الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هجوم على الكويت
ففيها في ليلة الخميس حادي عشر محرم زحفت العراق وهجمت بدباباتها ومدافعها على الكويت، فاستولت عليها بالقوة من دون سابق إنذار وأعلنوا أنهم جاءوا لنصرة الأمير جابر الأحمد الذي عزم شعبه على خلعه متظاهرين بهذا الكذب، وذلك وقت طلوع الفجر، وكانوا يريدون القبض على الأمير، غير أنه سبقهم النذير إليه فالتجأ الصباح إلى السعودية ثم أغلقت الكويت وعاثت الجنود فيها فسادًا، وانقطعت المواصلات بينها وبين الأمة فلم يبقَ إلا إذاعة في سيارة جعلت تستغيث حتى خمدت، ولما أقبلت المدافع ذوات الجنزير جعلت تضرب مصوبةً إلى الكويت ثم استولت تلك الجنود الراجفة على القصر الملكي والدوائر الحكومية، وتمركزت فيها بعد ما دافع أخو الأمير فهد بن أحمد ثم قتل وفرَّ من استطاع الفرار، ولما أن جرت هذه القارعة جاءت حاملات الطائرات الأمريكية متحركة لصد هذا الاعتداء، ولكنها ذكرت أنها لا تتدخل عسكريًا في الموضوع، وهذه حالة يؤسف لها، وقد طلب بعض ذوي الآراء أن لا يجري قتال أو أي حركة حتى تعالج الموقف بطريقة سلمية ما دام أن في القوس منزعًا، ولا ريب أن هذه الكارثة شنيعة جدًا، وقامت الإذاعات تنشر هذه الواقعة، وطلب الرئيس السوري حافظ الأسد عقد مجلس قمة لهذه المهمة، وكانت الأخبار منصرفة طوال اليوم في هذا الحدث الذي غير وجه التاريخ، وقامت الجامعة العربية توالي اهتمامها في الموضوع، وأكدت الكويت محتجة على العرب أنها لا تزال في القيام مع العرب ضد كل ثائر عليها، وأنه لا يمكن تصور هذا العمل الإجرامي دون صدى هذه الحادثة الغريبة والكارثة العجيبة في جميع أقطار العالم مستنكرين لذلك، وقد عقد مجلس في القاهرة حضره مندوبون من جهة الحكومات العربية، وحصلت مقاومة في الكويت، وقتل أخو أمير الكويت لما قام لصد الهجوم على قصر دسمان في الكويت وارتفعت أسعار النفط إلى ثلاثة وعشرين دولارًا، وقد
قامت العراق بتحصين مواقعها استعدادًا للحرب، وجعلت الطائرات على استعداد للحرب، وكان قصد العراق انتهاب أراضي واسعة من الكويت، هذا وقد ضجت الأمة من فعل العراق مستنكرةً لذلك ولا سيما الرئيس جورج بوش، وأكدت انسحاب العراق فورًا ودون قيد أو شرط، فالذين قضوا نحبهم من قصف المدافع والطائرات فيقدرون بمائتي شخص وعشرة أشخاص من بينهم أخو الأمير فهد الأحمد، وقد جعلت حكومة العراق حكومة في الكويت مؤقتة بعدما أطيح بالحكم السابق، وسنعود عن قريب.
وفي عاشر محرم وردت واردات مشروع توسعة الحرمين الشريفين من الرخام الإيطالية والمرمر وكان قيمتها سبعمائة مليون ريال، وقد اشتدت الوطأة على جنوب لبنان وانفجر لغم شديد الانفجار بحيث سقط من جراء ذلك سبعون ما بين قتيل وجريح، أما عن أهالي فلسطين فإنها تلاحقهم قوات الاحتلال يطلقون عليهم النار بجميع العيارات النارية فما بين قتيل وما بين جريح، وكل يوم يخسرون عشرات من القتلى والجرحى، وربما حالت جنود الاحتلال بين المصلين وبين المسجد الأقصى، ولقد استهدفت المسجد الأقصى لأذى اليهود وأصبح مهددًا من قوارعه وأذاهم، وفي كل يوم تحدث زعازع وتخويفات منذرة بالشر والويلات، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم إن كانت قوى أهل الإِسلام أصبحت عاجزة عن ردع من منعوا رفعته وأن نذكر فيه اسمك، فأنت القوي وهم الضعفاء، أنزل نصرًا من نصرك وتأييدًا من تأييدك على أربابه، يا قوي السلطان، ويا عالي المكان، وكانت الواقعة في إقليم التفاح تجلت عن 87 جثة انتشلها الصليب الأحمر.
عودة على بدا لما أن هجم العراق على الكويت بثلاثمائة وأربعين طائرة تأزم الموقف وفرَّ من استطاع الفرار من الأهالي إلى الحفر في السعودية، وبلغ عدد القتلى في اليوم الثاني من الواقعة 500 قتيل و 600 جريح، وقد قام المتبقون من الأهالي يدافعون بحسب قدرتهم، وجرت فوضى في الكويت وأغلقت أبواب
الكويت وانقطعت المواصلات بينها وبين ما سواها، وأصبحت الأمور هائجة مائجة تنذر بشرها وويلاتها، وترمي بشرورها، وأحاط الجيش العراقي بالكويت على بعد ألف متر وخمسمائة أمتار من الحدود السعودية، وأصبح أهل العراق يعيثون فسادًا في مملكة مستقلة هجموا عليها واستولوا عليها بظرف ثمان ساعات من الزمن بحيث لم يجدوا ناهيًا ولا مجلس أمن، ينتهبون أموال الكويت، ويهدمون ويفسدون، ويهدد الرئيس صدام بأنه إذا ما قام تدخل من أمراء الخليج أو غيرهم فإنه سيفجر آبار البترول بنار تحرق الأخضر واليابس، وهدد السعودية بأن إذا ما تدخلت فإنه سيضرب آبار البترول ويجعل الكويت مقبرة لأهل الخليج، ولما بادرت الرؤساء والملوك إلى عقد مؤتمر في مدينة جدة لم يحضر وفشل ذلك المؤتمر قبل انعقاده لأن الرئيس العراقي كان على أتم استعداد للحضور ولكنه رفض، وقد فرضت جميع الدول عقوبات على العراق كعدم تصدير بترول العراق والكويت وعدم التعامل معها مقابل ذلك العمل الإجرامي، وفكرت بريطانيا والولايات المتحدة بتوجيه ضربة قاسية على العراق لكنها تريد البواخر الأجنبية أن تتحرك إلى مياه الخليج، ولكن أمراء العرب وحكامها طلبوا عدم التدخل الأجنبى ولعل أن تنحل المشكلة من دون تدخل أجنبي، وكان الرئيس المصري حسني مبارك أعظم قائم بالاستنكار لهذا الموضوع، وأكدت بريطانيا بانسحاب العراق ووضع عقوبات عليه، كما أن حكومة السوفييت قامت باستنكار ذلك وأوقفت الأسلحة عن العراق، وأصبح غالب أهل الكويت لاجئين إلى السعودية في الرياض وبريدة وجدة، وأقامت حكومة جديدة أجنبية على وفق مرادها، ولكن جميع الدول لا يزالون يعتبرون إمارة جابر بن أحمد هي الحكومة الشرعية ولا يعترفون بالحكومة الجديدة، أما عن الأمير القديم فإنه لا يزال يتقلب في أمريكا وغيرها ويطالب مجلس الأمن بطرد القوات العراقية التي غزت بلاده وانتهكت حرمتها بهذا الوضع، ويلقي لأئمته على حكومة عربية شقيقة مجاورة تفعل تلك الأفاعيل الشنيعة وتغزو جارتها، وقد استمرت الأحوال هائجة مائجة، وقد قدم الرئيس اليمني علي عبد الله
صالح إلى القاهرة للبحث في الموضوع، وآخر ذلك أن انقطعت الأخبار جملةً عن الكويت وصارت في عالم الخفاء، وذكر الرئيس الأمريكي جورج بوش بأن العراق إن اعتدت على السعودية أو الأردن فإنها ستتدخل عسكريًا، وكان صدام ينفي نفيًا تامًا أن يكون اقترب من السعودية أو حدودها.
وفيها في 13 محرم وقع زلزال في حوالي روسيا انهد له منازل، كما أنه في ذلك اليوم تنازل ميخائيل غوربتشوف عن رئاسة الشيوعية هناك، ولما أن كان في اليوم الخامس عشر من محرم امتلأت البلاد السعودية بسكان الكويت الذي أخرجوا من ديارهم وأموالهم وأوذوا، وانتهبت أموالهم، وحرقت سياراتهم، وأصبحوا عالة فقراء لا يملكون شيئًا مشردين مشتتًا شملهم نساءًا وأطفالًا يلتجئون على الورش وأكواخ خيام أشبه بها زرايب الحيوانات، يستظلون بها بعد المراوح والمكيفات بحالة يرثى لها، وإن المدعو صدام حسين المغرور قد ارتكب أكبر الجرائم في معاملته لأهل الكويت البؤساء الذين لم يظلموا، وكانت تلك الفعلة الشنعاء لم يفعلها اليهود ولا النصارى ولا الذين أشركوا، لأن لا ذنب لهم يستحقون ما فعله بهم، وكانت الأسرة إذا رأوا كراج أو صاحب بيت يريد الخروج أو الذهاب لزيارة أو سياحة في حفر الباطن والدمام وغيرها يسقطون أمامه يسترحمونه لعله أن يسمح بسكنى إلى أن يأذن الله له بفرج أو مخرج، وقد امتلأت المساجد والمدارس بهم، وقد حدثني بعض من أثق به أن الأمة المقيمين في الكويت لما وجدوا سبيلًا للفرار حفاظًا على أعراضهم سحبوا أطفالهم من فرشهم نائمين وهربوا ولم يكن في جيوبهم ما يؤمن قيمة المحروقات للسيارات التي تحملهم إلى السعودية، وإن أسرة تعطلت سيارتهم بالدمام فبعثوا إلى أقربائهم في مدينة بريدة ليوافوهم بسيارة تؤمنهم في مسيرهم إلى مدينة بريدة، وأعلن البقية الذين تخلفوا بالكويت أنهم لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة سوى أسبوع واحد لأن المحلات التجارية والبقالات قد انتهبت، ولم يبقَ لديهم من القوت سوى ما يؤمنهم أسبوعًا لا غير.
ولما كان في صباح السابع عشر من شهر محرم الموافق أغسطس 1990 م الموافق
ليوم الأربعاء جاءت قوات أمريكية أبحرت البواخر والأساطيل البحرية في مياه الخليج تحمل الأسلحة والإمدادات لنصرة العرب في الخليج وحفاظًا على بقية الأمة هناك، وجعلت تلك الأساطيل الأجنبية تفرغ حمولتها استعدادًا لنصرة العرب وإنقاذهم من تلك الورطة التي قام بها الرئيس العراقي، وكان من أفعال تلك الأيدي الجائرة إخراج المرضى من المستشفى وهدمه وإحراق جميع السيارات وتدميرها من المعارض، وما وقعت أيديهم عليه، ووقفت الدبابات والمدافع الضخمة في شوارع الكويت ولا تخشى أحدًا، وبلغت الأمور ذروتها حتى آخر اليوم السابع من تلك الجريمة، ولم ينبض العرب شفة سوى الكلام لا غير، ومن العجائب ذل أنزله الله في قلوب العرب، وخوف فلم يتقدم أحد لمقاومة تلك الفتنة العمياء، ولم تعمل الجامعة العربية نحو تلك الواقعة شيئًا، بل ولم يقم مجلس التعاون الخليجي بشيء من الكفاح أو صد هذا الغزو المرير، حتى غاية الساعة الثانية من غروب الشمس ليلة الخميس 18 محرم، ولقد ازدحمت الطرق في المملكة العربية السعودية لما لجأوا إليها، وسمح جلالة الملك فهد بن عبد العزيز ملك المملكة السعودية لهم بذلك جزاه الله خيرًا لأنه لو لم يفعل ذلك لكان مئالهم إلى الهلاك والخمود، وذلك في إطار العطف والرحمة لمملكة استلبت واستولى عليها العدو بقوته وسلبه، وقد انتهب الطاغية أموال أهل الكويت، وقام يذيع بأنه فعل ذلك رحمةً بالكويت وإخراجًا لهم من قيود العبودية التي كانوا منذ زمن يعيشونها في حكم آل صباح، وذكر أن آل صباح كانوا فجرة فساقًا خونة، وأن الله بعثه في احتلال الكويت ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ولو كان صادقًا فيما ادعاه بإذاعاته وأبواقه أنه يريد الخير لهم وأن يسيروا أحرارًا بزعمه متخلصين من حكومة الصباح لما فعل بهم تلك الأفعال من التقتيل والنهب والسلب وإباحة الكويت للجنود العراقيين يفعلون بهم ما يشاءون، ويحكمون فيهم بما يريدون، فلقد كانت وما زال آل صباح الذين عاشوا في حكمهم وقتًا طويلًا مستريحين، وفي ظلهم الوارف خيرًا من جنته التي أشرنا إليها، ولقد كان أهل الكويت ينادون لما تخلصوا من
جراء فعلته المشؤومة وتنفسوا الصعداء فارين مما وجدوا إلى الفلوات والبراري ينادون بأنهم صافون تحت راية أميرهم جابر الأحمد، ويقدرونه بأنفسهم وأموالهم، ولما أن أبحرت البواخر ونزلت الأسطولات البحرية أشار بأنه علم أن العراق استهدفت للسحق والدمار، فأوعز إلى الرئيس المصري حسني مبارك يطلب عقد مجلس قمة بعد ما كان لم يخضع للعرب ولا إلى مؤتمراتهم، فأجابت العرب بأن الباب لا يزال مفتوحًا بشرط أن ينزل على أوامر مجلس الأمن وقيوده، وهي انسحابه جملةً من الكويت، وأن يرجع إلى صباح إمارتهم، وتلغى إمارته التعسفية المختلقة، وأن لا يعود إلى مثل أفعاله العجيبة المتقدمة، وأن تكون أمريكا هي الكفيلة بأمن الخليج عن مثل اعتداءاته على جيرانه وهتكه الأمن وأذيته للعرب والمسلمين، ولما أن خرج أهالي الكويت من بلدهم بحالة يرثى لهم، انتهبت سياراتهم الثمينة، وخرج الذين تخلصوا من جراء تلك المحن العمياء على سيارات هزيلة، وأغلقت في وجوههم الطرق الرئيسية ليسيروا عبر الصحراء، وطرق غير معبدة علهم يهلكون، ولم تكتف أفراد القوات العراقية بما حصل بل رصدوا لهم في الطرق يلاحقونهم ويسلبون ما على النساء من الحلي، وأخذ ما بأيديهم من نفقة، فانتهبوها وهتكوا أعراض النساء، ومما يؤسف له قصة سأرويها عن كويتي فرَّ هاربًا بعائلته المكونة من زوجته وأربع بنات، فاعترض له عراقي وأوقفه واختار إحدى البنيات ليعتدي عليها أمام والدها بالقوة، وصوب إليهم الرشاش فخوفه بالله وعقوباته، وقال له: خذ ما بأيدينا، وإن شئت فخذ السيارة ودعنا نهلك فالنار ولا العار، فصمم على ما يريد، فاستسلم المسكين وقال: خذ الفتاة واقض شهوتك منها بمكان بعيد وأت بها بعد ما تنتهي منها، فأخذها ولم يرجع بها، ولما لحقه يطلبه أن يرجع بالفتاة أبى وقال: سأعدمكم جميعًا إن لم تتركوها لي، وكان إذا جلس يرى عليه آثار البؤس ثم يغشى عليه، فإذا أفاق بعد ما استراح في السعودية سألوه عن نكبته التي تركته على هذه الحالة، يروي لهم القصة فنعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.