المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - كثرة الرسائل المدونة - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٢

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌العصر الإسلامى

- ‌الكتاب الأولفى عصر صدر الإسلام

- ‌الفصل الأولالإسلام

- ‌1 - قيم روحية

- ‌2 - قيم عقلية

- ‌3 - قيم اجتماعية

- ‌4 - قيم إنسانية

- ‌الفصل الثانىالقرآن والحديث

- ‌1 - نزول القرآن وحفظه وقراءاته

- ‌2 - سور القرآن وتفسيره فى العهد الأول

- ‌3 - اثر القرآن فى اللغة والأدب

- ‌4 - الحديث النبوى

- ‌الفصل الثالثالشعر

- ‌1 - كثرة الشعر والشعراء المخضرمين

- ‌2 - الشعر فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - الشعر فى عصر الخلفاء الراشدين

- ‌4 - شعر الفتوح

- ‌الفصل الرابعالشعراء المخضرمونومدى تأثرهم بالإسلام

- ‌1 - كثرة المخضرمين المتأثرين بالإسلام

- ‌4 - لبيد

- ‌5 - الحطيئة

- ‌الفصل الخامسالنثر وتطوره

- ‌1 - تطور الخطابة

- ‌2 - خطابة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - خطابة الخلفاء الراشدين

- ‌4 - الكتابة

- ‌الكتاب الثانىفى عصر بنى أمية

- ‌الفصل الأولمراكز الشعر الأموى

- ‌1 - المدينة ومكة

- ‌2 - نجد وبوادى الحجاز ونزوح قيس إلى الشمال

- ‌3 - الكوفة والبصرة

- ‌4 - خراسان

- ‌5 - الشام

- ‌6 - مصر والمراكز الأخرى

- ‌الفصل الثانىمؤثرات عامة فى الشعر والشعراء

- ‌1 - الامتزاج بالأمم الأجنبية وتعرّبها وأثر ذلك فى اللغة

- ‌2 - الإسلام وأثره فى موضوعات الشعر

- ‌3 - السياسة

- ‌4 - الحضارة

- ‌5 - الثقافة

- ‌6 - الاقتصاد وموقف العرب من الموالى

- ‌الفصل الثالثشعراء المديح والهجاء

- ‌1 - شعراء المديح

- ‌ نصيب

- ‌القطامى

- ‌2 - شعراء الهجاء

- ‌ ابن مفرّغ

- ‌ الحكم بن عبدل

- ‌3 - شعراء النقائض

- ‌4 - الأخطل

- ‌5 - الفرزدق

- ‌6 - جرير

- ‌الفصل الرابعشعراء السياسة

- ‌1 - شعراء الزبيريين

- ‌ ابن قيس الرقيات

- ‌2 - شعراء الخوارج

- ‌ عمران بن حطّان

- ‌الطّرمّاح

- ‌3 - شعراء الشيعة

- ‌ كثيّر

- ‌الكميت

- ‌4 - شعراء ثورة ابن الأشعث

- ‌ أعشى همدان

- ‌5 - شعراء بنى أمية

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل الصريح

- ‌ عمر بن أبى ربيعة

- ‌الأحوص

- ‌العرجى

- ‌2 - شعراء الغزل العذرى

- ‌ قيس بن ذريح

- ‌3 - شعراء الزهد

- ‌أبو الأسود الدّؤلى

- ‌4 - شعراء اللهو والمجون

- ‌أبو الهندى

- ‌5 - شعراء الطبيعة

- ‌ذو الرّمّة

- ‌6 - الرّجّاز

- ‌العجّاج

- ‌رؤبة

- ‌الفصل السادسالخطابة والخطباء

- ‌1 - ازدهار الخطابة

- ‌2 - خطباء السياسة

- ‌ زياد بن أبيه

- ‌3 - خطباء المحافل

- ‌ الأحنف بن قيس

- ‌4 - خطباء الوعظ والقصص

- ‌ الحسن البصرى

- ‌الفصل السابعالكتابة والكتّاب

- ‌1 - التدوين

- ‌2 - كثرة الرسائل المدوّنة

- ‌3 - كتّاب الدواوين

- ‌خاتمة

- ‌1 - خلاصة

- ‌2 - تعليق

الفصل: ‌2 - كثرة الرسائل المدونة

الخلفاء والخطباء النابهين وعّاظا وغير وعّاظ، من مثل الحسن البصرى وواصل ومثل خالد بن صفوان (1) المتوفى سنة 135 وفيه يقول الجاحظ كما أسلفنا:«لكلامه كتاب يدور فى أيدى الوراقين» (2) ومرت بنا فى الفصل السالف موعظة لزياد بن أبيه كان يتداولها الناس وكتبها عبد الملك بن مروان بيده.

وأخذوا منذ أوائل هذا العصر ينقلون عن الموالى بعض معارفهم، وقد مرّ بنا فى حديثنا عن الثقافة كيف كان خالد بن يزيد بن معاوية مشغوفا بكتب النجوم والكيمياء والطب. ويقول صاحب الفهرست:«رأيت من كتبه كتاب الحرارات، وكتاب الصحيفة الكبير وكتاب الصحيفة الصغير وكتاب وصيته فى الصنعة» (3). ومرّ بنا أيضا أن عمر بن عبد العزيز أمر ماسرجويه بنقل كتاب القس أهرن فى الطب، ويروى الرواة أن ثياذوق طبيب الحجاج ابن يوسف نظم فى علم الصحة قصيدة ظل الناس يتناقلونها حتى عصر ابن سينا (4) وذكرنا أيضا أن سالما مولى هشام نقل بعض رسائل أرسططاليس من اليونانية، وقد اشتهر تلميذه عبد الحميد بنقل بعض رسائل الفرس السياسية (5). ويقال إنه نقل لهشام كتاب عن الفارسية فى تاريخ الساسانيين ونظمهم السياسية. (6)

ومعنى كل ما قدمنا أن التدوين أخذ يذيع وينتشر بين العرب لهذا العصر فى جميع فروع المعرفة دينية وغير دينية وعربية وغير عربية. ونقف الآن لنتحدث عما خلّف العصر من رسائل مختلفة.

‌2 - كثرة الرسائل المدوّنة

تزخر كتب التاريخ والأدب برسائل سياسية كثيرة أثرت عن هذا العصر،

(1) انظر فى خالد المعارف ص 206 والبيان والتبيين فى مواضع متفرقة (راجع الفهرس) وابن خلكان ومعجم الأدباء 12/ 24 والفهرست ص 151، 167، 181.

(2)

البيان والتبيين 1/ 340 وانظر الفهرست ص 151.

(3)

الفهرست ص 497.

(4)

انظر طبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة 1/ 121 وابن القفطى ص 105.

(5)

الصناعتين لأبى هلال العسكرى (طبعة الحلبى) ص 69.

(6)

انظر «صفحات عن إيران» لصادق نشأت ومصطفى حجازى (نشر مكتبة الأنجلو) ص 81

ص: 456

وحقّا هناك كتب تزيّدت فى هذه الرسائل ونقصد كتب الشيعة من مثل شرح ابن أبى الحديد على نهج البلاغة وكذلك كتاب الإمامة والسياسة المنسوب إلى ابن قتيبة.

ولكن إذا نحّينا هذين الكتابين وأضرابهما واعتمدنا على الكتب الوثيقة من مثل الطبرى والبيان والتبيين والكامل للمبرد استقبلتنا وخاصة فى الطبرى سيول من هذه الرسائل كتبتها على مرّ العصر وأحداثه فرق الخوارج والشيعة والزبيريين ومن ثاروا على الدولة الأموية أمثال ابن الأشعث، كما كتبها خلفاء بنى أمية وولاتهم وقوادهم.

ولن نستطيع أن نعرض كل ما روى للخوارج من رسائل، لكثرتها، ومن ثمّ سنكتفى بالحديث عن أهم رسائلهم، ومعروف ما شجر بينهم من خلاف أدّى كما مرّ بنا إلى تفرقهم أربع فرق، هى الأزارقة والنّجدية والصّفرية والإباضية، وقد مضى الأولون بقيادة نافع بن الأزرق يحرّمون القعود عن الخروج ويستحلّون دماء المسلمين وقتل أطفالهم، وخالفتهم فى ذلك الفرق الأخرى. ويسوق المبرد فى تصوير هذا الخلاف رسالتين (1) متبادلتين بين نجدة بن عامر الحنفى زعيم النّجدات ونافع بن الأزرق، فنجدة يراجعه فى مقالته، ونافع يحتج لها. والرسالتان وثيقتان طريفتان فى بيان مقالتى النجدات والأزارقة. ومرّ بنا كيف قاد الأزارقة مع قواد مصعب بن الزبير حربا عنيفة على الرغم من قتل قائدهم نافع فى وقعة دولاب، فقد ظلوا يحاربون قائده المهلب، حتى إذا دخلت العراق فى طاعة عبد الملك مضوا فى ثورتهم، وظلت الجيوش توجّه إليهم، يوجّهها ولاة العراق وخاصة الحجاج، وكان زعيمهم لعهده قطرى ابن الفجاءة، ونرى الحجاج يراسله مهددا متوعدا، ويرد عليه قطرى بنفس الصورة من التهديد والتوعّد، ونحن نسوق رسالتين (2) لهما تصوّران كيف كان يتراسل الولاة مع الثائرين من خوارج وغير خوارج، أما رسالة الحجاج فتجرى على هذا النمط.

«سلام عليك. أما بعد فإنك مرقت من الدين مروق السّهم من الرّميّة، وقد علمت حيث تجرثمت، (3) ذاك أنك عاص لله ولولاة أمره. غير أنك أعرابى

(1) المبرد ص 611 وما بعدها.

(2)

البيان والتبيين 2/ 310 وانظر المبرد ص 214.

(3)

تجرثمت الشئ: أخذت معظمه.

ص: 457

جلف (1) أمىّ تستطعم (2) الكسرة وتستشفى (3) بالتمرة، والأمور عليك حسرة، خرجت لتنال شبعة (4)، فلحق بك طغام (5) صلوا بما صليت به من العيش فهم يهزّون الرماح ويستنشئون (6) الرياح، على خوف وجهد من أمورهم، وما أصبحوا ينتظرون أعظم مما جهلوا معرفته، ثم أهلكهم الله بنزحتين (7).

والسلام».

وأجابه قطرى:

«سلام على الهداة من الولاة الذين يرعون حريم الله ويرهبون نقمه، فالحمد لله على ما أظهر من دينه، وأظلع به أهل السّفال (8) وهدى به من الضلال ونصر به عند استخفافك بحقّه. كتبت إلىّ تذكر أنى أعرابىّ جلف أمىّ أستطعم الكسرة، وأستشفى بالتمرة، ولعمرى يا ابن أمّ الحجاج (9) إنك لمتيّه فى جبلّتك (10)، مطلخمّ (11) فى طريقتك، واه فى وثيقتك (12)، لا تعرف الله ولا تجزع من خطيئتك، يئست واستيأست من ربك، فالشيطان قرينك، لا تجاذبه وثاقك، ولا تنازعه خناقك. فالحمد لله الذى لو شاء أبرز لى صفحتك، وأوضح لى صلعتك (13)، فو الذى نفس قطرىّ بيده لعرفت أن مقارعة الأبطال ليس كتصدير (14) المقال، مع أنى أرجو أن يدحض الله حجّتك، وأن يمنحنى مهجتك» .

وواضح أن كلا منهما يرمى صاحبه بالضلالة والغواية، وقد عنيا جميعا بالتأنق فى أسلوبهما. ومن ثمّ زيّنا كلامهما بالسجع. وإذا تركنا الأزارقة إلى الصّفرية وجدنا شبيبا يراسل صالح بن مسرّح حاضّا على الخروج (15).

ولم تحتفظ المصادر برسائل للنجدات والإباضية.

(1) جلف: جاف.

(2)

تستطعم الناس: تسألهم أن يطعموك.

(3)

تستشفى: تطلب الشفاء.

(4)

الشبعة: ما يشبع من الطعام.

(5)

طغام الناس: أرذالهم.

(6)

يستنشئون الرياح: يتنسمونها، كناية عن جوعهم.

(7)

يشير الحجاج إلى هزيمتين هزمهما الأزارقة أمام المهلب بن أبى صفرة.

(8)

أظلع: من الظلع وهو العرج. السفال: سفول الخلق.

(9)

يقولون ذلك إذا أرادوا الطعن فى النسب.

(10)

متيه: مضلل. الجبلة: السجية.

(11)

مطلخم: متعجرف.

(12)

الوثيقة: الثقة.

(13)

كناية عن ذلته وانكشاف أمره.

(14)

تصدير المقال: تسطيره وتحبيره.

(15)

طبرى 5/ 52.

ص: 458

ورسائل الشيعة فى هذا العصر كثيرة، وأول حادث تكثر رسائلهم فيه استدعاء أهل الكوفة للحسين وما كان بينه وبينهم من مراسلات (1) تحضّ على الثورة على بنى أمية لظلمهم الرعية واغتصابهم الخلافة من أصحابها الشرعيين.

ونمضى بعد مقتله فتلقانا حركة التوّابين، ويصوّر زعيمهم سليمان بن صرد فى مكاتبته لبعض أصحابه ندمهم على خذلان الحسين، وأنه ليس لهم من مخرج ولا توبة إلا بالثأر من قاتليه (2). وسرعان ما تنشب حركة المختار الثقفى لعهد ابن الزبير، ويستولى على الكوفة، ويكثر من المكاتبة إلى شيعته وإلى ابن الحنفية، ويكتب إلى بعض زعماء البصرة مهددا متوعدا إن لم يتبعوه على شاكلة هذه الرسالة التى أرسل بها إلى الأحنف زعيم تميم، وفيها يقول (3):

«بسم الله الرحمن الرحيم، من المختار بن أبى عبيد إلى الأحنف بن قيس ومن قبله، فسلم أنتم، أما بعد فويل امّ ربيعة من مضر (4)، فإن الأحنف مورد قومه سقر (5)، حيث لا يستطيع لهم الصّدر (6)، وإنى لا أملك ما خطّ فى القدر، وقد بلغنى أنكم تسمّوننى كذابا، وإن كذّبت فقد كذّبت رسل من قبلى، ولست بخير من كثير منهم» .

وفى الرسالة خصائصه التى مرت بنا فى خطابته، إذ كان يعنى باختيار ألفاظه والسجع فى كلامه، وفيها إيهاماته وادعاءاته إذ يشير من طرف خفىّ إلى أنه يوحى إليه. ومن ثم كان يستخدم السجع كثيرا فى خطابته وأحاديثه كما استخدمه فى الرسالة الآنفة (7).

وأثرت عن ابن الزبير وولاته فى العراق رسائل كثيرة احتفظ بها الطبرى، كما احتفظ برسالة كتب بها إليه المختار (8) الثقفى. ونرى ولاته يكاتبون من يوجّهونهم إلى الخوارج (9). ونلتقى فى عصر الحجاج بثورة ابن الأشعث ومعروف أنه اتخذ كاتبا له أيوب بن القرّيّة المشهور بسجعه.

(1) طبرى 4/ 257 وما بعدها.

(2)

طبرى 4/ 429.

(3)

طبرى 4/ 539.

(4)

يقولون ويل ام فلان إذا أرادوا التعجب منه. وكأن المختار يعلى من شأن قبائل ربيعة التى آزرته، ويقول إنها ستنكل بتميم وغيرها من قبائل مضر.

(5)

سقر: جهنم.

(6)

الصدر: الرجوع.

(7)

المبرد ص 596 وما بعدها.

(8)

طبرى 4/ 541.

(9)

طبرى 4/ 481 وما بعدها.

ص: 459

وإذا كانت الكتابات السياسية قد كثرت فى البيئات المعارضة للدولة فإن الدولة نفسها كانت تستخدمها استخداما أكثر وأغزر، إذ كان الخلفاء يكتبون بالعهود إلى من يتولون الخلافة بعدهم (1)، سنّة وضعها أبو بكر وعمر وسار عليها خلفاء بنى أمية. وكذلك كانوا يكتبون بالعهود إلى من يولّونهم على الولايات (2). وكانت الكتب لا تزال ذاهبة آيبة بينهم وبين ولاتهم فى كل كبيرة وصغيرة. وكان قوّادهم كلما فتحوا بلدا واستجاب إليهم أهلها عقدوا معهم المعاهدات.

ولا نستطيع أن نعرض بالتفصيل لكل ما دار بينهم وبين ولاتهم وقوادهم من مراسلات يطفح بها الطبرى وغيره، ويكفى أن نقول إنه ليس هناك حادث مهم ولا ثورة إلا والرسائل تتساقط كالغيث، فزياد بن أبيه يكتب مرارا لمعاوية فى شأن حجر بن عدىّ وأصحابه من الشيعة (3)، ويرد عليه. ويكتب يزيد إلى ولاته فى الحجاز بشأن عبد الله بن الزبير والحسين بن على (4)، وتكثر الرسائل بينه وبين عبيد الله بن زياد فى وفود الحسين على العراق وما كان من مصرعه. (5)

ولم تكثر الرسائل السياسية بين الخلفاء وولاتهم كما كثرت فى عهد عبد الملك وخاصة بينه وبين الحجاج لكثرة الفتن والثورات التى نشبت فى العراق وخراسان.

وكان الحجاج نفسه يكثر من الكتابة إلى قواده، ويكثرون من الرد عليه، وكان يكتب أحيانا إلى الثوار أنفسهم على شاكلة رسالته الآنفة التى أرسل بها إلى قطرى. ولا بد أن نقف قليلا عنده إذ كان يعنى بتحبير رسائله على نحو ما كان يعنى بتحبير خطبه. ونراه يكثر من مراسلة المهلب وحثّه على الفتك بالخوارج الأزارقة حتى لا تقوم لهم قائمة (6)، كما يكثر من مراسلة قواده فى حروب الخوارج الشبيبية (7) وفى فتنة ابن الأشعث (8) وحروب خراسان (9). ورسائله مثل سياسته التى اشتهر بها تقطر شدة وحدّة، حتى فى مخاطبته لبعض الأمراء، فقد كتب إلى سليمان بن عبد الملك-وهو لا يزال وليا للعهد-من رسالة له: «إنما

(1) طبرى 5/ 307.

(2)

الوزراء والكتاب ص 31، 66.

(3)

طبرى 4/ 202 وما بعدها.

(4)

طبرى 4/ 250 وما بعدها.

(5)

طبرى 4/ 265 وما بعدها والوزراء والكتاب للجهشيارى ص 1؟ ؟ ؟ .

(6)

طبرى 5/ 120 والمبرد ص 667 وما بعدها.

(7)

طبرى 5/ 79 وما بعدها.

(8)

طبرى 5/ 149 وما بعدها.

(9)

طبرى 5/ 140، 146.

ص: 460

أنت نقطة من مداد، فإن رأيت فىّ ما رأى أبوك وأخوك كنت لك كما كنت لهما، وإلا فأنا الحجاج وأنت النقطة فإن شئت محوتك وإن شئت أثبتّك (1)» وكان الخلاف دبّ بينهما، ومن ثمّ حاول كما قدمنا أن يصرف ولاية العهد عنه، ولكن الموت عاجله وعاجل الوليد بن عبد الملك قبل تنفيذ هذه المحاولة.

ومعروف أنه كان صنيعة عبد الملك، فهو الذى أظهره، وما زال يرفع من أمره حتى ولاّه العراق وخراسان، وكان إذا كتب إليه تأنّق ما استطاع فى تعبيره، ومن خير ما يصوّر ذلك رسالة احتفظ بها الجاحظ، يصف فيها لعبد الملك خصبا بعد جدب ومطرا بعد قحط، وهى تجرى على هذا النمط (2):

«أما بعد فإنا نخبر أمير المؤمنين أنه لم يصب أرضنا وابل منذ كتبت أخبره عن سقيا الله إيانا إلا ما بلّ وجه الأرض من الطّشّ والرّشّ والرّذاذ (3)، حتى دقعت (4) الأرض واقشعرّت (5) واغبرّت (6) وثارت فى نواحيها أعاصير تذرو (7) دقاق الأرض من ترابها، وأمسك الفلاّحون بأيديهم من شدة الأرض واعتزازها (8) وامتناعها، وأرضنا أرض سريع تغيّرها، وشيك تنكّرها، سيئ ظنّ أهلها عند قحوط المطر، حتى أرسل الله بالقبول (9) يوم الجمعة، فأثارت زبرجا متقطعا متمصّرا (10)، ثم أعقبته الشّمال (11) يوم السبت، فطحطحت (12) عنه جهامه (13) وألّفت متقطّعه، وجمعت متمصّره، حتى انتضد فاستوى، وطما وطحا (14)، وكان (15) جونا (16) مرثعنّا (17)، قريبا رواعده، ثم عادت عوائده بوابل منهمل

(1) البيان والتبيين 1/ 397.

(2)

البيان والتبيين 4/ 99.

(3)

الطش والرش والرذاذ: المطر القليل.

(4)

دقعت: خلت من النبات.

(5)

اقشعرت: تقبضت من الجدب.

(6)

اغبرت: تربت من الغبار.

(7)

تذرو: تسفى وتحمل.

(8)

الاعتزاز: من العزاز، وهى الأرض الصلبة.

(9)

القبول: الريح الشرقية.

(10)

الزبرج: السحاب الرقيق، والمتمصر: المتقطع.

(11)

الشمال: الريح الشمالية.

(12)

طحطحت: بددت وفرقت.

(13)

الجهام: السحاب لا ماء فيه.

(14)

طما: امتلأ وزخر، وطحا: انبسط وملأ الأفق.

(15)

كان هنا بمعنى صار.

(16)

الجون: الضارب إلى السواد

(17)

مرثعنا: سائلا.

ص: 461

منسجل (1)، يردف (2) بعضه بعضا، كلما أردف شؤبوب أردفته شآبيب (3) لشدة وقعه فى العراض (4). وكتبت إلى أمير المؤمنين، وهى ترمى بمثل قطع القطن، قد ملأ اليباب (5). وسدّ الشّعاب (6)، وسقى منها كلّ ساق. فالحمد لله الذى أنزل غيثه ونشر رحمته من بعد ما قنطوا (7)، وهو الولىّ الحميد، والسلام».

ويتضح فى الرسالة ما اشتهر به الحجاج فى خطبه من تزيينها بالصور الدقيقة والألفاظ الغريبة. وكان غيره من الولاة والقواد لا يزالون يحتالون لكلامهم، وينمقونه صورا مختلفة من التنميق، وسنرى عما قليل طبقة من الكتاب المحترفين تتوفر على إدراك هذه الغاية بكل وسيلة، وهم كتّاب الدواوين.

وأخذت تشيع، وخاصة منذ أواخر القرن، كتابات وعظية كثيرة، وقد اشتهر عمر بن عبد العزيز بأنه كان يكتب إلى الوعّاظ أن يرسلوا إليه بعظاتهم، ويروى أنه لما ولى الخلافة أرسل إلى الحسن البصرى أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فدبّج له رسالة طويلة استهلها بقوله (8).

«اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائلة وقصد (9) كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة (10) كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعى الشفيق على إبله، الرفيق بها، الذى يرتاد لها أطيب المراعى، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السّباع، ويكفيها من أذى الحرّ والقرّ. (11) والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحانى على ولده، يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا، يكتسب لهم فى حياته، ويدّخر لهم بعد مماته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرّة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر بسهره،

(1) منسجل: منصب.

(2)

يردف: يتبع.

(3)

الشآبيب: جمع شؤبوب وهو الدفعة من المطر.

(4)

العراض: جمع عرض وهو الناحية.

(5)

اليباب: الموضع الخالى لا نبات فيه.

(6)

الشعاب: المسالك والسبل.

(7)

قنطوا: يئسوا.

(8)

العقد الفريد 1/ 34.

(9)

قصد: هداية.

(10)

نصفة: من الإنصاف.

(11)

القر: البرد، مثلث القاف.

ص: 462

وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتمّ بشكايته».

ومضى يذكر له حقوق الرعية عليه وحقوق الدين وما ينتظره من الموت والبعث والوقوف بين يدى الله وما ينبغى أن يتزوّد لذلك من التقوى والحكم الصالح.

والحسن فى هذه الرسالة يستخدم نفس أسلوب خطابته الذى مرّ بنا وصفه، والذى يقوم على الازدواج وتزيين المعانى بالصور حتى تتمكن فى النفر، وكان يزيدها تمكينا بمقابلاته وطباقاته الكثيرة. وكان يجاريه-كما قدمنا-فى هذا الأسلوب كثير من الوعاظ، وعلى رأسهم غيلان الدمشقى، ويروى أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يعظه فى رسالة طويلة، منها قوله (1):

«اعلم يا عمر أنك أدركت من الإسلام خلقا باليا، ورسما عافيا، فيا ميّت بين الأموات لا ترى أثرا فتتّبع ولا تسمع صوتا فتنتفع، طفئ أمر السنة، وظهرت البدعة، أخيف العالم فلا يتكلم، ولا يعطى الجاهل فيسأل» .

وقد أشاد الجاحظ ببلاغته (2)، مشيرا إلى أن أدباء العصر العباسى كانوا يتحفظون كلامه وكلام الحسن البصرى، حتى يبلغوا ما يريدون من المهارة البيانية (3). وما نشك كما أسلفنا-فى أن بلغاء الكتّاب فى عصرهما كانوا يجارونهما فى أساليبهما هما وأضرابهما من الوعاظ، فنحن لا نقرأ فى سالم وعبد الحميد الكاتب حتى نجد عندهما نفس هذا الأسلوب الذى يتحلى بالطباق والتصوير والذى يقوم على التوازن فى الكلام توازنا ينتهى به إلى الازدواج، حتى يؤثّرا فى أنفس من يقرءونهما ويستوليا على ألبابهم.

وبجانب الكتابات الوعظية والسياسية شاعت فى هذا العصر الكتابات الشخصية، بحكم تباعد العرب فى مواطنهم، وبتأثير بعض الظروف من موت يقتضى التعزية أو ولاية تقتضى التهنئة، أو شفاعة عند وال لقريب أو صديق، أو عتاب أو اعتذار. وطبيعى أن لا يعنى أصحاب هذه الكتابات بتسجيلها، لأنها لم تكن تتصل بحياة الأمة، ومن ثم سقط جمهورها من يد الزمن إلا بقية قليلة، فمن ذلك رسالة عقال بن شبّة إلى خالد القسرى فى شفاعة تجرى على هذه الصورة (4):

(1) المنية والأمل لابن المرتضى ص 16.

(2)

البيان والتبيين 3/ 29.

(3)

نفس المصدر 1/ 295.

(4)

جمهرة رسائل العرب لأحمد زكى صفوت 2/ 416.

ص: 463

«إن الله انتجبك (1) من جوهرة كرم، ومنبت شرف، وقسم لك خطرا (2) شهرته العرب، وتحدثت به الحاضرة والبادية، وأعان خطرك بقدرة مقسومة، ومنزلة ملحوظة، فجميع أكفائك من جماهير العرب يعرف فضلك، ويسرّه ما خار (3) الله لك، وليس كلهم أداله (4) الزمان ولا ساعده الحظ. وأحقّ من تعطّف على أهل البيوتات، وعاد لهم بما يبقى له ذكره، ويحسن به نشره، مثلك. وقد وجّهت إليك فلانا، وهو من دنية (5) قرابتى، وذوى الهيئة من أسرتى، عرف معروفك، وأحببت أن تلبسه نعمتك، وتصرفه إلىّ، وقد أودعتنى وإياه ما تجده باقيا على النّشر، جميلا فى الغبّ» (6).

وتدل هذه الرسالة دلالة واضحة على أن كتّاب الرسائل الشخصية أو على الأقل طائفة منهم كانت تعنى عناية شديدة باختيار ألفاظها وتنسيقها، متوسلة إلى ذلك بكل ما تستطيع من انتخاب الألفاظ الرشيقة وإحداث التوازن الموسيقى فى الكلام، مع دقة التعبير وتجليته عن المعنى، والفقه الحسن بمداخل التأثير فى نفس القارئ وما ينبغى أن يسلك إليه الكاتب من طرق كى يستولى على عقله، فيقضى له حاجته. وممن اشتهر فى هذا اللون من الرسائل الشخصية عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الذى قتل بخراسان بأخرة من هذا العصر، فقد كان لسنا بليغا، يعرف كيف يحوك الكلم ويصوغه صياغة باهرة على نحو ما نجد فى هذه الرسالة التى كتب بها إلى بعض إخوانه معاتبا، إذ يقول (7):

«أما بعد فقد عاقنى الشكّ فى أمرك عن عزيمة الرأى فيك، ابتدأتنى بلطف عن غير خبرة، ثم أعقبتنى جفاء عن غير ذنب، فأطمعنى أوّلك فى إخائك، وأيأسنى آخرك من وفائك، فلا أنا فى اليوم مجمع لك اطّراحا، ولا أنا فى غد وانتظاره منك على ثقة، فسبحان من لو شاء كشف بإيضاح الرأى فى أمرك عن عزيمة فيك، فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف، والسلام» .

(1) انتجبك: اختارك.

(2)

خطرا: قدرا.

(3)

خار الله لك: جعل لك فيه الخير.

(4)

أداله: نصره وأعانه.

(5)

دنية: لاصق.

(6)

الغب: العاقبة.

(7)

البيان والتبيين 2/ 84

ص: 464