الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة المؤنة
في هذه السنة اشتدت المؤنة على كثير من المسلمين بحيث أن الوضع يتطلب حاجات لم يكن الناس يعرفونها من قبل، فقد كان البيت في الوقت الحاضر يستدعي استهلاكًا من مادة الغاز والوقود الذي أصبحت الأمة معتمدة عليه تاركةً الحطب بجملته، فكان الطبخ مثلًا بجميع ما يحتاجه المواطن من أرز وجريش وسليق ولحوم بأنواعها، وفول وشوربة، وأوعية المأكل والمشرب، واليقطين والخبز وغير ذلك على مادة الغاز الذي ارتفعت قيمته إلى الضعف من قبل، وأصبح مسير العالم على الجملة في السيارات وجميع النقل برًا وبحرًا وجوًا على مادة البنزين، فهو وقود النقل والذهاب والإياب على المخترعات الحديثة بالرغم من غلائه وارتفاع قيمته، كما أن الكهرباء هو مادة الحياة، بحيث كانت الإضاءة والمراوح المتنقلة والسقفية، ومكبرات الصوت والغسالات، والسخانات والبرادات والثلاجات وغيرها عليه، بحيث لو تعطل التيار ليلًا أو نهارًا لخربت جميع الأغراض التي كانت الحياة متوقفة على مصلحتها، وأصبح الخبز الذي كان هو مادة الحياة في هذا الزمان من الأفران وغيرها على ذلك الوقود بالرغم من غلائه وتعاطيه بقيمة باهظة، وكانت الأمة من قبل يسافرون على الإبل والحمر والبغال التي تسير بقوائمها، وتقطع المسافات القريبة والبعيدة، وكنت قد أدركت مراكب الناس في الحجاز ونجد واليمن والشام والعراق وغيرها على الحمر والإبل التي وقودها البرسيم والأعلاف، ونوابت الأرض، وفضلات أطعمة الناس، فحدّث ولا حرج عن كل ما استبدل عنها من أمور يقصر الوصف عنها، فقد كان الفقير قد كلَّ كاهله عن حملها، فيا ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، وإن بإمكان الولاة هداهم الله أن يراعوا حالة الشعوب، أما عند انتهاء الشهر فلا ننسى رسوم الماء الذي جعله الله مادة الحياة، ورسوم الهاتف، ورسوم الكهرباء، وقد حدثني صاحب مكتبة قال: كنت أبيع من المحابر والدفاتر والأقلام والبرايات والمحايات، وما تيسر من الكتب إن قدر ذلك، وقد لا يبلغ
محصلة مائة وخمسين ريال، ولكنه بالنسبة الى بنزين السيارة التي اسخدمها لأغراض البيت وخبز الأولاد، وقيمة الأكل والشرب، واستهلاك الكهرباء وما يتطلبه الوضع، فإنه لا شيء بالنسبة إلى ذلك، هذا بغض النظر عن الكسوة والملبوسات والحليب والخضراوات وغير ذلك، والمكيفات وإصلاحاتها، وأدوات الأكل والشرب، وقد فتنت العوائل بتغيير الملابس ولبس فاخر اللباس أسوةً بغيرهم، وتحمّل رب الأسرة شراء سيارة لابنه، ولا يكتفي بالرخيص وما قيمته زهيدة، وإذا نظر يمنةً ويسرةً فإنه لا يرضى لأسرته بهذا ولسان الحال ينادي: كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت فلا يرضى لهم بالدون، ولو قال ما ذكره الله في كتابه:{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7]، لم يجد أذنًا صاغية، ولما قيل للإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: كيف أصبحت؟ قال كيف حالة من أصبح وربه يطالب بحقوقه، وزوجته تطالب بحقوقها من نفقة وكسوة، وأولاد يطالبونه بحقوقهم، ولو قال لمن تحت يده اقتصروا يا أبنائي وراعوا ظروفكم لم يجد أذنًا صاغية ولا يعذرون، وقد ذكرني ذلك كلام ابن القيم رحمه الله بحيث يقول: "كيف يصنع من له زوجة لا ترحمه، وولد لا يعذره، وشريك لا ينصفه، وصديق لا ينصحه، وعدو لا ينام عن معاداته، ودنيا متزينة، ونفس أمّارة السوء
…
".
أما عن كثرة الواردات على البلاد من أنواع الأرزاق والخيرات فحدّث ولا حرج ولا سيما البطيخ والخيار والقرع واليقطين بأنواعه، والتفاح والبرتقال والموز والخوخ والعنب الوطني والخارجي، ولو شئت لقلت أن العنب الخارجي لا ينقطع، كما أن اللوبيا والباذنجان والباميا والقمح والذرة وأنواع الحبوب والبرسيم وغيرها من البقول موجودة بكثرة، وتباع بقيم مناسبة لذلك، وأيضًا جميع الخضراوات موجودة بكثرة، وإذا كان بالليل والصباح الباكر فجميع السيارات النقل مشحونة، ولا يكاد شيء أن يكون مفقودًا، وكانت ترد على العواصم وتأتي قوافل من القرى تزود من تلك الخيرات، أما عن علب المربيات فقد امتلأت منها العواصم، وفي كل محطة بنزين تأتي للشراء منها، وبذلك تحولت المدن والقرى في السعودية إلى حضارة تامة.