الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت حيطان تلك البيوت والمساكن مقامة من اللبن والطين ونجد العمران القديم في المدينة المنورة وقد تفكك وكان مأوى للعقارب والحشرات بحيث سكنا بيتًا حوالي الحرم فكانت جماعة العقارب الضخمة موجودة بكثرة هناك ولما أن رششنا البيت ببعض المبيدات خرجت إلى السقوف بمرأى مخيف غير أن الله سبحانه وتعالى قد وقانا شرها وتلك المساكن القديمة منخفضة عن مستوى الشوارع بقدر يتراوح من متر إلى ثلثي متر وثلاثة أرباع المتر سوى ما كان من المساجد الأثرية القديمة والقلاع الموجودة بعد تركيا فإنها مقامة من الحجر ومادة تمسك الحجارة.
نهضة علمية في المملكة السعودية
لما كان في عام (1355 هـ) فكرت الحكومة في إقامة مدارس حكومية لتعليم النشء على الطريقة الحديثة، وكان التعليم فيما مضى إنما يكون ابتداءً في مدارس أهلية ثم ينتقل الطالب إلى الدراسة على العلماء في حلقات الذكر العامة في المساجد.
وكان للرياض أكبر حظ من هذا التعليم لأنها تزخر بكبار العلماء الذين بذلوا نفوسهم في سبيل التعليم كالشيخ عبد الله بن عبد اللطيف والشيخ محمد بن عبد اللطيف والشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف والشيخ سعد بن حمد بن عتيق والشيخ محمد بن إبراهيم بن محمود وعبد الله بن راشد بن جلعود والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ حمد بن فارس والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ سليمان بن سحمان والشيخ سليمان بن حمدان والشيخ ابن سالم وفي القصيم آل سليم والشيخ عبد العزيز العبادي والشيخ عبد الله بن فداء والشيخ صالح العثمان القاضي والشيخ عبد الرحمن بن سعدي والشيخ سليمان المشعلي وغيرهم مثل الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد والشيخ محمد بن صالح المطوع ومحمد بن مقبل والشيخ عبد الله بن محمد بن دخيل.
ولما أن فتحت المدارس الحكومية في السنة المذكورة ضعف التدريس في المساجد
وكانت المدارس في أوائل الأمر لم تجد تشجيعًا ولكنها استطاعت أخيرًا أن تشق الطريق أمام الطلاب ويكون لها سيرها العميم ولا سيما لما جلب إليها المدرسون الأكفاء الذين نالوا ثقة الأمة بالتعليم منهم وأقبلت الأمة على إدخال النشء فيها بجد ونشاط وجعلت مراحل الدراسة تسير فيها قدُما فست سنين للابتدائي ثم بعده المتوسطات والمعاهد ثم بعدها الثانويات ثم الجامعات.
ولما أن كان بعض الآباء لم يحصل على الدراسة سابقًا أسست الحكومة مدارس ليلية لمحو الأمية فقاموا يتسابقون إليها ولا سيما لما حصل الطلاب على الشهادات في الابتدائية والمتوسطة والكفاءة ونالوا مرتبات لدى الحكومة مما شجع الأمة على التسابق في طلب العلم وأقيم في كل مدينة وقرية وهجرة مدارس للبنين.
ولما أن كان البنون بهذه المثابة طلبت الأمة المفكرة مدارس للبنات ولبت الحكومة طلبهم ورأت تشجيع الفتاة السعودية على الدراسة وكان هناك معارحون لم يعرفوا المصلحة إلا بعد ذلك، فأسست مدارس البنات تحت إشراف رئيس القضاة فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم وذلك في عام (1379 هـ) وجعلن يتسابقن في آخر الأمر إلى التسجيل فيها وبما أن المرأة مطلوب منها ملازمة البيت وصيانتها والاحتفاظ بكرامتها فقد بذلت الحكومة جهودًا في حفظ المنشء وصيانتهن في خروجهن ورجوعهن بجملهن بسيارات الأوتوبيسات الخاصة لنقلهن وحصل المقصود بأن لا يجري اختلاط ولا رؤية لأحد إليهن كائنًا من كان.
بل كانت الفتاة في صيانة وحفظ داخل المدرسة وخارجها ولما رأى أولياء الأمور العناية والصيانة اطمأنوا كثيرًا إلى ما قامت به الحكومة أيدها الله تعالى وحصل إقبال على الدراسة وذلك لمعنيين:
أولًا: كون الشاب يميل إلى زوجة متعلمة فحصل بذلك ما كانوا يسعون لطلبه.
وثانيًا: كون المنتدبين للتدريس في السعودية من الرجال إذا جاء بعائلته يحصل البنون على التعليم وتقر أعينهم بما يجدونه من العناية، أما البنات فلا يجدن تدريسًا فاضطرت الحكومة لذلك بتأسيس مدارس للبنات لأن المصلحة تقتضي ذلك.
ومن جهة ثالثة: فقد كان لدى الفتاة السعودية مؤهلات تخولها لأن تكون مدرسة وطبيبة وعارفة بالخياطة وما تتطلبه الحياة فحصل ما كانت الأمة تحلم به وانتشرت الثقافة الإسلامية في النظافة ومعرفة الحقوق الزوجية وما يلزم الزوجة نحو زوجها وما ينشأ العلم في أمة إلا وسادت وأفلحت وما ظهر الجهل في أمة إلا وذهب مجدها وتفرق أمرها.
ولقد كانت المعلمات السعودية والفتيات المتعلمات يتمشين على الطريقة المثلى والحمد لله وينكرن السفور ويحاربن الخلاعة ومنهن الأديبات التي قد لا يوجد مثلهن، وذلك بالحفاظ على الدين والتمسك بالأخلاق الفاضلة وجزى الله القائمين في توطيد الشريعة الإسلامية خير الجزاء، ولا ريب أن التأدب بآداب الشريعة المحمدية هو أساس الخير وحسن التربية والتوجيهات لها أثر عظيم.
وها قد سدت الوظائف بالقضاة والمفتين والمصنَّفين والصحفيين والأدباء وعلماء الطب والهندسة والمدرسين مما كان له أعظم الأثر وآتت تلك الأشجار أُكلها وأخرج ذلك الزرع شطأه وتمتعت الأمة بحياة عجيبة غربية.
وفي هذه السنة نجد بعض الشباب قد حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب وتعلموا تجويد القراءة وأمسوا يؤمون المسلمين في صلاة التراويح في رمضان بحسن ترتيل وإذا نوقش الطالب في تفسير كلمات القرآن ومقاصده فإنه يأتي بالفائدة وبالعجب العجاب.
ونسأل الله تعالى أن يجعل هذه النهضة نهضة علمية غير علمانية وأن يثبت الإيمان في قلوبهم ويؤيدهم بروح منه إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
وأصبح بث الإذاعة بنور على الدرب له الأثر المطلوب لهداية الخلق في مشارق الأرض ومغاربها بحيث تهدى إليهم الأحكام الشرعية وتجلب في بيوتهم وهم جالسون وترشدهم إلى سواء السبيل، ولقد كان بالإمكان أن تقول أن نشر العلم وإرشاد الأمة قد وصل إلى درجة لم تحصل للأولين والآخرين إلى زمننا هذا ولله تمام المنة والفضل.
ولكننا نشير إلى مشكلة قد يقع فيها كثير من الشباب وهي الغلو والجفاء أو الإفراط أو التفريط وقد نبه على هذه المشكلة شمس الدين ابن القيم رحمه الله وأن هذه المشكلة لا ينجي منها إلا العلم الراسخ الذي يوضح كيد الشيطان وما ينبغي للمؤمن أن يتسلح به من غارات الشيطان ومكائده، وكنت أظن أن اللبيب تكفيه الإشارة فيما لوحنا إليه وحذرنا منه.
نِعَم الله على عباده كثيرة
لقد مرّ على المسلمين أوقات طويلة كانوا لا تراق دماء الذبائح في بيوتهم إلا في عيد الأضحى وأيام التشريق، فكانت الأمهات تعد أطفالها بالتوسع في أكل اللحوم بعيد الأضحى وقد لا يذبح في المدينة الكبرى للبيع والشراء من الجزارين سوى سبعة رؤوس من الضأن يوميًا وجملًا واحدًا.
ومن القرى من تَمر الأيام ولا يوجد في أسواقها لحم وإذا اشترى ربّ العائلة إدامًا من اللحم فإنه يحرص على أن لا يطلع عليه الناس خشية من عين الحسود فقد يأخذ القِدر القليل من اللحم ثم يدخل يده في كمه فيجعله من بين الثوب والجسم، كل ذلك إخفاء عن الآخرين.
وأذكر أني لما رجعت من الحج عام (1361 هـ) وكنت في صحبة العميان مطاوعة البيت المالك الذين حملوا أثاثي بسياراتهم وطلبوا مني الصحبة كان يقدم لنا الطباخون طعام الغداء والعشاء من الأرز الذي إدامه من الدّهن وحينما وصلت السيارات في اليوم الثالث ظهرًا إلى بلد الداودمي إذا بالأمر ينزل من الرياض استفسارًا عن تأخيرها، فيبادر المسلمون إلى مواصلة السير ونزل الذين تعلقوا بها كرفقة وكانوا واحدًا وثلاثين شخصًا قد تعلقوا بتلك السيارات التي بلغ عددها ثلاثًا وثلاثين سيارة قاصدة إلى الرياض.
وبما أن الدوادمي في مسامته القصيم جنوبًا فإنهم نزلوا فيه وبما أنه لا يوجد إذ ذاك سيارات بالأجار إلى القصيم فإن الأمة بادروا بعد تناول طعام العشاء ليلًا لدى