الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجند الجنود وجيّش الجيوش لحرب عمّان، وقرر ضربه بالقنابل، وذلك كان بعدما رجع الابن عدي صفر اليدين، ومن العجائب سرعة تقلبات صدام كأنه ريشة في مهب الريح، فبينما هو يستحوذ على الملك حسين ويمنيه ويعده باسترجاع الحجاز، ويمده بالسلاح والذخيرة لحرب السعودية اذا به يتقلب عليه ويجر المدافع، ويرسل الطائرات لحربه، فلما أن علمت أمريكا بما يضمره وما يريده ضد الأردن أعلنت بأنها ستضرب العراق وتنكل به، وهكذا كان أمر هذا الطاغية المجنون، وقد ظهرت إشاعات عنه بأنه يريد اللجوء إلى إحدى الدول لأنه خاف على نفسه وأصبح غير آمن في العراق، ويخاف اغتياله، بعد المحاولات العديدة، غير أنه يفوز بالنجاة من تلك المكائد التي رصدت له، وسبب على العراق الجوع والأمراض والفقر بسوء سياسته وقبح تصرفاته.
حادثة من الحوادث
لما أن كان في يوم الثلاثاء الموافق 29 محرم 1416 هـ الموافق 27 يونيو 1995 م ثار الأمير ولي العهد القطري رئيس الوزراء وقائد القوات في قطر على والده وهو في جنيف ليقضي أيام الصيف هناك، وهو حمد بن خليفة بن حمد آل ثاني، فخلع والده خليفة بن حمد وساعده بعض الشعب وخلعوه وولوا الأمير حمد فأصبح الابن حاكمًا في قطر، وذهب الأمير المخلوع إلى فرنسا يتوعد ويتهدد، وأنه سيقوم على ابنه وأتباعه ويمشي على جنائزهم، ولكنه لم يحصل على شيء، ثم إنه قام الأمير الجديد ينظم الأمور، وأقام الجيش والقوات يحافظون على الحدود خشيةً من القوات التي تؤيد والده، ولكنه لم ينتطح لذلك عنزان وكيل للأمير السابق بمكياله الذي اكتال به لخلع ابن أخيه أحمد بن علي بن عبد الله بن ثاني، وهو غافل بمصيفه في لبنان، ثم إن الأمير الجديد بعث إلى رؤساء العرب وملوكهم ينبئهم بما حصل، وبما أن هذه تعتبر ثورة داخلية فإنه لم يتدخل أحد فيها، وأوفد إلى السعودية يخبرها بما جرى فاعترفوا به أميرًا في دولة قطر، ثم إنه بعث إلى والده يرحب به ضيفًا في
قطر بحيث أن يكون كأفراد الشعب، وبهذا تعرف قدر الدنيا كما قال أبو الطيب المتنبي:
سبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلها
…
متعنا بها من جيئةٍ وذهاب
تملكها الباقي تملك سالب
…
وفارقها الماضي فراق تسليب
حشدت الحكومة المصرية قواتها على الحدود مع السودان، وذلك بدعوى أن الذين أرادوا اغتيال حسني مبارك من السودان قبل ذلك بأيام، ولكن السودان ضعيفة بالنسبة إلى مصر بحيث أن مصر تقاوم بالمدافع والرشاشات والطائرات، وأولئك ليس لديهم سوى العصي وأسياخ الحديد، ولكن السودان توعدوا بقطع النيل عن مصر، لأنه يأتي إلى مصر من قبلهم، فتجلت تلك المشكلة من لا شيء، وسكنت التحركات.
وفيها في شهر ربيع الثاني قامت أمريكا لما أن عيل صبرها من الصرب الذي أذوا المسلمين في البوسنة والهرسك، وذبحوهم ذبح النعاج، حتى كان أحد قواد الصرب يتظاهر بأنه لم يصب بجرح واحد في قتاله للمسلمين هناك، إلا أن الشفرة التي بيده خطرة على فخده التي كان يضجع المسلمين وأولادهم عليها للذبح، وكانت أمريكا والأمم المتحدة قد أنذرت الصرب وحذرتها من تلك الأعمال الوحشية، وشريعة الغاب، فلما لم تنته الصرب ولم تخضع لأمريكا، ساقت القوات وأمرت شمال الأطلسي بضرب الصرب، وشتت قواتها وأعطتها درسًا، ولتظهر قوتها أمام العالم، فقامت راجمات الصواريخ والطائرات المدمرة تضرب قوات الصرب وتشتت جمعها حتى لم يبقَ أمامها مقاومة يومئذٍ، وتفرقوا شذر مذر، وناهيك بأمريكا وما لديها من البأس والحرب والضرب، وأقبلت التبرعات والإمدادات للبوسنة والهرسك.
في هذه السنة وما تليها ازدادت رغبة الأمة في الدراسة، وأقبل الشباب أبناء وبنات على الدراسة والتعلم إقبالًا لم يعهد قبله في قديم الدهر وحديثه، وأصبحت المدارس كاظة ومزدحمة على طلب العلم، ووقع ما أخبر به صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من قوله: كيف أنتم إذا لبستكم فتنةً يربو فيها
الصغير ويهرم فيها الكبير، وتؤخذ سنةٌ يجري الناس عليها، فإذا غير منها شيء قيل تركت سنة، قيل متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إذا كثر قراؤكم وقل فهمكم، وكثرت أموالكم، وقل أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين، رواه الدارمي، ولولا ما وضعت الحكومة من جعل إعداد للقبول لكان الأمر فوق ما يتوقع، وقد يتجاوز العدد إلى رغبة غير معقولة فقد حدثني أحد المسؤولين بأنه يرد على كل جهة من المعاهد والثانويات، والمتوسطات وسائر المدارس، كل سنة ما يتجاوز الألوف من الفتيان والفتيات، ولا سيما مدارس البنات، فقد أوسعت الحكومة المجال لقبولها، وأخذت عدة بيوت تضمها لأن تكون مدارس، وذلك عن طريق الإجار بقيمة باهظة، وكان التعليم مجانًا، ومن تخرج من الفتيان والفتيات فإنه يجعل بالوظائف المختلفة، وكانت الحكومة تبذل مكافئات لبعض الطلاب والطالبات، وفي بداية الأمر تجلب الحكومة من خارج المملكة معلمين ومعلمات، وفي هذه الآونة استغنت الحكومة بما لديها من المتخرجين، وقد أثبتت اللغة الإنكليزية في المناهج، ومن الفتيات من تفوق بنشاطها على الفتيان، نسأل الله تعالى أن يجعل العاقبة إلى خير، ومما قال الشاعر المصري أحمد شوقي في وجوب احترام المعلم، ومعرفة قدره، لأن المعلم يغذي الجيل ويركز الآداب والأخلاق:
قم للمعلم وفه التبجيلا
…
كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف وأجل من الذي
…
يبني وينشئ أنفسًا وعقولا
سبحانك اللهم خير معلمٍ
…
علمت بالقلم القرون الأولى
أخرجت هذا العقل من ظلماته
…
وهديته النور المبين سبيلا
وطبعته بيد المعلم تارةً
…
صدئ الحديد وتارةً مصقولا
أرسلت بالتوراة موسى مرشدًا
…
وابن البتول فعلم الإنجيلا
وفجرت ينبوع البيان محمدًا
…
فسقى الحديث وناول التنزيلا
إلى أن قال:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
…
فأقم عليهم مأتمًا وعويلا
وإذا النساء نشأن في أميةٍ
…
وضع الرجال جهالةً وحمولا
ليس اليتيم من انتهى أبواه من
…
هم الحياة وخلفاه ذليلًا
فأصاب بالدنيا الحكمة فيها
…
وبحسن تربية الزمان بذيلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
…
أمًّا تخلت أو أبًا مشغولا
إن الشاعر المصري أحمد شوقي قد أخذ بعض كلامه من قول الشاعر الحكيم:
ليس اليتيم الذي قد مات والده
…
إن اليتيم يتيم العلم والأدب
وقد روي أن القاضي أبا يوسف رحمه الله كان يغتزل الشعر مع أمه ففقدته أمه فإذا هو يذهب إلى أبي حنيفة النعمان بن ثابت لأخذ العلم عنه، فأتت والدته إلى النعمان تطلب منه أن يتخلى الابن عن طلب العلم ويشاركها في طلب المعيشة بالغزل فقال لها الإمام: دعي ابنك وشأنه فإنه سيأكل الفالوذج بصحن الغيروزج مع الخليفة، فلم تذهب الأيام والليالي حتى كان مرةً إلى جانب هارون الرشيد يأكل من مائدته ويقدم له هارون الفالوذج بصحن الغيروزج فتبسم أبو يوسف والخليفة ينظر ثم قال: أخبرني ما الذي يضحكك يا أبا يوسف؟ فقال: حتى نفرغ من الأكل فلما غسل يديه أخبره بمقالة أبي حنيفة رحمه الله، فترحم الخليفة على الإمام أبي حنيفة وقال: هو العلم يرفع الله به درجات.
رجعنا إلى ما نحن فيه بصدده، ففي هذه السنة قام الملك فهد بن عبد العزيز يغير جملة من الوزراء، وأبدلهم بآخرين، وإقالة وزير المعارف عبد العزيز بن عبد الله بن خويطر، وإقالة وزير التعليم العالي عبد الله بن عبد المحسن بن تركي، وجعل مكانه غيره، ونقل الأول إلى وظيفته، وإقالة مدير الجمارك وأبدل بسواه، وإقالة عبد الملك بن عبد الله بن دهيش رئيس مدارس البنات العام، وإقالة وزير الإعلام علي الشويعر، وابدل بسواه، وإقالة وزير الحج والأوقاف عبد الوهاب عبد الواسع، وإقالة وزير المالية أبا الخيل، كما أن هناك وزراء أبدلوا بغيرهم، أما وزير الدفاع وإمارة الرياض وسائر الأمراء فلا يزالون في مناصبهم.