الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما تجلى عن ذلك البلاء
تعطلت الدراسة في مصر ووقفت الحركة، وأغلقت الدكاكين ذلك اليوم، وهلك ستمائة قتيل وتسعون قتيل، وجرح أربعة آلاف، ولكنهم في اليوم الثاني من هذا الزلزال رجعوا إلى الحالة الطبيعية وفتحت المدارس والمعامل والدكاكين، وعادوا إلى الحالة الطبيعية.
انفجار بركان
قد نبهنا الله عز وجل عن عدم الأمن من مكره بقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16]، وفي هذه السنة انفجر بركان الفلبين فقامت الحجارة السوداء تقذفها الأرض إلى الفضاء بحيث ارتفعت في الجو إلى قدر ثلاثين كيلو بحمم سوداء، وربما تكرر انفجاره مرات عديدة، وأخذ السكان حذرهم منه، فتباعدوا عن قربه بمسافة ثلاثين كيلو، فكانت هذه المساحة مسرحًا للحوادث من جراء تلك الحجارة التي تقذف يمنةً ويسرة، وفي هذه الآونة تنطلق فوهته بتلك الحجارة، وكانت القدرة البشرية عاجزة عن ردمه وإيقافه فلم يجدوا بدًا من الابتعاد عنه وهجر ما كان حواليه من تلك المساحة الكبيرة حذرًا من تلك الطوارئ.
انتشار الكتب وإيجادها
كانت الأمة فيما مضي يستخدمون أقلام القصب والمحابر في نسخ الكتب، وتقوم أناملهم في العمل لذلك، مما كان يشق علي الأفراد تحصيلها، وكان الكاتب الماهر في الكتابة قد يكتب القرآن الحكيم في وقتٍ طويل فلا يتمكن من ذلك إلا في فترة أيام، ويجعل بين الآيات دوائر بالقلم الأحمر، كذلك الرموز التي توضع للوقف وعدمه كاللازم والجائز، وانتشرت مؤلفات العلماء المتقدمين باستخدام المحابر والأقلام التي كانت من القصب، بحيث يبري الكاتب القلم بالمبراة من الجهات الثلاث، فإذا استدق فإنه يشق رأس القلم ليسيل الحبر بكثرة، وقد كنت كثير الكتابة كذلك، يقول الشاعر في صفة ذلك راثيًا عالمًا من العلماء ذاكرًا مواهبه وماله من الصفات الحسنة:
وأقلامنا سقت عليه ناسفًا
…
على خد أعلى الطرس كم فيه ترصع
وقد خدمت هذه المحابر والأقلام القصب العلماء المتقدمين، وجاء من بعدها أقلام تعبأ بالحبر الأزرق ولكن الأقلام القصبية لها دور فعال، وكان الأدباء والعلماء من يدخر قلمًا، وأوصى العالم عبر عبد الرحمن بن علي بن الجوزي بأن يسخن ماء تغسيله إذا فارق الدنيا بعلامات أقلامه، فوجدوا منها كمية زادت عن المطلوب، وانتشرت مؤلفات كبار العلماء كالإمام أحمد بن حنبل والشافعي ومالك باستخدام هذه الأقلام القصبية، كما أن مؤلفات شيخ الإسلام تقي الدين وابن القيم وابن رجب وعلي بن عقيل بالأقلام القصبية السيالة، ومن نظر إلى مؤلفات عماد الدين بن كثير وتفسيره للقرآن وتاريخه ومؤلفات موفق الدين بن قدامة، حتى قيل أن كتاب الظنون لابن عقيل يبلغ ثمانمائة مجلدًا وقيل أربعمائة، ومؤلفات الحافظ بن حجر العسقلاني، والفخر الرازي، والزمخشري، والحسين بن مسعود البغوي والبخاري وشروحه، وعمدة القاري، وفتح الباري، وهداية الساري، ومؤلفات بن مفلح وصحيح مسلم وشروحه، وابن الاثير كأسد الغابة، وجامع الأصول، وكتب اللغة القاموس المحيط، ولسان العرب، وتاج العروس وغيرها من كتب العلماء فإنه يرى من العجائب بركة الله تعالى في نشرها، ولكنها تباع بأسعار باهظة، وسمعت بأن جامع العلوم والحكم لابن رجب بلغت قيمتها اثني عشر ريالًا وكانت إذ ذاك تلك القيمة قد تشتري بها بيتًا لسكنه، بل زادت قيمة هذا الكتاب عن اثني عشر ريالًا إلى زيادة وزنتين من القهوة البن، وثوب وشماع، ورأيت كتاب الكبائر للعلامة الذهبي مكتوبًا بقلم جميل، وقد ملك هذا الكتاب الفقير إلى الله محمد بن عمر بن سليم، ونصيحتي لطالب العلم أن لا يغير كتبه، فقد لا ترجع إليه في هذا الزمان، ولما نشأت المطابع في أول الأمر لا تستطيع التأشير بالحبر الأحمر ويعتذر أربابها عن قيامها بهذا الغرض، ولكن مع تطوير الصناعات وتقدم العلم بها، استطاعت ذلك وأتت بما ينبغي الإتيان به تعذر الأمر عنه، وفي هذا الزمان جلبت الكتب وطبعت، وكان لها طور عظيم، واستطاعت الأمة
باستخدام المطابع أن توجد كتبًا قد لا يتوصل إليها ككتاب الغاية وشرحه مطلب أولي النهى، وكتاب الإنصاف، ومصنف بن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، وتفسير بن جرير وتاريخه، وتفسير ابن كثير وتاريخه، البالغ ستة عشرة مجلدة، والمغني في الفقه والكافي في الفقه، وتفسير أبي السعود، وتفسير القرطبي، وتفسير القاسمي، وتفسير الفخر الرازي، وكشاف الزمخشري، ومن العجائب تيسير قيمتها، فقد بلغت قيمة نيل الأوطار ستين ريالًا، ومسند الإمام أحمد وسير أعلام النبلاء وكتب اللغة ومعجم البلدان، ومجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية، وأسد الغابة، والإصابة، ووفيات الأعيان، وتفسير الشوكاني، وشرح السنة للبغوي، وسنن الأقوال والأفعال، وجامع الأصول، والأمهات الست، والمجموع شرح المهذب، وكتاب الأغاني، وصفة الصفوة، ومشكاة المصابيح، وسنن البيهقي، والمقنع والإقناع، ومدارج السالكين، وزاد المعاد، ودلائل النبوة للبيهقي، وتفسير الخازن، وتفسير صديق، ولو ذكرنا بعضها لضاق الوسع، تباع هذه الكتب بقيمة مناسبة، وربما كان بعضها بقيمة زهيدة، وأصبحت موجودة لدى الأفراد، وفي سائر المكاتب بعد أن لم تكن موجودة الا عند أفذاذ الناس، أو في المكاتب الكبار، وقد انتشرت في هذه الأزمان كتب لا يحصى لها عدد وكثرت طباعتها وخدمت بالتجليد، وانتشرت دواوين الشعراء كابن ربيعة وحسان بن ثابت وأبي تمام وابن هانئ وابن مقرب والمتنبي وديوان الشيخ سليمان بن سحمان وأحمد بن مشرف، وديوان أبي العتاهية، وحافظ إبراهيم، وأحمد شوقي، وديوان الإمام علي، والشافعي وغيرها، وامتلأت رفوف المكاتب، وكنت أذكر أني طلبت كتاب مدارج السالكين إعارة من أحد مشايخي الكبار لمدة خمسة أيام، فما حصلت عليه، وهذا من مدة ست وخمسين سنة، وفي هذه الآونة قد توفرت أنواع الكتب، والحمد لله وأصبحت السنة الثامنة من أوائل القرن الخامس عشر وما بعدها يضرب الأمثال بها في كثرة الكتب وتيسير حصولها لكل واحد من الأفراد، فضلًا عن مكاتب المعاهد والكليات والرابطة الإسلامية في مكة المكرمة، والجامعة الإسلامية في المدينة.