الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمطار على سائر نجد، وقد تهطل الأمطار متوالية بقدر أربعين ساعة لا تتوقف، وذلك بنوء العذراء آخر الوسمي، وجاءت الأنباء من ظلم وما يليها، ومن المهد بأن الأخير أحاطت بها الأودية من كل جهاتها فما استطاعوا السير منها إلى على متن الطائرات.
وفيها في غرة شهر رجب من هذه السنة ألقي القبض على المخربين الذين فجروا العبوات الناسفة في مدينة الخبر في شهر صفر الماضي، وأحدثت أضرارًا عظيمة في الأنفس والأموال هناك، ولما أن أرادت الحكومة السعودية أن تجري عليهم العقوبة اللازمة مقابل أعمالهم الإجرامية، طلبت الحكومة الأمريكية أن تتولى التحقيق معهم واتخاذ ما يلزم نحوهم لأن الذين قتلوا من جراء تفجيراتهم من رجال أمريكا بلغوا 19 قتيلًا، هذا ما نقصت منه أمريكا، وأما الذين أصيبوا وغيرهم فقد تقدم ذكر عددهم.
وفيها في أوائل شهر رجب أجريت انتخابات الأمين للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي، وبما أنه فاز بالانتخاب سوى أن أمريكا لم توافق على ذلك.
عود على ما تقدم
ذكرنا توالي هطول الأمطار فيما تقدم فنقول: توالى هطول الأمطار على سائر نواحي المملكة السعودية، حتى سقطت البيوت في مدينة الطائف، وجرى فيها سيول، حتى أن بعض العوائل أخرجوا إلى الشوارع وجلسوا على الأرصفة خشيةً على أنفسهم من تهدم المنازل عليهم، وقد برزت إحدى النساء متحجبة بثيابها وأكسيتها وجلست في الشارع تنتظر إياب زوجها بعدما حمل السبيل أثاثها، وسقط بيتها لترى ما يصنع الله بها، وقد بعثت الحكومة مساعدات من خيام وفرش وكسوة للمصابين من أهل الطائف وجدة، ومعونات تنقذهم من تلك الورطة، وأنه ليجب على أمة الإسلام أن يتكاتفوا ويتعاضدوا ويعطف بعضهم على بعض، لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وقد ذكرتني هذه الحادثة ما مرَّ في سنة 1376 هـ حينما تداركت السيول على منطقة القصيم من هطول الأمطار بكثرة
على تلك المنطقة بحيث سقط من جرائها ثلاثة آلاف بيت في مدينة بريدة، وفرَّ الأهالي من منازلهم وأماكنهم إلى الفلاة، فكانت السماء غطاء الفقراء والأرض فراشهم لا يوجد من الخيام الا القليل، فكانت الأمة تحت السماء تصب عليهم، والأرض تفيض من تحتهم، ومنهم من كانوا تحت أظلة أسقفة زرائب الحيوانات من كثرة ما ينطوي تحت سقوفها واصطنعوا مساجد في الفضاء لما كانت مساجدهم لا تغني عنهم شيئًا، وأصبحوا معدمين إلا من رحمة الله ربهم، ثم عطف حكومتهم، فشهران سوى أيام قليلة لم تُرَ الشمس، ولما طلعت الشمس جعلوا يستبشرون بها، ولقد كنا نواسي المنكوبين من العرب والمسلمين لما توجبه العاطفة الإسلامية إذا أنكبوا هكذا، أفصحت إحدى الجرائد السعودية وباحت بما لديها، وقد تقدمت القصة مبسوطة في موضعها فعلى من أحب مراجعتها فليراجعها، نعم كنا نبذل المساعدات للمنكوبين حسب إرشاد حكومتنا وطلبها، كما بذلتا للجزائر في أزمتها وورطتها مع فرنسا، وكما بذلنا المساعدات لمصر في الحرب الثلاثية وغير ذلك مما توجبه العاطفة وتفرضه العادات التقليدية، وفي كلام الحكمة: ما تعاونت عليه الرجال خف، ومن عدم ظهيره، وقل نصيره، وخذله أعدائه، ولم تساعده إخوانه، وكثر أعدائه، وهذه حالة بني الزمان اليوم المعروف لا يشكر، والكبير لا يوقر، والصغير لا يرحم، وقد قلَّ العطف على الفقراء والمساكين من أهل الجدة والثروة، وهذا عكس ما كان عليه أسلافنا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان بحيث لو سمع أحدهم بمصاب لقام يواسيه، وإن كان فقيرًا جعل يعطيه، ولو كان بعيدًا يهديه، وقد ذكرنا في بعض المناسبات أن أرملة ذكرت لوزير من الوزراء في أحد المساجد هي وأولادها جياعًا عراة معدمين، لا طعام لهم ولا شراب في ليلةٍ باردة شاتية، فأدركته الرحمة والعاطفة الإسلامية فبعث إليهم بما يصلحهم من طعام وفرش وكسوة وغيرها، ثم خلغ ثيابه وأقسم أن لا يلبسها حتى يأتيه الرسول فيخبره بما صنع، فلما رجع إليه وأخبره بأنه نفذ أوامره، وكان ينتفض من شدة البرد، وعاد إلى
كسوته وملبوساته فأين إسلامنا يا مسلمون، وأين عطفنا يا مؤمنون، وأين حميتنا يا موحدون، أما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله (1) وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتناصحهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى لهم سائر الجسد بالسهر والحمى" متفق عليه، وفي رواية: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم" وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بحقوق المسلمين بعضهم لبعض حتى ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وأمر بتعاهد الجيران والرفق بالجيران، وتقبيل الصبيان ورحمتهم، ولو أن المسلمين أخذوا بتعاليم الشريعة لأفلحوا ونجحوا وسارت بهم سفينة الفلاح والنجاح، ولكنهم ويا للأسف أضاعوا وصية نبيهم، بل وتوصياته، وتخاذلوا وحدثت فيهم الأنانية، وهي إصلاح المرء نفسه وعدم الاعتناء بغيره، وهي مذمومة قطعًا.
وفيها في يوم الخميس الموافق 24/ 7 أقيمت صلاة الاستسقاء في سائر نواحي المملكة السعودية حسب طلب الملك للمرة الثانية في هذا الشهر، لأن الغيث الذي أنزله الله من فضله وكرمه لم يعم المسلمين، فغالب المدن والنواحي ترجوا من كرم الله وفضله أن يسقيهم كإخوانهم.
وفيها قامت حكومة قطر ترأسها حكومتها الجديدة حمد بن خليفة بنزاع مع البحرين، وتقرر أن قطر تعمل بالخفاء ضد البحرين، فتوترت العلاقات بين الحكومتين، ونشأ سوء تفاهم بينهما.
وذلك في رجب من هذه السنة مرض الملك فهد بن عبد العزيز وكان يقوم ببعض الأعمال ولي العهد عبد الله بن عبد العزيز بمساعدة بعض إخوانه، وقد بعث جلالة الملك سيارات لبعض رؤساء هيئات الحسبة مساعدة لهم في أعمالهم، وكان
(1) رواه البيهقي في شعب الإيمان، هكذا ذكره صاحب مشكاة المصابيح.