وعبادة القوى الطبيعية، وأسقط عن كاهله نير الخرافات. وبدلا من أن يشعر أنه مسخّر لعوامل الطبيعة تتقاذفه كما تهوى نبّهه إلى أنها مسخرة له ولمنفعته، ودعاه لأن يستخدم فى معرفة قوانينها عقله ويعمل فكره. وبذلك فك القيود عن روح الإنسان وعقله جميعا، وهيأه لحياة روحية وعقلية سامية، كما هيأه لحياة اجتماعية عادلة، حياة تقوم على الخير والبرّ والتعاون، تعاون الرجل مع المرأة فى الأسرة الصالحة وتعاون الرجل مع أخيه فى المجتمع الرشيد.
ودائما يلفت الذكر الحكيم إلى سمو الإنسان، وأنه يفضل سائر المخلوقات فقد خلق فى {(أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، } وسوّى وعدّل وركّب فى أروع صورة، ووهب من الخواص الذهنية ما يحيل به كل عنصر فى الطبيعة إلى خدمته، يقول جلّ شأنه:{(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً).} ويذكر القرآن فى غير موضع أن الإنسان خليفة الله فى الأرض {(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)} {(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ)} فالإنسان خليفة الله فى أرضه ووكيله فيها، خلقه ليسودها، ويخضع كل ما فى الوجود لسيطرته.
وقد مضى الإسلام يعتدّ بحرية الإنسان وكرامته وحقوقه الإنسانية إلى أقصى الحدود، وقد جاء والاسترقاق راسخ متأصل فى جميع الأمم، فدعا إلى تحرير العبيد وتخليصهم من ذل الرق، ورغّب فى ذلك ترغيبا واسعا، فانبرى كثير من الصحابة، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق، يفكّون رقاب الرقيق بشرائهم ثم عتقهم وتحريرهم. وقد جعل الإسلام هذا التحرير تكفيرا للذنوب مهما كبرت، وأعطى للعبد الحقّ الكامل فى أن يكاتب مولاه، أو بعبارة أخرى أن يستردّ حريته نظير قدر من المال يكسبه بعرق جبينه {(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ. .} {وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ).} وقد حرّم الإسلام بيع الأمة إذا استولدها مولاها، حتى إذا مات ردّت إليها حريتها. وكانوا فى الجاهلية يسترقون أبناءهم من الإماء، فأزال ذلك الإسلام، وجعلهم أحرارا كآبائهم.
ووسّع الإسلام حقوق الإنسان واحترمها فى الدين نفسه إذ نصّت آية كريمة على أن {(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)} فالناس لا يكرهون على الدخول فى الإسلام، بل يتركون أحرارا وما اختاروا لأنفسهم. وبذلك يضرب الإسلام أروع مثل للتسامح الدينى، يقول تبارك وتعالى:{(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).} وحقّا اضطرّ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى امتشاق الحسام، ولكن للدفاع عن دين الله لا للعدوان، يقول جلّ وعز:{(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ}
الْمُعْتَدِينَ). وقد دعا الذكر الحكيم طويلا إلى السلم والسلام فى مثل قوله تعالى:
{(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)} {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)} لذلك لا نعجب إذا كانت تحية الإسلام هى «السلام عليكم» .
فالإسلام دين سلام للبشرية يريد أن ترفرف عليها ألوية الأمن والطمأنينة، ومن تتمة ذلك ما وضعه من قوانين فى معاملة الأمم المغلوبة سلما وحربا، فقد أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين فى حروبهم أن لا يقتلوا شيخا ولا طفلا ولا امرأة، وعهده (1) لنصارى نجران من أروع الأمثلة على حسن المعاملة لأهل الذمة، فقد أمر أن لا تمسّ كنائسهم ومعابدهم وأن تترك لهم الحرية فى ممارسة عباداتهم. ومضى الخلفاء الراشدون من بعده يقتدون به فى معاملة أهل الذمة معاملة تقوم على البر بهم والعطف عليهم. ومن خير ما يصور هذه الروح عهد عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس فقد جاء فيه أنه «أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم. . . لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيّزها ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضارّ أحد منهم» (2). وكان هذا العهد إماما لكل العهود التى عقدت مع نصارى الشام وغيرهم.
والحق أن تعاليم الإسلام السمحة لا السيف هى التى فتحت الشام ومصر إنى الأندلس، والعراق إلى خراسان والهند، فقد كفل للناس حريتهم لا لأتباعه وحدهم، بل لكل من عاشوا فى ظلاله مسلمين وغير مسلمين وكأنه أراد وحدة النوع الإنسانى، وحدة يعمها العدل والرخاء والسلام.
(1) انظر السيرة النبوية (طبعة الحلبى) 4/ 239 وما بعدها و 4/ 241 وما بعدها، وقارن بفتوح البلدان للبلاذرى (طبع المطبعة المصرية بالأزهر) ص 76.
(2)
تاريخ الطبرى (طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1939) 3/ 105.