الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدكتاتورية اعتبارًا من عام (1977 م) مظاهرات قمعت بعنف، ومنذ (1978 م) أخذت الفئات أمام الموقف في الشارع الإيراني بعد اضطرابات كان أبرزها يوم الجمعة الأسود الثامن من أيلول سبتمبر من ذلك العام وفيها قتل في طهران وحدها أكثر من 700 قتيل وأثر ذلك توقف شحن البترول وحدث اختناق اقتصادي وفشلت محاولة تشكيل حكومة عسكرية ولم يحظ هذه المرة بمساعدة أمريكا فاضطر إلى مغادرة البلاد في السادس عشر من كانون الثاني (1978 م) إلى مصر فالمغرب فجزر البهاما فالمكسيك فالولايات المتحدة ثم أعلنت الجمهورية الإسلامية في الثاني من نيسان إبريل (1979 م) ثم مرض فنقل إلى مستشفى كورنيل بنيويورك ثم نقل منه إلى مششفى المعادي في القاهرة وتم استئصال طحاله، وفي موسكو أذيعت وفاته في مصر بعد بذل علاج له في مصر وقدوم طبيب ماهر أمريكي على من طائرة بوينج تحمل أربعة عشر صندوقًا بها أجهزة طبية، لكن حالته الصحية خطيرة جدًّا بحيث تضخم طحاله إلى خمسة أمثال حجمه، وكان قد قضى 18 شهرًا في المنفى بعدما حكم في إيران التي بلغ عدد سكانها خمسة وثلاثين مليونًا، وقد مات وهو مطارد وفي طوال هذه المدة وحكام إيران يطالبون بحضوره ومحاكمته لاسترداد الثروات التي يزعمون أنَّه أخذها هو وأسرته ويستثمر أمواله في الخارج.
وممن توفي فيها من الأعيان
الشيخ محمد بن عبد العزيز بن هليل رحمه الله وعفا عنه وهذه ترجمته، هو الأديب الأريب الشاعر العربي الشيخ محمد بن عبد العزيز بن هليل، ولد عام (1330 هـ) ببلدة الخرج بنجد وتعلم القرآن بوطنه، وأجاد قراءة القرآن وعمره تسع سنوات ثم رحل إلى الرياض، وأخذ بعض العلوم الدينية على بعض المشائخ ثم سافر إلى مكة المكرمة والتحق بالمعهد العلمي السعودي فيها مع زملائه الأساتذة حمد الجاسر وعبد الكريم الجهيمان وظل في المعهد حتَّى حاز الشهادة وكان يدرس على بعض العلماء في الحرم المكي بعض الكتب المطولة إلى نهاية (1353 هـ)،
وأخذ عن الشيخ محمد بن عبد اللطيف وعن الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وقد تقلد عدة وظائف حكومية وهي قضاء رابغ طيلة عام (1354 هـ) ثم تولى قضاء الطفير بالحجاز من غرة محرم عام (1355 هـ) إلى أواخر عام (1359 هـ) ثم تولى قضاء الدوادمي.
وهو من الأدباء المعروفين بجودة الشعر وحسن الأسلوب وقد طبع له عدة قصائد في الرثاء والمناسبات ومر في هذا التاريخ جملة منها بحيث يبلغ مجموعها ديوانًا، وممن أخذ عنه المترجم محمد بن عثمان الشاوي، كان دائمًا يلهج بذكره ويترحم عليه ورثاه بمرثية في سنة وفاته، كما أنه رثى الشيخ عبد الرحمن بن قاسم والشيخ سلمان بن سحمان والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وكان وجيها لدى الحكام وذا حظ منهم وتولى وظيفة التحقيق بديوان المظالم ووظيفة التحقيق بوزارة الداخلية، وكان له مجالس ممتعة يتعاطى في الأدب إضافة إلى ذلك أنَّه عالم فقيه وذو عقيدة ومعرفة وكثيرًا ما تنتدبه الحكومة ليمثل ديوان المظالم في مهام الأمور.
وقد أحببت أن أورد قصيدة له رثائية قالها بمناسبة وفاة الشيخ محمد بن خنين، حيث قال: الحمد لله وحده والصلاة على عبده ورسوله، أما بعد فهذه أبيات رثائية قلتها لما فجعت بأحد إخواني المحبين من طلاب العلم وهو الشيخ الفاضل التقي الأريب محمد بن عبد الله الخنين المتوفى في عام (1354 هـ) نوَّر الله عليه ضريحه وأسكنه جنته الفسيحة بمنه وكرمه، وهذا نص ما قلت وأنا الفقير إلى مولاه محمد بن عبد العزيز آل هليل:
رضا وصبرًا على قدر الباري
…
إذ كل شيء لدى الباري بمقدار
لا يخطئ المرء حقًّا ما أصيب به
…
وليس يومًا عليه عكسه جار
كل ابن أنثى وإن طال الزمان به
…
لا بد مرتحل عن هذه الدار
ما للأنام مفر عن منيتهم
…
ولا امتناع بحجاب وأستار
فكل نفس لكأس الموت ذائقة
…
إلَّا الذي جل عن شبه وأنظار
أوعظ النفس لما جاء في خبر
…
أذاب قلبي مع نقال أخبار
إن الفتى طاهر الأخلاق قد سفحت
…
لفقده مقل كالهاطل السار
محمد نجل عبد الله من حسنت
…
حقًّا سجيته فسل به دار
شخص جني ذكي نال معرفة
…
شخص تقي نقي ليس ذا عار
على الصفا ووفا وحسن معتقد
…
وترك فحش وما يزري به الزار
يرجى له الفوز إذ قد كان متصفًا
…
بالخير مقتديًا بفعل أخيار
وآها القلب عليه أضحى ملتهبًا
…
واهًا لدمع عليه سافح جار
سقى المهيمن قبرًا حله كرمًا
…
بغيث عفو مع الرضوان مدرار
والله يسكنه يوم الجزا غرفًا
…
بدار خلد بجنات وأنهار
ألا فيا عامر الدنيا رويدك لا
…
تغررك زينتها وانظر بأفكار
ترى مصارع أقوام بها صرعوا
…
كانوا فبانوا ولم يقضوا الأوطار
فلا تكن معجبًا صافي ببهجتها
…
فإن مدتها كلمح أبصار
والموت حقًّا فلا تنسى به كربًا
…
ما بين حشرجة تأتي وأسكار
فنسأل الله لطفًا ومغفرة
…
والقرب منه وإبعادًا من النار
والحمد لله رب العالمين على
…
ما قد قفاه من السرا وأضرار
ثم الصلاة على المختار سيدنا
…
وصحبه خير أصحاب وأنصار
ما سحّ دمع وما حمامة صدحت
…
تبكي هديلًا على أفنان أشجار
وقال الشيخ راشد بن صالح بن خنين مترجمًا وراثيًا للمترجم في يوم الأحد الموافق 26 من ذي القعدة (1400 هـ) رزئنا بوفاة صاحبنا وصديقنا الشيخ الأديب الوقور محمد بن عبد العزيز بن هليل عن عمر يقرب من السبعين أسكنه الله فسيح جنته بفضله ورحمته، وقد درس مبادئ أصول الدين والعقيدة السلفية على يد والده الشيخ عبد العزيز إمام وخطيب المسجد الجامع بالقرية المسماة (العذار) التابعة لبلدة الدلم في منطقة الخرج ثم سافر إلى الرياض وأخذ العلم بها عن عدة
مشائخ منهم سماحة شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله ثم سافر إلى مكة مع الطلبة الذين اختيروا إذ ذاك للدراسة بالمعهد السعودي بمكة المكرمة ودرس به حتَّى تخرج منه مع دراسته بالحرم المكي الشريف على عدة مشائخ منهم الشيخ محمد بن عثمان الشاوي والشيخ محمد عبد الرزاق حمزة والشيخ محمد البيز وغيرهم.
ثم عين قاضيًا ببلدة رابغ ثم نقل على درجة رئيس محكمة إلى الظفير بمنطقة غامد وزهران ومنها نقل إلى محكمة ساجر ثم إلى محكمة الدوادمي التي قضى بها أكثر من عشر سنين، ومنها انتقل إلى ديوان المظالم محققًا شرعيًّا ثم مستشارًا شرعيًّا على مرتبة رئيس محكمة حتَّى بلغ سن التقاعد.
وقد أعيرت خدماته أثناء عمله بديوان المظالم لحكومة قطر للعمل في تمييز الأحكام الشرعية، وقد عرف في جميع أعماله التي تولاها بالتثبت والحكمة والروية مع تحري العدل والحرص على الوصول إلى الحق مع اتصافه بالأدب والتواضع وحُسن المحادثة رحمه الله وعفا عنه وله شعر كثير في المناسبات والرحلات والرثاء وغير ذلك، ولعل أحد أبنائه يقوم بجمعه وترتيبه وطباعته ولقد تأثرت لوفاته تأثرًا بالغًا ورثيته بالأبيات الآتية:
كل البرية للفناء مصيرها
…
لا فرق بين رعية أو سيد
والكل يلقى في القيامة سعيه
…
يجزى به من صالح أو من ردي
فالمخلصون مخلدون بحبه
…
والمشركون لهم عذاب سرمدي
إن المصائب في الحياة كثيرة
…
لكن قبض العلم داء المقتدي
والعلم يقبض إذ تموت رجاله
…
أهل القرآن مع الحديث المسند
إن المصيبة أن تكون بعالم
…
يبكي لها أهل النهي والسؤدد
إذ أنَّها الرزء الكبير لأمة
…
ترك الفراغ بثلمة لم تسدد
فالقلب يحزن والدموع مهيلة
…
نبكي على فقد الأديب الأمجد
أكرم به عالم ذي هيبة
…
عف اللسان مؤدب عف اليد
شغل القضاء بحكمة وروية
…
وتأمل في المدعى والمقصد
نظر المظالم دارسًا ومحققًا
…
قصد الوصول بدقة للمعتدي
ذي همة وعزيمة وترفع
…
عما يشين العالم أو مبتدي
أشعاره مملوءة بنصائح
…
وعقيدة تحكي صفاء الورد
ذي بسطة في علمه وبجسمه
…
ذي خفة في الروح غير مفند
زين المجالس إذ يبوح بنكته
…
فيها الجواب لصحبه أو يبتدي
أعني به شيخ الهليل صاحبي
…
فاجبر مصابي في الصديق محمد
كم مرة شاركته أطروحة
…
لنقي بها عنا هموم الجهد
كم مرة قال الرثاء بعالم
…
والآن يرثى والبقاء للموجد
قد زرته فوق السرور ممددًا
…
يشكو الضنى متألمًا بتنكد
بعد البشاشة والفكاهة عاقه
…
ثقل اللسان عن الجواب الفرد
أسمعته صوتي فهمهم داعيًا
…
لي بالثواب وممسكًا مني يدي
ودعته متكدرًا في لوعة
…
والموت يرقب واقفًا بالمرصد
ذاك اللقاء هو الأخير وأرتجى
…
جمع النعيم من الإله الأوحد
يا رب أعظم أجره وثوابه
…
واجعل له في القبر أفسح مرقد
أولاده أوصي وأنصح مخلصًا
…
متواصل وتعاطف وتودد
يا رب أصلح شأنهم وتولهم
…
واحمِ الجميع من الغواة الحسد
ثم الصلاة مع السلام على الذي
…
فضل الخليقة في الحياة وفي غدِ
هذا كلام صديقه وخاصته، وقد باح بما لديه من ألم الفراق فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اغفر للمترجم.
ونعود إلى بقية التَّرجمة، كان المترجم طوالًا فوق الربعة ممتلئ الجسم قد أعطاه الله بسطة في الجسم أسمر اللون مهيب الطلعة ذا شخصية بارزة حتَّى ليخيل إليك
إذا رأيته أنَّه من الأسرة له عينان كأنهما لسانان شهباوان ويلبس أحسن الكسوة ويفضل الغترة على رأسه والمشلح الأسود تجلوه الابتسامة دائمًا، وكان متواضعًا جدًّا مع ما منحه الله من الرفعة.
وأقول إخلاصًا للتاريخ كأنه لم ير مثل نفسه ويتعاطى الأدب ونعود إلى مواقفه ومؤهلاته، فقد جاء متظلم إلى الشيخ محمد بن إبراهيم بصفته رئيس القضاة يشكو قاضيًا ويتظلم وأغلظ في التظلم، ويمكن أنَّه صادق فجعل الشيخ يسترجع ويقول كفانا الله شرَّك وما وسعه إلَّا أن كتب معه كتابًا إلى الإمام الأعظم فيصل بن عبد العزيز لينظر في مظلمته، فدعا جلالة الملك فيصل بالرجل وقال له اسمع بأني سأقيم لجنة مكونة من ديوان المظالم ومن رئاسة القضاء، ومن المالية فإن كنت مظلومًا فسأفصل القاضي فصلًا، وإن كُنْتَ كاذبًا فوالله لأؤدبن بك الجن والإنس، هل أنت قادم على ذلك فأجاب بأنه مستعد، فأقيم ثلاثة أعضاء من الرئاسة والمالية وديوان المظالم، وكان المترجم أحد الأعضاء يمثل ديوان المظالم، وكان ذلك ليلة الثاني العشر الأواخر من رمضان، وقد طلبت اللجنة تأجيل القضية إلى ما بعد رمضان لمشقة الصوم والقيام فصدر الأمر بأن يسيروا إلى مهمتهم في الوقت نفسه فلما قدموا مدينة بريدة مروا في طريقهم على مسجدنا وصلوا معنا التراويح وأخبروني أنهم جاءوا لهذه المهمة، ولما أن جلسوا لها وجدوا هذا البائس مظلومًا بعد التحقيق واستعراض المسألة فرأوا أن يصلحوا بينه وبين خصمه بقدر من المال ستة آلاف ريال تدفع للمظلوم وأن ينهوا المسألة خشية على القاضي فرضي الفريقان لأنها تثبت إدانة القاضي ورجعوا ثم كلموا صاحب الجلالة بإنهاء القضية، فقال أخبروني عن الواقع فقالوا لا نخبرك بل أنهينا المسألة وخلص المتظلم ففهم الملك فيصل وأمضى اقتراحهم بشرط أن المتظلم قد خلص من قضيته. وقام هذا القاضي مرة بالإنكار باليد على أناس من الجنود يشربون الدخان علنًا فاجتمعوا عليه بعد نزاع وضربوا القاضي فرفعت المسألة إلى أعتاب جلالة الملك
فيصل فبعث لذلك لجنة مكونة من الأمن ورئاسة القضاء وديوان المظالم، وكان المترجم هو المبعوث يمثل ديوان المظالم، وكنت قد حضرت التحقيق مع المعتدين فكان هو الذي يتولى ذلك فرأيت معه حكمة وله هيبة ترج المعتدين وبعد التحقيق معهم أفرادًا ثبتت إدانتهم فصدر الأمر بجلد كل واحد منهم ثلاثين جلدة وأخذ التعهد عليهم أن لا يمدوا أيديهم مرة أخرى وهكذا كانت الحكومة تنتدبه ضمن المحققين.
ومن نكته أن بعثته الحكومة ضمن الأعضاء للنظر في مشكلات في الشمال الشرقي من المملكة، فلما أن هبطت بهم الطائرة في العاصمة قام الأمير فيها وسيرهم في سيارة وانيت ليحلوا تلك المشاكل في القرى وكانت الطرق رملية وربما غرزت لهم السيارات لأنها تعبانة فينزلون يدفونها فصاغ أبياتًا تصور الموضوع، ثم علق في آخرها أنهم رجعوا بطائرة مريحة وكيف أن الله منّ برجوعهم على متنها بعد ذلك:
أمن بعد كنفير ونيت وقرنبع
…
يرج بنا في سيره ويقرقع
ونيت دنيٌّ في المسير مخبط
…
كأن به مسًا من الجن يصرع
فطورًا بأعلى الحزم ينزو فينطفي
…
وهندله في أنفه ليس ينزع
وطورًا مع البطيء يبقى مغرزًا
…
فنحثوا نجافي الرمل عنه وندفع
فيزداد بالتغريز في الرمل راسبًا
…
فنخشى عليه الرمل يطغى فيبلع
هنيئًا مريئًا سائغًا في ابتلاعه
…
وذو العرش ينجينا وللشر يدفع
ومن فضله كان الإياب بطائر
…
يحلق في جو السماء ويرفع
وخير المطايا ما يسرك سيره
…
وينجز في طي الطَّرِيق ويسرع
وما كل مركوب مريح لراكب
…
ولا كل ظهر للمهامة يقطع
من الله نرجو العفو واللطف والرضا
…
وفضل إلهي بالمواهب أوسع
وله قصيدة نونية عظيمة في شأن هذه الصناعات التي وفرت للناس مصلحتهم
ولا سيما الطائرات ويصور فيها ركوبهم الطائرة وما فيها من القوة والمناعة وكيف سخر الله العظيم بقدرته ذلك الحديد ويصف إقلاعها وهبوطها باستخدام مادة الكهرباء الذي وفر للناس مصالحهم فمن أبياتها قوله بعد أربعة أبيات:
إذا محركها اشتدت صواعقه
…
يكاد ينصم منها سمع آذان
باسم الإله ركبناها مسخرة
…
تسخير مقتدر خلاق أكوان
توجهت تعبر الجو الرفيع بنا
…
أمضى وأسرع من منقض عقبان
مرت على الطير مرتاعًا ومنذعرًا
…
ما بين مندهش منها وحيران
مثل الشهاب يرى في الليل منطلقًا
…
وراء مسترق للسمع شيطان
بنا مضت وتعالى الله حاملنا
…
في البر والبحر تكريمًا بإحسان
حتَّى إذا شاهدت أعلام موقعها
…
ترنحت ونحت قصدًا بإمعان
فتأتي منصبة إليه هابطة
…
فتجري دراجة من فوق ميدان
فترسوا مثل رسو الفلك ثابتة
…
الله أجرى وأرساها بإمكان
إلى آخرها وهي حسنة طويلة رنانة لولا خشية الإطالة لأتينا بها.
ولما مرض اشتد به المرض تحولت صحته إلى ضعف ونحول كذا وصف حالته نجله سعد بن محمد غفر الله لهما، ولما أن نعيت لنا وفاته وقد كان صديقًا وصهرًا وابنة الأخت تحته قلت فيه هذه المرثية لعلها تشفي غليلًا وتعزي مجروحًا وذكرنا فيها شيئًا من مناقبه:
على علم أمسى فقيد الحبائب
…
نريق دموعًا من حلول النواكب
به قد أحاطت من أوامر ربه
…
طوارق قد أودت به للمعاطب
وما المرء إلَّا عرضة لكوارث
…
إذا أخطئت هذي فليس بهارب
أمور قضاها حاكم ومدبر
…
وما من قضا الرحمن منجا لهارب
عنيت به ذا العلم ابن هليل
…
محمدًا المعروف في كل صائب
وحبرًا به عبد العزيز أتى الورى
…
فأكرم به شهمًا وأنعم بصاحب
إذا قيل من للمعضلات يحلها
…
ويحكي عويصًا من فنون الغرائب
ومن لفنون العلم يبلغ شأوها
…
ومن يرتجى من بعده في النوائب
أجابت فنون العلم حبر سميدع
…
تغرد في علم يفوق لحاسب
وذاك أَبو المغوار ومن كان عارفًا
…
بحكمة تدبير وكشف الغياهب
أجل يا أبا المغوار مالك صامتًا
…
وقد كنت منطيقًا وأعظم واثب
عهدتك لا تبقي لصاحب حجة
…
بقول فصيح ماهر في التجارب
تفوق على الأقران في غض نعمة
…
وعيش رغيد راتعًا في المآرب
ينادون في الهيجاء ابن هليل
…
وغصنك مياد وأعظم دائب
فما بال هذا الطود أمسى مهدمًا
…
عليلًا كئيبًا شأنه كل مسالب
كأن لم يكن بالأمس نبراس حكمه
…
يعود على الأحباب في كل طائب
فأين التداوي من دعاة مهارة
…
لتكشف من أرزائنا كل صائب
أما كان في التمريض كشف لغمة
…
ودفع الأوهام ودرء المعاطب
فما بالها أردت كريمًا وسيدًا
…
وطيح به صخرًا صريع المصائب
ولكنه أمر الإله وحكمه
…
فعدت جمادًا لا تجيب لنادب
خرجت من الدنيا كريمًا معززًا
…
بذكر جميل حائز للمراتب
مضيت عن الدنيا سليمًا من الأذى
…
نزيهًا من الأسواء وكسب المعائب
مضيت إلى رب جليل وغافر
…
ونرجو لك الزلفى بيوم المصاعب
ليهنك ما قدمته من محاسن
…
وما سجل التاريخ في رق كاتب
عليك سلام الله يا خير راحل
…
ويا خير مفقود بخير المناقب
وأزكى صلاة الله ثم سلامه
…
على المصطفى المبعوث من نسل غالب
وآل وأصحاب هداة أجلة
…
وأتباعهم في الهدي من كل ذاهب
وممن توفي فيها علي بن معارك رحمه الله وعفا عنه، وهذه ترجمته: هو الأديب الأريب ذو الأخلاق والمكارم المعاشر المبتسم البشوش العاقل الرزين علي بن عبد
الله بن إبراهيم آل معارك، ولد عام (1330 هـ) ونشأ في أحضان والده المؤدب المعلم إمام مسجد ماضي في بريدة فمسقط رأس المترجم في مدينة بريدة عاصمة القصيم، وبما أن والده عبد الله لديه مدرسة أهلية فإنه انضم إلى والده لتعلم القراءة وحروف الهجاء، ولم تطل أيام والده بحيث أن توفي في عام (1337 هـ) بذلك الوباء العظيم.
ويدعى ذلك العام بسنة الرحمة عند العامة، وهلك بسببه خلق كثير في نجد والعراق والهند والإحساء وما يلي الخليج العربي، فأخذ في الدراسة على علي بن عبد العزيز الحوطي صاحب مدرسة أهلية في بريدة، لأن الأيام لم تمكن المترجم من الأخذ عن أبيه لوفاته بعد ولادة المترجم بثمان سنوات تقريبًا، وكان أديبًا قارعًا للشعر النبطي والعربي وله أخ أسن منه وهو الشيخ عثمان العبد الله المعارك تولى القضاء مدة من الزمن وتوفي عام (1391 هـ)، ويمتاز المترجم بأنه دمث الأخلاق وطلق المحيا بشوش وقد نال وظيفة في الجهة الشرقية من المملكة وخدم حكومته وأمته ومن شعره قوله يمتدح وطنه بريدة ويذكر أيامه التي عاش فيها بصباه، وما آلت إليه في الأيام الأخيرة من الرفاهية والتقدم وحب الوطن من الإيمان:
بريدة قد تاقت إليك مشاعري
…
وطاب لنا ذكر من رياضك والربا
بريدة ما أغنى تراثك إنني فخور
…
ومشتاق إلى مرتع الصبا
بريدة شمس في القصيم منيرة
…
لقد شاهد الزوار ما كان أعجبا
معالم الدار ذكراها لمفخرة
…
لكل فرد لها قد كان منتسبا
أعني بريدة قد ضاءت معالمها
…
وغرد الطير في أجوائها طربا
فيها المشاريع والعمران قائمة
…
والبعض منها قريبًا صار مرتقبا
أما الشوارع قد شاقت لناظرها
…
ثم الظلام اختفى من بينها هربا
تمتاز بالري والأشجار يانعة
…
تؤتي الفواكه والرمان والعنبا
والباسقات بقنوان مثقلة
…
من كل عذقي طري يجتني رطبا
في جردة السوق خيرات منوعة
…
يلقى بها كل مبتاع لما طلبا
وفاض إنتاجها مما تصدره
…
لكل قطر من المحصول ما جلبا
قرى القصيم وما يتبعه أجنحة
…
أنعم بها مسكنا للضيف قد رحبا
كذا الصباخ ووهطان وأخببة
…
مع البطين غزير الماء قد عذبا
شكرًا جزيلًا لمن أسدى فضائله
…
رب العباد والذي للخير قد وهبا
ثم الصلاة على المختار سيدنا
…
ما ضاء برق لوبل ماطر سكبا
وله شعر جميل يمتدح فيه الدار والسكان ويشكو نزوحه إلى ديار الغربة وفراق الوطن.
وكان شيقًا حبيبًا لبيبًا مأمون الشر عشرًا لا يمل حديثه نزيهًا بشوشًا وإنا لندعو له ونترحم عليه ونسأل الله له المنزلة العالية في الجنَّة، وكان من جيراننا في بيت والده الذي هو أقرب الجيران من بيتنا، وكان ينتاب وطنه للزيارة، وفي إحدى زياراته لبريدة سقط من السيارة فأصيبت إحدى قدميه بكسر.
وفي هذه السنة توفي على إثر انقلاب سيارة كان فيه حتفه، وهكذا الدنيا هموم وأحزان ومصائب في المال والأنفس والثمرات، قال الله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (1) وبالجملة فإن الدنيا دار من لا دار له، ومنزل من لا منزل له، ولها يجمع من لا عقل له ولله در القائل حيث يقول في وصفها:
ومن صحب الدنيا على جور حكمها
…
فأيامه منكودة ومصائب
هي الضلع العوجاء لست تقيمها
…
إذا سر فيها جانب ساء جانب
وقد وصف العقلاء حالة ابن آدم في هذه الحياة وأنه مهدد بالآلام والمصائب
(1) سورة محمد، آية 31.
والمخاوف كرجل فر من عدو واختفى في أعلى بئر عن عدوه، فحانت منه نظرة إلى أسفل البئر فإذا في أسفلها ثعبان عظيم فرجع إلى قدميه اللتين قد اعتمد عليهما وهل هما متوثقتان من طي البئر وإذا قد خرج من حوالي كل قدم حية تريد أن تنهشه إن غفل عنهما وكان بأعلى البئر شجرة لها أغصان فشد بيديه على غصن منها ليكون سببًا يتعلق به عند الحاجة والضرورة فإذا جرذ يقرض به فوقف متحيرًا لا يأمن من الحيتين إلى جانبه أو يسقط على ما في أسفل البئر، فإن تعلّق بالغصن فلا يأمن أن ينكسر به لعبث ذلك الجرذ به فبينما هو كذلك حانت منه نظرة فإذا عسل يقطر من بين حجرين أمام وجهه فأخذ يلعق العسل ونسي ما هوفيه من الأهوال نسأل الله تعالى السلامة والعون على ما نحن فيه.
وفيها وفاة الشيخ عبد الرحمن بن دخيل رحمه الله وعفا عنه، وهذه ترجمته، هو الشيخ الزاهد الورع الفقيه القاضي في لينه عبد الرحمن بن الشيخ عبد الله بن محمَّد بن عثمان بن دخيّل بتشديد الياء من النواصر من بني تميم ووالدته من الجمالة أسرة معروفة، ولد في بلدة المذنب عام (1308 هـ) وكان من بيت علم وصلاح فنشأ نشأة صالحة، وأخذ عن والده الشيخ عبد الله الذي كان مقصدًا لطلاب العلم في بلد المذنب.
ثم أنه بعد وفاة والده رحل إلى مدينة بريدة فأكبّ على طلب العلم بين يدي الشيخ عبد الله بن محمَّد بن سليم وبين يدي الشيخ عمر بن محمَّد بن سليم، وأخذ عن الشيخ عبد العزيز العبادي، وكان طلاب العلم إذ ذاك يسارعون إلى مزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر وأخذ عن الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد، وأخذ عن الشيخ محمَّد بن عبد العزيز العجاجي وأخذ عن الشيخ عبد الله بن محمَّد بن فداء كما أنه أخذ عن الشيخ صالح العثمان القاضي، وأخذ عن الشيخ عبد الله بن محمَّد بن مانع وكان من زملاء الأخ الشيخ عبد الرحمن بن عبيد بن عبد المحسن ثم سافر إلى الرياض للأخذ عن الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وعن الشيخ محمَّد
بن عبد اللطيف وجدّ واجتهد ونافس في طلب العلم وقد عينه الشيخ عمر بن محمَّد بن سليم مرشدًا وخطيبًا وإمامًا في هجرة الأرطاوية عام (1344 هـ) ثم نقل إلى هجرة الصفراء عام (1346 هـ) وبعد ذلك إلى غمرة من قبيلة الأسلم ثم إلى العظيم ثم إلى قضاء لينه.
وكان طلق المحيا متواضعًا بشوشًا رزينًا عاقلًا كثير التبسم عليه سيما الديانة والعلم وكان في إقامته بالعظيم يتجول في القرى التابعة لها ويعظ ويرشد فيها وفي حال قضاء لينه يدرس ويعلم في المساجد ونال محبة من الجميع له في سائر تقلباته وتنقلاته ولما بلغ من العمر ثلاثًا وسبعين عامًا أحيل على المعاش وذلك في عام (1382 هـ) فرحل إلى هجرة العظيم وسكنها وألقى عصا التسيار فيها حتى وافاه أجله المحتوم فيها متفرغًا للعبادة مقبلًا على شأنه وللمترجم أخوة من بينهم محمَّد وسليمان وعثمان الذي هلك شابًّا في مدينة بريدة، وله ذوق عظيم في طلب العلم، وقد أشرنا إلى وفاته في (1346 هـ)، وقد خلف المترجم عقبًا من الذكور.
وفيها في ذي الحجة أصيبت حكومة الجزائر بهزات أرضية أي زلزال شديد وكان الموضع المصاب منها مدينة الأصنام، فتهدمت مساكن كثيرة، وأصيب مائتان وخسون ألفًا ما بين قتيل وجريح، وقد قامت الحكومة الجزائرية بالدركتورات والشيولات لانتشال الجثث، فحصلت على ألوف من الجثث وتوالت الهزات عليها، وقد بعثت الحكومات مساعدات عظيمة من النقود لهذه الكارثة.
وفيها في يوم عيد الأضحى خطب معمر القذافي خطبة شنع فيها على السعودية باستخدام الطائرات في مِنى وعرفات، وزعم أنها طائرات أمريكية يجب الجهاد المقدس لذلك، لأن الحجاج تحت احتلال أمريكا، هذا ما أملاه عليه علمه.
وقد شنعت عليه السعودية بالردود وأجلبت عليه بالجرائد ضده، وكذبته الحجاج بافتراءاته حتى أن الحجاج الليبيين كذبوا مقالته وما زعمه، ولكنه تصدى لحجاج ليبيا حينما رجعوا فاعتقل 12 ألف حاج ليبي يحقق معهم ويعذبهم