الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجلًا ويمتاز بحسن السلوك ولين العريكة، وتهذيب الأخلاق، فكان الشيخ يتردد إلى بيته لتناول الطعام، والشراب بحيث لم يتزوج ولم يكن لديه من يخدمه، واشترى له كتبًا ثمينة وجميع ما يتطلبه الوضع، وفرغّه والده لطلب العلم، وكان له زملاء في المسجد المذكور في حجر المسجد، وما زال يتقدم، ثم إنه سافر إلى مدينة الرياض لطلب العلم من الشيخ الفاضل محمد بن إبراهيم آل الشيخ بعد أن كان من زملاء الشيخ علي السليمان الصالح، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العيدان، والشيخ سليمان بن محمد بن جربوع في بريدة، وكان زملائه في الرياض الشيخ عبد الله بن يوسف بن وائل، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، والشيخ عبد العزيز بن باز في أناس آخرين، واختارت الحكومة هؤلاء الأربعة لما كانت تتفرس فيهم العلم والمعرفة، ولما أخذ حظه من العلم في الرياض، بعثت ثلاثة منهم لتولي وظائف الحكومة في القضاء، وبما أن المترجم لم يرضَ هذه الوظائف القضائية ألزمته الحكومة إلزامًا، فقام بوظائف القضاء، وكان عند حسن الظن بحيث لم يشاغب ولم ينازع، بل كان دمث الأخلاق، حسن المعاملة، محببًا إلى الناس.
وظائفه التي نالها
أولا جعلته الحكومة في قضاء بلدة الزلفي، فقام بالعمل خير قيام، ولما رأته الحكومة أكبر من هذه الوظيفة نقلته إلى قضاء المجمعة، ولما أن كان من خيرة بني زمانه لم يرفع عند أخطاء، ولم يشاغب، جعلته الحكومة رئيسًا لمحاكم المنطقة الشرقية، ثم نقل رئيسًا لمحاكم الرياض، ثم مساعدًا لمدير عام التعليم بالمملكة، ثم رئيسًا لمحاكم عنيزة، وأخذ من السياسة ما الآن شكائمهم، ولما أن احتاجت محاكم مكة المكرمة رئيسًا لمحاكمها بعد فضيلة الشيخ عبد الله بن عمر بن دهيش، نقلته الحكومة لأن يكون رئيسًا لمحاكم الحجاز، وناهيك به من حبر، سار بها وخطابها خطا بحسن سيرة وحكمة، ولبث في الرئاسة زمنًا قويًا من غير عنف، ولينًا من غير ضعف،
أوامره منفذة، وسيرته حميدة، وكان في الوكالة معه الشيخ عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، ثم إنها شغرت وظيفة رئيس الإشراف على الحرمين الشريفين بعدما رفع الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد إلى أن يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء في العاصمة الرياض بعهد إمام المسلمين خالد بن عبد العزيز الملك العادل، ذلك لأنه راجح العقل، وينزل الأمور منازلها، كما جعل الإمام الملك خالد وزير للعدل إبراهيم بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ، فصدرت الأوامر بنقل الشيخ بن حميد إلى تلك الوظيفة، ولم تجد الحكومة لرئاسة الحرمين غير الشيخ سليمان بن عبيد، وذلك لما كان يختصه الملك فيصل بن عبد العزيز للمشاورة والاستئناس، لأنه حظي في القرب من الملك فيصل لما رأى حسن سلوكه وقلة مشاغبته، ورضا الجميع عنه، فلبث المترجم في الرئاسة للإشراف على الحرمين، حتى أقعده الكبر، وطلب من الملك فهد بن عبد العزيز الإحالة على المعاش والتقاعد، فعطف عليه وأكرم مثواه بالإجابة إلى طلبه، وكان المساعد للشيخ سليمان فضيلة الشيخ محمد بن عبد الله بن سبيل، وهو الذي تولى رئاسة الإشراف على الحرمين، ثم إنه لما استراح من الأعمال أصبح يصيبه الدوار، وقد تصيبه بعض الأحيان قلة الذاكرة، ثم إنه توفى في هذه السنة عن عمر يناهز الرابعة والثمانين وأربعة أشهر، نسأل الله تعالى أن يعلي منازله في الجنات العلى، وفيها النعيم المقيم، وإنها لخسارة عظيمة أن يصاب الإسلام بمثله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وبما أنه صديق لنا وزميل في الدراسة على مشايخنا، فإني أحببت أن أرثيه بهذه المرثية، وهي غيضٌ من فيض:
سلامٌ من الرحمن للحبر ذي النهى
…
فما هو عن أسبابها متخلف
عليه سلام الله أزكى تحيةٍ
…
وروحٌ وريحان يبدو ويعطف
وإني وإن كنت الذي لا يهمني
…
فراق بني الدنيا إذا هم تخلفوا
ولكنني والله ما زلت باكيا
…
وأندب أخلاقًا لها الموت يخطف
فهذا صديقٌ مخلصٌ بوفائه
…
وهذا قريبٌ بالفجيعة يؤسف
سليمان قد كنت الرزية في الملا
…
وفارقت أحبابًا وألفا مؤلف
رمانا بك الدهر الدؤوب بفرقةٍ
…
يكاد لها القلب الرصين لينسف
إذا أنت قد وليت عنا مفارقا
…
سلامٌ على الدنيا إذا كنت تصدف
لقد كان مأمون السريرة فاضلًا
…
وركنًا عظيمًا في الفضائل يعرف
ويحسن آدابًا وليس بطائشٍ
…
على شرعة الهادي يسير وينصف
قد اختاره الرحمن للحجر والصفا
…
وللحجر الميمون يسعى ويهتف
إلى الله نشكوا من فراق أحبةٍ
…
فهذا مضى ختمًا وآخر يردف
إذا كنت مفجوعًا بفقد أحبةٍ
…
وإبقاء قومٍ ليس في الخير تعرف
فهذا زمانٌ قلَّ فيه خياره
…
وأنذر في المنقول من كان ينصف
فمن لي بإخلافٍ على الجهل قد نشوا
…
شعارهم حب الرئاسة إن وفوا
فيا دهرنا قد كنت بالسوء موقظًا
…
ففي كل يومٍ فالعلى يتقصف
أولوا العلم صاروا للمصائب عرضةً
…
فهذا مضى والكل منا مخوف
نريد خلودًا في الحياة جهالةً
…
وهذا غراب البين بالبئر يهتف
فمن مثل أركان الهدى قد تفرقوا
…
ودارت رحى هلاكهم وتخلفوا
فسبحان ربي من عظيم مدبرٍ
…
يدير أمورًا فعله لا يكيف
تباركت يا من قد فطرت خليقةً
…
على وفق ما قد شئت لا يتخلفوا
فليس سوى التسليم لله وحده
…
رضينا به ربًا جليلًا يصرّف
فصبرًا بني الإسلام صبرًا على القضا
…
عسى الله بالجبران يرفو ويكشف
وصل آلهي عد ما أنت خالقٌ
…
وما ناحت الورقاء على الغصن تهتف
وما سار للبيت العتيق ملبيا
…
حجيجٌ وطافوا ثم صلوا وعرفوا
على أحمد رب المكارم والتقى
…
وآلٍ وأصحابٍ إلى الله يعكف
فهذا شيءٌ من مناقبه وفضائله، ومن فضائله أنه دعاني مرةً على أثر رؤيته تلك الليلة على مائدة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد في وادي عكاظ، فطلب مني صباحًا أن أنزل معه إلى مكة المكرمة، وأطوف بالبيت الشريف ثم بدا لي الخروج