الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقد صنف ابْن عبد الْبر كتابا فِي وصل مَا فِي الْمُوَطَّأ من الْمُرْسل والمنقطع والمعضل قَالَ وَجَمِيع مَا فِيهِ من قَوْله بَلغنِي وَمن قَوْله عَن الثِّقَة عِنْده مِمَّا لم يسْندهُ أحد وَسِتُّونَ حَدِيثا كلهَا مُسندَة من غير طَرِيق مَالك إِلَّا أَرْبَعَة لَا تعرف أَحدهَا إِنِّي لَا أنسى وَلَكِن أنسى لأسن وَالثَّانِي أَن رَسُول الله أرِي أَعمار النَّاس قبله أَو مَا شَاءَ الله فَكَأَنَّهُ تقاصر أَعمار أمته وَالثَّالِث قَول معَاذ وَآخر مَا وصاني بِهِ رَسُول الله وَقد وضعت رجْلي فِي الغرز أَن قَالَ حسن خلقك للنَّاس وَالرَّابِع إِذا نشأت بحريّة ثمَّ تشاءمت فَتلك عين غديقة
وَمن مظان الْمُرْسل والمنقطع والمعضل كتاب السّنَن لسَعِيد بن مَنْصُور
تَنْبِيه قد وَقع فِي كَلَام بعض عُلَمَاء الحَدِيث اسْتِعْمَال المعضل فِيمَا لم يسْقط فِيهِ شَيْء من الْإِسْنَاد أصلا وَذَلِكَ فِيمَا فِيهِ إِشْكَال من جِهَة الْمَعْنى مِثَال ذَلِك مَا رَوَاهُ الدولابي فِي الكنى من طَرِيق خُلَيْد بن دعْلج عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه مَرْفُوعا من كَانَت وَصيته على كتاب الله كَانَت كَفَّارَة لما ترك من زَكَاته وَقَالَ هَذَا معضل يكَاد يكون بَاطِلا وَالظَّاهِر أَنه هُنَا بِكَسْر الضَّاد من قَوْلهم أعضل الْأَمر إِذا اشْتَدَّ واستغلق وَأمر معضل لَا يَهْتَدِي لوجهه
ذكر النَّوْع الثَّالِث عشر من عُلُوم الحَدِيث
هَذَا النَّوْع هُوَ معرفَة المدرج فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من كَلَام الصَّحَابَة وتخليص كَلَام غَيره من كَلَامه
وَمِثَال ذَلِك مَا حدّثنَاهُ أَبُو بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه أَنبأَنَا عمر بن حَفْص السدُوسِي حَدثنَا عَاصِم بن عَليّ حَدثنَا زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن الْحسن بن الْحر
عَن الْقَاسِم بن مخيمرة قَالَ أَخذ عَلْقَمَة بيَدي وحَدثني أَن عبد الله أَخذ بِيَدِهِ وَأَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَخذ بيد رَسُول الله أَخذ بيد عبد الله فَعلمه فِي الصَّلَاة وَقَالَ قل التَّحِيَّات لله والصلوات فَذكر التَّشَهُّد قَالَ فَإِذا قلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ
هَكَذَا رَوَاهُ جمَاعَة عَن زُهَيْر وَغَيره عَن الْحسن بن الْحر وَقَوله إِذا قلت هَذَا مدرج فِي الحَدِيث من كَلَام عبد الله بن مَسْعُود ثمَّ ذكر دَلِيل الإدراج
قَالَ أهل الْأَثر الإدراج نَوْعَانِ إدراج فِي الْمَتْن وإدراج فِي الْإِسْنَاد أما الإدراج فِي الْمَتْن فَهُوَ أَن يُورد فِي متن الحَدِيث مَا لَيْسَ مِنْهُ على وَجه يُوهم أَنه مِنْهُ وَيُسمى ذَلِك المورد مدرج الْمَتْن وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام مدرج فِي آخر الحَدِيث ومدرج فِي أَوله ومدرج فِي أَثْنَائِهِ
أما المدرج فِي آخر الحَدِيث فَهُوَ الْغَالِب الْمَشْهُور فِي هَذَا النَّوْع وَلذَا اقْتصر ابْن الصّلاح عَلَيْهِ ومثاله مَا ورد فِي آخر حَدِيث التَّشَهُّد الْمَذْكُور سَابِقًا وَهُوَ فَإِذا قلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ فَإِن هَذَا الْكَلَام مدرج فِي الحَدِيث من كَلَام عبد الله بن مَسْعُود وَهُوَ مدرج فِي آخر الحَدِيث
وَقد رَوَاهُ شبابه بن سوار عَنهُ ففصله وَبَين أَنه من قَول عبد الله فَقَالَ قَالَ عبد الله فَإِذا قلت ذَلِك فقد قضيت مَا عَلَيْك من الصَّلَاة فَإِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ شَبابَة ثِقَة وَقد فصل آخر الحَدِيث وَجعله من قَول ابْن مَسْعُود وَهُوَ أصح من رِوَايَة من أدرج آخِره وَقَوله أشبه بِالصَّوَابِ
وَأما المدرج فِي أول الحَدِيث فقليل ومثاله مَا رَوَاهُ شبابه بن سوار وَغَيره عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَسْبغُوا الْوضُوء ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار
فَقَوله أَسْبغُوا الْوضُوء من قَول أبي هُرَيْرَة أدرج فِي الحَدِيث فِي أَوله وَيدل على الإدراج مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة انه قَالَ أَسْبغُوا الْوضُوء فَإِن أَبَا الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم قَالَ ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار رَوَاهُ بَعضهم مُقْتَصرا على الْمَرْفُوع
ثمَّ إِن قَول أبي هُرَيْرَة أَسْبغُوا الْوضُوء قد رُوِيَ فِي الصَّحِيح مَرْفُوعا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ
وَقَالَ بَعضهم إِن هَذَا الْقسم نَادِر جدا حَتَّى إِنَّه يعز أَن يُوجد لَهُ مِثَال ثَان يعزز بِهِ هَذَا الْمِثَال
واما المدرج فِي أثْنَاء الحَدِيث فَهُوَ كثير إِذا نظر إِلَى مَا أدرج لتفسير الْأَلْفَاظ الغريبة ومثاله خبر هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير عَن أَبِيه عَن بسرة بنت صَفْوَان مَرْفُوعا من مس ذكره أَو أنثييه أَو رفغيه فَليَتَوَضَّأ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَا رَوَاهُ عبد الحميد عَن هِشَام وَقد وهم فِي ذكر الْأُنْثَيَيْنِ والرفغ وإدراجه ذَلِك فِي حَدِيث بسرة وَالْمَحْفُوظ أَن ذَلِك من قَول عُرْوَة غير مَرْفُوع وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثِّقَات عَن هِشَام مِنْهُم أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَحَمَّاد بن زيد وَغَيرهمَا
وَقد رُوِيَ من طَرِيق أَيُّوب من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ وَكَانَ عُرْوَة يَقُول إِذا مس رفغيه أَو أنثييه أَو ذكره فَليَتَوَضَّأ فَكَانهُ لَاحَ لَهُ من معنى الْخَبَر أَن مس مَا قرب من الذّكر بِمَنْزِلَة مس الذّكر فَقَالَ مَا قَالَ فَظن بعض الروَاة أَن مَا قَالَه هُوَ نفس الْخَبَر فأوردوه كَذَلِك وَقد تبين للباحثين أَن الْأُنْثَيَيْنِ والرفغ مدرجان فِي أثْنَاء الْخَبَر
وَقد رُوِيَ من مس رفغه أَو أنثييه أَو ذكره فَليَتَوَضَّأ وَقد توهم بَعضهم أَنه على هَذِه الرِّوَايَة يكون مِثَالا ثَانِيًا لما وَقع فِيهِ الإدراج فِي الأول وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن أول الحَدِيث هُوَ من مس وَآخره فَليَتَوَضَّأ فالإدراج على كل حَال إِنَّمَا وَقع فِي أثْنَاء الحَدِيث والرفغ بِضَم الرَّاء وَفتحهَا أصل الفخذين
وَمِثَال مَا أدرج فِي أثْنَاء الحَدِيث لتفسير لفظ غَرِيب حَدِيث أَنا زعيم
والزعيم الْحميل بِبَيْت فِي الْجنَّة الحَدِيث فَقَوله والزعيم الْحميل مدرج فِي أثْنَاء الحَدِيث لتفسير اللَّفْظ الْغَرِيب فِيهِ
والإدراج بِجَمِيعِ أقسامه مَحْظُور قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ من تعمد الإدراج فَهُوَ سَاقِط الْعَدَالَة وَمِمَّنْ يحرف الْكَلم عَن موَاضعه وَهُوَ مُلْحق بالكذابين وَقد اسْتثْنى بَعضهم من ذَلِك مَا ادرج لتفسير لفظ غَرِيب لقلَّة وُقُوع الالتباس فِيهِ وَقد فعله الزُّهْرِيّ وَغَيره
وَلَا يسوغ الحكم بالإدراج إِلَّا إِذا وجد مَا يدل عَلَيْهِ فَمن ذَلِك دلَالَة المدرج على امْتنَاع نسبته إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ كَقَوْل أبي هُرَيْرَة فِي حَدِيث للْعَبد الْمَمْلُوك أَجْرَانِ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وبر أُمِّي لأحببت أَن أَمُوت وَأَنا مَمْلُوك وكقول ابْن مَسْعُود كَمَا جزم بِهِ سُلَيْمَان بن حَرْب فِي حَدِيث الطَّيرَة شرك وَمَا منا إِلَّا وَمن ذَلِك تَصْرِيح بعض الروَاة بِالْفَصْلِ وَذَلِكَ بإضافته لقائله ويتقوى باقتصار بعض الروَاة على الأَصْل كَحَدِيث التَّشَهُّد وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَر
وَمِمَّا دلّ الدَّلِيل على الإدراج فِيهِ حَدِيث ابْن مَسْعُود من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة وَمن مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار فَفِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كلمة وَقلت أَنا أُخْرَى فذكرهما فَأفَاد أَن إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ من قَوْله ثمَّ وَردت رِوَايَة ثَالِثَة أفادت ان الْكَلِمَة الَّتِي من قَوْله هِيَ الثَّانِيَة وأكد ذَلِك رِوَايَة رَابِعَة اقْتصر فِيهَا على الْكَلِمَة الأولى مُضَافَة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم
وَمِمَّا دلّت الأمارة على الإدراج فِيهِ حَدِيث الْكُسُوف على مَا ورد فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه وَهُوَ إِن الشَّمْس وَالْقَمَر لَا ينكسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا تجلى الله لشَيْء من خلقه خشع لَهُ فَإِن هَذِه الْجُمْلَة الْأَخِيرَة وَهِي فَإِن الله إِذا تجلى لشَيْء من خلقه خشع لَهُ يظْهر أَنَّهَا مدرجة من كَلَام بعض الروَاة وَلذَا لم تقع فِي سَائِر الرِّوَايَات مَعَ أَن حَدِيث الْكُسُوف قد رُوِيَ عَن بضعَة عشر من الصَّحَابَة على انه يَكْفِي أَن يُقَال إِنَّهَا مُخَالفَة للرواية الَّتِي وَقعت فِي الصَّحِيح وَهِي أَن الشَّمْس وَالْقَمَر
آيتان من آيَات الله لَا ينخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فافزعوا إِلَى ذكر الله وَالصَّلَاة
قَالَ أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ إِن هَذِه الزِّيَادَة لم يَصح نقلهَا فَيجب تَكْذِيب قَائِلهَا وَغنما الْمَرْوِيّ مَا ذكرنَا يَعْنِي الحَدِيث الَّذِي لَيست فِيهِ هَذِه الزِّيَادَة قَالَ وَلَو كَانَ صَحِيحا لَكَانَ تَأْوِيله أَهْون من مُكَابَرَة أُمُور قَطْعِيَّة فكم من ظواهر أولت بالأدلة الْعَقْلِيَّة الَّتِي لَا تتبين فِي الوضوح إِلَى هَذَا الْحَد وَأعظم مَا يفرح بِهِ الملحدة أَن يُصَرح نَاصِر الشَّرْع بِأَن هَذَا وَأَمْثَاله على خلاف الشَّرْع فيسهل عَلَيْهِ طَرِيق إبِْطَال الشَّرْع إِن كَانَ شَرطه أَمْثَال ذَلِك
وَقد ضعف الْعَلامَة ابْن دَقِيق الْعِيد الحكم بالإدراج فِيمَا إِذا كَانَ المدرج مقدما على اللَّفْظ الْمَرْوِيّ أَو فِي أَثْنَائِهِ لَا سِيمَا فِي مثل من مس ذكره أَو أنثييه فَليَتَوَضَّأ وَقَالَ إِن الإدراج إِنَّمَا يكون بِلَفْظ تَابع يُمكن استقلاله عَن اللَّفْظ السَّابِق
قَالَ بعض الْعلمَاء وَكَأن الْحَامِل لَهُم على عدم تَخْصِيص الإدراج بآخر الْخَبَر تَجْوِيز كَون التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير من الرَّاوِي لظَنّه الرّفْع فِي الْجَمِيع واعتماده على الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَيبقى المدرج حِينَئِذٍ فِي أول الْخَبَر أَو أَثْنَائِهِ
وعَلى كل حَال فالمرجع إِلَى الدَّلِيل الْمُقْتَضى لغَلَبَة الظَّن فَإِذا وجد حكم بالإدراج سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي الآخر أَو فِي الأول أَو فِي الْوسط
هَذَا وَأما مدرج الْإِسْنَاد فَهُوَ مَا يكون الإدراج فِيهِ لَهُ تعلق مَا بِالْإِسْنَادِ وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام
الْقسم الأول أَن يكون الحَدِيث عِنْد رَاوِيه بِإِسْنَاد إِلَّا طرفا مِنْهُ فَإِنَّهُ عِنْده بِإِسْنَاد آخر فيروي الرَّاوِي عَنهُ جَمِيعه بِالْإِسْنَادِ الأول
وَيلْحق بِهَذَا الْقسم قسم أفرده بَعضهم عَنهُ وَهُوَ أَن يسمع الحَدِيث من شَيْخه إِلَّا طرفا ثمَّ يسمع لَك الطّرف بِوَاسِطَة عَنهُ ثمَّ يرويهِ جَمِيعه عَنهُ بِلَا وَاسِطَة
وَمِثَال ذَلِك حَدِيث إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن حميد عَن أنس فِي قصَّة