الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحد الرفقة إلى امتطاء الإبل الهزيلة التي كانت تسير تارة وتبرك أخرى لضعفها، فكانت المساقة ما بين الدوادمي إلى بريدة سبعة أيام بلياليها جعلت الأمة تبحث عن وجود اللحم في القرى.
فقيل لنا أن عمشًا وعميشًا والمعيريض وقرى تمرون بها ضعيفة لا يوجد فيها اللحم، ولكن أمامكم المربع لهجرة هناك فإنهم كانوا ينحرون في كل أسبوع جملًا لجلبه على المارة والسكان.
ولما أن وصلنا إلى المربع وجدنا الأمة قد أحاطوا بالجزار وبلحم الجمل للشراء وكانت الكلاب من خلفهم لعله يحصل لها عظم أو عصب فلأذى الكلاب وشدة سورتها لم نتمكن من الدنو إلى اللحم وسرنا بلا شيء.
وفي هذه الأزمان كانت القطط والكلاب لا تأكل الطعام ولا العصب ولا الشحم إنما تريد اللحم الخالص وأصبح المتوسطون لا يأكلون طعام الغداء والعشاء إلا وهو مصحوبًا باللحم، وقد أحصى ما تستهلكه مدينة بريدة من الذبائح شهريًا فبلغت في ظرف تسعين يومًا ثلاثة وثلاثين ألف رأس ماشية فيا عجبًا أصبحت القطط تأنف من أكل الشحم والعصب بل الوحوش تأنف من أكلها.
النهي عن الإسراف وما جاء في ذمّه
قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} (1) وقال تعالى في وصف عباد الله الصالحين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)} (2) هاتان الآيتان بينت النهي عن الإسراف في المأكل والمشرب والملبس وأن عباد
(1) سورة الأعراف، آية 31.
(2)
سورة الفرقان، آية 67.
الرحمن الذين امتدحهم الله تعالى وسطًا بين الإسراف والتقتير فبما أن الله تعالى إذا أنعم على بعد أحب أن يرى أثر نعمته عليه.
ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا" فإن الإنسان لا يتجاوز به البطر والأشر إلى الإسراف في النفقة حيث يقول تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)} (1) ويقول في مقام التأديب لعباده: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (2) فنقول عن ذلك، لقد مر في سني (1347 و 1348 هـ) وما قبلها وما بعدها وما حواليها من السنين أنه قد لا يحصل الإنسان في السنة إلا على ثوبين ثوب في العيد عيد الفطر وثوب في الشتاء.
وكنت أذكر أن من الأغنياء البخلاء والمقتصدين من يشتري مشلحًا صفيقًا يلبسه في الشتاء والصيف فيكون صالحًا للفصلين لمدة عشر سنوات.
وقال لي أحد المسلمين الأغنياء إن هذا المشلح - ويشير إلى مشلح كان يلبسه في ذهابه وإيابه وخروجه ودخوله - إن هذا المشلح قد خبئه فلان لرجل ذكره قد توفي منذ ثماني عشرة سنة، وذلك في عام (1354 هـ) أي في سنة سبع وثلاثين بعد ثلاثمائة وألف، وكان بعد هذه المدة صالحًا للبس فهل هذا إلا من المبالغة في التقتير على النفس.
ثم إنها وصلت الأحوال في هذه السنة التي نحن بصددها وما قبلها وبعدها إلى أن كانت النساء تسير في أسواق البيع والشراء يطلبن كسوة فاخرة للزينة يوميًا أو أسبوعيًا، فهل هذا إلا من مشكلة الإسراف في الكسوة، وإذا لبست المرأة الثوب للزينة في إحدى المناسبات فإنها لا تلبسه مرة أخرى للمناسبات بل تشتري سواه.
(1) سورة الإسراء، آية 26.
(2)
سورة الإسراء، آية 29.
ولقد حدثني ثقة عن فتاة من الأثرياء تزوجت فاشترت والدتها ثوبًا للزينة ولمناسبة زواج ابنتها في قيمة أربعة وعشرين ألف ريال، وبلغت قيمة ساعة اليد للفتاة المتزوجة مائة ألف وخمسين ألفًا، وبلغت قيمة غرفة النوم لها ستين ألف ريال، فهل هذا إلا من الإسراف الذي حرّمه الله ورسوله.
أما عن المغالاة في المهور وما ينفق في هذا السبيل لبيوت الأفراح والزينات والولائم التي تبذل لذلك وما ينفق في سبيل الشيطان للغناء والطرب فحدِّث ولا حرج، ولما حصلت هذه البادرة التي هي بادرة سوء، قام الخطباء والمرشدون والموجهون والوعاظ يبذلون النصائح وبُحَّت الأصوات وأفتى رئيس القضاة بالأمر في الاقتصاد والنهي عن هذا البذخ والسرف ونشرت التعليمات في الصحف والجرائد والمجلات ولكنها صرخات في واد خلي من البشر ولم تجد تلك التوجيهات آذانًا صاغية أو قبولًا عند الأمة، بل لا يزالون سائرين في هذه الطريقة رغم ما يسمعون وبكل ما يستطيعونه يتسابقون فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
رجعنا إلى ما نحن في صدده وما أصيبت به العرب من الكوارث والمخاوف ففيها في يوم الأحد الموافق 21/ 3 اندفع أناس من اليهود يهتفون بهذه الكلمات (الموت للعرب) وقامت عصابات منهم في اليوم 26 من الشهر الحالي فحرقت منزلًا عربيًا وخربت السيارات العربية في القدس وشهدت مدينة القدس المحتلة أسوأ أعمال العنف المعادية للعرب وأقامت اليهود مدرسة يهودية في قلب الحي الإسلامي بالقدس المحتلة، وأقامت حواجز على مداخل الجامعات لتعطيل سير الدراسة فيها وإغلاق بعضها واعتقال عدد من طلبتها وإحالة عدد منهم إلى المحاكم الصهيونية بحجة قيامهم بنشر كتب ومطبوعات تدين سياسة الاحتلال الصهيوني ومنعت بعض أعضاء هيئة التدريس في جامعات الأرض المحتلة من الانضمام إلى عملهم في هذه الجامعات فعلوا ذلك غيرة من احتفال العالم بيوم التضامن مع الشعب الفلسطيني وهو 29 نوفمبر الموافق السابع وعشرين ربيع الأول من هذه
السنة.
وفيها في يوم الثلاثاء 5 محرم وفاة الشيخ محمد الصالح بن سليم وهذه ترجمته: هو محمد بن صالح بن محمد بن عبد الله بن سليم، وتقدمت معرفة أنسابهم ولد عام (1330 هـ) بمدينة بريدة ونشأ نشأةً حسَنة فأخذ في الدراسة على أحد المؤدبين في إحدى المدارس الأهلية ببريدة وبعدما أخذ مبادئ في الخط والحساب التحق في الدراسة على عمه الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم وعلى عمه الشيخ عمر بن محمد بن سليم وجد ونافس وكان يظهر عليه الزهد في حال طلبه للعلم وقليل الضحك وأكثر الأخذ عن الشيخ عمر، وكان عمه يجله ويقدر له اجتهاده فكان يدرس في زاد المستنقع للحجاوي حفظًا فيناول الشيخ الكتاب، وبعدما يقرأ قطعة يفسرها له الشيخ ثم يتناول الكتاب ويقرأ شرحها من شرح الزاد والروض المربع لمنصور بن يونس البهوتي ولازم عمه عمر بن محمد في مدخله ومخرجه.
وكان الشيخ له بمنزلة الوالد وذلك باعترافه في مرثيته التي رثى بها شيخه عبد العزيز بن إبراهيم العبادي لأنه أخذ عنه أيضًا، فمن مرثيته قوله يمتدح عمه ويدعو له بالبقاء:
فضجوا جميعًا بالدعاء تضرعًا
…
إلى من على فوق السماوات قاهر
لندعو جميعًا أن يديم بقاء من
…
لنا موردًا من ينبع العلم غازر
وأعني به من كان لي مثل والد
…
شفيق علينا بالوفاء يبادر
وبينما هو يدرس قبل أذان العشاء على عمه الشيخ عمر إمام المصلين في المسجد الجامع بتفسير سورة الصافات مر على ذكر الحور العين فأخذته غمرة من البكاء وتأثر من شدة البكاء فرآه عمه أهلًا للإمامة وجعله إمامًا في مسجد الجردة المعروف بمسجد حسين بن عرفج فلبث في إمامته مدة وقد يقرأ بنفسه على المصلين إذا لم يكن هناك قارئ.
ثم أنه جعل في قضاء هجرة دخنة ثم نقل إلى قضاء الظفير في منطقة عسير
وجعل يبذل نصائحًا ويقيم من في معيته من الأئمة ومنهم عبد الله بن محمد بن صالح بن فوزان يتخولون الأمة بها هناك ثم أنه نقل إلى قضاء مستعجلة المدينة المنورة وجدته فيها عام أربع وسبعين ثم نقل إلى قضاء الدمام ثم نقل إلى أن يكون رئيسًا لهيئة التمييز في المنطقة الغربية بمكة المكرمة ونال رضاء الأمة برحابة صدر واستمر في هذه الوظيفة.
فلما أن كان قبل وفاته بسنة أحيل على المعاش فانتقل إلى الرياض ولما ألقى عصا التسيار فيها توفاه الله تعالى بعد ذلك بيسير في هذه السنة وكنت أظن أنه قبل وظيفته الأخيرة كان عضوًا في هيئة التمييز بالرياض.
وكان له رسالة في تحريم الاشتراكية وله منسك مختصر في الحج، وكانت وفاته عن عمر يناهز السابعة والسبعين رحمه الله وعفا عنه، وكان له أولاد وأحفاد وبيني وبينه معرفة قديمة، ومن أبنائه صالح بن محمد المعروف بالهمة والزراعة والإنشاء والتعمير كفندق السليم ببريدة ومحطة السليم ومساهمة كبرى في تأسيس مصنع إسمنت القصيم وكان له مزرعة كبرى تقدر طولًا بستة عشر كيلو وعرضًا بثلاثة عشر كيلو وتعتبر أكبر مزرعة قي القصيم اشتراها بصكاكها من حرّ ماله كما أن له مشروعًا للدواجن يحتوي على عدد كبير.
وفي هذه السنة نشرت وزارة الحج والأوقاف منشورات برقم أمير المنطقة المبني على تعميم وزير الداخلية رقم (58538) في 1/ 8/ 1407 هـ بشأن المنع من التسول وهذا نصه: لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار المتسولين في الأسواق والمساجد من مواطنين ووافدين واستغلالهم للمواطنين بطرق الابتزاز لأصحاب القلوب الرحيمة واستدرار عطفهم وقد رغب سموه منع ذلك والقبض على أي متسول وإبعاده عن البلاد إذا كان أجنبيًا ومنع أي متسول.
كما أنه نشر تعميم عن طريق وزارة الحج والأوقاف حسب أوامر الحكومة برقم (3715) بتاريخ 21/ 8/ 1407 هـ موجهًا إلى أئمة وخطباء المساجد بالتحذير