الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل بحثي هذا امتداداً لتلك الجهود المباركة في خدمة هذا الموضوع الهام، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الباب الأول
الفصل الأول
مدخل: تعريف الاسم
المعنى في اللغة:
الاسم مشتق من السمّو وهو الرفعة. أو من السمة التي توضع على الشيء تعرف به (1).
ويقال أصل اسم: سِمو ـ بكسر السين ـ وهو من العلو؛ لأنه تنويه ودلالة على المعنى (2).
وجمع بين الأصلين في تعريفه بأنه: ما يكون علامة للشيء، ودليلاً يرفعه إلى الذهن.
وعُرِّف بأنه: كل كلمة تدل على معنى في نفسها دلالة مجردة عن الاقتران بأحد الأزمان (3).
المعنى في الشرع:
هو ما يظهر به المسمى ويعلو وهو دليل على المسمى وعَلَم عليه، لكن اشتقاقه من السمو هو الاشتقاق الخاص الذي يتفق فيه اللفظان في الحروف وترتيبها، أما اشتقاقه من السمة فهو صحيح في الاشتقاق الأوسط وهو: ما تتفق فيه حروف اللفظين دون ترتيبهما، والأول أخص
(1) لسان العرب (سما)(3/ 2109، 2110).
(2)
معجم مقاييس اللغة (سمو)(3/ 98، 99).
(3)
الكليات للعكبري (83، 84).
وأتم، فالعلو مقارن للظهور وكلما كان الشيء أعلى كان أظهر، ولذا يقال للمسمى: سمِّه أي أظهره وأعلِه أي أعل ذكره بالاسم الذي يذكر به، وما ليس له اسم فإنه لايذكر ولا يظهر ولا يعلو ذكره بل هو كالشيء الخفي الذي لايعرف (1). وأسماء الله تعالى لم تزل كما لم يزل الله بخلاف الأسماء المخلوقة التي ادعاها المشركون لأصنامهم، وأسماء الله صفاته ليس شيء منها مخالفاً لصفاته، ولا شيء من صفاته مخالفاً لأسمائه (2). قال ابن القيم (3):
أسماؤه أوصاف مدح كلها مشتقة قد حملت لمعان
وقد يذكر الاسم ويراد به المسمى كقول المنادي: يازيد فليس مراده دعاء اللفظ بل مراده دعاء المسمى باللفظ.
وأسماء الله تعالى مباركة تنال بها البركة، وبركتها من جهة دلالتها على المسمى، ولهذا فرقت الشريعة بين ما يذكر اسم الله عليه، ومالا يذكر اسم الله عليه.
وأسماء الله الحسنى مثل: الرحمن الرحيم، والغفور الرحيم إذا ذكرت في الدعاء والخبر يراد بها المسمى، والذي له الأسماء الحسنى هوالمسمى بها سبحانه نفسه ومنها اسمه الله، وليس المراد أن هذا الاسم له الأسماء الحسنى بل المراد أن المسمى له الأسماء الحسنى.
وأمره سبحانه بذكر اسمه كما في قوله تعالى:
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)} [المزمل: 8].
وقوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)} [الإنسان: 25].
وتسبيح اسمه في قوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1].
المقصود به تسبيح المسمى وذكره؛ فإن المسبح والذاكر إنما يسبح اسم الله ويذكر اسمه فيقول مثلا: سبحان ربي الأعلى، ولم يقل: سبحان اسم ربي الأعلى فقد نطق بلفظ: ربي الأعلى والمراد هو المسمى بهذا اللفظ وهذا يدل على أن أسماء الله مثل: الله، وربنا، وربي الأعلى ونحو ذلك يراد بها المسمى مع أنها هي في نفسها ليست هي المسمى، وقد يذكر الاسم نفسه كما في ذكر اسم الله على الذبيحة، وعند قراءة القرآن وعند الأكل، أما في الأمر بذكر اسم الله فيراد به التسبيح والتهليل والحمد.
وإذا قيل: الحمد لله، أو بسم الله فإن اسمه {الله} يتناول ذاته وصفاته لايتناول ذاتاً مجردة عن الصفات ولاصفات مجردة عن الذات، وقد نص الأئمة على أن صفاته سبحانه داخلة في مسمى أسمائه ليست زائدة عليه.
(1) انظر: مجموع الفتاوى (6/ 207 - 209).
(2)
انظر: رد الإمام الدارمي على بشر المريسي (8)، مدارج السالكين (1/ 28).
(3)
النونية (2/ 251).
ومسألة هل الاسم هو المسمى أو غيره؟ من المسائل التي حدثت بعد الأئمة أحمدبن حنبل وغيره، وقد كثر فيها النزاع، واختار بعضهم ترك الخوض فيها، واضطر آخرون لبيانها؛ لدحض شبه المبتدعة وقد اختار كثير من المنتسبين إلى السنة القول بأن الاسم هو المسمى، وقال أكثرهم: إن الاسم للمسمى وممن اختار هذا القول: ابن تيمية وذكر أنه هو الموافق للكتاب والسنة والمعقول.
وذكر ابن القيم مؤيد اً هذا القول أن الاشياء متعلقة بالمسمى لابالاسم فلا يجوز لأحد أن
يقول: عبدت اسم ربي، ولاركعت لاسم ربي، ويحمل الأمر بذكر اسم الله على التنبيه على ذكر اللسان مع القلب وعبر عنه ابن تيمية بأن المعنى: سبح ناطقاً باسم ربك متكلماً به هذا في
قوله: سبح باسم ربك، وكذا سبح ربك أي: سبح ربك ذاكراً اسمه (1).
وقد فرق العلماء بين ما يدعى به وما يخبر عنه سبحانه فلا يُدعى إلا بأسمائه الحسنى أما الإخبار عنه فلا يكون باسم سيء، لكن قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بسيء وإن لم يحكم بحسنه مثل اسم شيء، وذات، وموجود، ومريد، ومتكلم (2).
ورود الاسم في القرآن:
تكرر الاسم كثيراً في القرآن فجاء بلفظ" اسم الله " في أربعة عشر موضعاً منها:
قوله تعالى في الصيد: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4].
وقوله: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28].
وجاء بلفظ: " باسم ربك" في أربع آيات منها قوله تعالى:
(1) انظر: مجموع الفتاوى (6/ 185 - 212)، (12/ 280 - 282، 16/ 322، 323)، شرح أصول الاعتقاد (1/ 185،
…
186) وفيها قول أبي جعفر محمد بن جرير الطبري: أنها من المسائل الحادثة، ثم انظر:(2/ 204 - 215) وفيها
…
مذهب اللالكائي أن الاسم والمسمى واحد وأدلته، بدائع الفوائد لابن القيم (1/ 16 - 22)، شرح الطحاوية
…
(1/ 102)، النهج الأسمى للحمود (1/ 23 - 30)، معتقد أهل السنة والجماعة للتميمي (27 - 81).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (6/ 142)، بدائع الفوائد (1/ 161، 162).
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} [الواقعة: 74، 96] وفي [الحاقة: 52].
وجاء بلفظ: " بسم الله" وهي البسملة المفتتح بها سور القرآن كلها سوى التوبة، وجاءت في آيتين هما قوله تعالى:{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا} [هود: 41].
وفي قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)} [النمل: 30].
وجاء ذكر الأسماء الحسنى في أربع آيات منها قوله تعالى:
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].
وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]
وقوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)} [طه: 8].