الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألا أبلغ معاوية بن حرب
…
مغلغلة عن الرجل اليمانى
أتغضب أن يقال أبوك عفّ
…
وترضى أن يقال أبوك زانى
وأشهد أن إلكّ من زياد
…
كإلّ الفيل من ولد الأتان (1)
وكان أهل البصرة يتغنّون بهجائه لتلك الأسرة، مما أثار عليه حفيظة عبيد الله، فطلبه وألحّ فى طلبه. وحدث أن قدم البصرة وعبيد الله غائب عنها فى وفادة على معاوية أو على ابنه يزيد، فاستجار بالمنذر بن الجارود، وكان عبيد الله مصهرا إليه، فأجاره. وعاد عبيد الله فلم يرع جوار المنذر، وأخذ ابن مفرّغ وسجنه. ورأى أن ينكّل به، فأمر-كما مر بنا فى غير هذا الموضع- أن يسقى نبيذا ويحمل على بعير مقرونا إلى هرّة وخنزير ويطاف به فى أزقة البصرة بتلك الصورة المزرية، واجتمع الصبية حوله فى طوافه يخاطبونه بالفارسية ما هذا، وهو يرد عليهم بلغتهم هاجيا عبيد الله وجدته سميّة هجاء مقذعا.
وردّ إلى السجن، ويقال بل أرسله عبيد الله إلى أخيه عباد لينزل به عقابا أليما، فألقى به فى غيابات السجون. وشفعت فيه اليمنية عند يزيد بن معاوية، وألحت فى شفاعتها، حتى أمر بإطلاقه، وقد مضى يهجو عبّادا وأخاه عبيد الله، وخاصة حين خلا له الجوّ بفرار عبيد الله إلى الشام عقب وفاة يزيد بن معاوية، فقد ظلّ يسقط عليه بهجاء مرير.، وقد توّفى سنة تسع وستين.
الحكم (2) بن عبدل
من بنى أسد، نشأ بالكوفة، يمدح ويهجو، وكان هواه مع بنى أمية، فلما دخل العراق فى طاعة ابن الزبير أمر بنفيه إلى الشام، فقدمها على عبد الملك وحظى عنده، وله فى تحريضه على قتال مصعب بن الزبير وهجائه هو وأسرته أشعار كثيرة من مثل قوله:
يا ليت شعرى وليت ربما نفعت
…
هل أبصرنّ بنى العوّام قد شملوا
بالذلّ والأسر والتشريد إنهم
…
على البريّة حتف حيثما نزلوا
(1) الإل: القرابة
(2)
انظر فى ترجمة
الحكم بن عبدل
أغانى (دار الكتب) 2/ 404 وما بعدها ومعجم الأدباء 10/ 228 وما بعدها وفهرس البيان والتبيين والحيوان.
ولما دخلت العراق فى طاعة عبد الملك رجع إلى وطنه وأخذ يمدح بشر بن مروان وابنه عبد الملك وكثيرا من أجواد بلدته، وكانت فيه فكاهة جعلته يتصعلك فى بعض مدائحه، إذ نراه يصف لممدوحيه بؤسه وما يملأ بيته من عناكب وحشرات وجرذان (1). وبذلك كان مقدمة للأدباء الصعاليك الذين ظهروا فى العصر العباسى، وكانوا سببا فى نشوء فن المقامات عند بديع الزمان ثم الحريرى.
وكان هجّاء خبيث اللسان، وممن هجاهم طويلا محمد بن حسان بن سعد، وكان يتولّى خراج الكوفة، فكلمه فى شخص ليضع عنه ثلاثين درهما من خراجه فرده ردّا قبيحا جعله يسلّ لسانه عليه بقصيدة طويلة يقول فيها:
رأيت محمدا شرها ظلوما
…
وكنت أراه ذا ورع وقصد
يقول: أماتنى ربّى خداعا
…
أمات الله حسّان بن سعد
وذاعت القصيدة على ألسنة الكوفيين، حتى كان المكارى يسوق بغله أو حماره فيقول: عدّ، أمات الله حسان بن سعد. وحدث أن خطب ابن حسان فتاة من ولد قيس بن عاصم وسمع بذلك ابن عبدل، فأخذ يعمل على إفساد هذه الخطبة بأشعار كثيرة من مثل قوله:
وما كان حسان بن سعد ولا ابنه
…
أبو المسك من أكفاء قيس بن عاصم (2)
خذى دية منه تكن لك عدّة
…
وجيئى إلى باب الأمير فخاصمى
وكان ذلك سببا فى نقض هذا الصّهر، إذ أنفت للفتاة عشيرتها وردت ابن حسان ردّا قبيحا. وممن هجاهم ابن عبدل عمر بن يزيد الأسدى صاحب شرطة الحجاج، وله يصف شحّه وتقتيره:
جئنا وبين يديه التّمر فى طبق
…
فما دعانا أبو حفص ولا كادا
وولى إمارة الكوفة لمسلمة بن عبد الملك فى ولايته على العراق عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وكان أعرج، وتصادف أن كان صاحب شرطته مثله أعرج، فدخل عليه الحكم، وكان هو الآخر أعرج، فأنشده فى أبيات:
(1) انظر الحيوان 5/ 297 وفى مواضع متفرقة.
(2)
يكنى ابن عبدل بأبى المسك عن فتن؟ ؟ ؟ ابن حسان.
ألق العصا ودع التخامع والتمس
…
عملا فهذى دولة العرجان (1)
فأعطاه عبد الحميد مائتى درهم وسأله أن يكف عنه، ويقول الجاحظ:
«لما شاع هجاء الحكم بن عبدل الأسدى لمحمد بن حسان بن سعد وغيره من الولاة والوجوه هابه أهل الكوفة، واتقى لسانه الكبير والصغير، وكان الحكم أعرج لا تفارقه عصاه، فترك الوقوف بأبوابهم، وصار يكتب على عصاه حاجته.
ويبعث بها مع رسوله، فلا يحبس له رسول وتأتيه الحاجة على أكثر مما قدّر وأوفر مما أمل، فقال يحيى بن نوفل (2):
عصا حكم فى الدار أول داخل
…
ونحن على الأبواب نقصى ونحجب (3)
وللحكم هجاء فكه فى زوجة همدانية كرهها ونفر منها، ونراه يصورها متغضنة الجلد قبيحة قبحا شديدا. والمظنون أنه توفّى فى مطالع القرن الثانى للهجرة.
تابت (4) قطنة
هو ثابت بن كعب من بنى العتيك الأزديين، وقيل بل هو مولى لهم، ولقّب قطنة لأن سهما أصابه فى إحدى عينيه فى بعض حروب الترك، فذهب بها، فكان يجعل عليها قطنة. وهو من فرسان المهلب المبرّزين وقد علا نجمه فى ولاية يزيد بن المهلب الأزدى على خراسان إذ كان يولّيه أعمالا فى الثغور، فيحسنها وتظهر كفايته وبسالته. وكان قوم من المرجئة هناك يجتمعون ويتجادلون فمال إلى قولهم واعتنقه أشد اعتناق، وقد مرت بنا أبياته فى الإرجاء فى تضاعيف حديثنا عن الثقافة.
(1) التخامع: العرج.
(2)
انظر فى ترجمة ابن نوفل الشعر والشعراء 2/ 717 وأغانى (دار الكتب) 4/ 27 والطبرى 5/ 457 وفهارس البيان والتبيين والحيوان والمبرد. وكان مولعا بهجاء خالد القسرى وعبد الملك بن عمير قاضى الكوفة.
(3)
البيان والتبيين 3/ 74.
(4)
راجع فى ترجمة ثابت الشعر والشعراء 2/ 612 وأغانى (دار الكتب) 14/ 263 والخزانة 4/ 184 والاشتقاق ص 483.
ويلتئم فى ثابت هجاء العصبيات وهجاء الأسباب الشخصية، إذ كان يتعصب لقومه من الأزد تعصبا شديدا. وكان أقل حادث يثيره. ونراه مع المهلب فى حروب الأزارقة، ويتعرض بعض بنى الكوّاء اليشكريين للمهلب والأزد بالهجاء، فينبرى هاجيا له ولعشيرته بمثل قوله:
كل القبائل من بكر نعدّهم
…
واليشكريّون منهم ألأم العرب
ويمضى مع المهلب إلى خراسان، فيظل بها بقية حياته غازيا مجاهدا فى سبيل الله. ولما وليها يزيد بن المهلب أخلص له ودّه، فكان يمدحه، وكلما شغبت عليه قبيلة صبّ عليها هجاءه. وكانت قبائل ربيعة لما حالفت الأزد فى البصرة كما قدمنا تعينها وتشدّ من أزرها لا فى البصرة فقط، بل أيضا فى فى خراسان حين وليها المهلب ثم ابنه يزيد، ولكن حدث أن استبطأت يزيد فى بعض الأمر، وهى تنزل مع الأزد حواليه، فشغبت عليه حتى أرضاها، وأغضب ذلك ثابت، فهجاها بأشعار كثيرة يقول فيها:
عصافير تنزو فى الفساد وفى الوغى
…
إذا راعها روع جماميح بروق (1)
وأنتم على الأدنى أسود خفيّة
…
وأنتم على الأعداء خزّان سملق (2)
وحين ولى قتيبة بن مسلم الباهلى خراسان بعد عزل الحجاج ليزيد بن المهلب أخذ يزورّ عنه امتعاضا لابن المهلب. ولم يلبث أن هجاه هو وقبيلته باهلة حين هزمت فى بعض حروب الترك وثبتت تميم، فقال:
توافت تميم فى الطّعان وعرّدت
…
بهيلة لما عاينت معشرا غلبا (3)
تسامون كعبا فى العلا وكلابها
…
وهيهات أن تلقوا كلابا ولا كعبا
وأهمّ شاعر اصطدم به حاجب بن ذبيان المازنى التميمى، وكان قد أعطاه يزيد بن المهلب جائزة كبيرة لبعض مديحه فيه، فغبطه عليها، وأساء له
(1) تنزو: تثب. الروع: الفزع. الجماميح: ما نبت على رءوس القصب مما إذا دق تطاير. بروق: نبت ضعيف.
(2)
خفية: أجمة فى سواد الكوفة. خزان: جمع خزز وهو ذكر الأرانب وهى معروفة بالجبن. والسملق: الأرض الجرداء لا شجر بها.
(3)
عردت: فرت. بهيلة: تصغير باهلة.