الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الباطن الظاهر}
المعنى في اللغة:
الباطن: البطن: هو خلاف الظهر، وباطن الأمر دُخلته خلاف ظاهره، وتقول: بطَنْت الأمر: إذا عرفت باطنه؛ ويقال لدخلاء الرجل الذين يبطنون أمره: هم بِطانته.
الظاهر: الظهور يدل على القوة والبروز، يقال: ظهر الشيء يظهر ظهوراً فهو ظاهر إذا انكشف وبرز، والأصل فيه ظهر الإنسان وهو خلاف بطنه وهو يشمل البروز والقوة، والظهور: الغلبة (1). والظهور يتضمن العلو ومنه قوله تعالى:
{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)} [الكهف: 97].
أي يعلوا عليه، ويقال: ظهر على الشيء إذا غلبه وعلاه، وظهر فلان على الجبل إذا علاه، وأظهر الله المسلمين أي أعلاهم على الكافرين (2).
(1) معجم مقاييس اللغة (بطن)(1/ 259)، (ظهر)(3/ 471، 472)، اللسان (بطن)(1/ 303، 304)، (ظهر)(5/ 2764 - 2770).
(2)
اللسان (5/ 2769).
المعنى في الشرع:
فسره الحديث وفيه {أنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء} (1).
فالظاهر فسَّره بالظهور بمعنى العلو، والله تعالى عالٍ على كل شيء، وفسره بعضهم بالظهور بمعنى البروز: فهو الذي ظهر للعقول بحججه وبراهين وجوده وأدلة وحدانيته (2) فهو الظاهر بالدلائل الدالة عليه، وأفعاله المؤدية إلى العلم به ومعرفته فهو ظاهر مدرك بالعقول والدلائل، وباطن لأنه غير مشاهد كسائر الأشياء المشاهدة في الدنيا عز وجل عن ذلك وتعالى علواً كبيراً (3).
والله سبحانه هو الظاهر بحكمته وخلقه وصنائعه وجميع نعمه التي أنعم بها فلا يرى غيره، والباطن هو المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته وكيفية صفاته عز وجل (4).
ونسب إلى بعض العلماء تفسير الباطن بالقريب حيث قال: الباطن: أقرب من كل شيء بعلمه
وقدرته وهو فوق عرشه (5).
وفسر الباطن بالعالم ببواطن الأمور، فهو ذو الباطن، وكذا هو عالم بظواهرها (6). قال البخاري: قال يحيى ـ وهو الفراء ـ " هو الظاهر على كل شيء علماً، والباطن على كل شيء علماً"(7).
وفسره بعضهم: بأنه غير مدرك بالحواس كالأشياء المخلوقه التي تدرك بالحواس (8).
وقيل: هو المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر، ولايحيط به وهْم (9).
ومع أن هذه المعاني كلها صحيحة إلا أن الأولى ـ والله أعلم ـ التزام التفسير النبوي وهو خير ما يفسر به؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله تعالى (10). وقد قال ابن جرير (11): "
(1) تقدم راجع ص 416.
(2)
انظر: تفسير أسماء الله للزجاج (60، 61).
(3)
انظر: اشتقاق أسماء الله للزجاجي (137).
(4)
انظر: التوحيد لابن منده (2/ 82).
(5)
انظر: مجموع الفتاوى (1/ 498، 499) وهو منسوب إلى مقاتل بن سليمان وأنكر ذلك ابن تيمية وذكر أنه ليس معنى الباطن القريب.
(6)
تفسير أسماء الله للزجاج (61).
(7)
خ: كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً} (الفتح
…
13/ 361).
(8)
اشتقاق أسماء الله للزجاجي (208، 209).
(9)
اللسان (1/ 304)
(10)
انظر: النهج الأسمى (2/ 568)، والمعاني الثلاثة ذكرها الخطابي في شأن الدعاء (88).
(11)
في تفسيره جامع البيان (27/ 124).
وهو الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه، وهو الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه ".
وذكر ابن القيم أن من جحد فوقيته فقد جحد لوازم اسمه {الظاهر} ولايصح أن يكون الظاهر مَنْ له فوقية القدر فقط كما يقال الذهب فوق الفضة؛ لأن هذه الفوقية تتعلق بالظهور بل قد يكون المفوَّق أظهر من الفائق فيها، ولايصح أن يكون القهر والغلبة فقط وإن كان سبحانه ظاهراً بالقهر والغلبة، فله سبحانه العلو المطلق من كل وجه وهو علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر (1).
واسمه سبحانه الباطن: لايقتضي السفول، والسفول نقص هو منزه عنه، فإنه سبحانه العلي الأعلى لايكون قط إلا عالياً (2).
وقد ربط الظاهر بالباطن، والظهور يقارنه العلو فكلما كان الشيء أعلى كان أظهر، وكل من العلو والظهور يتضمن المعنى الآخر ولذا قال صلى الله عليه وسلم:{فليس فوقك شيء} ولم يقل: ليس أظهر منك شيء؛ لأن الظهور يتضمن العلو والفوقية (3).
وفيه أيضاً إحاطة الله تعالى بالعالم وعظمته سبحانه واضمحلال كل شيء عند عظمته، وهو
الباطن سبحانه يدل على اطلاعه على السرئر والضمائر والخبايا ودقائق الأشياء (4).
ورودهما في القرآن:
ورد في آية واحدة هي قوله تعالى:
{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} [الحديد: 3].
وقد تقدم هذان الاسمان في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مع اسمي {الأول والآخر} (5).
(1) انظر: مدارج السالكين (1/ 31)، بدائع التفسير (1/ 138)، مجموع الفتاوى (5/ 581، 16/ 100).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (16/ 426).
(3)
المصدر السابق (6/ 208).
(4)
انظر: كلام ابن القيم في أثر الإيمان بهذين الاسمين في: طريق الهجرتين (22 - 34). الحق الواضح المبين للسعدي (المجموعة الكاملة: 3/ 223).
(5)
راجع ص 415