المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في الحديث الحسن - توجيه النظر إلى أصول الأثر - جـ ١

[طاهر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي بَيَان معنى الحَدِيث

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي سَبَب جمع الحَدِيث فِي الصُّحُف وَمَا يُنَاسب ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي تَمْيِيز عُلَمَاء الحَدِيث مَا ثَبت مِنْهُ مِمَّا لم يثبت

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّابِعَة

- ‌اسْتِدْرَاك

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌فِي أَقسَام الْخَبَر إِلَى متواتر وآحاد

- ‌الْخَبَر الْمُتَوَاتر

- ‌خبر الْآحَاد

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الْخَبَر الْمَشْهُور

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌فِي أَقسَام الحَدِيث

- ‌فَائِدَة

- ‌المبحث الأول

- ‌فِي الحَدِيث الصَّحِيح

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث التَّخْصِيص

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث مَا يرد بِهِ الْخَبَر

- ‌ملحة من ملح هَذَا المبحث

- ‌اعتراضات على الْحَد الْمَذْكُور للْحَدِيث الصَّحِيح مَعَ الْجَواب عَنْهَا

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الصَّحِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن من ألف فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد هُوَ البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌فصل فِي بَيَان شُرُوط البُخَارِيّ وموضوعه

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌فِي أَن الشَّيْخَيْنِ لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزما ذَلِك

- ‌تَتِمَّة فِي بَيَان عدد أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌فَمَا انتقد عَلَيْهِمَا وَالْجَوَاب عَن ذَلِك

- ‌فِي كتاب الصَّلَاة

- ‌فِي كتاب الْجَنَائِز

- ‌فِي كتاب الْبيُوع

- ‌فِي كتاب الْجِهَاد

- ‌فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌فِي كتاب اللبَاس

- ‌حرف الْألف

- ‌حرف الْبَاء

- ‌حرف التَّاء الْمُثَنَّاة

- ‌حرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة

- ‌حرف الْجِيم

- ‌حرف الْحَاء

- ‌حرف الْخَاء

- ‌حرف الدَّال

- ‌حرف الذَّال

- ‌حرف الرَّاء

- ‌حرف الزَّاي

- ‌حرف السِّين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصَّاد

- ‌حرف الضَّاد خَالِي حرف الطَّاء

- ‌حرف الظَّاء خَالِي حرف الْعين

- ‌حرف الْغَيْن

- ‌حرف الْفَاء

- ‌حرف الْقَاف

- ‌حرف الْكَاف

- ‌حرف اللَّام خَالِي حرف الْمِيم

- ‌حرف النُّون

- ‌حرف الْهَاء

- ‌حرف الْوَاو

- ‌حرف الْيَاء

- ‌صلَة تتمّ بهَا هَذِه الْفَائِدَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌فِي دَرَجَة أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي الصِّحَّة

- ‌تَتِمَّة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌فِيمَا يتَعَلَّق بِالصَّحِيحِ الزَّائِد على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌المصنفات فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد

- ‌المستخرجات على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌حكم الزِّيَادَات الْوَاقِعَة فِي المستخرجات

- ‌المبحث الثَّانِي

- ‌فِي الحَدِيث الْحسن

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن بعض الْأَحَادِيث قد يعرض لَهَا من الْأَحْوَال مَا يرفعها من درجتها إِلَى الدرجَة الَّتِي هِيَ فَوْقهَا

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي بَيَان الْكتب الَّتِي يَهْتَدِي بهَا إِلَى معرفَة الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر أول نوع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث من أَنْوَاع الحَدِيث

- ‌ذكر الوع الرَّابِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس من هَذِه الْعُلُوم

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعَاشِر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر الْإِخْوَة عُلَمَاء نيسابور على غير تَرْتِيب

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَكَذَلِكَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَهِشَام بن عُرْوَة وَغَيرهم

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر من سكن الْكُوفَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مَكَّة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الْبَصْرَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مصر من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الشَّام من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الجزيرة

- ‌ذكر من نزل خُرَاسَان من الصَّحَابَة وَتُوفِّي بهَا

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر موَالِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَهَذِه آدَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَغَازِي الَّتِي كَانَ يُوصي بهَا أُمَرَاء الأجناد

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌صلَة مهمة يتَعَلَّق معظمها بِالصَّحِيحِ وَالْحسن

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الشاذ وَالْمَحْفُوظ وَالْمُنكر وَالْمَعْرُوف

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فصل فِيمَا ادَّعَاهُ قوم من تعَارض النُّصُوص

- ‌فصل فِي تَمام الْكَلَام فِي تعَارض النُّصُوص

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌وَهَاهُنَا مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِهَذَا المبحث

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

الفصل: ‌في الحديث الحسن

‌المبحث الثَّانِي

‌فِي الحَدِيث الْحسن

الحَدِيث بِالنّظرِ إِلَى الْوَاقِع وَنَفس الْأَمر يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ فَقَط صَحِيح وَغير صَحِيح فَالصَّحِيح هُوَ مَا ثبتَتْ صِحَة نسبته إِلَى النَّبِي عليه الصلاة والسلام وَغير الصَّحِيح هُوَ مَا ثَبت عدم صِحَة نسبته إِلَيْهِ

وَهُوَ بِالنّظرِ إِلَيْنَا يَنْقَسِم إِلَى أَكثر من ذَلِك وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يُمكن تقسيمه على أوجه شَتَّى

مثل أَن يُقَال الحَدِيث إِمَّا أَن تعلم صِحَّته مثل الْمَشْهُور الَّذِي احتفت بِهِ قَرَائِن تفِيد الْعلم وغما أَن يعلم عدم صِحَّته مثل الموضوعات الَّتِي تخَالف مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ سَوَاء كَانَ نقليا أَو عقليا وَإِمَّا أَن لَا يعلم صِحَّته وَلَا عدم صِحَّته مثل الْأَحَادِيث الضعيفة وَنَحْوهَا

وَمثل أَن يُقَال الحَدِيث إِمَّا أَن تترجح صِحَّته أَو يتَرَجَّح عدم صِحَّته أَو لَا يتَرَجَّح شَيْء مِنْهُمَا

وَمثل أَن يُقَال الحَدِيث إِمَّا أَن تعلم صِحَّته أَو يغلب على الظَّن ذَلِك فِيهِ وَإِمَّا أَن يعلم عدم صِحَّته أَو يغلب على الظَّن ذَلِك فِيهِ وَإِمَّا أَن لَا يغلب على الظَّن شَيْء مِنْهُمَا بِحَيْثُ يبْقى الذِّهْن مترددا فِيهِ

وَقد قسم كثير من الْمُتَقَدِّمين إِلَى قسمَيْنِ فَقَط صَحِيح وَضَعِيف وأدرجوا الْحسن فِي الصَّحِيح لمشاركته لَهُ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ

ص: 354

وقسمه الْخطابِيّ إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام وَذَلِكَ فِي معالم السّنَن حَيْثُ قَالَ الحَدِيث عِنْد أَهله ثَلَاثَة أَقسَام صَحِيح وَحسن وَسَقِيم

فَالصَّحِيح مَا اتَّصل سَنَده وَعدلت نقلته

وَالْحسن مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله وَعَلِيهِ مدَار أَكثر الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي يقبله أَكثر الْعلمَاء وتستعمله عَامَّة الْفُقَهَاء

والسقيم على ثَلَاث طَبَقَات شَرها الْمَوْضُوع ثمَّ المقلوب ثمَّ الْمَجْهُول

قَالَ الْعِرَاقِيّ فِي نكته لم أر من سبق الْخطابِيّ إِلَى التَّقْسِيم الْمَذْكُور وَإِن كَانَ فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين ذكر الْحسن وَهُوَ مَوْجُود فِي كَلَام الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ وَجَمَاعَة وَلَكِن الْخطابِيّ نقل التَّقْسِيم عَن أهل الحَدِيث وَهُوَ إِمَام ثِقَة فَتَبِعَهُ ابْن الصّلاح

ص: 355

وَالْمرَاد بِأَهْل الحَدِيث هُنَا أَكْثَرهم وَيُمكن إبقاؤه على عُمُومه نظرا لاستقرار اتِّفَاقهم على ذَلِك بعد الِاخْتِلَاف

وَاخْتلف فِي حد الْحسن فَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَده كل حَدِيث يرْوى لَا يكون فِي إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ وَلَا يكون الحَدِيث شاذا ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك فَهُوَ عندنَا حَدِيث حسن ذكر ذَلِك فِي كتاب الْعِلَل وَهُوَ فِي آخر جَامعه

وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يخص الْحسن بِصفة تميزه عَن الصَّحِيح فَإِن الصَّحِيح أَيْضا لَا يكون شاذا وَلَا تكون رُوَاته متهمين وَيبقى عَلَيْهِ أَنه اشْترط فِي الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه وَلم يشْتَرط ذَلِك فِي الصَّحِيح

وَأجِيب بِأَن التِّرْمِذِيّ قد ميز الْحسن عَن الصَّحِيح بشيئين

أَحدهمَا كَون رَاوِيه قاصرا عَن دَرَجَة رَاوِي الصَّحِيح وَهُوَ ان يكون غير مُتَّهم بِالْكَذِبِ وراوي الصَّحِيح لَا بُد أَن يكون ثِقَة وَفرق بَين قَوْلنَا فلَان غير مُتَّهم بِالْكَذِبِ وَبَين قَوْلنَا ثِقَة

الثَّانِي مَجِيئه من غير وَجه

وَقَالَ الْخطابِيّ فِي حَده الْحسن مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَته تَلْخِيص مُهِمّ وَأَيْضًا فَالصَّحِيح قد عرف مخرجه واشتهر رِجَاله فَيَقْتَضِي أَن يدْخل فِي حد الْحسن وَكَأَنَّهُ يُرِيد مِمَّا لم يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح

وَقَالَ بَعضهم إِن قَوْله فِي أَثَره وَعَلِيهِ مدَار أَكثر الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي يقبله أَكثر الْعلمَاء ويستعمله عَامَّة الْفُقَهَاء هُوَ من تَتِمَّة الْحَد وَبِذَلِك يخرج الصَّحِيح

ص: 356

الَّذِي دخل فِيمَا قبله فَإِن الصَّحِيح يقبله جَمِيع الْعلمَاء بِخِلَاف الْحسن فَإِن بَعضهم لَا يقبله رُوِيَ عَن ابْن أبي حَاتِم أَنه قَالَ سَأَلت أبي عَن حَدِيث فَقَالَ إِسْنَاد حسن فَقلت يحْتَج لَهُ قَالَ لَا

وَقد حاول بَعضهم أَن يَجْعَل حد الْخطابِيّ مُوَافقا لحد التِّرْمِذِيّ فَقَالَ قَول الْخطابِيّ مَا عرف مخرجه هُوَ كَقَوْل التِّرْمِذِيّ ويروى من غير وَجه وَقَول الْخطابِيّ اشْتهر رِجَاله يَعْنِي بالسلامة من وصمة الْكَذِب هُوَ كَقَوْل التِّرْمِذِيّ وَلَا يكون فِي إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ وَأما قَول التِّرْمِذِيّ وَلَا يكون شاذا فَهُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ فِي عبارَة الْخطابِيّ لِأَن عرفان الْمخْرج يُنَافِي الشذوذ

وَقَالَ بَعضهم إِن عرفان الْمخْرج لَا يُنَافِي الشذوذ لِأَن الشاذ قد أبرز فِيهِ جَمِيع رِجَاله قد عرف فِيهِ مخرج الحَدِيث ذ لَا يدرى من سقط

وَلَا يخفى مَا فِي تطبيق أحد الحدين عَن الآخر من التَّكَلُّف لَا سِيمَا بعد أَن تبين أَن التِّرْمِذِيّ قد حد أحد قسمي الْحسن وَهُوَ الْحسن لغيره والخطابي قد حد الْقسم الآخر وَهُوَ الْحسن لذاته

وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي حَده مَا فِيهِ ضعف قريب مُحْتَمل هُوَ الحَدِيث الْحسن وَيصْلح الْبناء عَلَيْهِ وَالْعَمَل بِهِ

وَاعْترض على هَذَا الْحَد بِأَنَّهُ لَيْسَ مضبوطا بضابط يتَمَيَّز بِهِ الْقدر الْمُحْتَمل من غَيره

وَقَالَ بَعضهم مَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ مَبْنِيّ على ان معرفَة الْحسن مَوْقُوفَة على معرفَة الصَّحِيح والضعيف لِأَن الْحسن وسط بَينهمَا

ص: 357

وَقَالَ بَعضهم لما توَسط الْحسن بَين الصَّحِيح والضعيف عسر تَعْرِيفه وَصَارَ مَا ينقدح فِي نفس الْحَافِظ قد تقصر عِبَارَته عَنهُ

وَقَالَ بَعضهم إِنَّه لَا مطمع فِي تَمْيِيز الْحسن من غَيره تمييزا يشفي الغليل غير أَن من برع فِي هَذَا الْفَنّ يُمكنهُ أَن يقرب على الطَّالِب مطلبه

وَقد اعتنى ابْن الصّلاح بإيضاح حد الْحسن بِقدر الِاسْتِطَاعَة فَقَالَ بعد أَن أورد الْحُدُود الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة هُنَا قلت كل هَذَا مستبهم لَا يشفي الغليل وَلَيْسَ فِيمَا ذكره التِّرْمِذِيّ والخطابي مَا يفصل الْحسن من الصَّحِيح وَقد أمعنت النّظر فِي ذَلِك والبحث جَامعا بَين أَطْرَاف كَلَامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح ان الحَدِيث الْحسن قِسْمَانِ

أَحدهمَا الَّذِي لَا يَخْلُو رجال إِسْنَاده من مَسْتُور لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته غير أَنه لَيْسَ مغفلا كثير الْخَطَأ فِيمَا يرويهِ وَلَا هُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ فِي الحَدِيث أَي لم يظْهر مِنْهُ تعمد الْكَذِب فِي الحَدِيث وَلَا سَبَب آخر مفسق وَيكون متن الحَدِيث مَعَ ذَلِك قد عرف بِأَن رُوِيَ مثله أَو نَحوه من وَجه آخر أَو اكثر حَتَّى اعتضد بمتابعة من تَابع رَاوِيه على مثله أَو بِمَا لَهُ من شَاهد وَهُوَ وُرُود حَدِيث آخر بِنَحْوِهِ فَيخرج بذلك عَن أَن يكون شاذا أَو مُنْكرا وَكَلَام التِّرْمِذِيّ على هَذَا الْقسم يتنزل

الْقسم الثَّانِي أَن يكون رَاوِيه من الْمَشْهُورين بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة غير انه لم يبلغ دَرَجَة رجال الصَّحِيح لكَونه يقصر عَنْهُم فِي الْحِفْظ والإتقان وَهُوَ مَعَ ذَلِك يرْتَفع عَن حَال من يعد مَا ينْفَرد بِهِ من حَدِيثه مُنْكرا وَيعْتَبر فِي كل هَذَا مَعَ سَلامَة الحَدِيث من ان يكون شاذا أَو مُنْكرا سَلَامَته من أَن يكون مُعَللا وعَلى هَذَا الْقسم يتنزل كَلَام الْخطابِيّ

فَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ جَامع لما تفرق فِي كَلَام من بلغنَا كَلَامه فِي ذَلِك وَكَانَ التِّرْمِذِيّ ذكر أحد نَوْعي الْحسن وَذكر الْخطابِيّ النَّوْع الآخر مُقْتَصرا كل وَاحِد مِنْهُمَا على مَا رأى أَنه يشكل معرضًا عَمَّا رأى أَنه لَا يشكل أَو انه غفل عَن الْبَعْض

ص: 358

وَذهل وَالله اعْلَم هَذَا تأصيل ذَلِك وتوضيحه اهـ

وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جعل الْحسن عِنْد التِّرْمِذِيّ مَقْصُورا على رِوَايَة المستور وَلَيْسَ كَذَلِك بل يشْتَرك مَعَه الضَّعِيف بِسَبَب سوء الْحِفْظ والموصوف بالغلط وَالْخَطَأ والمختلط بعد اخْتِلَاطه والمدلس إِذا عنعن وَمَا فِي إِسْنَاده انْقِطَاع ضَعِيف فأحاديث هَؤُلَاءِ من قبيل الْحسن عِنْده إِذا وجدت الشُّرُوط الثَّلَاثَة وَهِي أَن لَا يكون فِي الْإِسْنَاد من يتهم بِالْكَذِبِ وَأَن لَا يكون الحَدِيث شاذا وَأَن يرْوى مثل ذَلِك أَو نَحوه من وَجه آخر فَصَاعِدا وَلَيْسَت كلهَا فِي دَرَجَة وَاحِدَة بل بَعْضهَا أقوى من بعض وَمِمَّا يُقَوي هَذَا أَنه لم يتَعَرَّض لاشْتِرَاط اتِّصَال الْإِسْنَاد وَلذَا وصف كثيرا من الْأَحَادِيث المنقطعة بالْحسنِ

وَأما قَوْله وَكَانَ التِّرْمِذِيّ ذكر أحد نَوْعي الْحسن وَذكر الْخطابِيّ الآخر مُقْتَصرا كل وَاحِد مِنْهُمَا على مَا رأى أَنه يشكل معرضًا عَمَّا رأى أَنه لَا يشكل أَو انه غفل عَن الْبَعْض وَذهل فَقَالَ بَعضهم فِيهِ

إِن الْخطابِيّ لَا يُطلق اسْم الْحسن إِلَّا على النَّوْع الَّذِي ذكره وَهُوَ النَّوْع الَّذِي يُسَمِّيه من يَجْعَل الْحسن قسمَيْنِ باسم الْحسن لذاته وَأما النَّوْع الَّذِي تَركه وَهُوَ الَّذِي يُسمى عِنْدهم بالْحسنِ لغيره فَهُوَ من قبيل الضَّعِيف عِنْده فَتَركه لذَلِك لَا لما ذكر وَيظْهر أَن التِّرْمِذِيّ أَيْضا إِذا أطلق اسْم الْحسن فَإِنَّمَا يُرِيد بِهِ النَّوْع الَّذِي ذكره وَهُوَ الَّذِي يُسمى عِنْدهم بالْحسنِ لغيره وَأما النَّوْع الَّذِي تَركه فَهُوَ عِنْده من قبيل الصَّحِيح فَتَركه أَيْضا لذَلِك لَا لما ذكر وَهَذَا لَا يُنَافِي إِطْلَاق اسْم الْحسن على هَذَا النَّوْع إِذا وجدت قرينَة تدل على ذَلِك

وَأما قَول بَعضهم إِن التِّرْمِذِيّ قد صحّح جملَة من الْأَحَادِيث لَا ترقى عَن رُتْبَة الْحسن مَعَ انه مِمَّن يفرق بَين الصَّحِيح وَالْحسن فَإِن فِيهِ إبهاما فَإِن أَرَادَ أَنه حكم بِصِحَّة أَحَادِيث هِيَ فِي رُتْبَة الْحسن لغيره فالاعتراض عَلَيْهِ وَارِد وَإِن أَرَادَ أَنه حكم

ص: 359

بِصِحَّة أَحَادِيث هِيَ فِي رُتْبَة الْحسن لذاته فالاعتراض عَلَيْهِ غير وَارِد فَإِن كثيرا من الْمُحدثين يدْخلهُ فِي الصَّحِيح ويجعله فِي أدنى مراتبه وَلذَا قَالُوا إِن من سمى الْحسن صَحِيحا لَا يُنكر أَنه دون الصَّحِيح الْمُقدم الْمُبين أَولا فَهَذَا إِذا اخْتِلَاف فِي الْعبارَة دون الْمَعْنى

وَلذَا يبين من إمعان النّظر فِي هَذِه وتتبع مواردها أَن الْمُحدثين الَّذين رَأَوْا أَنه يَنْبَغِي أَن يَجْعَل بَين الصَّحِيح والضعيف وَاسِطَة

عمد بَعضهم إِلَى قسم من أَقسَام الصَّحِيح وَهُوَ الصَّحِيح الَّذِي فِيهِ شَيْء من الضعْف فأنزله دَرَجَة وَجعله وَاسِطَة بَينهمَا وَسَماهُ بالْحسنِ فَتقبل المتبعون لآثارهم لذَلِك بِقبُول حسن فَجعلُوا اسْم الْحسن شَامِلًا للنوعين مَعًا غير أَنهم رَأَوْا أَن يفرقُوا بَينهمَا للاحتياج إِلَى ذَلِك فسموا الْقسم الَّذِي كَانَ مدرجا فِي الضَّعِيف باسم الْحسن لغيره

وَقد حاول محاولون أَن يحدوا الْحسن مُطلقًا مَعَ اخْتِلَاف أَمرهمَا فَقَالَ بَعضهم الْحسن هُوَ الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده بالصدوق الضَّابِط الَّذِي لَيْسَ بتام الضَّبْط أَو بالضعيف الَّذِي لم يتهم بِالْكَذِبِ إِذا عضد عاضد مَعَ السَّلامَة من الشذوذ وَالْعلَّة

وَقَالَ بَعضهم الْحسن مَا خلا من الْعِلَل وَكَانَ فِي سَنَده الْمُتَّصِل إِمَّا راو مَسْتُور لَهُ بِهِ شَاهد أَو راو مَشْهُور قَاصِر عَن كَمَال الإتقان

وَقَالَ بَعضهم الْحسن مُسْند من قرب من دَرَجَة الثِّقَة أَو مُرْسل ثِقَة رُوِيَ من غير وَجه وَسلم من شذوذ وَعلة

وَأما الْحسن لذاته فقد عرفه بَعضهم فَقَالَ هُوَ الحَدِيث الَّذِي فِيهِ عِلّة وَلَا

ص: 360

شذوذ إِذا اتَّصل إِسْنَاده برواة معروفين بِالْعَدَالَةِ والضبط غير أَن فِي ضبطهم قصورا عَن ضبط رُوَاة الصَّحِيح

فَجعله هُوَ وَالصَّحِيح سَوَاء إِلَّا فِي تفَاوت الضَّبْط فراوي الصَّحِيح يشْتَرط أَن يكون مَوْصُوفا بالضبط التَّام وراوي الْحسن لَا يشْتَرط أَن يكون ضابطا فِي الْجُمْلَة بِحَيْثُ لَا يكون مغفلا وَلَا كثير الْخَطَأ وَأما سَائِر شُرُوط الصَّحِيح فَإِنَّهُ لَا بُد مِنْهَا فِي الْحسن لذاته

وَقد وجد فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين إِطْلَاق الْحسن على مَا ذكر وعَلى غَيره قَالَ ابْن عدي فِي تَرْجَمَة سَلام بن سُلَيْمَان الْمَدَائِنِي حَدِيثه مُنكر وعامته حسان إِلَّا أَنه لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَقيل لشعبة لأي شَيْء لَا تروي عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان الْعَزْرَمِي وَهُوَ حسن الحَدِيث فَقَالَ من حسنه فَرَرْت وكأنهما أَرَادَا الْمَعْنى اللّغَوِيّ وَهُوَ حسن الْمَتْن

وَرُبمَا أطلق على الْغَرِيب قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ إِذا اجْتَمعُوا كَرهُوا أَن يخرج الرجل حسان أَحَادِيثه قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِنَّه عَنى الغرائب

وَوجد للشَّافِعِيّ إِطْلَاقه فِي الْمُتَّفق على صِحَّته وَلابْن الْمَدِينِيّ فِي الْحسن لذاته وللبخاري فِي الْحسن لغيره وَبِالْجُمْلَةِ فَالتِّرْمِذِي هُوَ الَّذِي أَكثر من التَّعْبِير بالْحسنِ ونوه بِذكرِهِ

وَلَكِن حَيْثُ ثَبت اخْتِلَاف الْأَئِمَّة فِي مَعْنَاهُ حِين إِطْلَاقه فَلَا يسوغ إِطْلَاق القَوْل بالاحتجاج بِهِ بل لَا بُد من النّظر فِي ذَلِك فَمَا كَانَ مِنْهُ منطبقا على الْحسن لذاته سَاغَ الِاحْتِجَاج بِهِ وَمَا كَانَ مِنْهُ منطبقا على الْحسن لغيره ينظر فِيهِ فَمَا كثرت طرقه يسوغ الِاحْتِجَاج بِهِ وَمَا لَا فَلَا

ص: 361