الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضربات من كيد الأعداء
لما أن كان في إحدى ليالي شهر صفر إلا وهي ليلة الثلاثاء الموافقة من هذا الشهر، تقدم أناس مفسدين في مدينة الخبر من المنطقة الشرقية بكارثة عظيمة، وهي أنهم أتوا بسيارة محشوة بالديناميت فأوقفوها داخل مبنى، وفروا بسيارة أخرى، فما كان إلا أن انفجرت عبوات شديدة الانفجار فنسفت المبنى وقتلت من كان داخل الطوابق، وسببت أضرارًا عظيمة في الأنفس والأثاث والأموال، وهدمت وخربت جميع ما مرت عليه، وكان الأمر في ما قيل، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء من المفسدين والمخربين:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205]، وهذه ثاني مرة يقوم بها المفسدون في مدينة الخبر والرياض.
ذكر ما حل ونزل في الخبر
لما وقع هذا البلاء والحادث الأليم تجلت الأمور عن هلاك 19 من الأنفس البشرية وجرح 386، وتقدمت الحكومة ببذل عشرة ملايين ريال لمن دلها على هؤلاء العابثين المفسدين، وانطلقت رجال الأمن بجميع إمكانياتهم يبحثون ويتحرون التحقيقات، ويلفتون النظر للحصول على هذه الطغمة الفاجرة، وكان تفصيل الجرحى والقتلى كما يأتي:
الوفيات 19، وبلغ عدد الجرحى 386 منهم 147 سعوديًا، و 118 بنغلاديشيًا، و 109 أمريكي، و 4 مصريين، واثنان من الأردن، وإندونيسيا والفلبين، وهذا شيء ترفضه الأديان السماوية ولا تقره العقول السليمة، ولا الفطر المستقيمة، ولقد بعثت الدول برقيًا وهاتفيًا استنكارها لهذا الحادث الإرهابي الذي هز العالم بأجمعه، ولا تقع المسؤولية على رجال الأمر فحسب، بل تقع على كل من تقله الغبراء وتظله الخضراء ممن يؤمن بالله واليوم الآخر بأن يكون متأثرًا من هذا العمل الإجرامي الذي يهز المفاصل ويقلق راحة الآمنين، ولقد أغلقت مدينة الخبر لأجل
التفتيش والبحث والتدقيق عن مرتكبي هذه الجريمة، وأن هذا لا يقتصر على رجال الأمن بل على كل فرد بعينه أن يكون مشاركًا للملكة في هذه الكارثة الشنيعة للبحث عن مرتكبيها سواء كانوا جماعة أو أفرادًا، ولقد نشرت التلفزيونات رسوم هذا الأمر الخطير، وكان يقدر موضع الحادث الأليم في الأرض التي حل فيها حوالي عشرة أمتار وقطره عشرون مترًا، ولقد هز البيوت وأزعج الأطفال لما بدى بنور قوي حطم الزجاج، وقذف بالمكيفات وأصاب الأطفال، وأقلق الآمنين وتحطمت المحلات على بعد ثلاثمائة متر في لحظة، ولم يشعر الجيران بأنفسهم إلا في المستشفيات، وهم لا يعلمون ما صفة الحادث، ولقد عم الدمار جميع ما حوالي موضع الحادث، وتحطم زجاج السيارات، وأصيبت الأمة بدهشة ليس لها نظير، ووضعت الأمة أكفها على خواصرها من شدة الهول، ورفعت الأمة أكفها إلى السماء وهي تقول: شاء الله فإن أجهزتنا الأمنية سوف تتمكن من إلقاء القبض على هؤلاء الذين فقدوا دينهم وإنسانيتهم حينما ارتكبوا هذا الجرم الوخيم، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فآته ضعفين من العذاب والعنه لعنًا كبيرًا، اللهم اجعل من بين يديه سدًا، ومن خلفه سدًا واغشه حتى لا يبصر، سبحانك هذا بهتان عظيم، ولقد مرَّ ثلاثة أيام من حلول الحادث ولم يصلوا إلى حقيقته، وكان قدر العبوة ضخمًا، وقد بعثت الدول الكبار بريطانيا العظمى وفرنسا واليابان وغيرها استنكار ذلك الحادث الأليم الذي وقع ضد الأمن واستهدف له أناس أبرياء، وندد الرئيس الأمريكي في بيان صدر باسم الولايات المتحدة الأمريكية بالإرهاب، وصف من قاموا بهذا العمل بأنهم جبناء، وبأنهم لن يفلتوا من العقاب، وكان قدر العبوة التي نسفت المبنى المكون من ثمانية أدوار، وسقطت بأجمعها على الأرض تقدر بطنين وزيادة عن كيلوات، ولما أن وقع هذا الحادث الإجرامي هرع رجال الدفاع المدني والشرطة والمرور والأجهزة الأمنية لرفع الأنقاض وإسعاف المصابين، وانتشال جثث القتلى، حيث نقل المصابون إلى المستشفيات، فهذا أصيب بكتفه وإلى جانبه ابنته الصغرى، وهذا أصيبت يده، وآخر
أصيبت جمجمته، وهذا تكسرت أضلاعه، وكانوا بحالة مزرية، نعوذ بالله من سوء المنظر في الأحباب من المسلمين، والمجاورين، ثم إنها قامت أجهزة الاستعلامات والمخابرات وطفقت تبحث عن المجرمين الذين تدنسوا بهذه الجريمة ولم يرعوا سطوة خالق ولا مخلوق، فعلها من فقد ذوقه وشعوره وإنسانيته، حتى وقع القبض عليهم وسلموا للعدالة.
وفيها في غرة شهر صفر قامت الحكومة السعودية بهدم الكعبة المشرفة، وكانت ترمم قبل ذلك ما انحل من أحجارها، وفي هذه المرة رأت الحكومة أن تهدمها وتقيمها من جديد لإزالة سقفها الذي رأت الحكومة أن أخشابه قد نخرت وساوتها بالأرض، وبدأت بها حجرًا حجرًا كانت تغسل الحجارة وتزيل أوساخها ثم تردها، فأحيطت بحائط من الأخشاب بقدر سعة للعمال، وأزيل السقف جملةً فلم يبقَ إلا الحجر، وكانت قد جعلت الحكومة ما يستر موضعها من جهة الأعلى لأن لا تؤخذ فيها رسوم أو يكشفه على العمل، وقد تسرب بعض من يرغب في النظر إلى العمل وقت صلاة العصر فيدخل محيطها، واستمرت العمارة فيها ستة أشهر وخمسة أيام والأمة التي تطوف فيها قد لا يعلمون كيفية العمل.
وفيها في 6/ 3 يوافق يوم الأحد 21 يولية 1996 شب حريق بمكة تلف بسببه 55 مليون من النقود الريالات وجيء بكل فرق الدفاع المدني في العاصمة المقدسة، ودعي ثلاث فرق من مدينة جدة، وثلاث فرق من الطائف، فبلغ مجموعها ثماني عشرة فرقة، وشارك الأهالي بوايتات الماء حتى بلغت 150 سيارة من الوايتات، ولبث الحريق يعمل من الساعة الواحدة بعد منتصف الليل الى تمام الثانية عشرة ظهرًا بعدما جيء بالسلالم والآلات الحديثة، فما استطاعوا إخماد الحريق إلى بظرف اثنتي عشرة ساعة، ولكنها سلمت الأنفس البشرية، نسأل الله السلامة، وكان موضعه بالعزيزية في مكة المشرفة.
وفيها في 15 ربيع الأول أصيب ثمانية أشخاص تتراوح أعمارهم من الرابعة والعشرين إلى الثلاثين تناولوا طبقًا من الحمص متسممًا فادعى به إلى آلام في
أجوافهم وسوء حالة محزنة، فأودعوا بمستشفى جدة على الأكلة التي تناولوها من مطعم أبي رشاد في الروابي، ولكنهم سلموا وتحدثنا كتب طبائع الحيوانات أن الوزغ الخبيث إذا سقط في طعام أو ماء فإنه يسبب أضرارًا شديدة، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله وسماه فويسقًا، وقد حدثني أحد الثقات أنه لما عاد إلى بيته بعد الدوام من العمل، وقدم أهله له طعام الغداء، فأقبل ليتناوله وقبل وصوله إليه رأى رشقًا ظهر في الماء على السطح فتتبعه ليرى من أين أتى ورأى في السقف وزغ لما حاذاه من جهته بصق فيه ليؤذي من تناوله، فأصبح الخبيث عدو الإنسان، وما أحسن الاحتراز من كل ما يخافه الإنسان، كما أشار إليه العالم الجليل أبو الفرج بن الجوزي في صيد الخاطر من مؤلفاته رحمه الله.
وفيها في دخول شهر ربيع الأول أوائل نوء الهيعة بحساب الراعي بالجوزاء الثانية 25 السرطان 16 تموز اشتدت وطأة الحر وأصيب الشرق الأوسط بموجة حر لم تعهد منذ زمن طويل، وبلغت درجة الحرارة في بعض المدن 48 درجة، واستمر الحر الشديد، أما في بريدة فقد تجاوزت الدرجة بعض الأوقات الخامسة والأربعين، وكان ضعفاء الأبدان لا يستطيعون السير في منتصف النهار، وقد تأثرت المكيفات الكهربائية من شدة الحر، وقامت الجهات المسؤولة في شركات الكهرباء تنصح وتحذر عن الحرائق وما ينجم عن اشتداد الحرب في منتصف النهار، وأمرت بمراقبة التيارات الكهربائية لأن لا تتفجر، نسأل الله تعالى أن يلطف بالمسلمين، وكانت المراوح الكهربائية قد لا تفيد شيئًا لحرارة السموم.
بعد صلاة الجمعة 25/ 3 أجرى العقاب بالقتل على ثلاثة مجرمين ارتكبوا الفاحشة والعياذ بالله.
وفي يوم الثلاثاء الموافق 22/ 3 قامت روسيا تضرب الشيشان بالدبابات والمدافع والقنابل التي قامت الطائرات تقصفها بها من دون رحمة ولا هوادة، واستمر القصف ستة أيام، ولكن الشيشان صمدت وقابلت ذلك القصف بالثبات وصدق الدفاع، وقضت على الاعتداء بقتل أحد زعماء الروس حتى
لاقى حتفه، وردتها خائبة مدحورة على أعقابها، وأثبتت لها ذلك جدارةً تفوق كل شجاعة.
وفيها في ليلة خامس وعشرين جمادى الأولى في آخر الليل انخسف القمر خسوفًا كليًا، وطلع الفجر وهو مختفي، وحصل ارتباك من بعض الأئمة لأنهم ليسوا كلهم علماء، فصلوا الفريضة في أول وقتها، وبعد الفريضة قاموا بصلاة الكسوف، فطلعت الشمس وهم يصلون لأن الواجب إذا حصل قبل ذلك أن يصلي الكسوف في وقته وبعد صلاة الكسوف تصل الفريضة، لأنه إذا طلع الفجر لا يصلى له لأنه ذهب وقت الانتفاع به فلا يصلى، نسأل الله تعالى البصيرة في الدين.
وفيها قامت أفغانستان بثورة على رئيسها، ولما حصلت هذه الثورة والعياذ بالله نشأ عنها أن فرَّ النساء والأطفال والضعفاء إلى كهوف الجبال والمخابئ عن القصف والضرب والمذابح لعلهم ينجون ويسلمون، وجعلوا يتوقعون ماذا يحل بالأمة، وخافت الآيامى من جراء هذه الفوضى والفتن والمحن، وكانوا لما أن انتصرت الأفغان على عدوة الإسلام روسيا الشيوعية سعى إبليس بينهم بالتحريش والعداء، وكلٌ يخطب الرئاسة لنفسه، وما زالت الأمم الإسلامية تناصحهم وتحثهم على الاجتماع وعدم التفرق لأن الله تعالى يقول:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، ولكنهم لا يزالون في الفرقة والاختلاف وبحالة سيئة لا يحسدون عليها، ومثلهم في هذا الغي والمحنة أهالي الصومال في النزاع والثورة، وسوء الحال بالرغم من بذل الإرشاد والنصائح لهم، ولقد لحق الدولتين المنازعتين الفقر والعذاب والبلاء والأمراض الفتاكة لأنهم انشغلوا عما يصلحهم ومالا يصلحهم، وقد هلَّ هلال جمادى الثانية من هذه السنة ولم تهدأ منهم تلك المجازر والفتن، وقد رقص الشيطان بينهم في النزاع وإثارة الفق والمحن، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنه لمما يثير الأحزان ويبعث الهموم أن تصبح الأمم الإسلامية بهذا الوضع.