الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبدا حَدِيث الْبَراء أسلمت نَفسِي إِلَيْك قصَّة الطير قصَّة الْمُفطر فِي رَمَضَان أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى السّفر من الْعَذَاب طرق الْحسن عَن صعصعة كَانَ إِذا بعث سَرِيَّة
من كذب عَليّ مُتَعَمدا اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها إِذا أَتَاكُم كريم قوم تقتل عمارا الفئة الباغية ذَكَاة الْجَنِين خطْبَة عمر بالجابية شَرّ النَّاس من يخَاف لِسَانه لَيْسَ الْخَبَر كالمعاينة لَيْسَ بالكذاب من أصلح بَين النَّاس إِن أول مَا نبدأ بِهِ أَن نصلي ثمَّ نذبح من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ بست الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا
الكمأة من الْمَنّ نعم الإدام الْخلّ الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد كل مُسكر حرَام إِن من الشّعْر لحكمة قصَّة العرنيين صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا اخْتِلَاف الْأَخْبَار فِي تَزْوِيج مَيْمُونَة بنت الْحَارِث النَّاس كإبل مئة دَعْوَة ذِي النُّون إِن الله يحب ان تقبل رخصَة أَشد النَّاس بلَاء الْأَنْبِيَاء إِنَّه ليغان على قلبِي الْمُؤمن غر كريم
ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث
هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة جمَاعَة من الروَاة لم يحْتَج بِحَدِيثِهِمْ فِي الصَّحِيح وَلم يسقطوا وَهَذَا علم حسن فَإِن فِي رُوَاة الْأَخْبَار جمَاعَة بِهَذِهِ الصّفة
وَمِثَال ذَلِك فِي الصَّحَابَة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح أَمِين هَذِه الْأمة لم يَصح الطَّرِيق إِلَيْهِ من جِهَة الناقلين فَلم يخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكَذَلِكَ عتبَة بن غَزوَان وَأَبُو كَبْشَة مولى رَسُول الله والأرقم بن أبي الأرقم وَقُدَامَة بن مَظْعُون والسائب بن مَظْعُون وشجاع بن وهب الْأَسدي وَأَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة بن
ربيعَة وَعباد بن بشر وسلامة بن وقش فِي جمَاعَة من الصَّحَابَة
إِلَّا أَنِّي ذكرت هَؤُلَاءِ رضي الله عنهم فَإِنَّهُم من الْمُهَاجِرين الَّذين شهدُوا بَدْرًا وَلَيْسَ لَهُم فِي الصَّحِيح رِوَايَة إِذْ لم يَصح إِلَيْهِم الطَّرِيق وَلَهُم ذكر فِي الصَّحِيح من رِوَايَات غَيرهم من الصَّحَابَة مثل قَوْله صلى الله عليه وسلم لكل أمة أَمِين وَأمين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَمَا يشبه هَذَا
وَمِثَال ذَلِك فِي التَّابِعين محمدب ن طَلْحَة بن عبيد الله مُحَمَّد بن أبي بن كَعْب السَّائِب بن خَلاد بن السَّائِب مُحَمَّد بن أُسَامَة بن زيد عمَارَة بن خُزَيْمَة بن ثَابت سعيد بن سعد بن عبَادَة عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله إِسْمَاعِيل بن زيد بن ثَابت هَؤُلَاءِ التابعون عَن علو محالهم فِي التَّابِعين وعلو محَال آبَائِهِم فِي الصَّحَابَة لَيْسَ فِي الصَّحِيح ذكر لفساد الطَّرِيق إِلَيْهِم لَا لجرح فيهم وَفِي التَّابِعين جمَاعَة من هَذِه الطَّبَقَة
وَمِثَال ذَلِك فِي أَتبَاع التَّابِعين إِبْرَاهِيم بن مُسلم الهجري عبد الرَّحْمَن بن عبد الله المَسْعُودِيّ قيس بن الرّبيع الْأَسدي
وَمِثَال ذَلِك فِي أَتبَاع الأتباع مطلب بن زِيَاد حَمَّاد بن شُعَيْب سعيد بن زيد أَخُو حَمَّاد يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ عَائِذ بن حبيب مُحَمَّد بن ربيعَة الْكلابِي إِسْمَاعِيل بن عبد الْكَرِيم الصَّنْعَانِيّ
وَمِثَال ذَلِك فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة من الْمُحدثين عون بن عمَارَة الغبري وَالقَاسِم بن الحكم العرني
وَمِثَال ذَلِك فِي الطَّبَقَة السَّادِسَة من الْمُحدثين أَحْمد بن عبد الْجَبَّار العطاردي الْحَارِث بن أبي أُسَامَة أَحْمد بن عبيد بن نَاصح النَّحْوِيّ إِسْمَاعِيل بن الْفضل
وَمن أهل الْكُوفَة
عَلْقَمَة بن قيس النَّخعِيّ وعامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ وَالْحسن بن صَالح بن حَيّ
وَمن أهل الْبَصْرَة
قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي وَأَبُو الْعَالِيَة زِيَاد بن فَيْرُوز وكهمس بن الْحسن الْهِلَالِي وَسَعِيد بن أبي هروبة فِي آخَرين بعدهمْ
وَمن أهل مصر
عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم وَأَشْهَب بن عبد الْعَزِيز وَعبد الله بن وهب وَعبد الله بن عبد الحكم بن أعين وَجَمَاعَة من المالكيين بعدهمْ وَكَذَلِكَ جمَاعَة من أهل الشَّام وخراسان
قَالَ أَبُو عبد الله وَقد رَأَيْت أَن جمَاعَة من مشايخي يرَوْنَ الْعرض سَمَاعا وَالْحجّة عِنْدهم فِي ذَلِك مَا حدّثنَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني قَالَ حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا اللَّيْث بن سعد قَالَ حَدثنِي سعيد المَقْبُري عَن شريك بن عبد الله عَن أنس بن مَالك قَالَ
بَينا نَحن جُلُوس مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رجل فَذكر الحَدِيث قَالَ يَا مُحَمَّد إِنِّي سَائِلك فمشتد عَلَيْك فِي الْمَسْأَلَة فَلَا تجدن فِي نَفسك فَقَالَ سل مَا بدا لَك فَقَالَ الرجل نشدتك بِرَبِّك وَرب من قبلك الله أرسلك إِلَى النَّاس كلهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ نعم
قَالَ أَبُو عبد الله احْتج شيخ الصَّنْعَة أَبُو عبد الله بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ فِي كتاب الْعلم من الْجَامِع الصَّحِيح بِهَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْعرض على الْمُحدث
أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد الشعراني قَالَ حَدثنَا جدي
قَالَ سَمِعت إِسْمَاعِيل بن أبي أويس سَمِعت خَالِي مَالك بن أنس يَقُول قَالَ لي يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ لما أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق الْتقط لي مئة حَدِيث من حَدِيث ابْن شهَاب حَتَّى رويها عَنْك عَنهُ قَالَ مَالك فكتبتها ثمَّ بعثت بهَا إِلَيْهِ فَقيل لمَالِك أسمعها مِنْك قَالَ هُوَ أفقه من ذَلِك
أخبرنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ قَالَ حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ حَدثنِي الزبير بن بكار قَالَ حَدثنِي مطرف بن عبد الله قَالَ صَحِبت مَالِكًا سبع عشرَة سنة فَمَا رَأَيْته قَرَأَ الْمُوَطَّأ على أحد وسمعته يَأْبَى أَشد الإباء على من يَقُول لَا يجْزِيه إِلَّا السماع وَيَقُول كَيفَ لَا يقنعك أَن تَأْخُذهُ عرضا والمحدث أَخذه عرضا وَلم لَا تجوز لنَفسك ان تعرض أَنْت كَمَا عرض هُوَ
حَدثنَا أَبُو بكر الشَّافِعِي حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي قَالَ حَدثنَا ابْن أبي أويس قَالَ سُئِلَ مَالك عَن حَدِيثه أسماع هُوَ فَقَالَ مِنْهُ سَماع وَمِنْه عرض وَلَيْسَ الْعرض بِأَدْنَى عندنَا من السماع
قَالَ أَبُو عبد الله قد ذكرنَا مَذْهَب جمَاعَة من الْأَئِمَّة فِي الْعرض فَإِنَّهُم أجازوه على الشَّرَائِط الَّتِي قدمنَا ذكرهَا وَلَو عاينوا مَا عايناه من محدثي زَمَاننَا لما أجازوه فَإِن الْمُحدث إِذْ لم يعرف مَا فِي كِتَابه كَيفَ يعرض عَلَيْهِ
وَأما فُقَهَاء الْإِسْلَام الَّذين أفتوا فِي الْحَلَال وَالْحرَام فَإِن فيهم من لم ير الْعرض سَمَاعا وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي الْقِرَاءَة على الْمُحدث أهوَ إِخْبَار أم لَا وَبِه قَالَ الشَّافِعِي المطلبي بالحجاز وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام والبويطي والمزني بِمصْر وَأَبُو حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأحمد بن حَنْبَل بالعراق وَعبد الله بن الْمُبَارك وَيحيى بن يحيى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه بالمشرق وَعَلِيهِ عهدنا أَئِمَّتنَا وَبِه قَالُوا وَإِلَيْهِ ذَهَبُوا وَإِلَيْهِ نَذْهَب وَبِه نقُول إِن الْعرض لَيْسَ بِسَمَاع وغن الْقِرَاءَة على الْمُحدث إِخْبَار وَالْحجّة عِنْدهم فِي ذَلِك قَوْله صلى الله عليه وسلم نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فوعاها حَتَّى يُؤَدِّيهَا إِلَى من لم يسْمعهَا وَقَوله صلى الله عليه وسلم تَسْمَعُونَ وَيسمع
مِنْكُم فِي أَخْبَار كَثِيرَة
حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ أخبرنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ أخبرنَا الشَّافِعِي قَالَ أخبرنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه أَن رَسُول صلى الله عليه وسلم قَالَ نضر الله عبدا سمع مَقَالَتي فحفظها فوعاها وأداها فَرب حَامِل فقه غير فَقِيه
قَالَ الشَّافِعِي فَلَمَّا ندب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى اسْتِمَاع مقَالَته وحفظها وأدائها إِلَى من يُؤَدِّيهَا وَالْأَمر وَاحِد دلّ على انه صلى الله عليه وسلم لَا يَأْمر أَن يُؤدى عَنهُ إِلَّا مَا تقوم بِهِ الْحجَّة على من أُدي إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَدِّي عَنهُ حَلَال يُؤْتى وَحرَام يجْتَنب وحد يُقَام وَمَال يُؤْخَذ وَيُعْطى ونصيحة فِي دين وَدُنْيا
قَالَ أَبُو عبد الله وَالَّذِي أختاره فِي الرِّوَايَة وعهدت عَلَيْهِ أَكثر مشايخي وأئمة عصري أَن يَقُول فِي الَّذِي يَأْخُذهُ من الْمُحدث لفظا وَلَيْسَ مَعَه أحد حَدثنِي فلَان وَمَا يَأْخُذهُ من الْمُحدث لفظا مَعَ غَيره حَدثنَا فلَان وَمَا قَرَأَ على الْمُحدث بِنَفسِهِ أَخْبرنِي فلَان وَمَا قرئَ على الْمُحدث فَأجَاز وَهُوَ حَاضر أخبرنَا فلَان وَمَا عرض على الْمُحدث فَأجَاز لَهُ رِوَايَته شفاها يَقُول فِيهِ أنبأني فلَان وَمَا كتب إِلَيْهِ الْمُحدث من مَدِينَة وَلم يشافهه بِالْإِجَازَةِ يَقُول كتب إِلَيّ فلَان
سَمِعت أَبَا بكر إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْفَقِيه بِالريِّ يَقُول سَأَلت أَبَا شُعَيْب الْحَرَّانِي الْإِجَازَة لِأَصْحَابِي بِالريِّ فَقَالَ أَبُو شُعَيْب حَدثنَا جدي قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن أعين عَن شُعْبَة قَالَ كتب إِلَيّ الْمَنْصُور بِحَدِيث ثمَّ لَقيته بعد ذَلِك فَسَأَلته عَن ذَلِك الحَدِيث فَقَالَ لي أَلَيْسَ قد حدثتك بِهِ إِذا كتبت بِهِ إِلَيْك فقد حدثتك
حَدثنَا الزبير بن عبد الْوَاحِد قَالَ أخبرنَا أَبُو تُرَاب مُحَمَّد بن سهل قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد بن قطن بن كثير قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة قَالَ سَمِعت
بَقِيَّة يَقُول لقيتني شُعْبَة بِبَغْدَاد فَقَالَ لي لَو لم ألقك لمت مَعَك كتاب بجير بن سعد قَالَ قلت لَا قَالَ إِذا رجعت فاكتبه واختمه وَوجه بِهِ إِلَيّ
هَذَا آخر مَا انتقيناه من كتاب الْمعرفَة فِي أصُول الحَدِيث للْحَاكِم أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي وَقد أوردنا هُنَا جلّ مَا أوردهُ فِيهِ من الْفَوَائِد المهمة فِي كل نوع من النواع واقتصرنا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تعدّدت فِيهَا الْأَمْثِلَة على أقل مَا يُمكن الِاقْتِصَار عَلَيْهِ رِعَايَة لحَال الْمُبْتَدِئ الَّذِي توخينا أَن يحصل لَهُ من مطالعة كتَابنَا هَذَا خطّ وافر من الْمعرفَة بِهَذَا الْفَنّ وفقنا الله سُبْحَانَهُ لما يحب ويرضى
وَقد وَقع إِلَيْنَا حِين الانتقاء نُسْخَة كتبت فِي الْقَاهِرَة فِي دَار الحَدِيث الكاملية سنة 634 وقرئت فِي قلعة الْجَبَل على بعض أهل الْأَثر وَهِي منقولة من نُسْخَة الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ الْمُثبت عَلَيْهَا صُورَة سَمَاعه فِي آخر كل جُزْء من اجزائها الْخَمْسَة من الشَّيْخ الإِمَام أبي نزار ربيعَة بن الْحسن اليمني الْحَضْرَمِيّ سنة 602
وَهَذَا مِثَال جَمِيع الْجُزْء الأول من علم الحَدِيث على الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم أبي نزار ربيعَة بن الْحسن بن عَليّ بن يحيى الْحَضْرَمِيّ اليمني بِحَق سَمَاعه لَهُ وقراءته على أبي المطهر الصيدلاني بإجازته من ابْن خلف عَن مُصَنفه بِقِرَاءَة الشريف أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي الْقَاسِم الإدريسي الْفَقِيه الْمُحدث أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي بن عبد الله الْمُنْذِرِيّ وملهم بن فتوح بن بِشَارَة الصُّوفِي وَعبد الْبَاقِي بن أبي مُحَمَّد بن عَليّ الخشاب وبركات بن ظافر بن عَسَاكِر وَصَحَّ بِمَسْجِد المسمع بِمصْر يَوْم السبت من شهر ربيع الأول من سنة اثْنَتَيْنِ وست مئة
وَهَذَا مِثَال مَا كتب فِي آخر الْجُزْء الثَّانِي بلغ السماع لجَمِيع هَذَا الْجُزْء على الشَّيْخ الإِمَام العلام الزَّاهِد أبي نزار ربيعَة بن الْحسن بن عَليّ بن عبد الله بن يحيى بن أبي الشجاع الْحَضْرَمِيّ بِحَق قِرَاءَته لَهُ على أبي المطهر الْقَاسِم بن الْفضل بن عبد الْوَاحِد الصيدلاني بإجازته من الأديب أبي بكر أَحْمد بن أبي الْحسن بن خلف الشِّيرَازِيّ بِحَق سَمَاعه من الْحَاكِم أبي عبد الله مُصَنفه صَاحبه الْفَقِيه الْمُحدث عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي بن عبد الله الْمُنْذِرِيّ وَاخْتِيَار الدّين أَبُو المناقب ملهم بن فتوح بن بِشَارَة الصُّوفِي وبركات بن ظافر بن عَسَاكِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ فِي نَهَار يَوْم السبت السَّادِس من ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وست مئة وَالْحَمْد لله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد خير خلقه وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا اهـ
وَاعْلَم أَن طرق نقل الحَدِيث وتحمله من أهم مبَاحث هَذَا الْفَنّ وَقد تعرض لَهَا عُلَمَاء الْأُصُول فِي كتبهمْ وَقد كتب فِيهَا ابْن الصّلاح مَا يشفي الغليل وَلما كَانَ مَا ذكر فِي هَذَا النَّوْع وَهُوَ النَّوْع الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ الَّذِي ختم بِهِ الْحَاكِم كِتَابه دَاخِلا فِيهَا وَكَانَ هَذَا المبحث سهل المأخذ أحببنا أَن لَا تعرض لَهُ كَمَا لم نتعرض فِي كثير من الْمَوَاضِع لأمثاله وَغنما اكتفينا بِدلَالَة الطَّالِب على مَنْزِلَته من الْفَنّ كي لَا يزهد فِيهِ وعَلى مظان الْبَحْث عَنهُ كي يرجع إِلَيْهَا عِنْد حُصُول الدَّاعِي إِلَى ذَلِك
غير أَن رَأينَا نذْكر هُنَا شَيْئا مِمَّا قيل فِي الْإِجَازَة لفرط ولوع كثير من الْمُتَأَخِّرين بهَا فَنَقُول من أَقسَام الْأَخْذ والتحمل الْإِجَازَة وَهِي دون السماع وَهِي تِسْعَة أَنْوَاع
النَّوْع الأول أَن يُجِيز معينا لمُعين كَانَ يَقُول أجزت لَك أَو لكم الْكتاب الْفُلَانِيّ أَو مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ فهرستي وَنَحْو ذَلِك هَذَا أَعلَى أَنْوَاع الْإِجَازَة الْمُجَرَّدَة عَن المناولة وَقد اخْتلف فِيهَا فَقَالَ بعض الْعلمَاء بجوازها وَقَالَ بَعضهم بِعَدَمِ جَوَازهَا
قَالَ ابْن الصّلاح وَزعم بَعضهم أَنه لَا خلاف فِي جزوازها وَلَا خَالف فِيهَا أهل الظَّاهِر وَإِنَّمَا خلافهم فِي غير هَذَا النَّوْع وَزَاد القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ فَأطلق نفي الْخلاف وَقَالَ لَا خلاف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بالإجاة من سلف الْأمة وَخَلفهَا وَادّعى الْإِجْمَاع من غير تَفْصِيل وَحكى الْخلاف فِي الْعَمَل بهَا
قلت هَذَا بَاطِل فقد خَالف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ جماعا من أهل الحَدِيث وَالْفُقَهَاء والأصوليين وَذَلِكَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الشَّافِعِي رُوِيَ عَن صَاحبه الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ كَانَ لاشافعي لَا يرى الْإِجَازَة فِي الحَدِيث قَالَ الرّبيع وَأَنا أُخَالِف الشَّافِعِي فِي هَذَا
وَقد قَالَ بإبطالها جمَاعَة من الشافعيين مِنْهُم القاضيان حُسَيْن بن مُحَمَّد المروروذي وَأَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ فِي كِتَابه الْحَاوِي وَعَزاهُ إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وَقَالا جَمِيعًا لَو جَازَت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة وَرُوِيَ هَذَا الْكَلَام عَن شُعْبَة وَغَيره
وَمِمَّنْ أبطلها من أهل الحَدِيث الإِمَام إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد الْأَصْفَهَانِي الملقب بِأبي الشَّيْخ والحافظ أَبُو نصر الوائلي السجْزِي وَحكى أَبُو نصر فَسَادهَا عَمَّن لقِيه قَالَ أَبُو نصر جمَاعَة من أهل الْعلم يَقُولُونَ قَول الْمُحدث قد أجزت لَك أَن تروي عني تَقْدِيره قد أجزت لَك مَا لَا يجوز فِي الشَّرْع لِأَن الشَّرْع لَا يُبِيح رِوَايَة من لم يسمع
قلت وَيُشبه هَذَا مَا حَكَاهُ أَبُو بكر مُحَمَّد بن ثَابت الخجندي أحد من أبطل الْإِجَازَة من الشَّافِعِيَّة عَن أبي طَاهِر الدباس أحد أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة قَالَ من قَالَ لغيره أجزت لَك أَن تروي عني مَا لم تسمع فَكَانهُ يَقُول أجزت لَك أَن تكذب عَليّ
ثمَّ إِن الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْعَمَل وَقَالَ بِهِ جَمَاهِير أهل الْعلم من أهل الحَدِيث وَغَيرهم القَوْل بتجويز الْإِجَازَة وَإِبَاحَة الرِّوَايَة بهَا وَفِي الِاحْتِجَاج لذَلِك غموض
وَيتَّجه أَن نقُول إِذا أجَاز لَهُ أَن يروي عَنهُ مروياته وَقد أخبرهُ هَا جملَة فَهُوَ كَمَا لَو أخبرهُ تَفْصِيلًا وإخباره بهَا غير مُتَوَقف على التَّصْرِيح نطقا كَمَا فِي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ كَمَا سبق وَغنما الْغَرَض حُصُول الإفهام والفهم وَذَلِكَ يحصل بِالْإِجَازَةِ المفهمة وَالله أعلم
ثمَّ إِنَّه كَمَا تجوز الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ يجب الْعَمَل بالمروي بهَا خلافًا لمن قَالَ من أهل الظَّاهِر وَمن تَابعهمْ إِنَّه لَا يحب الْعَمَل بِهِ وَإنَّهُ جَار مجْرى الْمُرْسل وَهَذَا بَاطِل لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِجَازَة مَا يقْدَح فِي اتِّصَال الْمَنْقُول بهَا وَفِي الثِّقَة بِهِ وَالله اعْلَم
النَّوْع الثَّانِي أَن يعين الشَّخْص الْمجَاز لَهُ دون الْكتاب الْمجَاز كَأَن يَقُول أجزت لَك أَو لكم جَمِيع مسموعاتي أَو جَمِيع مروياتي وَمَا أشبه ذَلِك
وَالْخلاف فِي هَذَا النَّوْع أقوى وَأكْثر وَالْجُمْهُور من الْعلمَاء من الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء وَغَيرهم على تَجْوِيز الرِّوَايَة بهَا أَيْضا وعَلى إِيجَاب الْعَمَل بِمَا يوي بهَا بِشَرْطِهِ
النَّوْع الثَّالِث أَن يُجِيز الْغَيْر بِوَصْف الْعُمُوم كَأَن يَقُول أجزت لمن أدْرك زماني وَمَا أشبه ذَلِك
وَهَذَا نوع تكلم فِيهِ الْمُتَأَخّرُونَ مِمَّن جوز الْإِجَازَة وَاخْتلفُوا فِي جَوَازه كَانَ ذَلِك مُقَيّدا بِوَصْف خَاص أَو نَحوه فَهُوَ إِلَى الْجَوَاز أقرب كَانَ يَقُول أجزت لطلبة الْعلم بِمَدِينَة كَذَا كَذَا
قَالَ ابْن الصّلاح وَلم نر وَلم نسْمع عَن أحد مِمَّن يَقْتَدِي بِهِ انه اسْتعْمل هَذِه الْإِجَازَة فروى بهَا وَلَا عَن الشرذمة المتاخرة الَّذين سوغوها وَالْإِجَازَة فِي أَصْلهَا ضعف وتزداد بِهَذَا التَّوَسُّع والاسترسال ضعفا كثيرا لَا يَنْبَغِي احْتِمَاله
النَّوْع الرَّابِع الْإِجَازَة للْمَجْهُول أَو بِالْمَجْهُولِ كَأَن يَقُول أجزت لمُحَمد بن
خَالِد الْحَمَوِيّ وَهُنَاكَ جمَاعَة مشتركون فِي هَذَا الِاسْم وَهَذِه النِّسْبَة أَو أجزت لفُلَان أَن يروي عني بعض مسموعاتي أَو كتاب السّنَن وَهُوَ يروي جملَة من كتب السّنَن الْمَعْرُوفَة
وَهَذِه الْإِجَازَة فَاسِدَة لَا فَائِدَة لَهَا وَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل مَا إِذا أجَاز لجَماعَة مسمين مُعينين بأنسابهم والمجيز غير عَارِف بهم فَهَذَا غير قَادِح فِي صِحَة الْإِجَازَة كَمَا لَا يقْدَح فِي صِحَة السماع عدم مَعْرفَته بِمن يحضر مَجْلِسه للسماع مِنْهُ
النَّوْع الْخَامِس الْإِجَازَة الْمُعَلقَة بِالشّرطِ كَأَن يَقُول أجزت لفُلَان إِن شَاءَ فلَان وَقد اخْتلف فِيهَا فَقَالَ قوم لَا تجوز لِأَن مَا يفْسد بالجهالة يفْسد بِالتَّعْلِيقِ وَقَالَ قوم هِيَ جَائِزَة وَقد وَقع ذَلِك من بعض أَئِمَّة الحَدِيث فقد وجد بِخَط أبي بكر بن أبي خَيْثَمَة صَاحب يحيى بن معِين أجزت لأبي زَكَرِيَّا يحية بن مسلمة أَن يروي عني مَا أحب من تاريخي الَّذِي سَمعه مني أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن الْأَصْبَغ وَمُحَمّد بن عبد الْأَعْلَى كَمَا سمعاه مني وأذنت لَهُ فِي ذَلِك وَلمن أحب من أَصْحَابه فَإِن أحب أَن تكون الْإِجَازَة لأحد بعد هَذَا فَأَنا أجزت لَهُ ذَلِك بكتابي هَذَا وَكتبه أَحْمد بن أبي خَيْثَمَة بِيَدِهِ فِي شَوَّال سنة سِتّ وَسبعين ومئتن
وَمِمَّنْ وَقع مِنْهُم ذَلِك حفيد يَعْقُوب بن شيبَة فقد قَالَ فِي إجَازَة لَهُ يَقُول مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب بن شيبَة قد أجزت لعمر بن أَحْمد الْخلال وَابْنه عبد الرَّحْمَن بن عمر ولختنه عَليّ بن الْحسن جَمِيع مَا فَاتَهُ من حَدِيثي مِمَّا لم يدْرك سَمَاعه من الْمسند وَغَيره وَلكُل من أحب عمر فليرووه عني إِن شاؤوا وكتبت لَهُم ذَلِك بخطي فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة
وَلَو قَالَ الْمُجِيز أجزت لمن يَشَاء فلَان أَو نَحْو فَالْأَظْهر الْبطلَان لِأَن فِيهَا جَهَالَة وتعليقا وَلَو قَالَ أجزت لمن يَشَاء الْإِجَازَة فَهُوَ مثل أجزت لمن يَشَاء فلَان بل هَذَا أظهر فِي الْبطلَان لِأَنَّهَا أَشد فِي الْجَهَالَة والانتشار من حَيْثُ إِنَّهَا علقت بِمَشِيئَة من لَا يحصر عَددهمْ
وَلَو قَالَ أجزت لَك كَذَا إِن شِئْت رِوَايَته عني أَو اجزت لَك كَذَا إِن شِئْت أَن تروي عني أَو أجزت لفُلَان إِن شَاءَ الرِّوَايَة عني فَالْأَظْهر الْأَقْوَى أَن ذَلِك إِذْ قد انْتَفَت فِيهِ الْجَهَالَة وَحَقِيقَة التَّعْلِيق وَلم يبْق سوى صيغته وَهُوَ تَصْرِيح بِمُقْتَضى الْحَال وَمُقْتَضى الْحَال فِي كل إجَازَة تَفْوِيض الرِّوَايَة بهَا إِلَى مَشِيئَة الْمجَاز لَهُ فَكَانَ هَذَا مَعَ كَونه بِصِيغَة التَّعْلِيق تَصْرِيحًا بِمَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاق وحكاية للْحَال لَا تَعْلِيقا فِي الْحَقِيقَة
النَّوْع السَّادِس الْإِجَازَة للمعدوم وَهِي على قسمني أَحدهمَا أَن يعْطف الْمَعْدُوم على الْمَوْجُود كَأَن يَقُول أجزت لفُلَان وَلمن يُولد لَهُ وَالثَّانِي أَن يخصص الْمَعْدُوم بِالْإِجَازَةِ من غير عطف كَأَن يَقُول أجزت لفُلَان وَلمن يُولد لَهُ وَالثَّانِي أَن يخصص الْمَعْدُوم بِالْإِجَازَةِ من غير عطف كَانَ يَقُول أجزت لمن يُولد لفُلَان وَهُوَ أَضْعَف من الْقسم الأول أقرب إِلَى الْجَوَاز
وَحكى ابْن الصّلاح عَن أبي نصر بن الصّباغ أَنه بَين بُطْلَانهَا قَالَ ابْن الصّلاح وَذَلِكَ هُوَ الصَّحِيح الَّذِي لَا يَنْبَغِي غَيره لِأَن الأجازة فِي حكم الْإِخْبَار جملَة بالمجاز فَكَمَا لَا يَصح الْإِخْبَار للمعدوم لَا تصح الْإِجَازَة لَهُ ول قَدرنَا أَن الْإِجَازَة إِذن فَلَا يَصح ذَلِك أَيْضا للمعدوم وَهَذَا يُوجب أَيْضا بطلَان الْإِجَازَة للطفل الصَّغِير الَّذِي لَا يَصح سَمَاعه
النَّوْع السَّابِع الْإِجَازَة لمن لَيْسَ بِأَهْل حِين الْإِجَازَة للْأَدَاء وَالْأَخْذ عَنهُ وَذَلِكَ يَشْمَل صورا لم يذكر ابْن الصّلاح مِنْهَا إِلَّا الصَّبِي وَلم يفرده بِنَوْع بل ذكره فِي آخر الْكَلَام على الْإِجَازَة للمعدوم
وَالْإِجَازَة للصَّبِيّ إِن كَانَ مُمَيّزا فَهِيَ صَحِيحَة كسماعه وَقد نقل خلاف ضَعِيف فِي صِحَة سَمَاعه غير أَنه لَا يعْتد بِهِ وغن كَانَ تغير مُمَيّز فقد اخْتلف فِيهِ فَقَالَ بَعضهم لَا تصح الْإِجَازَة لَهُ كَمَا يَصح السماع لَهُ وَقَالَ بَعضهم تصح الْإِجَازَة لَهُ وَقَالَ بذلك الْخَطِيب وَاحْتج لَهُ بِأَن الْإِجَازَة إِنَّمَا هِيَ إِبَاحَة الْمُجِيز لَهُ أَن تيروي عَنهُ وَالْإِبَاحَة تصح للعاقل وَغير الْعَاقِل وَقَالَ وعَلى هَذَا رَأينَا كَافَّة شُيُوخنَا يجيزون للأطفال الْغَيْب عَنْهُم من غير أَن يسْأَلُوا عَن مبلغ أسنانهم وَحَال تمييزهم
وَلم نرهم أَجَازُوا لمن لم يكن مولودا فِي الْحَال
وَأما الْإِجَازَة للْكَافِرِ فَقَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ لم أجد فِيهَا نقلا وَقد تقدم نقلا وَقد تقدم ان سَمَاعه صَحِيح وَلم أجد عَن أحد من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين الْإِجَازَة للْكَافِرِ إِلَّا أَن شخصا من الْأَطِبَّاء مِمَّن رَأَيْته بِدِمَشْق وَلم أسمع عَلَيْهِ يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن عبد السَّيِّد بن الديَّان سمع الحَدِيث فِي حَال يَهُودِيَّته على أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن الصُّورِي وَكتب اسْمه فِي طبقَة السماع مَعَ السامعين وَأَجَازَ ابْن عبد الْمُؤمن الصُّورِي وَكتب اسْمه فِي طبقَة السماع وَالْإِجَازَة بِحُضُور الْحَافِظ أبي الْحجَّاج يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن الْمزي وَبَعض السماع بقرَاءَته وَذَلِكَ فِي غير مَا حَدِيث مِنْهَا جُزْء ابْن نمير فلولا أَن الْمزي يرى جَوَاز ذَلِك مَا أقرّ عَلَيْهِ ثمَّ هدى الله ابْن عبد السَّيِّد الْمَذْكُور لِلْإِسْلَامِ وَحدث وَسمع مِنْهُ أَصْحَابنَا اهـ واما الْإِجَازَة لِلْفَاسِقِ والمبتدع فَهِيَ أولى بِالْجَوَازِ من الْإِجَازَة للْكَافِرِ ويؤديان إِذا زَالَ الْمَانِع
النَّوْع الثَّامِن إجَازَة مَا لم يسمعهُ الْمُجِيز وَلم يتحمله بعد ليرويه الْمجَاز لَهُ إِذا تحمله الْمُجِيز بعد ذَلِك وَقد اخْتلف فِيهَا فَقَالَ بَعضهم هِيَ غر صَحِيحَة وَقَالَ بَعضهم هِيَ صَحِيحَة
قَالَ ابْن الصّلاح يَنْبَغِي أَن يَبْنِي هَذَا عِلّة ان الْإِجَازَة فِي حكم الْإِخْبَار بالمجاز جملَة أَو هِيَ إِذن فَإِن جعلت فِي حكم الْإِخْبَار لم تصح هَذِه الْإِجَازَة إِذْ كَيفَ يخبر بِمَا لَا خبر عِنْده مِنْهُ وغن جعلت إِذْنا انبنى هَذَا على الْخلاف فِي تَصْحِيح الْإِذْن فِي بَاب الْوكَالَة فِيمَا لم يملكهُ الْمُوكل بعد مثل ان يُوكل فِي بيع العَبْد الَّذِي يُرِيد ان يَشْتَرِيهِ وَقد أجَاز ذَلِك بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي وَالصَّحِيح بطلَان هَذِه الْإِجَازَة
وعَلى هَذَا يتَعَيَّن على من يروي بِالْإِجَازَةِ عَن شيخ أجَاز لَهُ جَمِيع مسموعاته مثلا أَن
يبْحَث حَتَّى يعلم ان ذَاك الَّذِي يُرِيد رِوَايَته عَنهُ مِمَّا سَمعه قبل تَارِيخ هَذِه الْإِجَازَة
وَأما إِذا قَالَ أجزت لَك مَا صَحَّ وَمَا يَصح عنْدك من مسوعاتي فَهَذَا لَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل وَقد فعله الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره وَجَائِز أَن يروي بذلك عَنهُ مَا صَحَّ عِنْده بعد الْإِجَازَة انه سَمعه قبل الْإِجَازَة وَيجوز ذَلِك وَإِن اقْتصر على قَوْله مَا صَحَّ عنْدك وَلم يقل وَمَا يَصح لِأَن المُرَاد أجزت لَك أَن تروي عني مَا صَحَّ عنْدك فَالْمُعْتَبر إِذا فِيهِ صِحَة ذَلِك عِنْده حَالَة الرِّوَايَة
النَّوْع التَّاسِع إجَازَة الجاز كَأَن يَقُول أجزت لَك مجازاتي أَو أجزت لَك رِوَايَة مَا أُجِيز لي رِوَايَته
وَقد منع من ذَلِك بَعضهم وصنف فِيهِ جُزْءا وَذَلِكَ لِأَن الْإِجَازَة ضَعِيفَة فيشتد ضعفها باجتماع إجازتين
وَالْمَشْهُور الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل أَن ذَلِك جَائِز وَقد حكى الْخَطِيب تَجْوِيز ذَلِك عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي الْعَبَّاس بن عقدَة وَغَيرهمَا وَقد فعله الْحَاكِم فِي تَارِيخه وَقد كَانَ الْفَقِيه الزَّاهِد نصر بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي يروي بِالْإِجَازَةِ عَن الْإِجَازَة وَرُبمَا تَابع بَين ثَلَاث مِنْهَا
وَيَنْبَغِي لمن يروي بِالْإِجَازَةِ عَن الْإِجَازَة أَن يتَأَمَّل كَيْفيَّة إجَازَة شيخ شَيْخه لشيخه ومقتضاها حَتَّى لَا يروي بهَا مَا لم ينْدَرج تحتهَا فَإِذا كَانَ مثلا صُورَة إجَازَة شيخ لشيخه أجزت لَهُ مَا صَحَّ عِنْده من سماعاتي فَرَأى شَيْئا من مسموعات شيخ شَيْخه فَلَيْسَ لَهُ أَن يروي ذَلِك عَن شَيْخه عَنهُ حَتَّى يستبين انه مِمَّا كَانَ قد صَحَّ عِنْد شَيْخه كَونه من مسموعات شَيْخه وَالَّذِي أجَازه على ذَلِك الْوَجْه وَلَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّد صِحَة ذَلِك عِنْده الْآن عملا بِلَفْظِهِ وتقييده وَمن لَا يتفطن لهَذَا وَأَمْثَاله يكثر عثاره
هَذِه أَنْوَاع الْإِجَازَة الْمُجَرَّدَة وَبَقِي نوع آخر وَهِي الْإِجَازَة المقرونة بالمناولة وَهِي أَعلَى أَنْوَاع الْإِجَازَة على الْإِطْلَاق وَلها صور أَعْلَاهَا أَن يدْفع الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب أصل سَمَاعه أَو فَرعه مُقَابلا بِهِ وَيَقُول هَذَا سَمَاعي أَو روايتي عَن فلَان فاروه عني أَو أجزت لَك رِوَايَته عني ثمَّ يملكهُ إِيَّاه أَو يَقُول لَهُ خُذْهُ وانسخه وقابل بِهِ ثمَّ رده إِلَيّ أَو نَحْو ذَلِك
وَقد ذكر البُخَارِيّ الْحجَّة على صِحَة المناولة فِي كتاب الْعلم فِي بَاب مَا يذكر فِي المناولة وَكتاب أهل الْعلم بِالْعلمِ إِلَى الْبلدَانِ حَيْثُ قَالَ وَاحْتج بعض أهل الْحجاز فِي المناولة بِحَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَيْثُ كتب لأمير السّريَّة كتابا وَقَالَ لَا تَقْرَأهُ حَتَّى تبلغ مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلَا بلغ ذَلِك الْمَكَان قَرَأَهُ على النَّاس أخْبرهُم بِأَمْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم
حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله قَالَ حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أَن عبد الله بن عَبَّاس أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه رجلا وَأمره أَن يَدْفَعهُ إِلَى عَظِيم الْبَحْرين فَدفعهُ عَظِيم الْبَحْرين إِلَى كسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ مزقه فحسبت أَن ابْن الْمسيب قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يمزقوا كل ممزق
وَوجه الدّلَالَة فِي الأول أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ناول أَمِير السّريَّة كتابا بِدُونِ أَن يقرأه عَلَيْهِ فَجَاز لَهُ الْإِخْبَار بِمَا فِي الْكتاب بِمُجَرَّد المناولة وَوجه الدّلَالَة فِي الثَّانِي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ناول رَسُوله الْكتاب وَلم يقْرَأ عَلَيْهِ فَجَاز أَن يسند مَا فِيهِ إِلَيْهِ وَيَقُول هَذَا كتاب رَسُول الله وَتقوم الْحجَّة بِهِ على الْمَبْعُوث إِلَيْهِ كَمَا لَو شافههم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بذلك وَيَنْبَنِي على ذَلِك أَن الشَّيْخ إِذا ناول الطَّالِب كتابا جَازَ لَهُ أَن يروي عَنهُ مَا فِيهِ
هَذَا والمناولة المقرونة بِالْإِجَازَةِ حَالَة مَحل السماع عِنْد جمَاعَة من أَئِمَّة
الحَدِيث وَقد غلا بَعضهم فَجَعلهَا أرفع من السماع لِأَن الثِّقَة بِكِتَاب الشَّيْخ مَعَ إِذْنه فَوق الثِّقَة بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَأثبت لما يدْخل من الْوَهم عل السَّامع والمسمع وَالصَّحِيح أَنَّهَا منحطة عَن السماع من الشَّيْخ وَالْقِرَاءَة عَلَيْهِ
وَأما المناولة الْمُجَرَّدَة عَن الْإِجَازَة كَأَن يناوله الْكتاب مُقْتَصرا على قَوْله هَذَا من حَدِيثي أَو سَمَاعي وَلَا يَقُول اروه عني وَلَا أجزت لَك رِوَايَته عني وَنَحْو ذَلِك فَهَذِهِ رِوَايَة مختلة لَا تجوز الرِّوَايَة بهَا وعابها غير وَاحِد من الْفُقَهَاء والأصوليين على الْمُحدثين الَّذين أجازوها وسوغوا الرِّوَايَة بهَا وَحكى الْخَطِيب عَن طَائِفَة من أهل الْعلم أَنهم صححوها وأجازوا الرِّوَايَة بهَا
وَالْمَشْهُور فِي فعل الْإِجَازَة أَن يعدي بِاللَّامِ فَيُقَال أجزت لفُلَان وَأَجَازَ بَعضهم أَن يُقَال أجزت فلَانا قَالَ ابْن الصّلاح روينَا عَن أبي الْحسن أَحْمد بن فَارس الأديب المُصَنّف رحمه الله أَنه قَالَ قَالَ معنى الْإِجَازَة فِي كَلَام الْعَرَب مَأْخُوذ من جَوَاز المَاء الَّذِي يسقاه المَال من الْمَاشِيَة والحرث يُقَال مِنْهُ استجزت فلَانا فأجازني إِذا أسقاك مَاء لأرضك اَوْ ماشيتك كَذَلِك طَالب الْعلم يسْأَل الْعَالم أَن يُجِيزهُ علمه فيجيزه إِيَّاه
قلت فللمجيز على هَذَا أَن يَقُول أجزت فلَانا مسموعاتي أَو مروياتي فيعديه بِغَيْر حرف جر من غير حَاجَة إِلَى ذكر لفظ الرِّوَايَة أَو نَحْو ذَلِك وَيحْتَاج إِلَى ذَلِك من يَجْعَل الْإِجَازَة بِمَعْنى التسويغ وَالْإِذْن وَالْإِبَاحَة وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف فَيَقُول أجزت لفُلَان رِوَايَة مسموعاتي مثلا وَمن يَقُول مِنْهُم أجزت لَهُ مسموعاتي فعلى سَبِيل الْحَذف الَّذِي لَا يخفى نَظِيره اهـ
وَمَا رَوَاهُ ابْن الصّلاح عَن ابْن فَارس هُوَ مِمَّا ذكره فِي جُزْء لَهُ صَغِير سَمَّاهُ مَأْخَذ الْعلم وَقد أورد ذَلِك فِي بَاب الْإِجَازَة وَقد رَأَيْت أَن أورد نبذا مِنْهُ مِمَّا يتَعَلَّق بِمَا نَحن فِيهِ إتماما للفائدة
فَأَما الْإِجَازَة فَأن يكْتب الْعَالم أَو يكْتب عَنهُ بأَمْره إِنِّي أجزت لفُلَان أَن يروي عني مَا صَحَّ عِنْده من حَدِيثي اَوْ مؤلفاتي وَمَا أشبه هَذَا من الْكَلَام فَذَلِك أَيْضا فِي الْجَوَاز وَالْقُوَّة كَالَّذي ذَكرْنَاهُ فِي المناولة وَغَيرهَا وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة وَالْحسن بن عمَارَة وَابْن جريح وَغَيرهم من الْعلمَاء
وَالدَّلِيل على صِحَة الْإِجَازَة مَا حَدثنَا عَليّ بن مهرويه حَدثنَا أَحْمد بن أبي خَيْثَمَة حَدثنَا أَحْمد بن أَيُّوب حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بن جحش بن رياب وَأَصْحَابه وَبعث مَعَهم كتابا وَأمره أَن لَا ينظر فِيهِ حَتَّى يسير يَوْمَيْنِ ثمَّ ينظر فِيهِ فَمضى لما آمره بِهِ فَلَمَّا سَار عبد الله يَوْمَيْنِ فتح الْكتاب فَإِذا فِيهِ إِذا نظرت فِي كتابي هَذَا فَامْضِ حَتَّى تنزل نَخْلَة بَين مَكَّة والطائف فترصد بهَا قُريْشًا وَتعلم لنا من أخبارهم فَقَالَ عبد الله وَأَصْحَابه سمعا وَطَاعَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمَضَوْا ولقوا بنخلة لقريش فَقتلُوا عَمْرو بن الحضري كَافِرًا وغنموا مَا كَانَ مَعَهم من تِجَارَة لقريش
وَهَذَا الحَدِيث وَمَا أشبهه من كتب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حجَّة فِي الْإِجَازَة لِأَن عبد الله وَأَصْحَابه عمِلُوا بِمَا كتب لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من غير ان يكلمهم بِشَيْء فَكَذَلِك الْعَالم إِذا أجَاز لطَالب الْعلم فَلهُ أَن يروي وَيعْمل بِمَا صَحَّ عِنْده من حَدِيثه وَعلمه
وبلغنا أَن نَاسا يكْرهُونَ الْإِجَازَة إِن اقْتصر عَلَيْهَا بطلت الرحل وَقعد النَّاس عَن طلب الْعلم وَنحن لسنا نقُول إِن طَالب الْعلم يقْتَصر على الْإِجَازَة فَقَط ثمَّ لَا يسْعَى لطلب علم وَلَا يرحل لَكنا نقُول الْإِجَازَة لمن كَانَ لَهُ فِي الْقعُود عَن الطّلب عذر من قُصُور نَفَقَة أَو بعد مَسَافَة أَو صعوبة مَسْلَك
فَأَما أَصْحَاب الحَدِيث فَمَا زَالُوا يتجشمون المصاعب ويركبون الْأَهْوَال ويفارقون الأوطان وينأون عَن الأحباب آخذين بِالَّذِي حث عَلَيْهِ رَسُول الله