الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والده في السفر للعراق وفلسطين، ولما أن قلت مصالح الأسفار فوق ظهور الإبل بالرغم من المشاق التي يعانيها المسافرون إذ ذاك لزم هو والده مدينة بريدة ببيت حوالي جامع بريدة الكبير، ولهم ضيعة على مسافة قريبة في جنوبي البلد، تحتوي على النخيل والأشجار مستخدمين الإبل ثم المكائن المائية، ثم كان مراقبًا في معهد إعداد المعلمين حينما كان المدير ابن عمه، وألقى عصا التسيار ثم اكتفى بما يحصل من تقويم ممتلكاتهم حينما وقع الهدم عليها، ووفق في آخر عمره برزق رغد براحة، وكان له أخٌ يسمى عمر بن سليمان، ولهم بنون وأحفاد، فالله المستعان.
وممن توفى فيها عبد الرحمن بن سلمان بن سحمان كان رحمه الله رجلًا متعففًا قنوعًا بما آتاه الله من الرزق، ومن سكان مدينة الرياض محافظًا على الصلوات الخمس، ومنشأه القصيم في مدينة بريدة، وله قرابة وذا صلة بقرابته.
حادثة غريبة
كان أحد أمراء البادية يسير فأصيب بحادث سيارة فذهب به إلى أحد المستشفيات في بريدة، وجعل في غرفة الإنعاش لأن الحادث شديد، فجاء ابنه إلى المستشفى وطلب رؤية أبيه، فنصح له الأطباء بعدم رؤيته وأن يتأخر قليلًا حتى يمنّ الله على أبيه بالشفاء، غير أنه أكد في أن يراه، فلما رأى والده في ثياب العلاج وحال غيبوبة، خرج الابن وكان في سلك الأمن منفعلًا، فما رأى يقود السيارة منكدًا مهمومًا فاختل التوازن فأصيبت السيارة بحادث وهلك في لحظة رحمه الله تعالى، فهذا الابن قد جاء يسعى إلى رؤية والده المصاب، ولعل أن يلقَ على والده آخر رؤية قبل أن يرحل من الدنيا، فكان حتف الابن بتلك الزيارة، وهلك قبل والده.
قد ذكرنا السنة الماضية وفاة الأستاذ عبد الله بن إبراهيم بن سليم، ولما أن كان بعد وفاته بسنة تقريبًا ظهر المتحذلق يزعم أنه من زملائه، ووصفه بأنه ذو بضاعة من العلم مزجاة، ولم يكن لديه سوى بصيص ضئيل من العلم، وكأنه لما توفاه الله
تعالى ولم يستطع أن يدافع عن نفسه لأن الحي يغلب ألف ميت، كما هو مشهور، وفي المثل السابق وأيضًا قام هذا المتحذلق ينتقص أهالي بريدة وأنهم متحجرون، وغير ذلك من التهم عليهم، وكأنه لا يعرف عن العلماء الا عن نفسه لأن الجهل بحره عميق وتجاهل ما لأهل بريدة من الفضل، وأن أهالي بريدة ملئوا أقطار المعمورة بالعلماء والأدباء والمفتيين والمدرسين والقضاة، فتصدى لهذا المفتري الشعراء والخطباء وردوا أكاذيبه وترهاته ليعلم أن في الحياض من يذود عنها، وأن في الحمى من هو على ثغرة المرمى، ونحن نذكر منها قصيدة أنشأها الأديب الشاعر صالح بن سليمان بن مقيطيب من أدباء مدينة بريدة
وهي هذه:
ألا يا بني قومي أما قد قرأتم
…
مقالًا عن الشيخ كما قد قرأناه
قرأنا مقالًا جانب الصدق ذكره
…
ولو أنه حقٌ لكنا قبلناه
أزف إلى آل السليم تحيةً
…
وبيت لهم بالعلم قد شهدناه
سقى الله أجداثًا تضم رفاتهم
…
فكم خادمٍ لله بالذكر أحياه
إذا مرَّ ذكر للسليم تحركت
…
أحاسيس من قلبي إذا ما سمعناه
تمرستم أصول الدين في الخير رغبةً
…
وتاريخكم عطرًا إذا ما درسناه
لكم سيرة الإسلام في العلم والتقى
…
لكم في قلوب الناس حب لمسناه
فأنتم أحباء القصيم شيوخها
…
نصحتم لوالي القصيم لما تولاه
تذكرت عبد الله إذ كان بيننا
…
لقد كان نجمًا لامعًا طاب مرآه
تعلم علم الشرع مذ كان ناشئًا
…
فاربًا على الأقران والفهم بذكاه
فكم عالمٍ يأتيه أعياه بحثه
…
على الفور يلقي عنده ما تمناه
لقد كان فذًا بارزًا في علومه
…
متى خاض في فنٍ من العلم منشاه
ويكفيه فخرًا أن دعاه مليكنا
…
لتعليم أبناء الرياض فلباه
ألا يوجد الحساد يومًا لمثله
…
فكم يحسد الموهوب مالله أعطاه
كما كان من عثمان في حق شيخنا
…
وأسبابه حسد على العلم منشأه
وفد زامن الشيخ ويعرف فضله
…
ولكنما الحسد عن الحق أعماه
إذا الحاسد المسكين أدرك فضله
…
سعى يشغل الناس بسب ننساه
أبى الحسد أن يبقَ دفينًا وإنما
…
سيبدوا ذا المحسود يومًا دفناه
كفى الحسد ذمًا أن يقود إلى الردى
…
ويكشف للمحسود فضلًا جهلناه
عرفناك يا عثمان للناس مالها
…
وتعطى بلا حدا إذا ما وزناه
وتزجي رخيص المدح دون توقفٍ
…
ولو يشتري ما كنت أنفقت قلناه
ترسل إذا ما كنت للشخص مادحًا
…
فلو زاد في المطعوم ملحٌ رميناه
عدلت عن المدح تنقصت شيخنا
…
بخست حقوق الشيخ لما دفناه
تنقصت عبد الله لما ذكرته
…
ولو قيل ضير فيك كنا ذممناه
زعمت بأن الشيخ لا علم عنده
…
وأثبت لشيخٍ بصيصًا رفضناه
فلست بسباحٍ فتعرف عمقه
…
فكم جاهلٍ بالبحر يومًا فقدناه
إذا كنت لا تدري عن الشيخ علمه
…
فسل من له بالعلم باعٌ سبرناه
وسل عنه آل الشيخ فسل محمدًا
…
تجد عندهم علمًا عن الشيخ نرضاه
وقد هبت عبد الله حبًا لعلمه
…
أما كان هذا حين آواه مثواه
ولكننا للشيخ نرعى حقوقه
…
علينا له حق فلا بد نرعاه
أعثمان دع عنك المديح تزلفًا
…
وقدم من الأعمال ماطاب تلقاه
ولازم بيوت الله بالذكر معرضًا
…
عن القيل واسأل ربك اليوم تقواه
أترجو بمدح الناس عزًا تناله
…
ولكنما العز لمن طاب مسعاه
أما العمر قد ولى وحان أفوله
…
وقد حان لو تبكي عليه وتنعاه
وسل ربك المعبود حسن ختامه
…
وصل على المبعوث فالله أعلاه
قلت إنما أثبتنا هذه القصيدة، لأمرين:
أولًا إنها كمرثية عددت محاسن عبد الله بن سليم، لأني لم أجد له مرثية، ويقول الله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم.