الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعرفون ذلك الحساب، وفوق كل ذي علمٍ عليم، وله جداول أخرى وشرح قصيدة محمد القاضي سماه تحفة المزارع، وله كتاب الدرر المنثورة في التواريخ الثلاثة المشهورة، وهذه في الغروبي والزوالي والميلادي، وله تقويم الأوقات لإرشاد ذوي الألباب لمعرفة مبادئ السنين والشهور من طريق الحساب، وما زال في نشاطه وحيويته حتى أقعدته الشيخوخة بمرض ألزمه الفراش شهرًا كاملًا، فالله المستعان، وتوفى عن عمر يناهز الثامنة والثمانين غفر الله له وعفا عنه، وقد حزن لمصابه من يعرف ثقافته وأدبه، وبكته النوادي ورجال الأدب، ولكن ذلك دون ما يستحقه.
وفيها ألقي القبض على المفسدين الذين فجروا عبوة ناسفة من الديناميت في حارة العليا من الرياض في 20 جمادى الثانية، وكانوا أربعة وأجري التحقيق معهم فأقروا الجناة بما قاموا به من إفساد، ونشرت صورهم في الجرائد، ثم أعدموا بالقتل، وشهّر بأجسامهم بين الأمة مرفوعة بالونشات، فالحمد لله الذي مكن منهم، وفي الحديث الشريف:"حد يقام في الأرض خير لهم من مطر أربعين صباحًا"، وكانوا ينتمون إلى الدين ظاهرًا والله إنه ليبعث الأسى ويهيج الأحزان، ويذيب القلوب أن يكونوا من العرب، ويدعون الإسلام، وتجري منهم الأفعال اللا إنسانية، فعياذًا بالله من همزات الشياطين، ومن الخذلان، فقد دمرت قنبلتهم أموالًا وأنفسًا بشرية، وألقت الرعب وفيها التلاعب بالأمن، وهذه نظيرة الفعلة السابقة في جامع القوباء التي ذكرنا قبلها.
ذكر عجائب من عجائب التاريخ
لما أن كان في هذه السنة والسنين قبلها كثر الأجانب في المملكة العربية السعودية من شامها ويمنها، ومن مصر والهند والباكستان، والفلبين والكوريين، وغيرهم بصفة لا نظير لها، وجاءوا بصفة الخدم والسواقين، وامتلأت الشوارع منهم، فهذا يعمل في البناء، وهذا يعمل في الدكاكين وأموال التجارة، وهذا في سياقة السيارات، ووثقت الأمة بهم، ومن الأسف أن بعضهم ليسوا بمسلمين، فتجد صاحب الدكان وصاحب محطات البنزين يولونهم أموالهم ومعاملاتهم إلى
درجة أنهم يثقون بهم أعظم من ثقتهم بأولادهم وبني جنسهم، وكنت أظن أن الأولاد وبني الجنس أبوا أن يقوموا بالأعمال، أو يكون من باب الامتحان، فإنك تجد الابن أو البنين يعملون لدى الناس براتب ضئيل، ويطلب أولياء أمورهم أن يعملوا عندهم برواتب مضاعفة، ولكنهم يأبون ذلك، وتضرب لهم الأمثال "كن كأم موسى عليه السلام ترضع ابنها وتأخذ جرتها"، فلا يجدون آذانًا صاغية، فكان صاحب الدكان أو المحطة كأجنبي، فإذا جاء من وسط النهار أو منتصف الليل بعد نومه الضحى، أو ضياع الوقت إلى نصف الليل إذا بالعامل قد بقي في الدرج له ما يزعم أنه ما اكتسب، فيأخذ مقتنعًا قليلًا كان أو كثيرًا، فينشأ عن ذلك خيانة كبيرة، فقد يكون العامل الأجنبي خائنًا فينتهب ما يشاء من النقود جاعلًا لها في موضع لا يعلمها سيده، فقد قيل: لإنسان أحذر عاملك، فقال: وما أخشى إذا كنت أفتشه كلما أتيه فألحوا عليه فوجدوه يستصحب مصحفًا كبيرًا لا يتخلى عنه كلما لم يكن يعمل فأخذه، فلما فتشه إذا بين أوراق المصحف أوراق النقود الرفيعة أمهات خمسمائة فما دون، وقيل: الأخر احترز من عاملك، فذكر من ثقته به وأمانته فلما ألحوا عليه فتشوا عليه خفية فإذا بمطبقة مشقوقة من أعلاها على قدر سقوط النقود، فحملها إلى بيته، وبعدما كسر غلفتها وإذا فيها اثنا عشر ألف ريال، فلما كان في منتصف الليل أتى بقفل جديد وخلع الأول وركبه، فلما أن كان في الصباح وجاء ليباشر العامل العمر إذا بالقفل مغيرًا فذهب إلى سيده يقول: يا عمي سرقنا، فناوله مرتبه وقال: يا بني اذهب في أمان الله فقد قلت المصالح فسقط في يده وخجل، وفرَّ من بين يديه، فلما كان من الغد وخرج يطلبه وجده قد حلق لحيته الكثيفة التي يربيها ليخدع بها الناس، فكلمه قائلًا: يا عبد الرحمن أين لحيتك؟ فأجاب ذهبت مع المطبقة، ولولا أنه كان لك والدة تدعوا من آخر الليل في حفظ مالك لذهب، وهكذا فعل العمال الأجانب، وكان أبو مسلم الخراساني الذي انتزع الخلافة من بني أمية يقول في أبيات له:
ومن رعى غنمًا في أرضٍ مسبعة
…
ونام عنها تولى رعيها الأسد
وما زال الأجانب في كثرة حتى كانوا في عواصم المملكة أكثر من السكان بنسبة ثمانين في المائة، فكنت ترى في الجوامع وقت الصلاة من الذين يصلون الجمعة ما ذكرنا، وقليل المواطنين من بينهم، وهم وإن كانوا أجانب فكانوا يتقدمون ولا يلتزمون الآداب، كأهم أهل الوطن ونحن الأجانب، وقد ذكرنا فيما تقدم أنه منذ ست وستين سنة لا يوجد أجنبي في مدينة بريدة سوى أنه جاء طبيب يسمى ديم فلبس لباس البيئة قميص وشماغ وقباء ومشلح لئلا يستنكر، وفي يومنا هذا نرى ما آلت الأحوال، فسبحان المتصرف في خلقه على وفق مراده، وهذا مصداق ما أخبر به الهادي الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم في قوله:"إذا أمّن الخائن وخوّن الأمين، وساد كل قبيلةٍ منافقوها، وكان زعيم القوم أرذلهم، فانتظر الساعة، إن الساعة علمها عند الله"، وقد وردت إماراتها في الأحاديث الصحيحة، وجدت أشراط الساعة الصغار والمتوسطة، ولم يبقَ إلا الكبار، فنسأل الله الثبات على دينه والتمسك بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم إلى أن نلقاه، وإن لمن المؤسف أن تأتي الفتن بدقيق نصها، فالموفق من تأتيه منيته وهو يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر، وقد كانت المؤنة في هذه السنة شديدة كالأعوام قبلها، فكان برميل الغاز للوقود حجم خمسين في ثمانية وعشرين، ومقاس 25 في 14 ريال، وبرميل الديزل الكبير في 7000 ريال، وكان الذين جعلوا سياراتهم على الديزل قد ندموا لغلائه، كما أن قيم البنزين والكهرباء والهاتف وعدادات المساكن قد بلغت كاية في الغلاء، وقد تأخرت الزراعة وألقيت المحوريات في العراء، وكادت الزراعة إن استمر ذلك أن تتعطل.
وفي هذه السنة كثرت السرقات في القصيم وذلك لضعف الإمارة فيها، وقد ذكرنا ذلك ما جرى في عام 1376 هـ من عدم الأمن على الأموال.
وفيها ولدت طفلة حامل، وبعدما أجريت لها العمليات تقرر لدى الأطباء أن أمها حملت بتوأمين فكان أحدهما في بطن الآخر، وكان ذلك الفحص بعدما كان لها من العمر ستة شهور، والله على كل شيء قدير.