الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة
قد عرفت أَن خبر الْآحَاد يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ مَشْهُور وَقد قسم المحدثون غير الْمَشْهُور إِلَى قسمَيْنِ عيز وغريب
فالعزيز هُوَ الَّذِي يرويهِ جمَاعَة عَن جمَاعَة غير أَن عَددهَا فِي بعض الطَّبَقَات يكون اثْنَيْنِ فَقَط فَخرج بذلك الْمَشْهُور عِنْد من يَقُول إِن أقل مَا تثبت بِهِ الشُّهْرَة ثَلَاثَة وَهُوَ الْمَشْهُور
والغريب هُوَ الَّذِي ينْفَرد بروايته وَاحِد فِي مَوضِع مَا من مَوَاضِع السَّنَد
وَالْحَاصِل أَن الْخَبَر يَنْقَسِم أَولا إِلَى قسمَيْنِ وآحاد وَأَن خبر الْآحَاد يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام مَشْهُور وعزيز وغريب وَسَيَأْتِي زِيَادَة بَيَان لذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقد قسم بعض عُلَمَاء الْأُصُول الْخَبَر إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام متواتر ومشهور آحَاد فَجعلُوا الْمَشْهُور قسما مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ وَلم يدخلوه فِي الْمُتَوَاتر كَمَا فعل الْجَصَّاص وَلَا فِي خبر الْآحَاد كَمَا فعل غَيرهم وَقد عرفُوا الْمَشْهُور بِمَا كَانَ فِي الأَصْل خبر آحَاد ثمَّ انْتَشَر فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث مَعَ تلق المة لَهُ بِالْقبُولِ فَيكون بَينه وَبَين المستفيض عُمُوم وخصوص من وَجه لصدقهما فِيمَا رَوَاهُ فِي الأَصْل ثَلَاثَة ثمَّ تَوَاتر فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث وانفراد المستفيض عَن الْمَشْهُور فِيمَا رَوَاهُ فِي الأَصْل ثَلَاثَة ثمَّ لم يتواتر فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث وانفراد الْمَشْهُور عَن المستفيض فِيمَا رَوَاهُ فِي الأَصْل وَاحِد أَو اثْنَان ثمَّ تَوَاتر فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث
وَقد عرف الْجَصَّاص الْمُتَوَاتر بقوله هُوَ مَا أَفَادَ الْعلم بمضمون الْخَبَر ضَرُورَة أَو نظرا فَزَاد قَوْله أَو نظرا ليدْخل الْمَشْهُور
وَقد توهم بَعضهم من عِبَارَته انه يحكم بِكفْر مُنكر الْمَشْهُور لإدخاله لَهُ فِي الْمُتَوَاتر يكفر جاحده وَلَيْسَ المر كَذَلِك لِأَن الَّذِي يكفر جاحده إِنَّمَا هُوَ الْقسم الأول من الْمُتَوَاتر عِنْده وهوالذي يُفِيد الْعلم ضَرُورَة كصيام شهر رَمَضَان وَحج الْبَيْت وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف الْقسم الثَّانِي مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يُفِيد الْعلم نظرا
قَالَ بعض الأفاضل إِنَّمَا لم يكفر مُنكر الْمَشْهُور لِأَن إِنْكَاره لَا يُؤَدِّي إِلَى تَكْذِيب النَّبِي عليه الصلاة والسلام لِأَنَّهُ لم يسمعهُ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام من غير وَاسِطَة وَلم يروه عَنهُ عدد لَا يتَصَوَّر مِنْهُم الْكَذِب خطأ أَو عمدا وَإِنَّمَا هُوَ خبر آحَاد تَوَاتر فِي الْعَصْر الثَّانِي وتلقاه أَهله بِالْقبُولِ فإنكاره إِنَّمَا يُؤَدِّي إِلَى تخطئة الْعلمَاء نسبتهم إِلَى عدم التروي حَيْثُ تلقوا بِالْقبُولِ مَا لم يثبت وُرُوده عَن الرَّسُول
وتخطئة الْعلمَاء لَيست بِكفْر بل هِيَ بِدعَة وضلالة بِخِلَاف إِنْكَار الْمُتَوَاتر فَإِنَّهُ مشْعر بتكذيب النَّبِي عليه الصلاة والسلام إِذْ الْمُتَوَاتر بِمَنْزِلَة المسموع مِنْهُ وَتَكْذيب الرَّسُول كفر
على ان الْمَشْهُور لَا يُوجب علم الْيَقِين وَغنما يُوجب ظنا قَوِيا فَوق الظَّن الَّذِي يحصل من خبر الْآحَاد تطمئِن بِهِ النَّفس إِلَّا عِنْد مُلَاحظَة كَونه فِي الأَصْل كَانَ من خبر الْآحَاد وَقد ذكرُوا للمشهور أمثل مِنْهَا الْمسْح على الْخُفَّيْنِ
وَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ كل مَشْهُور يعد إِنْكَاره بِدعَة وضلالة فقد قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي الْأُم فِي أثْنَاء محاورة جرت بَينه وَبَين أحد الْفُقَهَاء
وَقلت لَهُ أَرَأَيْت قَول الله تبارك وتعالى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا}