الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتأييدهم لخادم الحرمين الشريفين وسخطهم البليغ لوقوع ذلك وأنهم يؤيدون الحكومة السعودية ويستنزلون اللعنة على من فعل ذلك في أعظم أيام الله أمام بيت الله.
ولا ريب في أنه لم يفعل ذلك إلا من فقد إنسانيته وخان الله ورسوله والمسلمين وسعى في الأرض فسادًا واستهدف لعقوبة الله تعالى في قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} (1).
حادثة قصر أفراح جيزان
لما أن كان في ليلة الأحد 29 ذي القعدة من هذه السنة أقبلت النساء والفتيات والأطفال إلى قصر أفراح جيزان لفرح العرس والاحتفال، وفي آخر الليل عند الانصراف من الاحتفال حصل ضجيج وصراخ وتغاريد من أولئك المجتمعين فنظر عامل القصل وحارسه أن هناك حريقًا بالتماس كهربائي فأقفل عداد الكهرباء فانطلقت النسوة والحاضرون للهرب إلى الخارج وتسببت ضيق بوابة القصر وضيق المسافة إلى أن يخرج الحاضرون من النوافذ ووطأ بعضهم بعضًا وداس بعضهم بعضًا بالأرجل مما أسفر عن مأساة عظيمة من جراء هذا الحادث الأليم فأصبحوا ما بين قتيل وجريح وهبّ رجال الدوريات والنجدة لعمليات الإنقاذ بكسر الأبواب والنوافذ لإخراج المصابين، ولقد تم استدعاء (17) طبيبًا من منازلهم على وجه السرعة فجر الواقعة كما تم استدعاء (25) ممرضة مختصة فهلك من هلك وحمل الجرحى إلى المستشفيات هناك.
قال بعض الرواة بينما كنت أمشي بالصدفة بجوار الموقع وإذا بي أشاهد أعدادًا من سيارات الدوريات والنجدة تسير بسرعة مذهلة في الحي فانتابني الذعر
(1) سورة الحج، آية 25.
وانطلقت في غير وعي إلى بوابة القصر لأشاهد أرتالًا من الأجسام البشرية مكومة على بعضها ومن غير إحساس بدأت بالبحث عن الوالدة فسكت قليلًا والتزمنا الصمت ثم جعل يروي ما وقف عليه من المأساة الشنيعة كيف ذهبت ضحايا ذلك الحادث الشنيع من أم وفتاة وصغيرة وكبيرة بحيث انتهى ذلك الحفل على حالة سيئة نسأل الله العافية.
وفي موسم الحج من هذه السنة اشتدت وطأة الحر في مكة المكرمة بحيث بلغت الدرجة ارتفاعًا إلى خمسين درجة ولم تحج إيران في هذه السنة لسوء علاقاتها مع السعودية، كما أنه حصل تفجيرات أخرى في الموسم في بعض الجبال وحريقة في مِنى التهمت خيامًا للحجاج لا يقل عددها عن مائة وعشرين خيمة، ولا ريب أن ذلك من المخاوف والتنكيدات التي يسعى أهل الشقاق والضلال وابتلى الله بها المسلمين، هذا وقد رأى حجاج بيت الله عناية ووجدوا خدمة في توفير المياه والثلوج وجلب الألبان والخبز والخضراوات وغيرها مما وفر لهم أنواع الراحة.
وفيها وفاة العالم العابد الزاهد الناسك والفاضل المجتهد صاحب العلم بالعقيدة السلفية والمتصف بالاستقامة والأعمال والأخلاق المرضية أمام ضاحية السباخ في الموضع الجنوبي من المدينة الشيخ عبد العزيز بن عثمان بن حمد بن مضيان رحمه الله وعاف عنه -، ولد في عام (1316 هـ) في قرية وهطان الواقعة في الجنوبي الشرقي عن مدينة بريدة فنشأ في أحضان والده الشيخ عثمان بن مضيان فأدخله في إحدى المدارس هناك وهي المدرسة الأهلية التي معلمها جده لأمة عبد الله بن معارك، وبعدما تعلم القراءة والكتابة أخذ في الدراسة على الشيخ عبد الله بن إبراهيم الباحوث في موضع العكيرشة، ثم أنه ترقى في التعلم حتى أخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم ولازمه وتردد إلى حلقاته في المسجد الجامع الكبير في مدينة بريدة وانتهل من ذلك المنهل العذب، ومن زملائه عبد الله العلي العجلاني الذي تقدمت ترجمته وأخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد بن فدا وأخذ عن الشيخ
عمر بن محمد بن سليم وكان يظهر دينه ويلهج بذكر العلماء المتمسكين بالسنة كآل الشيخ محمد والشيخ سليمان بن سحمان والشيخ صالح بن سالم آل بنيان وآل سليم ويظهر موالاتهم ومحبتهم ويميل إليهم وهو في طبقة الشيخ محمد الصالح المطوع في علم العقيدة.
وكان محبوبًا لدى الناس لما هو عليه من الإخلاص لله ومحبته للخير لهم وذا أصل عظيم في العقيدة ومحتفظًا بآثار الصالحين ولديه مكتبة علمية وله فهم وإدراك ومن أهل الولاء والبراء الذين يحبون لله ويبغضون له صابرًا ومحتسبًا وقانعًا بما قسم الله له من الرزق.
ولحسن نيته عاش في كفاف من العيش وفي سرور وغبطة في تفويض أموره لربه، فكان في الاتكال والرضا بمنزلة الملوك وإن كان لا يملك إلا بيتًا يسكنه ولباسًا يلائمه وكفافًا من العيش ولو شئت لقلت أنه من أفذاذ الرجال في حُسن خلقه وطيب مأكله وسلامة صدره وسلامة الناس من شره وقناعته بما آتاه الله، ولقد أكثر الأخذ عن الشيخ عمر بن محمد بن سليم وسار موجهًا إلى جهة الرياض للأخذ عن علمائها فأخذ عن الشيخ الألمعي عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن شيخ المشائخ، وأخذ عن الشيخ سليمان بن سحيمان وأخذ عن الشيخ محمد بن عبد اللطيف ثم أنه رجع إلى وهطان يتردد إلى حلق الذكر ببريدة فكان مقيمًا في وهطان.
ولما أن فتحت المدينة المنورة بعثه مشائخه في سنة فتحها بأمر من جلالة الملك عبد العزيز ليكون واعظًا ومرشدًا وموجهًا في الحرم النبوي، وقد يتولى إمامة المسجد النبوي، وبما أن الشيخ سليمان بن عبد الرحمن العمري سار إلى المدينة لتولي القضاء فيها فإن الشيخ عبد العزيز أخذ عنه كما أخذ عن الشيخ سعيد الغلاني، وكان المترجم يلهج بذكر الشيخ سعيد ويمتدحه بعلم العقيدة ويثني عليه.
فقد روى لنا عن هذا الشيخ أن حاجًا من الذين قدموا للصلاة في مسجد
رسول الله عليه الصلاة والسلام شكى واعظًا على الشيخ سعيد وقال أنه يزعم أن الله يتحرك وينزل ويصعد كما ينزل ويصعد الرجل في الدرج فسأل الشيخ ذلك الواعظ عن كلامه ومستفهمًا فقال لم أذكر إلا ما جاء في الحديث "إن الله ينزل في آخر كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يدعوني فأستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" ولم أذكر كيفية النزول بل ذكرت الحديث كما جاء.
فقال الشيخ للسائل اسمع يا بني حدثني أبي عن جدي عن فلان وساق بالإسناد إلى أبي هريرة عن صاحب هذه الحجرة وأشار إليها أنه قال ذلك، فبكى السائل واقتنع وزال عنه الشك، وكان المترجم يلهج بذكر الشيخ سعيد ويثني عليه ثم أن المترجم رجع إلى بلدته وهطان.
ولما أن توفي الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم رحمه الله وتولى أخوه مقامه رأى تأسيس جامع لضاحية السباخ فرأى في طلاب العلم البارزين في الدين والعقيدة من يكون إمامًا له فوقع الاختيار على المترجم وصدرت الأوامر عليه ليتولى إمامة الجامع والخطابة فيه عام (1351 هـ) فنقل من هطان إلى فيحان أو السباخ المذكور فكان إمامهم وخطيبهم ويرجعون إليه في الفتيا وعقود الأنكحة والنظر في شئونهم والإصلاح فيما بينهم وتولى إدارة المدرسة الأهلية هناك والتدريس في المسجد الجامع ودرس عليه وأخذ عنه جمع كثير من بين أولئك عبد الله بن عبد العزيز الصعب وأمير الضاحية صالح بن عبد الله التويجري وعبد الله المحمد بن مبارك وغانم إسماعيل وعبد العزيز بن إسماعيل وأبناؤهم وغيرهم، وتخرج عليه عدد كثير.
ولبث في إمامة المسجد الجامع ثلاثة وأربعين سنة ولما أن أسن ورقّ عظمه وأقعدته الشيخوخة انتقل إلى السادة وهي الموضع الكائن في جنوبي بريدة الشرقي وتفرغ للعبادة وقد يجلس للتدريس في المسجد ويؤم فيه في ذلك الموضع، ثم أنه ثقل سمعه وضعف بصره وفقد البصر لكنه لا يزال يقرأ عليه بعض أحفاده
ويسمعه القراءة ثم مرض وجعلت الأسقام تتردد على جسمه حتى توفاه الله تعالى في وقت أذان العصر من اليوم 15 من شهر ذي الحجة وصلى عليه المسلمون في المسجد الجامع الكبير في بريدة ودُفن في مقبرة السباخ بعد صلاة العشاء الأخير من ذلك اليوم لوصيته بذلك.
ومن الغرائب ما سأذكره في رؤيا رأيتها في إحدى ليالي سنة (1387 هـ) من أنني رأيت في المنام قائلًا يقول أن النبي محمد بن عبد الله في المسجد الغربي من مدينة بريدة فقمت مسارعًا لرؤيته والسلام عليه وذهبت إلى مسجد الشيخ محمد بن عمر بن سليم المعروف بمسجد أبو علطا وبينما كنت أمشي مبادرًا في شارع آل عطيشان إذا بقائل يقول هنا فأخذت باليسار إلى حيث أشار فدخلت مسجدًا هناك من طين فصعدت إلى سطحه بشوق عظيم وكان ذلك المسجد جدرانه مكللة بطين سبخ وفيه صف واحد ونصف صف فجعلت أسأل عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه فأخذ إنسان بحصاة قدر الحمصة ورماها إلى نحوه مشيرًا إلى موضعه في يسار الصف الأول، فلما رآني استقبلني ووجهه نحوي إلى الجهة الشمالية الشرقية فقبلته ثم صافحته وكان في هندامه على هيئة المترجم بثوبي خام قد بدى طرف الكمين الأسفلين من الأعليين وكان في صفته باسم الوجه أشمط الشعر أطول من المترجم بقليل بصفة رجل أعرفه يدعى إبراهيم السديري، وبعدما تبادلنا التحية والتقبيل بشوق مني عظيم قلت: يا رسول الله إن الناس قد أضاعوا سنتك، فأجابني بقوله: وماذا على سنتي إذا أُضيعت فهل يستوي الأعمى والمهتدي بضدهما وجعل يحثني على اتباع السنة حثًا عظيمًا ويشجعني في الثبات عليها على قدر ما يتكلم به ويستطيع التعبير عنه ثم جعل يتمثل بأبيات من الشعر كنت أظنها أبياتًا ذكرها ابن القيم في عدة الصابرين وهي قوله:
سأترك وصلكم شرفًا وعزًا
…
لخسة سائر الشركاء فيه
إذا كثر الذباب على طعام
…
رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء
…
إذا كان الكلاب يلغن فيه
فاستيقظتُ ويدي في يده وقد حالت بين وبينه اليقظة ويعلم الله أن رائحة المسك لتفوح من فمي طوال ذلك اليوم وكنت في رؤيتي له وما عليه بشت إنما عليه قيمصان.
ولما أن فجعنا بوفاة محبنا عبد العزيز بن عثمان قلت فيه هذه الأبيات التي كانت مرثية فيه وأشادة بذكره:
الله أكبر هذا الدين قد رجفت
…
به رحى من منون الموت منعثرا
إذا مضى زمر تتلوها زمر
…
وأصبحت باليات العقد منتثرا
عبد العزيز رعاك الله من رجل
…
كنت الأريب وكنت السمع والبصرا
حفظت لله عهدًا من أمانته
…
وقمت فيما رعاك الله مصطبرا
بك الأمانة فيك الخير أجمعه
…
خصال خير تعالى الله مقتدرا
ليهنك العلم والقرآن في سحر
…
ترتل الآي في الأسحار والسورا
وكنت في الأصل مقدامًا تعلمهم
…
تقرر الدين والتوحيد مشتهرا
على سنا من هدي الرحمن تبشر به
…
عن حسن قصد وقلب بالتقى عمرا
نبكيك يا من إلى الرحمن في وجل
…
قد سرت متجهًا نحو العلى فخرا
فقل لمن جاء ينعى موته أسفًا
…
ومخبرًا بالردى أخبرت بالخبرا
نعيت من العلى والخير أجمعه
…
وجئت فيما يسيء السمع والبصرا
نعى إلينا صديقًا ليس ننكره
…
محافظًا دهره في الود ليس منعثرا
أتيت في نبأ أخباره كمد
…
يكاد منها جميل الصبر ينشمرا
نعيت حبرًا همامًا فائقًا أممًا
…
وللمساجد بالأذكار قد عمرا
برًا وصولًا لبيبًا بل أخًا ثقة
…
فيا له من مرزء قد شوش الفكرا
يا لهف نفسي ووا حزني ووا أسفا
…
على الزكي الذي قد أسبل العبرا
عبد العزيز الذي طابت شمائله
…
أكرم به من صديق فائق السيرا
أهكذا تذهب الأخيار ليس لهم
…
عين ولا أثر يبقي لهم خبرا
عليك من عفو مولانا العظيم أجمعه
…
وما منح إله العرش منحصرا
سقى ثرى حله نجم الهدى سحب
…
من واسع العفو والغفران منهمرا
وصل ربِّ على المختار من بشر
…
شفيعًا من سمى علوًا ومفتخرا
محمد من أتى بالشرع ميسرة
…
وإله مع صحاب كابدوا السهرا
وفي النهار ففرسان لهم جلب
…
قد أعلنوا الحق في علو ومنحدرا
ورثاه أيضًا تلميذه عبد العزيز بن عبد الرحمن بن يحيى بهذه القصيدة منوهًا بفضله ومعربًا عن أعماله التي قام بها:
بكيت والدمع من عيني تنهمر
…
وقد رضيت بما يأتي به القدر
مضى الأفاضل والأيام باقية
…
وكل مجد سوى التقوى سيندثر
وهذه حالة الدنيا وسنتها
…
كم من عزيز لنا قد ضمه المدر
ودعت شيخ الهدى والقلب في كمد
…
والحزن في مهجتي ما زال يستعر
عبد العزيز بن عثمان كفى شرفًا
…
بالمضيان حقًا كان يشتهر
نشأ بروضة علم زانها أدب
…
تنبيك عن حالها الأخبار والسير
آل سليم بحور العلم في سلف
…
هم الأماجد والأقطاب والغرر
كم أرشدوا الخلق نحو الشرع مع سنن
…
أم القصيم بذكر القوم تفتخر
من ثم سافر كي يزداد معرفة
…
نحو الرياض التي بالعلم تزدهر
على ابن عبد اللطيف الجد قدوتنا
…
شيخ المشايخ ما في نهجه وضر
كم خرجوا من إمام فاضل فطن
…
بالبر والخير والإصلاح يتزر
بمسجد المصطفى أم الوفود به
…
وكان للشيخ في أرجائه أثر
سل عنه وهطان والأطلال شاهدة
…
فذاك فيحان سلّه عنده الخبر
عم المصاب بموت الشيخ وا أسفًا
…
فالعلم يبكي على أهل له قبروا
فموت أهل التقى نقص يهددنا
…
ماذا عسى بعد أهل الخير ينتظر
أحباب قلبي مضوا لله في عجل
…
ومن بقي منهمو للنحب ينتظر
بالأمس كنت فخورًا في مجالسهم
…
بروضة أنف قد زانها الزهر
علم وبحث وتوجيه وتبصرة
…
يسودها الخير لا الإعجاب والشجر
واليوم هم في بطون الأرض قد سكنوا
…
لله فيها البقاء والأمر والخير
فالمجد مهما علا فالموت ينزله
…
والعمر لو طال فيها طوله قصر
لا تغترر بحياة أنت تاركها
…
انظر لمن ملكوا فيها ومن أمروا
إلى آخرها وهي حسنة.
وقد ختمت هذه السنة والقتال مستعر في لبنان والزعازع تهدد أهله وأهالي فلسطين بالضفة الغربية بحالة يرثى لها فلا هم استطاعوا بانتفاضتهم أن يحققوا نصرًا مؤزرًا ينهي ما كانوا فيه من الضيم والقهر ولا كانت اليهود تحسن موقفها نحوهم الذين كانوا في دفاعهم لاسترجاع حقوقهم المسلوبة من قِبل اليهود ومناصريهم وأصبحت تلك الأعداء يتربصون بهم إحدى الحسنيين، ولكن نصر الله قريب.
أما أهالي أفغانستان وجهادهم مع حكومة كابل التي تمدها الروس بقواها فلا تزال نيران الحرب مستعرة وقد انتصر المجاهدون هناك انتصارًا مؤزرًا وجعلت قاذفات القنابل الصاروخية تهدد حكومة كابل بمدافعها القوية التي تزجي الوحوش وتبعث الموت والهلع والخوف على من في أمامها.
وهكذا ثورة السودان الأخيرة فإنها لم تستطع السيطرة على الجنوب بصورة نهائية، وأما الدول المتنازعة وقد حصل بينها النزاع ولا سيما الدولتين العظموين فإن النزاع لم ينته بينها بصورة قطعية تضمن لكل واحدة الأمن والسلامة من الأخرى، وإلى الله تصير الأمور.