الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعرف أسماؤها إلا في مصر والشام كالسبانخ والملفوف والليمون والأترج وأشياء أخرى في ذلك الموضع موردًا لكل أهالي القصيم وغيرها من السر جنوبًا إلى حائل شمالًا ومن عقلة الصقور غربًا إلى المجمعة والأرطاوية شرقًا، وكانت السيارات الضخمة التي أعدت للنقل مرسية هناك يمنة ويسرة والتريلات جاثمة في تلك المنطقة للتفريغ والتنزيل وسيارات أخرى تحمل وتوزع على بلدان القصيم ومدنه.
وفيها قامت المعدات الثقيلة بجرفها وهدها في إصلاح الخط الدائري على مدينة بريدة وما يتطلبه الوضع من جسور وكباري وذلك لما يمر به من كثبان الرمال والأودية ولا سيما وادي الرمة الذي يتطلب عملًا شاقًا وكان سد المياه الذي أقيم في نفس الوادي ويقع جنوبًا عن مدينة بريدة عمله جبارًا أقيم لما في ذلك من المصلحة بحيث يختزن به مياه السيول والأمطار.
عمارة جامع مدينة عنيزة في القصيم
بما أن مدينة عنيزة تعتبر هي المدينة الثانية في القصيم بعد بريدة فإنها بنهضة أهاليها تنافس مدينة بريدة وقد قام الأهالي فيها يتطلبون مشاريع من الحكومة ولحسن حظهم فقد كان من أهاليها من يعمل في الوزارات ولهم فيها من يطالب بحقوق بلدهم، وفيها شباب ناهض يعملون لرفع بلدهم ولإن كان للمدينة حظها الأوفر من المشاريع الحكومية فإنهم إضافة إلى ذلك يعملون بجد ونشاط في المساهمة من أموالهم لرفعة البلد سواء من السكان أو من النازحين في البلاد الأخرى، فقد قاموا بتجميل المدينة بما استطاعوا من الزينات الحديثة ورفعوا ساعات حائطية ضخمة تحملها القواعد الجميلة الرفيعة ونصبوا أعلامًا وأبوابًا للمدينة واتسعت شوارعها الحديثة التي أعدت للبيع والشراء وما حوالي الجامع الكبير.
ومن أعظم مشاريعها عمارة الجامع الكبير في هذه السنة وكان حواليه دكاكين قديمة اشتريت لتوسعة المسجد وأضيفت إليه فقاموا بهذه جملة وإقامته من الإسمنت المسلح ببناية قوية وتطريز حديث وأقيم المسجد بجعل قبو واسع كبير في أسفله (خلوه) كبيرة وجعل الطابق الثاني مشكلًا في بنايته من قبة وأعمدة عالية تدخله الأنوار الطبيعية وقامت المعدات بجد ونشاط في العمل مضافًا إلى ذلك درج وأبواب ونوافذ حسنة جميلة.
وأقيم للمسجد منارتان عاليتان وابقيت منارته المقامة من الطين أولًا وهي من الآثار القديمة في ارتفاعها وعلوها وقوتها لم تؤثر فيها الرياح والسيول على ممر السنين وحفاظًا على جعلها من الآثار القديمة فإنها ببابها القديم من جذوع النخل ودرجها أبقى هيكلها على وضعه القديم.
وقد قام الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين الذي تولى إمامة المسجد الكبير الجامع والتدريس فيه بعد الشيخ عبد الرحمن بن سعدي بوضع مخططات المسجد الجامع مستعينًا بالمهندسين والفنيين وسعى بموضوعه حتى ظهر المسجد في مظهر لائق بمصابيح الكهرباء ودورات المياه.
وهكذا والحمد لله فإن الله سبحانه قد يسر بناية المساجد، وكان قد سبق بناية الجامع الكبير مسجد رئيس الديوان الملكي صالح بن عباد الواقع في شرقي البلد أيضًا.
ولقد جدت الأمة بعمارة المساجد وتوسعتها والتسابق إلى الإنفاق فيها كما يشاهد في مدينة الرس ومدينة البكيرية التي قام بعمارة جامعها الكبير حمود الذياب، وظهر بهيكله الجميل وقد رأيت جامعًا كبيرًا في مدينة جدة حسن الوضع والتطريز قام بعمارته عبد الرحمن بن نويصر وحواليه مسجد أقيم على نفقة أحد المواطنين حسن الوضع والتطريز وقد أقيم له خمسة بيوت وينسب إلى المطرب محمد عبدُه والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
وقد وقع سؤال بين يدي فضيلة رئيس الإفتاء والبحوث الدينية عبد العزيز بن باز عن حكم الصلاة فيه لأنه لا يعلم من أي نفقة استقام.
فأجاب بأنه لا مانع من الصلاة فيه وليس على المصلين فيه إلا مصلحة وجوده التي تعود عليهم بالفائدة.
إن مدينة عنيزة والحق يقال فيها رجال ذوو مروءة واحتشام للضيوف ويمتازون برقة الكلام والأدب ولين الجانب مظهرين الخدمة والاحتشام لمن قدم عليهم وكانوا يقدمون بلدهم ويرفعون من شأنه ولا يحط ذلك من قدرهم كما في الحديث حب الوطن من الإيمان، ومما يمتازون به عدم السباب بعضهم لبعض وترك الغيبة والنميمة من بعضهم لبعض.
وكان من سكان بريدة شاب مستخدم في محكمة عنيزة يذهب كل صباح ممتطيًا دراجة بخارية من بريدة إلى عنيزة فلا تسأل عما يكابده من لفح الرياح في زمهرير الشتاء وسموم الصيف، فانطرح بين يدي يشكو الحال، ولعلي أذهب به إلى رئيس المحكمة فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عبدان لنقله إلى بريدة فركبنا تاكسي في هذه المرة وعندما قدمنا إلى عنيزة كان القاضي قد خرج مع الخصوم إلى القرعاوية فأوقفت صاحب تاكسي وسألته عن القرعاوية فقال نعم إنه ذهب إليها ولكن اركب فلعلك إن ذهبت راجلًا لا تدركه، ولما أن قربنا منها ودعنا ورفعت يدي إلى جيبي لأناوله الأجرة فأسف لذلك وأقسم بالله أن لا يأخذ مني شيئًا، وقال يا عجبًا إن حقك أن أذبح لك ذبيحة في أربعمائة ريال فكيف آخذ منك شيئًا، فشكرت له وكان رجلًا أشمط قد علاه المشيب.
وامتطيت مرة في إيابي من الحج سيارة من تريد عنيزة وهي لإبراهيم عاشوراء وذلك في سنة (1362 هـ) بوقت كانت السيارات هزيلة لقلتها وعدم قطع الغيار بمناسبة الحرب العالمية الثانية بحيث جعلنا الطريق تسعة أيام بينها وبين مكة المكرمة ولما أن قدمنا إلى الوادي من عند قصر ابن بطاح صباحًا تلقانا الصبيان لطول السفر
يرحبون بقدومنا وركبوا معنا ولسوء الحظ كانت السيارة تعبانة لا أعادها الله فما أن وصلنا إلى المضباعة حتى خربت السيارة وتعطلت في ساعة كانت السماء تهتن بالأمطار والرياح الشديدة باردة وتعذر السير.
فقام رجال الرفقة إلي وقالوا إن نساءنا وهذا الصبى معهن وكان مراهقًا بعضهن يحتجبن منه والبز والقماش الذي تحمله السيارة مختلف الألوان في حفظ الله ثم حفظك وسننطلق لتستفزع أولاد علي لنجدتنا.
فقلت وأنا من حقي عليكم تبعثون إلى أحد الجمالة الثلاثة الذين يترددون من بين بريدة وعنيزة لجلب البضائع بينهما فإني أريد الوطن لأنه وإن كان قريبًا فهو بعيد في هذه الساعة الراهنة ثم قمت وجعلت النساء في ظل السيارة وكن سبعًا وأحطت عليهن بحاجز عن دخول الماء وجعلت الصبي في غمارة السيارة وجعلت بما أستطيعه أغطي حمولة السيارة بالبطانيات والبسط واللحف عن الماء وكنت أظن أن تلك الساعة من أشد ما مر في العمر لأني كنت هدفًا للماء والبرد.
أما عن السائق فقد بعث المساعد إلى عنيزة ليأتيه بطعام منها وتدثر في بشت غليظ صفيق يسمى بودي تمدد فيه للراحة.
فما كان إلا قليل حتى جاءوا بأحد عشر حمارًا تحمل على ظهورها المحامل الخشبية وناقة تحمل خيمة كبيرة لتؤمن حمولة السيارة وجاءوا بمأكولات شهية كثيرة فحملوني مع رحلي إلى بيت فلان الذي هو أحد الجمالة طاهر أما عن الحقيقة فإنهم أبدوا أسفهم الشديد في كوني لم أطمئن إلى بيوتهم في تلك الساعة الحرجة قائلين والله لو كنت قادمًا على صلب لما كنت في هذه الوحشة، البلد بلدك والبيوت بيتك والأهل أهلك والأولاد خدمك وذهب بي الجمال إلى بيت أحد الرفقة محمد بن عبد الرحمن بن سليم حيث وجدت لديه كرامة وحشمة فد أضرم النيران ونقل إليها حطبًا جزلًا ووالى الأطعمة والقهوة والشاي وفي آخر الليل أتى بطعام الحنيني بحيث كان أفخر المطعومات إذ ذاك.
وأشار علي بأن لا أسير إلى بريدة والحالة هذه ريح باردة شديدة شمالية شرقية وأمطار عاصفة والأسواق ممتلئة بالمياه وطلب مني التريث ولو أقمت شهرًا فإني عند أهل ومحبوب وكريم لديهم.
لكنني آثرت السير من الغد على أي حالة كانت بحيث امتطيت حمارًا بالأجرة وبصحبتي صاحب الحمار وأعرابي شاب عليه مشلح ويظهر أنه من أهل الدَّين والخير وكان محمد لما رأى أني مصمم على السفر زودنا بمطبقة مملوءة تمرًا لذيذًا وصندوق كبريت إن احتجنا إلى إيقاد نار نصطلي عليها في الطريق، وسرنا والحمد لله حتى وصلنا إلى بريدة بعد المغرب بحيث كان الطريق سبع ساعات لهذه الظروف القاسية.
وفيها في 25 محرم قام رئيس وزراء حكومة السودان الصادق المهدي بزيارة قصيرة للمملكة السعودية استغرقت يومًا واحدًا فاستقبله الملك فهد بن عبد العزيز حيث يتم إجراء مباحثات تتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية وكان من هذه الزيارة أن أهدى الملك فهد للشعب السوداني ثلاثة مستشفيات متكاملة الأجهزة والمعدات الطبية الحديثة بسعة مائة سرير لكل منها في كل من مدينة أم درمان العاصمة الوطنية للبلاد ومدينة كسلا عاصمة المحافظة الشرقية ومدينة الفاشر عاصمة شمال إقليم دارفور وقد زادت تكلفة هذه المستشفيات على عشرة ملايين دولار أمريكي هذا ولا تزال طائرات مؤن الإغاثة التي ترسلها الحكومة إلى مناطق الجفاف والمجاعة في شرق وغرب السودان لم تنقطع عن نقل المزيد من هذه المؤن مما خفف الوطأة من الجفاف والمجاعة هناك بأن الله عز وجل ابتلى حكومة السودان بالجفاف ثم بالطوفان والأمطار التي سببت عليهم الجلاء عن مساكنهم ثم الجراد، وسيمر بنا في هذا التاريخ ما بعثته الحكومة السعودية إليها من الإعانات والإغاثة بالمؤن والأطعمة والنقود وغير ذلك مما لا تبلغه العبارة وكانت الطائرات ترسل شاحنة إليهم.
ولكن الأمر أدهى وأعظم وقد توجهت طائرات الإغاثة بحمولتها في هذه السنة إلى الخرطوم وبما أنهم انشقوا وقام المتمردون في الجنوب من أرض السودان يحاربون حكومة السودان فقد قام دبلوماسيون تابعون للدول التي تقدم مواد الإغاثة يتفاوضون مع الحكومة بشأن كيفية توزيع تلك المواد في الجنوب.
وكان المتمردون قد أسقطوا طائرة تابعة للخطوط الجوية السودانية في الشهر الماضي وقتل في الحادث جميع من كانوا على متنها وهم ستون شخصًا، واستمر تهديد ثوار جيش تحرير الشعب السوداني بإسقاط أي طائرة تدخل المجال الجوي الجنوبي بدون إذنهم، وقد وصف رئيس الوزراء السوداني الصادق المهدي جيش تحرير الشعب السوداني بأنه منظمة إرهابية إثر الحادث المتقدم وقطع محادثات السلام التي كان قد بدأها مع زعيم المتمردين العقيد (جون قرنق) في أديس أبابا في شهر تموز يوليو الماضي.
وفيها في 26/ 2 تمت عمارة مسجد قباء الأخيرة وتوسعته على يدي صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز وقد أضيف إلى هذه العمارة دورات مياه للرجال على حده وقسم للنساء وجعل له منارتان وكانت تلك العمارة ممتازة جدًا وكان للنساء جناح ممتاز يصلين فيه وأصبح المسجد بمظهر رائع ورونق حسن جدًا مفروشًا بالفرش الثمينة ومملوءًا بمصاحف كثيرة ومكيفًا بتكييف باهر ومكسيًا بالحجر ومنارًا بالكهرباء.
وفي تلك الآونة وفاة أمير الباحة إبراهيم بن عبد العزيز آل إبراهيم رحمه الله وعفا عنه وكانت وفاته بسبب الغرق بحيث كان يسير في سيارته معه بعض رفقته فلم يشعروا إلا بالوادي قد دهمهم فنزل عن سيارته لينجو فكان ضحية الغرق وسلم رفقته الذين لزموا مكانهم في السيارة وقد قيل إن وفاته في 27/ 7 من السنة المتقدمة.
ثم دخلت سنة (1408 هـ)
استهلت هذه السنة والعمال يدأبون في توسعة الحرمين الشريفين، وبما أن سطح المسجد الحرام قابل لأن يكون مصلى لسعته فقد قامت الحكومة لاستغلال السطح في أوقات المواسم كزمن الحج وشهر رمضان بحيث اتسع لمائتي ألف مصلًّ، كما أن الحكومة جادة في التصليحات في الطرق.
فهذا طريق الدمام قد امتد في سعته على ثلاثة أسياد ذهابًا وإيابًا من عاصمة القصيم حينما انفصل هذا الطريق السريع من خط بريدة عنيزة مشرقًا من خلف فرع جامعة الإمام محمد بن سعود محاطًا بالأسلاك المانعة من دخول البهائم إلى الخط حتى يمر بالرياض فيستمر إلى الدمام بهذا الوضع واكتسبت الأمة راحة في قلة الحوادث والاصطدامات.
وقد جعلت الحكومة جزاءً على من تجاوز الحد في السرعة ولما أن تجاوز الدمام رأت الحكومة إنشاء جسر بين المملكة وبين البحرين ذلك بأنه كان سابقًا لا يتوصل إلى البحرين إلا عن طريق الجو أو البحر فأنشأت هذا الجسر على متن البحر بصفة هندسية يربط بين المملكتين عن طريق اليابسة كما أسلفنا وقد جعلوا في باب هذا الجسر مكتبًا للمرور وبعد انتهاء عشر كيلوات تنتهي حدود المملكة وهناك جزيرة صغيرة للاستراحة فيها مسجد جميل التطريز ودورة مياه وحديقة فمن أراد الذهاب إلى البحرين فيدفع ضريبة عشرين ريالًا لمكتب في حدود البحرين بشرط أن يكون حاملًا للجواز ومن أراد النزهة والفرجة فإنه يأخذ بذات اليسار للرجوع إلى المملكة عن طريق في هذا المتسع الجميل ويسمى هذا الجسر باسم جسر الملك فهد وسيأتي عن ذكر المنطقة الشرقية بقية ذكر.
وفي محرم من هذه السنة تم للحرب العراقية الإيرانية سبع سنوات، ولما أن رأت أمريكا أن إيران غير خاضعة لقرار مجلس الأمن رقم (598) بل لا تزال في عنادها
أطلقت صاروخًا على طائرة إيرانية تحمل مائتين وتسعين راكبًا فاحترقت وهلك جميع ركابها وبعد ذلك التفتت إيران يمنة ويسرة فعلمت أن لا فائدة لها في مواصلة الحرب، وقبلت القرار رقم (598) راغمة كما يقوله الخميني وأن ذلك كوقع السم على أحشائه وكان ذلك في آخر هذه السنة قبله وهو كاره له.
ولما أن كان في يوم الاثنين 5 ذي الحجة من هذه السنة (1408 هـ) يوافق 18 تموز يوليو (1988 م) أعلنت إيران قبولها لقرار مجلس الأمن رقم (598) لوقف إطلاق النار وكانت إيران قد خسرت الحرب وتخلت عن أراضٍ عراقية وتورطت في تصرفاتها السيئة فأعلنت رسميًا ارتياحها لقرار مجلس الأمن واحتجت بأن إسقاط الطائرة الإيرانية بفعل أمريكي وقد تلف فيها (290) راكبًا مدنيًا وتدخلت سفن حربية أجنبية في الخليج هذا هو الذي دفعها إلى ذلك.
وفيها في شعبان في إبريل قطعت الحكومة السعودية العلاقات بينها وبين إيران يوافق (1988 م) ذلك لما قصدت له من العداوة للحكومة السعودية وقتلها السفير السعودي في إيران وهجومها على حجاج بيت الله أمام الكعبة والمسجد الحرام الذي جعله الله أمنًا، وبما أن السعودية هي المسئولة عن تأمين الحرمين الشريفين لكونهما في ولايتها وقامت إيران بهتكها لحرمات الله أمام بيت الله ويقول الله جل ذكره:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} (1) ولا ريب أنها وصمة عظيمة سودت وجه إيران، فقد عزمت قبل الواقعة بسنة على إرادة الإلحاد في مكة المكرمة ثم أقدمت في العام الماضي على ما أقدمت عليه من تقتيل حجاج بيت الله وأذيتهم فقد وجبت مقاطعتهم والتبري منهم ومنابذتهم بعد عرض مسألتهم على العالم الإسلامي.
وفيها في 13 ربيع الثاني قام أهالي فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة وما
(1) سورة الحج، آية 25.
إليها بانتفاضة ضد اليهود سميت الانتفاضة الفلسطينية توافق رابع كانون أول ديسمبر (1987 م)، وقام الصبيان الفلسطينيون والشباب يرجمون سيارات اليهود الصهاينة بالحجارة والزجاجات المحماة بالنار وجرت مظاهرات فكابدت اليهود الصهاينة من تلك الانتفاضة مشقة وقابلوا هذه الانتفاضة بإطلاق قنابل الغاز وبالدخان المسيل للدموع وقد يطلقون العيارات النارية على المتظاهرين.
وسقط من ذلك قتلى وجرحى من أهالي فلسطين ولكنهم لم يعبأوا بما يقوم به اليهود من البطش بهم والتعذيب والتنكيل واستمرت الانتفاضة بقوة ونشاط وقتال بينهم وبين اليهود.
ولعل هؤلاء الشباب من الفلسطينيين لما رأوا شجاعة المجاهدين في أفغانستان وسعيهم في تحرير بلادهم وصمودهم حتى أذل الله روسيا بقوتها وحدِّها وحديدها وانهزمت أمام الإيمان والعقيدة فتتبعثر قوات روسيا لما رأت الثبات الذي نشأ من أهالي أفغانستان وتندحر مدافعها وصواريخها وطائراتها لما صدق أهالي أفغانستان الحملة عليها وثبتوا أمام كيد أعظم دولة على وجه الأرض وكبدوها خسائر في الأرواح والمعدات الحربية وأسقطوا طائراتها حتى أدخلوا الرعب في قلوبهم وانسحبوا من أراضي أفغانستان.
وهكذا الإيمان إذا صدق أهله الحملة مستعينين بالله فإنه يتبعثر الباطل أمامهم وأثبت الدهر لأهل أفغانستان جدارة وشجاعة بيضوا بها وجه تاريخهم ولقد استشهد من أراد الله لهم الشهادة وجرح آخرون وتقطعت أوصال بعضهم ولكنهم لم يهنوا ولم يستكينوا وثبتوا في الجبال والمغارات يطلقون المدافع الصاروخية ويقذفون بالقوات التي حصلوا عليها من العرب والمسلمين وغيرهم وقد أمدتهم أمريكا وقام المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ممن تقلهم الغبراء وتظلهم الخضراء بمساعدتهم حتى كتب الله لهم النصر {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (1)
(1) سورة آل عمران، آية 126.
وقد امتلأت المساجد في السعودية من المساعدات بالكسوة والفرش والأكوات تبرعًا لهم وحملتها إليهم الطائرات كما أن الأطعمة والنقود التي زادت على عشرات الملايين تبعث إليهم، وقد اعترفت الحكومة السعودية بحكومة أفغانستان في السنة التي بعد هذه.
أما عن أهالي فلسطين فقد قاموا في هذه المرة بحجارتهم التي لا يملكون سواها وبالزجاجات الحارقة يرمون اليهود وثبتوا في هذه الانتفاضة، وكانت اليهود تعذبهم بأنواع التعذيبات ولكنهم استمروا في نضالهم.
ولقد كان أهالي فلسطين ينشؤون لأبنائهم أسماء كغازي ونضال ونحوها مما يبعث الحماسة في صدورهم لما أن عقلوا فاثنتان وأربعون سنة كانوا يكابدون أذى اليهود وتعسفاتهم وبما أن العدو لم يحترم كبيرًا ولم يرحم صغيرًا، فقد ثبتوا في هذه الانتفاضة صابرين على ما يصيبهم من التعذيب تارة بهدم مساكنهم وتارة برضخ رؤوسهم بالصخر، وتارة بشق بطونهم، وتارة بإيقافهم في حر الظهيرة على قدم واحد، وفي كل يوم قد خسر الفلسطينيون عشرات القتلى والجرحى وهم مع ذلك ثابتون، وللعدو يجاهدون واستمرت هذه الانتفاضة التي أعجب بها العرب قاطبة وتدفقت عليهم المؤن والمساعدات من العرب والمسلمين بحيث كمل لهذه الانتفاضة سنة وأربعة شهور، ولا يعلم نتيجتها إلا الله عز وجل، كما قيل:
إن الليالي والأيام حاملة
…
وليس يعلم غير الله ما تلد
وإنه ليعجب العاقل من تصرفات أمريكا ومن أيدها في موقفهم نحو أهالي فلسطين وكيف أن اليهود تسومهم سوء العذاب، ولم تتحرك جارحة من أمريكا وأتباعها المؤيدين لليهود لرحمة أهالي فلسطين غلبوا على ديارهم وأوذوا في عقر بيوتهم تقتل نساؤهم وشيوخهم وأطفالهم وتنتهب أموالهم وامتلأت السجون منهم وكيف نزع الله الرحمة من قلوب الأمريكيين نحو هذه الأمة المغلوبة الذين يدافعون العدو بأيديهم وحجارتهم، ولا يملكون مدفعًا ولا سيفًا ولا بندقية ولا مسدسًا ولا
رشاشًا وهم أمام عدو لئيم غاشم سلاحه القنابل الذرية والمدافع والرشاشات والصواريخ الفتاكة التي تمدهم بها أمريكا وتعملها في مصانع تل أبيب.
وفي كل يوم قد هدمت اليهود جزءًا من منازلهم وأغلقت مساجدهم ومدارسهم حتى أصبح هؤلاء الضعفاء لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا.
فوالله لو أن أمريكا تملك ذرة في قلوبها من الشرف والرحمة أو الخوف من الله أو كانوا على حسب كفرهم وضلالهم يدينون بدين يعبدون به الأصنام كما هم عليه على أقل تقدير لكان لهم من ذلك ما يردهم عن تسليط اليهود الصهاينة على أهالي فلسطين مع العلم أن مقاتل اليهود الصهاينة إنما يقاتل أمريكا بحيث تقوم بحدها وحديدها وطائراتها وأهوالها بنصرة هذه الدولة التي سمت نفسها دولة إسرائيل.
وإذا كان هذا موقف أمريكا مع اليهود فكيف لا تنصف من نفسها خشية العار وتأخذ على أيدي حليفتها عن هذه المجازر البشرية والأعمال التعسفية التي لو كانت من دماء الكلاب والخنازير لكان في الأديان السماوية ما يمنعها.
أما عن مجلس الأمن فلا شك أنه آلة بيد أمريكا واليهود يصرفونه كيف شاؤوا، فأين قرار الأمم وهيئتها وأين العدالة وأين الأمم المفكرة وأين عقول البريطانيين الذين منحوا اليهود وطن أهالي فلسطين ووقفوا هم والأمريكيين في ورطة أهالي فلسطين وقفة التفرج أمام تلك الدماء التي تسفك والمنازل التي تهدم، وتعمل أيدي الدمار بأولئك البشر تلك الأعمال المخزية من التقتيل والتخريب والتشريد ما لو كان معهم إنسانية لوضعوا لها حدًا فاعتبروا يا أولي الأبصار.
أما عن الحرب العراقية الإيرانية فكما أسلفنا استمرت طيلة سبع سنوات، وفي هذه السنة تمام ثمان سنوات، وعجز مجلس الأمن بقرار (598) وعجزت هيأة الأمم عن وقف إطلاق النار والتزام قبول قرار مجلس الأمن في آخرها كما قدمنا وفي 23 ربيع الأول تعرضت إيران للمراكب البحرية وحاملات الزيت في الخليج