الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوصيت من برّة قلبا حرّا
…
بالكلب خيرا والحماة شرّا
لا تسأمى ضربا لها وجرّا
…
حتى ترى حلو الحياة مرّا
وإن كستك ذهبا ودرّا
…
والحىّ عمّيهم بشرّ طرّا
وكان بمثل هذه الدعابة يخف على قلوب الولاة والخلفاء، فيفسحون له فى مجالسهم ويجزلون له العطاء.
العجّاج
(1)
هو عبد الله بن رؤبة التميمى، نشأ فى البادية ونزل البصرة، وكان دائب الرحلة إلى منازل قومه فى الصحراء، وقد سخّر أراجيزه منذ يزيد بن معاوية فى مديح الخلفاء، وخاصة سليمان. ونراه ينظم بلسان قومه فى خصومتهم للأزد عقب وفاة يزيد بن معاوية، ولما ولى مصعب العراق لأخيه عبد الله بن الزبير لزمه ومدحه وهجا المختار الثقفى، حتى إذا قتله عبد الملك بن مروان رأيناه يسارع إلى صفوف المروانيين، فيمدح بشر بن مروان والى العراق وأخاه عبد العزيز والى مصر، كما يمدح عمر بن عبيد الله بن معمر مشيدا بانتصاره على أبى فديك زعيم النّجدات من الخوارج، ويمدح أيضا الحجاج ويهجو خصومه من مثل ابن الأشعث. وكانت فيه عصبية لقومه جعلته يضطرب فيما يضطربون فيه من خصومات قبلية، ومرّ بنا وقوفه بالمربد يهجو ربيعة، وكيف اقتصّ منه أبو النجم. واشتهر بأنه لا يحسن الهجاء، وسئل فى ذلك فقال: هل فى الأرض صانع إلا وهو على الإفساد أقدر.
وأراجيزه مليئة بأوابد اللغة وشواردها التى ينثرها، بل يضمها بعضها إلى بعض، فى وصف الطبيعة الصحراوية بمناهلها وغدرانها ورمالها وكثبانها ونباتاتها وحيوانها الوحشى والأليف، وكل ما يجرى فى أرضها من رياح وسموم وطير وفى
(1) انظر فى العجاج الشعر والشعراء 2/ 572 والموشح للمرزبانى ص 215 وما بعدها وشرح شواهد المغنى 18 وتهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 7/ 394 وفهارس البيان والتبيين والخصائص لابن جنى والمزهر للسيوطى (طبعة الحلبى) وقد نشر ألوارد ديوانه فى مجموع أشعار العرب، الجزء الثانى.
سمائها من كواكب ونجوم. وهو يعدّ بحق أول من فسح طاقة الرجز وجعله يخوض فى كل ما تخوض فيه القصيدة العربية الطويلة. وهو أيضا أول من دفعه بقوة من الميادين الشعبية إلى ميدان الغرابة اللفظية، ولم يكتف بذلك، فقد أخذ يقيس فى اللغة ويكثر من القياس، ويتصرف حسب ذوقه وإرادته الفنية.
ولم يقف فى ذلك عند ألفاظ اللغة العربية وحدها، إذ كان يعمد إلى بعض الألفاظ الفارسية فيعرّبها، وقد يصرّف منها أفعالا، على نحو ما صنع فى أرجوزته الجيمية، إذ يلقانا فيها هذا الشطر:«كما رأيت فى الملاء البردجا» يريد الرقيق، وقال:«كالحبشى التفّ أو تسبّجا» يريد لبس قميصا، وهو بالفارسية شبى، فعرّبه بسبيجة، ثم صرّف منه فعلا فى بعض أبياته (1).
ونراه يلتزم فى أراجيزه الموقوفة أو المختومة بالسكون أن يكون موضع الروىّ فى الإعراب واحدا، بحيث لو أطلقت قوافيها تحركت جميعا بحركة واحدة، على نحو ما يلاحظ ذلك فى أرجوزته الطويلة «قد جبر الدين الإله فجبر» ، وهى فى نحو ما ئتى بيت، ولو أطلقت قوافيها كانت كلها منصوبة (2).
ومن طريف ما كان يأخذ به نفسه أحيانا أن نراه يعدل عن افتتاح بعض أراجيزه بذكر الأطلال ووصف الصحراء إلى الحمد والثناء على الله، وقد يسترسل فى ذلك استرسالا، فتصبح الأرجوزة موعظة تامة، على شاكلة أرجوزته:
الحمد لله الذى استقلّت
…
بإذنه السماء واطمأنّت
وقد تحدّث فيها عن خلق السموات والأرض، والبعث والنشور، وما أفاء الله عليه من نعمه، وقلقه على مصيره ورجائه فى ثوابه. وهو فى ذلك يتأثر مباشرة بمواعظ الوعاظ من حوله أمثال الحسن البصرى وغيره وقد توفى سنة 97 للهجرة.
وتنسب له أرجوزة فى مديح يزيد بن عبد الملك، وإن صحت يكون قد لحق أوائل القرن الثانى حين كان يزيد خليفة، وهو على كل حال مات عن سن
(1) الوساطة بين المتنبى وخصومه (طبعة الحلبى) ص 461 وما بعدها.
(2)
انظر الأغانى (طبع ساسى) 18/ 60 والخصائص 2/ 260.