الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما رجع بعد غروب الشمس ودخل قصر الإمارة في الصفراء كنا في انتظاره حتى خرج بعد تناول طعام العشاء عن يمينه النائب الثاني سمو الأمير عبد الله وعن يساره زعيم مدينة بريدة عبد العزيز بن فهد الرشودي، فتناول بيده الكريمة من تاريخنا أربعة أجزاء وكتاب عقود اللؤلؤ والمرجان فطلب مثلها لأخيه عبد الله فكان من حسن الحظ أن كان معنا نسخة أخرى من التاريخ أربعة أجزاء ونسخة من العقود سلمتها للنائب الثاني ورئيس الحرس، وكنت لا أنساها حينما كان القصر مزدحمًا جدًّا ورئيس الحرس الملكي عبد الله البصيلي آخذًا بيدي ويفسح الناس عن طريقي ويقدمنا إليه، كان رئيس الحرس الوطني عبد الله بن عبد العزيز تناولها شاكرًا.
ذكر من توفي فيها من الأعيان
أحمد بن إبراهيم الغزاوي شاعر جلالة الملك، هذه ترجمته: هو الشاعر المنطيق اللسن المقول ذو الصوت العالي الذي ملأ شعره الصحف والمجلات والجرائد أحمد بن إبراهيم بن علي بن سليمان الغزاوي نسبة إلى غزة بفلسطين؛ لأن جدهم الثامن هاجر من غزة إلى مكة المكرمة مفضلًا لها بالسكنى، إما مجاورًا أو لطلب العلم أر للتجارة على اختلاف في ذلك، فاشتهرت الأسرة بذلك وأصبحت أسرة من أكبر الأسر في مكة المكرمة، اشتغل بعضهم بالتجارة وبعضهم في طلب العلم، وكان منهم كتاتيب في مكة المكرمة افتتحوا مدارس.
أما عن المترجم فقد ولد عام (1318 هـ) في مطلع القرن العشرين في شهر ربيع الأول في بيت والده الكائن في شارع الدعوجي في حارة سويقة من مكة المكرمة، ولقي عناية من والديه لأنه كان الابن الوحيد لهما بحيث كان له سبع أخوات، وكانت والدته تسمى بدرية بنت عبد الرحمن السند عاجلتها الوفاة وهو لم يبلغ العاشرة من عمره، فكان موضع الحنو من أبيه فنشأ في حضن والده الذي يجيد القراءة والكتابة ويعمل بالتجارة في قاعة الشفاء، وكان يصحب والده في جميع
تقلباته ويعيش من بين زملائه من أطفال مكة في الدراسة على الكتاب لتعلم القرآن والكتابة والإملاء ويمارسون الألعاب كحالة الأطفال في تسلق الأشجار والقفز فوق التلال ونحو ذلك.
وقد رباه والده أحسن تربية، ولما أن بلغ من العمر سن العشرين توفي والده في 6 صفر عام (1336 هـ)، وقد تنقل المترجم وعايش البادية لأن مكة إذ ذاك كانت مدينة صغيرة، ثم التحق بالمدرسة الصولتية وكانت تلك المدرسة لها اعتناء باللغة العربية والعلوم الشرعية، ثم بعد تخرجه منها التحق بمدرسة الفلاح التي يقوم عليها محمَّد زينل ثم أنه أخذ عن جملة من العلماء منهم الشيخ عبد الوهاب نائب الحرم المكي من أئمة الشريف، وأخذ عن الشيخ حسين الحبشي، وأخذ عن الشيخ صالح شطا، وأخذ عن الشيخ عبد الله سراج قاضي القضاة في عهد الشريف حسين ولازمه، وأخذ عن الشيخ حسن باسلامة الحضرمي صاحب المؤلفات، وأخذ عن الشيخ عبد الله السناري حمدوه، وعن الشيخ إبراهيم فودة، وعن الشيخ محمَّد بن سليمان حسب الله.
أما علاقته بالملوك فكان على اتصال مع الحسين بن علي الشريف حينما قام بثورته على الأتراك وامتدحه لأنه تعرف إليه عن طريق رئيس القضاة إذ ذاك عبد الله سراج فقال يمتدح الحسين:
إن الحسين مليك العرب منقذهم
…
من سد مأرب حتى نهر زوراء
قد خصه ربه فاختاره ملكًا
…
لخير شعب بإجماع وإيحاء
ولما أن توحدت البلاد تحت قيادة صاحب الجلالة الملك المعظم عبد العزيز، خرج إلى الهند، ولكنه سرعان ما عاد واتصل بالملك عبد العزيز وامتدحه بقصائد عظيمة وصحبه وشهد المشاهد الوطنية واللقاءات الفكرية والمؤتمرات الإِسلامية إلى أن توفاه الله تعالى.
ثم استمرت صلته بالملك سعود وظلّ وثيق الصلة به وامتدحه بقصائد جمة،
أضف إلى ذلك أن له روابط وثيقة وإخلاصًا لنائب الملك فيصل حينما كان أميرًا في الحجاز ومحافظًا على الوداد لرؤساء المملكة السعودية لما أظفرهم الله تعالى ومكنهم لذلك نجد ديوانه مملوءًا بمديحهم. كما أنه نال ثقة من الملك فيصل لما ولاه الله تعالى ونال أيضًا منزلة عالية لدى الملك خالد بن عبد العزيز رحمهم الله تعالى وأسبغ عليهم من رحمته وابلًا مدرارًا. وإنها لأيام قضاها في رضاء أولئك الملوك وامتدح ولي العهد فهد بن عبد العزيز وله صلة بسائر أمراء آل سعود وكان شعره جزلًا كوقع الصواعق، غير أن غالبه في المديح ولم يتظاهر بالهجاء، فمن مدائحه قوله لما لم يحج عاهل الجزيرة الملك عبد العزيز عام (1360 هـ) ثم سافر النائب فيصل في 28 محرم فقال هذه القصيدة في حفلة توديعه:
يغالبنا فيك الهوى ونغالبه
…
فطورًا له العتبى وطورًا نعاتبه
أبالحق أن نلقى الذي لا نطيقه
…
عشية هذا البعد تطوى سباسبه
أبالحق نعمى بسهمين عن يد
…
فراق المفدى ثم يتلوه نائبه
سنحمل أعباء البعاد ثقيلة
…
وفيك لعمر الله تضنى متاعبه
وهل أبصرت عين بغير سوادها
…
وهل هو إلا حيث أنت تراقبه
ولم تزل في كل قلب وناظر
…
وإن رفرفت أحناؤه وهوادبه
سل البيت عما قلت لو كان ناطقًا
…
أجاب وحسبي أن يعبر حاجبه
رعى الله نجدًا إنها في بروجها
…
سماء هدى تغشى الحجاز كواكبه
بلاد تود الأرض طرًا لو أنها
…
من المجد فيها حيث نيطت مضاربه
إذا سطعت شمس النهار وخلالها
…
فكل شعاع من سناها مساربه
تطل بها الأقمار من كل مطلع
…
وتزهو بها أجابه وملاعبه
وتختال في أرباضها أسد الشرى
…
حراصًا على العهد الذي عاد ذاهبه
ثقاة مذاويد ترى الصدق دأبهم
…
إذا سخرت من ذي الأماني كواذبه
أضاءت أحسابهم ووجوهم
…
دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
فيا ابن الذي لا الشعر يحسن وصفه
…
ولا النثر إلا ما بنته قواضبه
حنانيك إنا في وداعك أمة
…
يجاذبها فيك النوى وتجاذبه
ولو ملكت فيك الخيار لسابقت
…
إليك مع الأرياح خطوا تواثبه
على أننا والوجد يصلي قلوبنا
…
لنرضى بما ترضى وما أنت راغبه
ومهما أطعنا ما أمرت فإننا
…
لنعصي فراقًا عنك تسجو غياهبه
فإن نحن سامرنا النجوم تعلة
…
إليك فإن الشوق صعب مراكبه
وأن لنا يوم اللقاء لفيعه
…
يكاد لها صدري تطير ترائبه
فسر في أمان الله وأقرئ سلامنا
…
إلى ملك تهمي علينا سحائبه
إلى ملك نغفر من العدل نهجه
…
وأنت له سر وفيك مواهبه
نبادله الإحسان بالشكر خالصًا
…
وندعو له في كل ما هو كاسبه
ونفديه بالأرواح غيبًا ومشهدًا
…
ونفنى ليبقى والسعود مآربه
مأرب لم يبرح بها التاج زاهيًا
…
على الأفق الأعلى تراءى مناكبه
بألحانها تشدو وتهزج في الورى
…
وتهتز من شجويهن كتائبه
وأبلغ ولي العهد خير تحية
…
هي الطل يستهو النواظر ذائبه
إلى آخرها وهي حسنة في بابها قوية في موضوعها ومن شعره قصيدة في الملك عبد العزيز ألقاها في 11 ذي الحجة تهنئة له بالعيد عام (1365 هـ).
بك العيد نحيا حيث تبدو عوائده
…
ومنك معانيه وفيك قواصده
إذ الوفد ألقى في بساطك نظرة
…
تراءى له المجد الذي أنت ماجده
حقيق بك الإعجاب إنك أمة
…
وإنك شعب بين برديك ماجده
فماذا تروني أستطيع من الثنا
…
على ملك تقي الثناء محامده
على ملك آمنت بالله أنه
…
هو الفلك الدوار وأنت مشاهده
من الخلفاء الراشدين في سبيله
…
وفي الباقيات الصالحات فراقده
ومن محكم الفرقان لألأَ جانبه
…
ومن سنة الهادي البشير معاقده
به إلتأم الشمل الشتيت وأقبلت
…
حظوظ وردت في العدو مكائده
وفيه التقى الإِسلام من كل جانب
…
وعزت به أخلاقه وعقائده
محى بالحسام العضب كل ضلالة
…
عن الدين حتى هادنته طرائده
وشيد بالتوحيد أركان عرشه
…
وفي العلم راجت من نداه معاهده
وتلك بيوت الله تشهد أنه
…
له عمرت في كل ربع مساجده
على أنه والشكر لله عاهل
…
يفوز مواليه ويخزى معانده
وما أنا في حبي له اليوم واحد
…
ولكنما الدنيا جميعًا تعاضده
ألا أيها الجمع الملبون وقفة
…
بها ينطق الأضحى وينصت وافده
نقلب فيها الذكريات لعلنا
…
بذلك نقضي حقه ونعاوده
هو الحج إلا أنه في افتراضه
…
من الله فضل ليس تحصى فوائده
وما هو ذخر المرء يوم معاده
…
فحسب ولكن كل ما سر واجده
فكيف وهذا الأمن ضافٍ رواقه
…
على كل فج أين سالت روافده
وكائن ترى من هاجع تحت أيكةٍ
…
وآخر بين الأخشبين الذي هو فاقده
تحدى مع التفريط من هو سارق
…
ولكنه الشخص الذي هو فاقده
فمن شاطئ الإحساء شرقًا ومغربًا
…
إلى البحر حيث الفلك تأوي قواعده
تروح وتغدو الموقرات لطائمًا
…
من الجوهر المكنون تفري فوائده
فلا شبح الإجرام يلمح طيفه
…
ولا الطمع الخداع ينقض مارده
له الويل مغترًا إذا ابتز كاسيًا
…
ولو لبس الليل الذي هو وائده
حدود أقيمت ليس هوادة
…
ولا حكم إلا الشرع تذرى حصائده
وما من شفيع في قصاص ولا هوى
…
إذا ما استحق السيف من هو جالده
بذلك لا بالبطش من غير ما هدى
…
ولا بالتواني طوقتنا قلائده
هو الطائع البر الحليم وكلنا
…
له ولد بشرى الذي هو والده
وأما إذا ما المشكلات تأزمت
…
وفاضت كؤوس الشر واغتر عامده
فما هي إلا لمحة ثم خطفة
…
ويا بؤس من دوت عليه رواعده
كأن نزارًا قبضة في يمينه
…
ألستم معي فيما أرى وأشاهده
لك الظفر الموعود والمركب الذي
…
يموت ويحيا في تمنيه حاسده
وجدت بياني فيك أسهل مرتقى
…
ومن لي بالشعر الذي أنت رائده
فعش هانئًا في كل عيد وموسم
…
وآل سعود ما أتقى الله عابده
هذه نماذج من شعره وله مراثي قالها في الأعيان، وله مجاوبات مع الأدباء الذين منهم عبد الله بن محمَّد بن خميس، ومحمد بن بليهد وأحمد العربي وغيرهم، ويعتبر من فحول الشعراء الذين كانوا في القرن الرابع عشر الهجري كالشيخ سليمان بن سحمان ومحمد بن عبد الله بن عثيمين، والزركلي والشاعر محمَّد بن بليهد، وقد بلغ ديوانه ثلاث مجلدات ضخام.
أما عن الوظائف التي نالها فقد ظل في خدمة الملك حسين بن علي كاتبًا في ديوان رئيس قضاته، ونال ثقة منهم ثم جعله الملك عبد العزيز في تلك الوظيفة لدى رئيس القضاة الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد، ثم جعله محررًا الجريدة أم القرى بعدما حول اسمها من جريدة القِبلة إلى هذه التسمية ثم محررًا لصوت الحجاز، ثم كان نائب رئيس مجلس الشورى ومنحه الملك سعود بن عبد العزيز مرتبة وزير مفوض من الدرجة الأولى رسميًّا تقديرًا لجهوده، وجعله لملك فيصل حال كونه نائبًا لجلالة الملك في مقدمة المرشحين لما توفي رئيس صالح شطا لأن يكون نائب الرئيس، واستمر في تلك الوظيفة حتى توفي.
ولما أن كان في عام (1380 هـ) جفاه زمانه بموت أحبابه وزواج بنتيه، وكان لم يوهب له ذكور ولم يبق لديه في البيت سوى زوجته التي توفيت بعد ذلك، فعاش سنيه الأخيرة وقد شعر بتقدم السن، ولم يتزوج وضاق ذرعًا بهذه الضائقة بحيث