الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
أحاديث الأسماء المبدوءة بحرف الحاء
{الحسيب}
المعنى في اللغة:
الحسب: الكفاية تقول: شيء حِساب أي كاف، وأحسبت فلاناً: إذا أعطيته ما يرضيه حتى قال: حسبي، وكذلك حسَّبته (1).
والحسب: الكرم، والشرف الثابت في الآباء، وقيل: في الفعل أي الفعال الحسن له ولآبائه (2).
والحسيب: المحاسب على الشيء ومنه قوله تعالى:
{كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} [الإسراء: 14]. (3)
المعنى في الشرع:
قيل: الحسيب: الكافي فهو كافي المتوكلين وهو الكافي عن الشهود (4). والكافي الحفيظ في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)} [النساء: 86].
وفسرَّ بالحفيظ أي يحفظ الأعمال ثم يجازيهم عليها (5)، فالله عز وجل حسيب عباده أي محاسبهم على أعمالهم ومجازيهم عليها بحسب حكمته وعلمه بدقائق أعمالهم وجليلها، فحسابهم على الخير والشر يقع بمثاقيل الذر (6).
وهو المحسوب عطاياه وفواضله (7) وهو المدرك للأجزاء والمقادير التي يعلم العباد أمثالها بالحساب من غير أن يحسب لأن الحاسب يدرك الأشياء شيئا فشيئا ويعلم الجملة عند انتهاء حسابه، والله سبحانه لايتوقف علمه على أمر يكون وحال يحدث (8).
وهو الكافي وكفايته سبحانه وتعالى عامة وخاصة:
فالعامة: كفايته سبحانه للعباد جميع ما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم من حصول المنافع ودفع المضار.
والخاصة: كفايته لعبده التقي المتوكل عليه كفاية يصلح بها دينه ودنياه ومن ذلك قوله تعالى:
(1) معجم مقاييس اللغة (حسب)(2/ 59 - 61)، النهاية (حسب)(1/ 381).
(2)
اللسان (حسب)(2/ 863، 864).
(3)
اشتقاق أسماء الله للزجاجي (129)، شأن الدعاء (69، 70).
(4)
تفسير ابن جرير (7/ 596) فالله الكافي عن الشهود الذين يشهدهم ولي اليتيم عند دفع ماله إليه.
(5)
المصدر السابق (8/ 591، 592).
(6)
الحجة في بيان المحجة (1/ 144، 145)، جامع البيان (22/ 12)، تيسير الكريم الرحمن (5/ 488).
(7)
شأن الدعاء (69، 70)
(8)
انظر: الأسماء والصفات (1/ 127).
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)} [الأنفال: 64].
أي كافيك وكافي أتباعك، وبحسب ما يقوم به العبد من متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً وقيامه بعبودية الله تعالى تكون الكفاية والعزة والنصرة، فإن الله سبحانه وحده كافي عباده فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة كما قال تعالى:
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36]. (1)
والله سبحانه وتعالى هو أسرع الحاسبين فحين يرد إليه العباد فيحاسبهم لايشق عليه ذلك فهو سبحانه يعلم عددهم وأعمالهم وآجالهم وجميع أمورهم، وقد أحصاها وعلم مقاديرها ومبالغها وهو لايحسب بعقد يد لكنه يعلم ذلك ولايخفى عليه منه خافية ولايعزب عنه مثقال ذرة ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين (2).
قال ابن القيم (3):
وهو الحسيب كفاية وحماية
…
والحسب كافي العبد كل أوان
وروده في القرآن:
ورد الحسيب في أربعة مواضع منها قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)} [الأحزاب: 39].
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)} [النساء: 86].
وجاء بلفظ: الحاسب بالجمع مرتين في قوله تعالى:
{أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)} [الأنعام: 62].
وجاء بلفظ: حسب مضافاً في سبعة مواضع منها قوله تعالى:
{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال: 62].
(1) انظر: زاد المعاد (1/ 35 - 37)، الحق الواضح المبين (المجموعة الكاملة 3/ 252).
(2)
تفسير ابن جرير (11/ 413)
(3)
النونية (2/ 233).
100 -
(40) ثبت فيه حديث أبي بكرة رضي الله عنه:
قال: أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك ـ مراراً ـ، ثم قال: من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسِب فلاناً والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه} رواه البخاري، ومسلم.
التخريج:
خ: كتاب الشهادات: باب إذا زكى رجل رجلاً كفاه (3/ 231)(الفتح 5/ 274)
كتاب الأدب: باب ما يكره من التمادح (8/ 22)(الفتح 10/ 476)
ثم باب ماجاء في قول الرجل ويلك (8/ 46، 47)(الفتح 10/ 552).
م: كتاب الزهد: باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح (18/ 126).
شرح غريبه:
قطعت عنق صاحبك: المراد به الهلاك؛ لأن من يقطع عنقه يقتل (الفتح 10/ 477)، أوهي استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك لكن هلاك هذا في دينه والله أعلم (شرح النووي 18/ 27)، وقد يكون هلاكاً في الدنيا أيضاً بأن يحمله الإعجاب بنفسه لما مُدح على تعاطي أسباب حتفه في الدنيا وهذا مشاهد كثير (شرح الأبي 7/ 304).
لامحالة: لاحيلة له في ترك ذلك وهي بمعنى لابد، والميم زائدة (الفتح 10/ 477).
ولا أزكي على الله أحداً: لاأقطع على عاقبة أحد ولاضميره؛ لأن ذلك مغيب عني ولكن أحسب وأظن وذلك لوجود الظاهر المقتضي لذلك (شرح النووي 18/ 126، 127)(شرح الكرماني 21/ 199).
إن كان يعلم ذلك: أي يظن وكثيراً ما يجيء العلم بمعنى الظن (شرح الكرماني 18/ 193).
الفوائد:
(1)
النهي عن المدح في الوجه وقد ورد المدح في الوجه في أحاديث صحيحة فجمع العلماء بين الأحاديث
بأن النهي محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح أما من لايخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهي
عن مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة، بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير
والازدياد منه الدوام عليه أوالاقتداء به كان مستحباً والله أعلم (شرح النووي 18/ 126). وخص بعضهم النهي بمن يتغالى في مدح الإنسان بما ليس فيه، أو بمن يخاف عليه الإعجاب والفساد (شرح الأبي 7/ 304).
(2)
أن مدح الإنسان في وجهه ربما يحمله على العُجب والكبر، وعلى تضييع العمل وترك الازدياد والفضل (العمدة 22/ 132).
101 -
ورد فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
روى أبو داود الحديث أولاً من طريق أبي نضرة عنه في ذكر رجم ماعز، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم ما استغفر له ولا سبه.
ثم قال أبو داود رحمه الله تعالى: حدثنا مؤمل بن هشام ثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي نضرة ـ أي عن أبي سعيد الخدري ـ (1) قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وليس بتمامه، قال: ذهبوا يسبونه فنهاهم قال: {هو رجل أصاب ذنباً حسيبه الله}
التخريج:
كتاب الحدود: باب رجم ماعز بن مالك (4/ 147)، ولم أجده عند غير أبي داود بهذا اللفظ، أما قصة الرجم فهي ثابته في الصحيحيى ن من حديث جابر عند البخاري، وأبي سعيد عند مسلم.
انظر:
خ: كتاب الحدود: باب الرجم بالمصلى (الفتح 12/ 129)
م: كتاب الحدود: حد الزنا (11/ 197 - 201).
دراسة الإسناد:
(1)
مؤمل بن هشام: اليشكري ـ بتحتانية ومعجمة ـ أبو هشام البصري. قال أبو حاتم: صدوق، ووثقه مسلمة، وأبو داود، والنسائي.
قال ابن حجر: ثقة، من العاشرة، مات سنة 253 هـ (خ د س).
ترجمته في:
الجرح والتعديل (8/ 375)، الثقات لابن حبان (9/ 188)، تهذيب الكمال (29/ 186، 187)، الكاشف (2/ 310)، التهذيب (10/ 383، 384)، التقريب (555).
(2)
إسماعيل: هو ابن إبراهيم بن عُلَيَّه، تقدم، وهو ثقة حافظ. (راجع ص 343)
(3)
الجُريري: هو سعيد بن إياس الجُريري ـ بضم الجيم ـ أبو مسعود البصري. قال أحمد: هو محدث أهل البصرة، كان يخاصم القدرية، وثقه ابن سعد، والعجلي، والفسوي، وابن حبان، وقال النسائي: هو أثبت من خالد الحذاء.
وقال أبو حاتم: تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما فهو صالح، وهو حسن الحديث. وذكر اختلاطه ابن سعد وابن معين والنسائي والعجلي وغيرهم، وحدد ابن حبان اختلاطه قبل موته بثلاث
(1)(كما في تحفة الأشراف (3/ 461).
سنين، وقال: لم يفحش اختلاطه، وقال يحيى القطان عن كهمس: أنكرنا الجريري أيام الطاعون أي سنة 132 هـ، وقال محمد بن أبي عدي: لا نكذب الله سمعنا منه وهو مختلط، وسمع منه يحيى بن سعيد بعد اختلاطه فلم يرو عنه، ونهى عيسى بن يونس عن الرواية عنه، لكن يزيد بن هارون قال: سمعنا منه سنة 141 هـ أو 142 هـ ولم ننكر منه شيئاً، وقد كان قيل لنا أنه اختلط.
وعدَّ بعضهم ما وقع في حديثه من خلل بسبب كبر السن لا الاختلاط. قال ابن علية: كبر الشيخ فرقَّ، وقال الفسوي: كان عمل فيه السن فتغير، وعلى كلا القولين فإن من سمع منه قبل تغيره فحديثه مستقيم حجة كما قال ابن عدي ومن هؤلاء: شعبة، والثوري، والحمادان، وابن علية، ومعمر، وعبدالوارث بن سعيد، ويزيد بن زريع، ووهيب بن خالد، وعبدالوهاب الثقفي، وابن عيينة وبشر بن المفضل، وعبدالأعلى وهو أصحهم سماعاً منه سمع منه قبل تغيره بثمان سنين، واختلف في يزيد بن هارون ففي رواية عن ابن معين أنه سمع منه قبل اختلاطه، وفي أخرى أنه بعده لكن فيها قول الراوي عن ابن معين أحسبه قال بعد ما اختلط، وقول يزيد يؤيد الرواية الأولى والله أعلم، وقال أبو داود: أرواهم عنه ابن علية، وكل من أدرك أيوب فسماعه من الجريدي جيد.
قال الذهبي: أحد العلماء الثقات، تغير قليلاً ولذلك ضعفه يحيى القطان، رويا له في الصحيحين وتحايدا ما حدث به في حال تغير حفظه.
قال ابن حجر: ثقة، من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين، مات سنة 144 هـ (ع).
ترجمته في:
طبقات ابن سعد (7/ 261)، من كلام أبي زكريا (103، 104)، سؤالات ابن الجنيد (281، 282)، الجرح والتعديل (4/ 1، 2)، التاريخ الكبير (3/ 456، 457)، سؤالات الآجري أبا داود (3/ 303)، الضعفاء للنسائي (271)، المعرفة (2/ 115)، الكامل (3/ 1228، 1229)، الثقات للعجلي (1/ 394، 395)، الثقات لابن حبان (6/ 351)، الكواكب النيرات (178 - 189)، الاغتباط (127 - 131)، تهذيب الكمال (10/ 338 - 341)، الميزان (2/ 127، 128)، السّيَر (6/ 153 - 156)، التذكرة (1/ 155)، من تكلم فيه (84)، الكاشف (1/ 432)، التهذيب (4/ 5 - 7)، الهدي (405)، التقريب (233).
(4)
أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قُطَعَة ـ بضم القاف وفتح المهملة ـ، وفي بعض الكتب قِطْعة ـ بكسر القاف وسكون المهملة ـ، وفي ثالثة قُطْعَة ـ بضم القاف ـ، العبدي، العَوَقي ـ بفتح المهملة والواو ثم قاف ـ البصري، أبو نَضْرة ـ بنون ثم معجمة ساكنة ـ مشهور بكنيته، من التابعين. قال أحمد: ما علمت إلا خيراً، ووثقه ابن معبن، وأبو زرعة، والعجلي، والنسائي، وقال ابن سعد: كان ثقة ـ إن شاء الله ـ كثير الحديث، وليس كل أحد يحتج به. وقال ابن حبان: كان من فصحاء الناس، فلج في آخر عمره، كان
ممن يخطئ. ذكره العقيلي في الضعفاء وما لينه بشيء بل أورد قول ابن عون: رأيت أبا نضرة، قال التيمي: فإن رأيته فمه؟ . قال ابن عدي: له حديث صالح، وإذا حدث عنه ثقة فهو مستقيم الحديث ولم أر له شيئاً من الأحاديث المنكرة لأني لم أجد له إذا روى عنه ثقة حديثاً منكراً.
وقال الذهبي في المغني، والميزان: من ثقات التابعين، وفي الكاشف: فصيح بليغ مُفَوه، ثقة يخطئ.
وقال ابن حجر: ثقة، من الثالثة، مات سنة 108 هـ أو 109 هـ (خت م 4).
ترجمته في:
طبقات ابن سعد (7/ 208)، تاريخ الدارمي (237)، التاريخ الكبير (7/ 355، 356)، الجرح والتعديل (8/ 241)، الثقات لابن حبان (5/ 420)، الثقات للعجلي (2/ 298)، الضعفاء للعقيلي (4/ 199، 200)، الكامل (6/ 2365)، البيان والتوضيح (273)، تهذيب الكمال (28/ 508 - 511)، الميزان (4/ 181)، السّيَر (4/ 529)، المغني (2/ 676)، الكاشف (2/ 295)، التهذيب (10/ 302، 303)، التقريب (546، 578).
درجة الحديث:
رجال إسناد أبي داود ثقات، واختلاط الجريري أو تغيره لا يضر؛ لأن الراوي عنه قد سمع منه قبل ذلك.
وظاهر الحديث أنه مرسل حيث ساق أبو داود السند إلى أبي نضرة قال: جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم، وأبو نضرة تابعي ولذا قال المنذري في (مختصر د 6/ 252): هذا مرسل، وتبعه الألباني في (ضعيف د/ 441): ضعيف مرسل. لكن المزي في (تحفة الأشراف 3/ 461) ذكر الحديث في مرويات سعيد بن إياس عن أبي نضرة عن أبي سعيد فأفاد اتصاله، وقد اكتفى أبو داود بإحالته على سابقه حيث قال: نحوه وليس بتمامه. وهو من رواية داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد، ولم يذكره المزي في مرسلات المنذر أبي نضرة في (التحفة 13/ 402، 403).
وعلى هذا سار ابن الأثير في (جامع الأصول 3/ 515، 517) حيث ذكره من أحاديث أبي سعيد رضي الله عنه. قال وفي أخرى له ـ أي أبو داود ـ وذكره.
وقد اختار هذا القول ـ وهو الحكم باتصال الحديث ـ صاحب (بذل المجهود 17/ 390). فالحديث صحيح ولله الحمد.
قال الألباني في (الارواء 7/ 356): إسناده صحيح على شرط مسلم.
الفوائد:
(1)
تركه صلى الله عليه وسلم الاستغفار لماعز، أو نهيه عن ذلك لئلا يغتر غيره فيقع في الزنا اتكالاً على استغفاره صلى الله عليه وسلم (شرح النووي 11/ 199) وقد ثبت في صحيح مسلم (الموضع