الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حائل والحديث عنها
تقدم الكلام عن مدينة حائل غير مرة ونحن الآن نتحدث عن وضعها الحالي فنقول عنها أنها حظيت في السنين الأخيرة بمشاريع عظيمة منذ 15 سنة، ووفقت ببلدية يرأسها إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد البليهي، فقد نهض بالبلد نهضة عظيمة ولما أن قدمها سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز وفقت بنهضة شاملة وقام الأمير الجديد يطالب لها بمشاريع وسفلتة وشق طرق واسعة وتشجير وشلالات وزينات على ما يقتضيه الوضع الحالي بحيث أطلق عليها اسم عروس الشمال.
وكان وكيل الإمارة فيها الأستاذ الأديب مقبل بن محمد بن صالح بن مقبل نقل إليها من وكالة إمارة منطقة القصيم الذي كان يروي لنا قصة حياته في أحد أعداد جريدة الجزيرة من السنة التي بعد هذه وكان مقبل يمتاز ضمن ثقافته وأدبه بأنه رجل ديني متمسك بالشريعة والطريقة المثلى، ولقد تطورت مدينة حائل وتوسعت بشكل سريع لا سيما عندما باشر صندوق التنمية العقاري بتقديم خدماته للمواطنين عن طريق إمدادهم بالقروض لبناء المساكن والمباني التجارية تحولت حائل إلى مدينة كبيرة تعج بالحركة والعمران وتكثر فيها الأسواق التجارية وترتفع البنايات والعمارات الشاهقة على الطراز الحديث.
ومن المشاريع فيها إنشاء ثلاث بحيرات صناعية كبيرة تتجمع فيها مياه السيول لري الحدائق العامة، ولتكون من المعالم الجمالية والسياحية في المدينة، ولقد زرتها أربع مرات تارة لرؤية آثارها وتارة للوعظ والإرشاد، فما رأيتها مرة إلا وقد تطورت عن رؤيتها الأولى.
ولآخر مرة تجولت في بعض قراها كبقعاء وجبه وقفار ولبدة وموقق وطابة والشملي وعقدة والنيصية ورأيت فيها مساجد قديمة.
وفي آخر عام (1408 هـ) قمت برحلة إلى بلد حائل فقد زرتها في آخر يوم من ذي القعدة تاسع وعشرين منه، وكنت قد طلبت من صاحب السمو الملكي الأمير
عبد الإله بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم توصية إلى أمير حائل مقرن بن عبد العزيز ولما لآل مقرن من المكارم التي فاقوا بها بني الزمان فإن الأمير الأخير لما قدمنا عليه قام الوكلاء وأنزلوني في فندق حائل حسب الرغبة ولما لديهم من التعليمات عن سمو سيدهم وكان بصحبتي بعض العائلة فقام الخدم والعمال الموكلون بالفندق يؤدون واجبهم في الخدمة وما يتطلبه الوضع بنشاط ومباشرة حية وكنت قد امتطيت السيارة التايوتا التي قدمتها الإمارة لخدمتنا يقودها الماهر في الأدب والدلالة عوض بن ماضي الشمري، وكان رجلًا طيبًا ذا أخلاق وهي موديل (1987 م).
فأول شيء ذهبنا إليه بلدة قفار وكان ذلك في صباح يوم الخميس غرة ذي الحجة من العام المذكور فطفقنا نسأل عن بيت الأمير فهد بن عبد العزيز الخوير البالغ من العمر 28 عاما فاستقبلنا بترحيب وأرسل إلى والده فهد بن عبد العزيز البالغ من العمر ثمانين عامًا فجاء مسارعًا وكان رجلًا متقشفًا وقد سئم من كثرة ما يعانيه من أتعاب الحياة لأنه لم يزل منذ كان يطيق العمل إلى أن بلغ الثمانين وهو في طلب المعيشة، لكنه كان نشيطًا وجعل يروي لنا بعضًا من معلوماته عن قفار وكان بالرغم من أنه لا يكتب ولا يقرأ فهو يجيد الأخبار بل هو راوية من رواياها ويلقي علينا الحديث عن مدينة قفار وكيف صارت أثرًا بعد عين وذكر أنها مدينة آهلة بالسكان وهي أقدم من مدينة حائل لأن مدينة حائل تدعى أولًا بوادي (الديعجان) وكانت آثار قفار من شجر الأثل الذي كانت جذوعه آية في ضخامتها وهناك آثار بنايات قوية من الطين لم يبق منها إلا أطلال ولكنها عظيمة جدًّا.
ونجد بقية البروج المقامة من الطين يقدر بعض عرض الجدر فيها بقدر مترين ولكنها لم تكن مقامة على أسس من الحجر وقد تركها الزمان خاوية على عروشها وبئرًا معطلة وقصرًا مشيدًا، وقد كانت الآبار قريبة من القصور منحوتة من نفس الطين، وهي متجرفة من طول عمر السنين وقد رحل أهلوها عنها إلى البلاد
الأخرى وهلكوا بأسباب وباء مر عليهم وبغور المياه هناك أو فقده وكان أهلوها الذين سكنوها سابقًا وأقاموا تلك البنايات العظيمة القوية لم يبق منها سوى أطلال عالية أخذت أخشابها من طابقين وبقيت جراثم قد نزحوا من حوطة بني تميم فهم من بني تميم، كما ذكروا.
وقد هجموا على أناس من الجيران وقتلوهم وأخذوا جماجم رؤوسهم فدفنوها في أم الجماجم المعروفة المتداول اسمها ولما أن سكنوا قفار كانت أمراء آل رشيد لا يسمحون بحفر الآبار خشية من قلة الماء على السكان فلم يرغبوا أن تتوسع الناحية فيها، وهذا لأمرين قلة الماء وخشية من سكانها أن يطغوا على أمراء حائل.
ولما أن جاء ابن بديهان الذي يعتبر من أكبر الأسر فيها إلى محمد بن عبد الله بن رشيد بصفته الحاكم العام يطلبه السماح له باحتفار بئر أعطاه ترخيصًا في ذلك ولكنه لما شرع في الحفر شعر به الأهالي وجاءوا إليه منكرين ومعترضين فأجاب يقول ليست بئر وإنما هي زبيه للضباع تقع فيها وكان ممن اعترض عليه علي الرشيد بن عيادة فذهب ابن بديهان إلى الحاكم ابن رشيد قد واحتزم بطمر من نصيف امرأة وقال للأمير محمد بن رشيد علي الرشيد بن عيادة قد اعترض على عطيتك لي فدعا به محمد بن رشيد إليه وقال: تعترض على عطيتنا لابن بديهان وأنا أخو نورة؟ ! فقال: نعم أعترض ووالله لأن أحتفر بئرًا لأنزعن رأسه أمامك وألقي به بين يديك وأنا أخو حسناء فقام ابن رشيد من عنده ودخل مجلسه، وقال للخوياء آيتوني به فلما دخل عليه قال تتكلم بهذا الكلام أمامي وأنا أخو نورة فقال نعم وسع عدلك الأمة كلها يا طويل العمر وهذه المرة تجور في تخصيصه يا محمد بن رشيد فأين العدل الذي عهدناه فيك فثنى الأمير عزمه ومنع ابن بديهان من تلك المنحة ترجيحًا للمصلحة وإقامة للعدل بين الأمة.
ولما أن جلسنا في بيت سالم ووالده ودعوا الأمير راشد بن عبد العزيز العبد العزيز الخوير الذي كان ساكنًا هناك، وكان كهلًا يقوم بالخدمة بنفسه ويحترمنا احترامًا عظيمًا.
أما عن سالم بن فهد بن عبد العزيز فقد استقبلنا وأبدى بشاشة وقدم لكرمه لنا قهوة عربية وشاي وجاء بصحن كبير من القثاء وأشياء من العنب أما عن الحارة التي يسكنها الأمير وأسرته فتسمى الحماد بتشديد الميم وكان من الأسر هناك أسرة زيد الخشم الخالدي وأسرة سلامة المتيحي وأسرة فرج الحميضي الذين منهم آل خوير وهناك أسر ضاعت أسماؤهم واستولت الدولة على أملاكهم التي لا يعرف لها مالك وكنت أظن أن أولئك الذين فقدوا ولم تعرف أسماؤهم هم الذين هلكوا بالوباء.
أما عن الذين نزحوا عنها إلى البلدان الأخرى فأملاكهم باقية وعلى بقية البيوت القديمة من الطين التي لم تخرب آثار الضعف وفيها مركز هيئة الأمر بالمعروف وهو ضعيف.
ويوجد فيها مدرستان ابتدائيتان ومتوسطة للبنين ومدرسة للبنات، وقد قل الماء فيها جدًّا فكانوا يستجلبونه من مسافة أربع كيلو وقد قاموا بتجربة حفر لاستجلاب الماء ولكنه حال بينهم وبينه الجبل الذي يسمى درع فهو الحائل العظيم الذين عجزت عنه المعدات الحديثة وهذا الدرع هو الذي حال بين أهالي الرس في القصيم وبين الماء ولا تزال الأمة تدبر حيلة تخرق الدرع الذي عجزت عنه المعدات.
وكانت قفار على بعد اثني عشر كيلومترًا من حائل وكان يقدر خراب تلك المدينة بعد عنفوان شبابها بمائتي سنة والإصلاحات الحديثة ضعيفة وكان الذين جلسنا إليهم وهم سالم ووالده لم يألوا جهدًا في طلب الإقامة لديهم ولو إلى الظهر من ذلك اليوم لكننا لضيق الوقت ودعناهم شاكرين وكانوا يتسابقون بعد خروجنا من المنزل بالطيب والحشمة والإكرام مشيعين لنا وركب الأمير سيارته أمامنا ليطلعنا على بقية الآثار فأوقفنا على قصر ابن عيادة وعلى جراثم الغفيلية وهي حصن عظيم محاط بحائط واسع وهي لآل عبيد بن رشيد حكام حائل وهناك لا ترى إلا جراثم الحيطان التي هي كخشوم الجبال.
أما عن موفق الذي هو من مدن حائل فيقع غربًا عن مدينة حائل فهو وإن كان قديمًا قرية فهو الآن يتمتع بحيوية ونشاط في النخيل والشوارع المزفلتة وفيه إدارة شرطة ومجمع قروي ومحكمة شرعية ومركز للحسبة ومدارس بنين وبنات ومركز إمارة ومركز بريد وهاتف، وفيها ثانوية للبنين وكان أمراءها البشير بتشديد الياء منذ زمن طويل وفي المدينة مساجد قديمة وحديثة.
ومن الآثار مسجد البشير وقبيلة البشير ينتسبون إلى الغفيلة وتنسب هذه إلى سنجارة وقد أضافهم زيد الخيل والبيت معروف بالسخاء وبالكرم والرجولة ولهم أيادي حسنة في إصلاح ذات البين وقطع النزاع وإكرام الضيف ووالد الأسرة حال التاريخ هو غالب بن سليم البشير ورأيت فيها أسواق للبيع والشراء ودكاكين وأشجار ولديهم الماء والكهرباء وتحتوي على جامعين لإقامة صلاة الجمعة.
وكان أبناء غالب بن سالم رجال فيهم بسالة وشجاعة ويتسابقون إلى الكرم بحيث أنه طال تعجبي من فضائلهم ومكارم أخلاقهم، أما عن توفر المياه فإنه كغيرها من مدن حائل في قلة توفر الماء.
ومن المرائي التي وقفنا عليها عقدة وقد تقدم البيان عنها وتقع غربًا عن مدينة حائل على بعد نحو سبعة كيلو مترات وكانت حائل تقع بين جبلي أجا وسلمى الذين لهما ذكر في قتال خالد بن الوليد لطليحة الأسدي لما أشار المسلمون على خالد بأن يلجأ إلى أجا وسلمى ويتحصن بهما وذلك لما لقوا أهوالًا في ملاقاة جيش طليحة، فقال رضي الله عنه وأرضاه إلى الله الملجأ ولما أوقع الله ما وقع ببني أسد وفزارة عمد خالد إلى جبلي أجا وطيء وسلمى فأتته القبائل تسير رغبة في الإسلام وخوفًا من السيف من هؤلاء القبائل عامر وغطفان يسألونه الأمان على مياههم وبلادهم.
وفيها بقية آثار من قصر آل رشيد الذي جبه الشارع وأبقت الحكومة منه بقية برجين ليعتبر به، ومن الآثار ما يعرف باسم القشلة وهي ثكنة واسعة يعود تاريخ بنائها إلى ثلاثة وخمسين عامًا.