الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحيث لا يرى إلا شابًّا أما الكهول والشيوخ فلا ترى منها إلا قلة من بقايا كانت متمسكة بالوظائف وأصبح جل الأئمة والخطباء والقضاة من الشبيبة.
وقد أولع بلغتهم كثير من الأهالي يفضلون إمامة الشاب في صلاة التراويح وقيام رمضان والجمع والأعياد والقضاء فلا تكاد ترى في سائر الأعمال إلا من الشباب وكانت القدماء لا يبلغون عشرة في لمأه وقد أغرتهم الحكومة بكثرة المرتب فإنه زاد عددهم وبما أن القاضي فيما تقدم لا يبلغ مرتبه خمسمائة ريال فقد بلغت رواتب القضاة إلى عشرين ألف ريال شهريًا ومنهم من بلغ ثلاثين ألفًا، وكان منذ خمسة عشر عامًا لا يوجد قاضٍ إلا بعد تسخيره للقضاء فكان أولئك يتسابقون إلى القضاء لكثرتهم فأصبحت لا ترى رجل الأمن أو القاضي أو المدرس إلا شابًّا وقد يندر في الأئمة من يكون رجلًا قد علاه الشيب أو كهل اللهم إلا من كان معلمًا في وظيفة فسبحانه مطور الأحوال ومقلب الليل والنهار كما أن الأمراء المستجدين شباب وقل أن ترى الكبير واستمر الوضع كذلك.
ذكر الحروب والثورات
كانت فلسطين تغلي مراجلها من القتال بين أهلها وبين اليهود.
وجنوب لبنان فيه حرب اللبنانيين مع اليهود والقتال مستمر في لبنان بين الأهالي واليهود ولا تزال الغلبة لليهود لتوفر السلاح الحديث بأيديهم.
ومن جهة أخرى كانت أمريكا من ورائهم تمدهم بالأسلحة والطائرات والدبابات الحديثة والمدافع الثقيلة وقد استهدف لبنان لضربات اليهود ونسفهم كما أن وجود جماعة حزب الله وجماعة أمل المبعوثين من إيران وسوريا نشأ عن وجودهما استهداف لبنان لتلك القوارع وأن ينازع فلا تزال لبنان تغلي مراجلها بالشر والحروب.
وبما أن أفغانستان يسعى في الاستقلال والتخلص من الشيوعيين فلأنه لا يزال
في نزاع وقتال بين الأهالي وكانت الصواريخ والقنابل الصاروخية الموجهة من بينهم وكل جهة تحارب الأخرى فإن البلاء لا يزال مستطيرًا والفتنة قائمة والثورات متتابعة وقد عجزت الأمة عن تسليك تلك الفتن.
وكذلك ما جرى في الصومال والعراق من الانشقاق والهند ويوغسلافيا من الحروب بين الصرب وبين البوسنة والهرسك أضف إلى ذلك إراقة الدماء في مصر وغيرها فإن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها استهدفوا للعقوبات والأذى وقد قدمنا في ذلك ما يكفي وما وقع عليهم بعد ذلك من ملاحقة المسلمين وأذيتهم فأصبح دين الإسلام يلاحق ملاحقة فلا حول ولا قوة إلا بالله وأسبابه تخاذل المسلمين وتفككهم ومن عاش فسوف يرى.
رجعنا إلى ما نحن بصدده فنقول لما أن قامت المعدات بنسف الجهة الجنوبية الغربية من مدينة بريدة لجعل ذلك الموضع متسعًا وسوقًا مركزيًا للنظر إلى الظروف التي دعت إلى ذلك من أن تلك الجهة كلها بيوت قديمة من الطين واللِبن حتى اتصل الهد إلى الموضع المعروف بالسبيع والبوطة ونخيل الهوشان والشقيري وكلها نخيل وآبار في غريي البلد ومن خلفها إلى الغرب كثبان الرمال ألقت تلك الشيولات والدركتورات والمعدات البيوت التي استقامت على اللبن والطين من قبل فأزيل مئتان وخمسون بيتًا يتخللها ثلاثون دكانًا وأصبحت ليس فيها ديار ولا نافخ نار.
وكان بعض المولعين بتلك الخرائب لم يصدقوا وقاموا يرممون تلك البيوت بالحصا والجص ولما قامت تلك المعدات الحديثة والمعاول بنسفها وهدها ومن بينها مدرسة الصقعبي التي أشرنا إليها بالذكر والنسف وقد انمحت آثار هناك مشهورة منها قبة سعيد المنسوبة إلى سعيد المنفوحي ومنها مسجد ناصر بن سليمان بن سيف واسمه القديم مسجد المجردة وهو من المساجد القديمة ومنها دار الحمامة وكانت هذه الدار عالية جدًّا، وقد أبقاها أمير بريدة إذ ذاك فهد بن محمد بن عبد الرحمن آل
سعود لتكون من الآثار ولكنها هدمت بعد موته وزواله ومن الآثار القديمة قبة رشيد المنسوبة إلى رشيد بن سليمان الحجيلان الذي مات قتيلًا عام (1234 هـ) على تدبير من الحرمة المعروفة بالعرفجية وهي الواقعة في السوق القديم.
وقد وقف الهدم على موضعها وما يتبعها من دكاكين قد يكون بعضها تابعًا لها وقد حظيت بازدحام شديد حينما كانت هي السوق المشهورة لبيع الخضراوات والتمور والفواكه حتى نقل ذلك السوق إلى موضع قصر بريدة حينما هدم بأمر من الملك سعود بن عبد العزيز واشتهرت قبة رشيد باسم صاحبها بحيث كان يجلس فيها ليشرف على الجهات الثلاث شمالًا وجنوبًا وغربًا ويمتد منها سوق إلى جهة الغرب فيه دكاكين ضعيفة للنساء يبعن فيها أنواع الأبازير قد زالت جهتها الجنوبية تبع الهدم.
وفيها في 17/ 8 الموافق لليلة الأربعاء وفاة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن زامل بن سليم أمراء مدينة عنيزة ويعتبر من رجالات المملكة العربية السعودية وكان مسكنه المزرعة المعروفة في عنيزة وتسمى الغبية وكان على جانب عظيم من الشرف والعقل والأدب وله شخصية بارزة في العلم والمروءة والأخلاق والطيبة.
والده الشيخ عبد العزيز بن زامل توفي شابًّا عن عمر يناهز السابعة والعشرين في الوباء الذي حصل بمكة المكرمة عام (1310 هـ) ولد المترجم بعد وفاة والده سنة (1311 هـ) في 16/ 2 أي بثلاثة أشهر ويومين فنشأ المترجم في حضانة أمه وتعلم القراءة والكتابة وأخذ العلم عن علماء عنيزة كالشيخ صالح بن عثمان القاضي وأخذ العلم عن الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي وهو من تلاميذه الأقدمين وما زال يتقدم حتى كان من أعيان أسرته ومن وجهاء أهل بلده فهو الوجيه المقدم، وله إلمام في العلوم الشرعية والعربية وله علم بارز في التاريخ والأنساب والأدب فكانوا يراجعونه في الأنساب لأنه من أبرز أهل بلده في ذلك وكان يقول الشعر، فمن شعره يمتدح شيخه الشيخ عبد الرحمن بن ناصر سعدي قوله:
دع عنك ذكر الهوى واذكر أخا ثقة
…
يدعو إلى العلم لم يقعد به الضجر
شمس العلوم ومن بالعلم متصف
…
مفتاح خير إلى الطاعات مبتكر
بحر من العلم نال العلم في صغر
…
مع التقى حيث ذاك الفوز والظفر
نال العلا يافعًا تعلو مراتعه
…
ففضله عند كل الناس مشتهر
بالفقه في الدين نال الخير أجمعه
…
والفقه في الدين غصن كله ثمر
وكان إلى ذلك صاحب دين مالكًا للسانه وحافظًا لكلامه ومن رجال العلم والأدب أضف إلى ذلك كرمًا ورجولة وعزة نفس ورزانة في العقل قمت مرة بزيارة للشيخ رئيس محاكم عنيزة عبد الله بن عبد العزيز بن عبدان في أناس من المشائخ والأعيان فوافانا المترجم عند الشيخ بن عبدان قبل صلاة العصر في أحد أيام سنة (1388 هـ) في برج الأسد ودعانا إلى منزله وأكد علي بالزيارة في السنة التي بعدها فقصت بدعوة منه بعدما عرض علي أن يصحبني رئيس الهيئات الدينية علي بن محمد السكاكر ومدير مالية بريدة حمد العبد المحسن التويجري وإبراهيم بن محمد بن الربيعان فاطلعنا على مكتبته الحافلة التي أقيمت من حجر وخدمت بالنوافذ والدواليب والأرفاف في جانب مزرعته.
وكنت طلبت منه ترجمة وزير المالية عبد الله بن سليمان فناولني كتابًا في التاريخ يحتوي على ترجمته وفتح لي باب المكتبة على مصراعيه وطلب مني أن آخذ ما شئت من المكتبة لكنني شكرته وأقسمت أن لا آخذ منها شيئًا وجعل يعرض عليّ كتبًا غير أنني لغلائها لدى كل أديب مثله لم تسمح نفسي بأخذ شيء منها جزاه الله خيرًا وجعل يناشدني أن آخذها فهي هدية من والد إلى صديق لكنني رفضت وكان عمره إذ ذاك في الثامنة والسبعين.
وصليت مرة صلاة الجمعة في الجامع الكبير بعنيزة وسلمت عليه وبعد رجوعي بعث إلي بخطاب قال فيه اعذر أخاك الذي بلغ من العمر ثمانين عامًا فلم ينتبه لك ثم توسل بكل طريقة أن أزوره وأخلف تلك الزيارة وكنت أظن أن الله منّ بفضله