الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآبار لقلة المياه فيها، وأصدر مجلس الأمن أوامره بإيقاف إطلاق النار، ولكن الشماليين لم يخضعوا، ويواعدوا ويماطلوا، واستهدفت الذراري والمدنيون، والعياذ بالله من ذلك، وألقيت جثث القتلى في البحر، واشتدت الأزمة جدًا وتفاقم الأمر، وعظم الخطب.
كما أن كوريا الشمالية ظهرت بمظهر المعاند عن الخضوع للتفتيش عن أسلحتها الكيماوية، فنجم عن ذلك نزاع بينها وبين أمريكا، ولا تزال مصرة على أمرها وتهدد العالم بقوتها، ولما أن كان في غزة محرم جلبت أمريكا صواريخها إلى كوريا الجنوبية بعد استعداها للخطة من تقلبات أمريكا الشمالية ومواجهتها بالقوات التي لا قبل لكوريا بها.
أما الحديث عن أنغولا ففيها حركة واضطرابات، فقد قتل فيها أربعمائة وخمسة وسبعون، وجرح خمسمائة، ونقصت المواد الغذائية عن التوصل إلى والوصول، وذلك في 1/ 1 من هذه السنة لعدم الأمن هناك، وشدة المخاوف.
كما أن الصومال وأفغانستان لا تزالا في تقلباتها، والرئيس العراقي لا يزال يوقع الفرص لأذى المسلمين من الجيران وغيرهم، ولما أن كان لا يخلد إلى الراحة والطمأنينة أخذ يمد اليمن الشمالي بالقوات لحرب الجنوب بطيارين ثم بالطائرات العراقية، لأنه جبل على الأذى وسفك الدماء وإخافة الآمنين، ولكن له يومًا سيلقاه بإذن الله، وكان لما أن هزم في حرب إيران وحرب الخليج، وفشل في ضم الكويت إلى العراق لم يجد إلا الأذى إلى شعبه الذين أهلكهم الجوع والأمراض، وحرق حقولهم وأشجارهم، ودك بيوتهم عليهم فما فعل بالأهوار وغيرها.
وفي كشمير وغيرها من أذى المسلمين وتقتيلهم ما نقول أن أرجاء المعمورة تغلي من أجل الفقر فيها.
حالة اليمن المريرة
لما دخلت هذه السنة امتدت الوطأة على اليمن الشمالي والجنوبي، ولسوء
الحظ تدخل أناس لا ناقة لهم ولا جمل، فتقدمت العراق بطياريها، وإيران بعشرة ألوية، وقام حسين عمان وحكومة السودان يقاتلون مع اليمن الشمالي ضد اليمن الجنوبي، وجرت أضرار مخيفة في اليمن، وذلك من ضرب القنابل وإرسال الصواريخ، واشتدت المعركة على الجنوبيين، وتوقفت مصلحة المياه عنها بحيث رجعوا إلى الآبار يبحثون عن الماء ويبيعونها على العربات، وحرقت مصفاة الزيت في الجنوب، وحصل من الأذى ما الله أعلم به، وكان الرئيس الشمالي يقوم بإيقاف إطلاق النار ثم يهجم على غفلة من الجنوبيين، حتى استهدف الجنوب للسحق والمحق، فطلب اليمن الجنوبي من الدول الكبار إيقاف إطلاق النار، فلم تفلح، واشتد البلاء.
ولما أن انتهت هذه الفتنة في اليمن التي جلبت للمنطقة الدمار والويلات، ودمرت العمران والعجزة من الشيوخ، والأطفال والنساء، ولم يكن في اليمن عقلاء من فوقها يطفئونها، وكان كل من الطرفين يريد الانتصار، ونشر الهلاك لهذه الأمة وذهاب أموالهم، وتدمير منازلهم لما يريده الله تعالى:{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11]، فعياذًا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وما أحسن من الرجلين أن يجتمعا ويتفاوضان في إيقاف ذلك البلاء المستطير، ويعلموا بأن ذلكم تسكين الفتنة وإخمادها:
فقل لرجال الضبط والربط إنكم
…
أسود حروبٍ للخطوب تقارع
لا يحيى الأنساب خوابت نتوسلم
…
لا مهال الفي حتى يجمع
ألم تعلموا أن الفساد تعاقد
…
ومصلق عبقر السان النصيع
وبربوة ينمو كل ما كان مهملا
…
لجذوة نار شرها يقوقع
فإن لم نجد فعل العوقد مطفئا
…
عجولا خوف فيها ليوث وأربع
لذا جعلها خلاف الرعايا رعاعها
…
أذا لم يقم للمفسدين مروع
فإن قمتم في واجب النصح بينهم
…
فأنتم على نور من الله ينفع
وقد أعفيت تلك الرياح عما قد
…
نزيل يسيل الحق عنا ويرفع
وكنت أذكر أن حربًا نشبت بين جيشين من العرب القدماء، وكانت نيران الحرب تضطرم فكان سبب إطفائها امرأة من نساء العرب الصلحاء ذات شرف ومقدرة، ونحن نسوق القصة، ذلك بأن أمير من أمراء العرب قال لمن حوله: هل يوجد أحد لا يزوجني؟ فقيل له نعم فلان، فركب الخاطب تحدي ورجاله متوجهًا إلى ذلك الشخص، ولما أن قدم عليه خطب من إحدى بناته فكأنه لم يُعره اهتمام فرجع، ولما أن ولى ذاهبًا قالت له زوجته من هذا الرجل، فقال: هذا أمير فارغ البال يخطب إحدى البنات، فقالت: ولم لم تزوجه وهو كفو ومن جهةٍ أخرى فإنه أقوى منك، فيوشك أن يغزوك في عقر دارك ويأخذ بناتك سراري، اذهب فرده واعتذر إليه، فركب فرسه ثم أدركه وأبدى عذره وطلب منه الرجوع لينال ما طلبه هذا، وقد كان أهل الجاهلية ينهب بعضهم بعضًا، ويقتل القوي الضعيف قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فلما جاء الإسلام وانتشر في الأرض، حمى كرامة الإنسانية، ولما أن رجع دعا ابنته الكبرى فعرض عليها الزواج، فاعتذرت قائلةً: يا أبتِ هذا رجل شريف وإني لم أدرس ولم أتأدب، فعدل عنها إلى أختها، وعرض لها الموضوع، فاعتذرت بمثل كلام أختها، وقالت: الأمر إليك، ولكنني أخشى أن لا أسترك، فعرض الموضوع على الثالثة، وأجابت بكلام أختيها، فدعا الصغرى وقال لها: إني أريد أن أزوجك برجل كريم، فقالت: لا مانع من ذلك إذا رأيته وأشرت به فأنت والدي الحنون، وأنا البنت المطيعة، فعقد لها عليها وقاموا بتجهيز طعام العشاء، ومائدة الزواج، ودعوة الجيران، ونحر الخرفان، ولما أن كان الليل ودخل في موضع النوم وأرادها قال: ليس ذلك من الشيمة أن يكون افتضاضك لي بين أخواتي، فإذا سرنا فشأنك، فاستشار وزيره فأشار عليه بالنزول على رأيها، ولما أن كانوا في أثناء المسير وخلى بها قالت: كأني تعبة وأنا لك فاصبر حتى تقدم بلدك وتنحر الجزور، وتدعوا الجيران إلى مائدتك، فشق ذلك واستشار وزيره فقال: نعم، وإني أراها نجيبة، ولما أن قدموا وفرغوا من طعام المائدة التي هيئت لزواج الأمير ودخل عليها يريد افتضاضها قالت: أيها الأمير إني لك وإن أبي يقول قد زوجتك برجل عظيم وكفؤ
كريم، فإن كنت كذلك فأريد منك أن تسكن هذه الحرب التي بين عبس وذبيان، فشق ذلك عليه، واستشار وزيره، فأشار عليه بقبول كلامها، وكانت الحرب قد نشبت منذ ست وسنين بين قبيلتين قد سكنت كل قبيلة بجبل من الجبال، وما وقعت عليه السهام، ذهب ضحية تلك الحرب، ولقد جاء أحد المشاهير على فرسه يشير بعلم أبيض، فقال الفريقان المتحاربان هذا أبو فلان، ولم يخرج هذا الخروج إلا لمهمة، انزلوا وكلموه واسألوه، فقال: إن هذه الحرب التي أهلكت الأنفس والأموال لا بد من تسكينها فجعل الأمير يصالحهم، فأحصيت الديات فبلغت مائة دية، فتحملها ثم إنها سكنت الحرب، وذهب كل فارس إلى بيته، ولما كان بعد سكونها بأربعة أيام قام رجل من إحدى القبيلتين لا يعرف صلحًا ولا هدنة لأخذ الثأر من قاتل ابن عمه فقتله على غرة بعدما وضعت الحرب أوزارها فرجعت الأمور إلى وضعها، وقالوا خدعنا فلان الذي سكن الحرب، فقام وركب فرسه وأردف ابنه خلفه وخرج إليهم، وقال: هذا أمر لم يكن باستطاعتي وجرى ولكم ابني هذا فاقتلوه ومزقوه، وقد رأوا مواقفه تلك من صفح عن القاتل كغيره، وقد حضر هذا الشاعر الجاهلي صاحب المعلقة وهو زهير بن أبي سلمى بقوله يمتدح الرجلين الذين أطفئا هذه الحرب وسكناها، وهما الحرث ابن عوف وهرم ابن سنان:
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله
…
رجال بنوه من قريشٍ وجرهم
يمينًا لنعم السيدان وجدتما
…
على كل حال من سجيل ومبرم
تداركتما عبيسًا وذبيان بعدما
…
تفانوا ودقوا بينهم عطر منسم
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعًا
…
مجال ومعروف من القول يسلم
إلا أبلغ الأحلاف عني رسالةٍ
…
وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم
…
لتخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر
…
ليوم الحساب أو يعجل فينقم
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
…
وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
…
وتضر إذا ضريتموها فتضرم