المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي تثبت السّلف فِي أَمر الحَدِيث خشيَة أَن يدْخل - توجيه النظر إلى أصول الأثر - جـ ١

[طاهر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي بَيَان معنى الحَدِيث

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي سَبَب جمع الحَدِيث فِي الصُّحُف وَمَا يُنَاسب ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي تَمْيِيز عُلَمَاء الحَدِيث مَا ثَبت مِنْهُ مِمَّا لم يثبت

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّابِعَة

- ‌اسْتِدْرَاك

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌فِي أَقسَام الْخَبَر إِلَى متواتر وآحاد

- ‌الْخَبَر الْمُتَوَاتر

- ‌خبر الْآحَاد

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الْخَبَر الْمَشْهُور

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌فِي أَقسَام الحَدِيث

- ‌فَائِدَة

- ‌المبحث الأول

- ‌فِي الحَدِيث الصَّحِيح

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث التَّخْصِيص

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث مَا يرد بِهِ الْخَبَر

- ‌ملحة من ملح هَذَا المبحث

- ‌اعتراضات على الْحَد الْمَذْكُور للْحَدِيث الصَّحِيح مَعَ الْجَواب عَنْهَا

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الصَّحِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن من ألف فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد هُوَ البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌فصل فِي بَيَان شُرُوط البُخَارِيّ وموضوعه

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌فِي أَن الشَّيْخَيْنِ لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزما ذَلِك

- ‌تَتِمَّة فِي بَيَان عدد أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌فَمَا انتقد عَلَيْهِمَا وَالْجَوَاب عَن ذَلِك

- ‌فِي كتاب الصَّلَاة

- ‌فِي كتاب الْجَنَائِز

- ‌فِي كتاب الْبيُوع

- ‌فِي كتاب الْجِهَاد

- ‌فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌فِي كتاب اللبَاس

- ‌حرف الْألف

- ‌حرف الْبَاء

- ‌حرف التَّاء الْمُثَنَّاة

- ‌حرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة

- ‌حرف الْجِيم

- ‌حرف الْحَاء

- ‌حرف الْخَاء

- ‌حرف الدَّال

- ‌حرف الذَّال

- ‌حرف الرَّاء

- ‌حرف الزَّاي

- ‌حرف السِّين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصَّاد

- ‌حرف الضَّاد خَالِي حرف الطَّاء

- ‌حرف الظَّاء خَالِي حرف الْعين

- ‌حرف الْغَيْن

- ‌حرف الْفَاء

- ‌حرف الْقَاف

- ‌حرف الْكَاف

- ‌حرف اللَّام خَالِي حرف الْمِيم

- ‌حرف النُّون

- ‌حرف الْهَاء

- ‌حرف الْوَاو

- ‌حرف الْيَاء

- ‌صلَة تتمّ بهَا هَذِه الْفَائِدَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌فِي دَرَجَة أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي الصِّحَّة

- ‌تَتِمَّة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌فِيمَا يتَعَلَّق بِالصَّحِيحِ الزَّائِد على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌المصنفات فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد

- ‌المستخرجات على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌حكم الزِّيَادَات الْوَاقِعَة فِي المستخرجات

- ‌المبحث الثَّانِي

- ‌فِي الحَدِيث الْحسن

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن بعض الْأَحَادِيث قد يعرض لَهَا من الْأَحْوَال مَا يرفعها من درجتها إِلَى الدرجَة الَّتِي هِيَ فَوْقهَا

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي بَيَان الْكتب الَّتِي يَهْتَدِي بهَا إِلَى معرفَة الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر أول نوع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث من أَنْوَاع الحَدِيث

- ‌ذكر الوع الرَّابِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس من هَذِه الْعُلُوم

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعَاشِر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر الْإِخْوَة عُلَمَاء نيسابور على غير تَرْتِيب

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَكَذَلِكَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَهِشَام بن عُرْوَة وَغَيرهم

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر من سكن الْكُوفَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مَكَّة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الْبَصْرَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مصر من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الشَّام من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الجزيرة

- ‌ذكر من نزل خُرَاسَان من الصَّحَابَة وَتُوفِّي بهَا

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر موَالِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَهَذِه آدَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَغَازِي الَّتِي كَانَ يُوصي بهَا أُمَرَاء الأجناد

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌صلَة مهمة يتَعَلَّق معظمها بِالصَّحِيحِ وَالْحسن

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الشاذ وَالْمَحْفُوظ وَالْمُنكر وَالْمَعْرُوف

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فصل فِيمَا ادَّعَاهُ قوم من تعَارض النُّصُوص

- ‌فصل فِي تَمام الْكَلَام فِي تعَارض النُّصُوص

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌وَهَاهُنَا مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِهَذَا المبحث

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

الفصل: ‌ ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي تثبت السّلف فِي أَمر الحَدِيث خشيَة أَن يدْخل

‌الْفَصْل الثَّالِث

فِي تثبت السّلف فِي أَمر الحَدِيث خشيَة أَن يدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ

قد كَانَ للصحابة رضي الله عنهم عناية شَدِيدَة فِي معرفَة الحَدِيث وَفِي نَقله لمن لم يبلغهُ فقد ذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي كتاب الْعلم أَن جَابر بن عبد الله رَحل مسيرَة شهر إِلَى عبد الله بن أنيس فِي حَدِيث وَاحِد وروى عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ كنت أَنا وجار لي من الْأَنْصَار فِي بني أُميَّة بن زيد وَهِي من عوالي الْمَدِينَة وَكُنَّا نتناوب النُّزُول على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يَوْمًا وَأنزل يَوْمًا فَإِذا نزلت جِئْته بِخَبَر ذَلِك الْيَوْم من الْوَحْي وَغَيره وَإِذا نزل فعل مثل ذَلِك

ولشدة عنايتهم بِهِ أقلوا من الرِّوَايَة وأنكروا على من أَكثر مِنْهَا إِذْ الْإِكْثَار مَظَنَّة للخطأ وَالْخَطَأ فِي الحَدِيث عَظِيم الْخطر روى البُخَارِيّ عَن عبد الله بن الزبير أَنه قَالَ قلت للزبير إِنِّي لَا أسمعك تحدث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا يحدث فلَان وَفُلَان فَقَالَ أما إِنِّي لم أفارقه وَلَكِن سمعته يَقُول من كذب عَليّ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وروى عَن أنس أَنه قَالَ إِنَّه ليمنعني أَن أحدثكُم حَدِيثا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من تعمد عَليّ كذبا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار

ص: 57

وروى عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ إِن النَّاس يَقُولُونَ أَكثر أَبُو هُرَيْرَة وَلَوْلَا آيتان فِي كتاب الله مَا حدثت حَدِيثا ثمَّ يَتْلُو {إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى} - إِلَى قَوْله - {الرَّحِيم} إِن إِخْوَاننَا من الْمُهَاجِرين كَانَ يشغلهم الصفق فِي الْأَسْوَاق وَإِن إِخْوَاننَا من الْأَنْصَار كَانَ يشغلهم الْعَمَل فِي أَمْوَالهم وَإِن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يلْزم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بَطْنه ويحضر مَا لَا يحْضرُون ويحفظ مَا لَا يحفظون اهـ

وَإِنَّمَا اشْتَدَّ إنكارهم على أبي هُرَيْرَة لِأَنَّهُ صحب النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَحوا من ثَلَاث سِنِين فَإِنَّهُ أسلم عَام خَيْبَر وأتى من الرِّوَايَة عَنهُ مَا لم يَأْتِ بِمثلِهِ من صَحبه من السَّابِقين الْأَوَّلين ذكر بَقِي بن مخلد أَنه روى خَمْسَة الآف حَدِيث وَثَلَاث مئة وَأَرْبَعَة وَسبعين حَدِيثا وَله فِي البُخَارِيّ أَربع مئة وَسِتَّة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا وَعمر بعده عليه السلام نَحوا من خمسين سنة وَكَانَت وَفَاته سنة تسع وَخمسين

قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي جَوَابه عَن طعن النظام فِي أبي هُرَيْرَة بإنكار بعض الصَّحَابَة عَلَيْهِ كَانَ عمر شَدِيد الْإِنْكَار على من أَكثر الرِّوَايَة أَو أَتَى بِخَبَر فِي الحكم لَا شَاهد لَهُ عَلَيْهِ وَكَانَ يَأْمُرهُم بِأَن يقلوا الرِّوَايَة يُرِيد بذلك أَن لَا يَتَّسِع النَّاس فِيهَا فيدخلها الشوب وَيَقَع التَّدْلِيس وَالْكذب من الْمُنَافِق والفاجر والأعرابي

وَكَانَ كثير من جلة الصَّحَابَة وَأهل الْخَاصَّة برَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَأبي بكر وَالزُّبَيْر وَأبي عُبَيْدَة وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب يقلون الرِّوَايَة عَنهُ بل كَانَ بَعضهم لَا يكَاد يروي شَيْئا كسعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهُوَ أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ

ص: 58

وَقَالَ عَليّ كنت إِذا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيثا نَفَعَنِي الله بِمَا شَاءَ مِنْهُ وَإِذا حَدثنِي عَنهُ مُحدث اسْتَحْلَفته فَإِن حلف لي صدقته وَإِن أَبَا بكر حَدثنِي وَصدق أَبُو بكر وَذكر الحَدِيث

أفما ترى تَشْدِيد الْقَوْم فِي الحَدِيث وتوقي من أمسك كَرَاهِيَة التحريف أَو الزِّيَادَة فِي الرِّوَايَة أَو النُّقْصَان لأَنهم سَمِعُوهُ عليه السلام يَقُول من كذب عَليّ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَهَكَذَا رُوِيَ عَن الزبير أَنه رَوَاهُ وَقَالَ أَرَاهُم يزِيدُونَ فِيهِ مُتَعَمدا وَالله مَا سمعته قَالَ مُتَعَمدا

وروى مطرف بن عبد الله أَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ وَالله إِن كنت لأرى أَنِّي لَو شِئْت لحدثت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَيْنِ مُتَتَابعين وَلَكِن بطأني عَن ذَلِك أَن رجَالًا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سمعُوا كَمَا سَمِعت وشهدوا كَمَا شهِدت ويحدثون أَحَادِيث مَا هِيَ كَمَا يَقُولُونَ وأخاف أَن يشبه لي كَمَا شبه لَهُم فأعلمك أَنهم كَانُوا يغلطون لَا أَنهم كَانُوا يتعمدون

فَلَمَّا أخْبرهُم أَبُو هُرَيْرَة بِأَنَّهُ كَانَ ألزمهم لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم لخدمته وشبع بَطْنه وَكَانَ فَقِيرا معدما وَأَنه لم يكن ليشغله عَنهُ غرس الودي وَلَا الصفق بالأسواق يعرض بِأَنَّهُم كَانُوا يتصرفون فِي التِّجَارَات ويلزمون الضّيَاع فِي أَكثر الْأَوْقَات وَهُوَ ملازم لَهُ لَا يُفَارِقهُ فَعرف مَا لم يعرفوا وَحفظ مَا لم يحفظوا أَمْسكُوا عَنهُ

وَكَانَ مَعَ هَذَا يَقُول قَالَ صلى الله عليه وسلم كَذَا وأنما سَمعه من

ص: 59

الثِّقَة عِنْده فحكاه وَكَذَلِكَ كَانَ ابْن عَبَّاس يفعل وَغَيره من الصَّحَابَة وَلَيْسَ فِي هَذَا كذب بِحَمْد الله وَلَا على قَائِله إِن لم يفهمهُ السَّامع جنَاح إِن شَاءَ الله اهـ

وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي طَبَقَات الْحفاظ فِي تَرْجَمَة أبي بكر الصّديق كَانَ أول من احتاط فِي قبُول الْأَخْبَار فروى ابْن شهَاب عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب أَن الْجدّة جَاءَت إِلَى أبي بكر تلتمس أَن تورث فَقَالَ مَا أجد لَك فِي كتاب الله شَيْئا وَمَا علمت أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لَك شَيْئا ثمَّ سَأَلَ النَّاس فَقَامَ الْمُغيرَة فَقَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهَا السُّدس فَقَالَ لَهُ هَل مَعَك أحد فَشهد مُحَمَّد بن مسلمة بِمثل ذَلِك فأنفذه لَهَا أَبُو بكر رضي الله عنه

وَمن مَرَاسِيل ابْن أبي مليكَة أَن الصّديق جمع النَّاس بعد وَفَاة نَبِيّهم فَقَالَ إِنَّكُم تحدثون عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَحَادِيث تختلفون فِيهَا وَالنَّاس بعدكم أَشد اخْتِلَافا فَلَا تحدثُوا عَن رَسُول الله شَيْئا فَمن سألكم فَقولُوا بَيْننَا وَبَيْنكُم كتاب الله فاستحلوا حَلَاله وحرموا حرَامه

فَهَذَا الْمُرْسل يدلك على أَن مُرَاد الصّديق التثبت فِي الْأَخْبَار والتحري لَا سد بَاب الرِّوَايَة أَلا ترَاهُ لما نزل بِهِ أَمر الْجدّة وَلم يجده فِي الْكتاب كَيفَ سَأَلَ عَنهُ فِي السّنَن فَلَمَّا أخبرهُ الثِّقَة لم يكتف حَتَّى استظهر بِثِقَة آخر وَلم يقل حَسبنَا كتاب الله كَمَا تَقوله الْخَوَارِج

ثمَّ قَالَ فَحق على الْمُحدث أَن يتورع فِيمَا يُؤَدِّيه وَأَن يسْأَل أهل الْمعرفَة والورع ليعينوه على إِيضَاح مروياته وَلَا سَبِيل إِلَى أَن يصير الْعَارِف الَّذِي يُزكي نَقله الْأَخْبَار ويجرحهم جهبذا إِلَّا بإدمان الطّلب والفحص عَن الشَّأْن وَكَثْرَة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مَعَ التَّقْوَى وَالدّين المتين والإنصاف والتردد إِلَى الْعلمَاء والتحري والإتقان وَإِلَّا تفعل

ص: 60

(فدع عَنْك الْكِتَابَة لست مِنْهَا

وَلَو سودت وَجهك بالمداد)

قَالَ الله عز وجل {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} فَإِن آنست يَا هَذَا من نَفسك فهما وصدقا ودينا وورعا وَإِلَّا فَلَا تتعن وَإِن غلب عَلَيْك الْهوى والعصبية لرأي أَو لمَذْهَب فبالله لَا تتعب

وَقَالَ فِي تَرْجَمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَهُوَ الَّذِي سنّ للمحدثين التثبت فِي النَّقْل وَرُبمَا كَانَ يتَوَقَّف فِي خبر الْوَاحِد إِذا ارتاب روى الْجريرِي عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد أَن أَبَا مُوسَى سلم على عمر من وَرَاء الْبَاب ثَلَاث مَرَّات فَلم يُؤذن لَهُ فَرجع فَأرْسل عمر فِي أَثَره فَقَالَ لم رجعت قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا سلم أحدكُم ثَلَاثًا فَلم يجب فَليرْجع قَالَ لتَأْتِيني على ذَلِك بِبَيِّنَة أَو لَأَفْعَلَنَّ بك فجاءنا أَبُو مُوسَى منتقعا لَونه وَنحن جُلُوس فَقُلْنَا مَا شَأْنك فَأخْبرنَا وَقَالَ فَهَل سمع أحد مِنْكُم فَقُلْنَا نعم كلنا سَمعه فأرسلوا مَعَه رجل مِنْهُم حَتَّى أَتَى عمر فَأخْبرهُ

أحب عمر أَن يتَأَكَّد عِنْده خبر أبي مُوسَى بقول صَاحب آخر فَفِي هَذَا دَلِيل على أَن الْخَبَر إِذا رَوَاهُ ثقتان كَانَ أقوى وأرجح مِمَّا انْفَرد بِهِ وَاحِد وَفِي ذَلِك حث على تَكْثِير طرق الحَدِيث لكَي يرتقي عَن دَرَجَة الظَّن إِلَى دَرَجَة الْعلم إِذْ الْوَاحِد يجوز عَلَيْهِ النسْيَان وَالوهم وَلَا يكَاد يجوز ذَلِك على ثقتين لم يخالفهما أحد

وَقد كَانَ عمر من وجله من أَن يُخطئ الصاحب فِي حَدِيث رَسُول الله يَأْمُرهُم أَن يقلوا الرِّوَايَة عَن نَبِيّهم وَلِئَلَّا يتشاغل النَّاس بالأحاديث عَن حفظ الْقُرْآن

ص: 61

وَقد روى شُعْبَة وَغَيره عَن بَيَان عَن الشّعبِيّ عَن قرظة بن كَعْب قَالَ لما سيرنا عمر إِلَى الْعرَاق مَشى مَعنا وَقَالَ أتردون لم شيعتكم قَالُوا نعم تكرمة لنا قَالَ وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّكُم تأتون أهل قَرْيَة لَهُم دوِي بِالْقُرْآنِ كَدَوِيِّ النَّحْل فَلَا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جردوا الْقُرْآن وأقلوا الرِّوَايَة عَن رَسُول الله وَأَنا شريككم فَلَمَّا قدم قرظة قَالُوا حَدثنَا قَالَ نَهَانَا عمر

وروى الدَّرَاورْدِي عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَقلت لَهُ أَكنت تحدث فِي زمَان عمر هَكَذَا قَالَ لَو كنت أحدث فِي زمَان عمر مثل مَا أحدثكُم لضربني بمخفقته

وَقَالَ فِي تَرْجَمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب روى مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ عَن أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ قَالَ حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ ودعوا مَا ينكون أتحبون أَن يكذب الله وَرَسُوله فقد زجر الإِمَام عَليّ عَن رِوَايَة الْمُنكر وحث على التحديث بالمشهور وَهَذَا أصل كَبِير فِي الْكَفّ عَن بَث الْأَشْيَاء الْوَاهِيَة والمنكرة من الْأَحَادِيث فِي الْفَضَائِل والعقائد وَالرَّقَائِق وَلَا سَبِيل إِلَى معرفَة هَذَا من هَذَا إِلَّا بالإمعان فِي معرفَة الرِّجَال

وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الْأَثر فِي صَحِيحه فَقَالَ بَاب من خص بِالْعلمِ قوما دون قوم كَرَاهِيَة أَن لَا يفهموا وَقَالَ عَليّ حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ أتحبون أَن يكذب الله وَرَسُوله حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ عَن أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ بذلك

قَالَ شرَّاح هَذَا الْأَثر إِنَّمَا قَالَ الإِمَام ذَلِك لِأَن الْإِنْسَان إِذا سمع مَا لَا يفهمهُ أَو مَا لَا يتَصَوَّر إِمْكَانه اعْتقد استحالته جهلا فَلَا يصدق بِوُجُودِهِ فَإِذا

ص: 62

أسْند إِلَى الله تَعَالَى أَو رَسُوله لزم ذَلِك الْمَحْذُور ويكذب بِفَتْح الذَّال على صِيغَة الْمَجْهُول وَهَذَا الْإِسْنَاد من عوالي الْمُؤلف لِأَنَّهُ يلْتَحق بالثلاثيات من جِهَة أَن الرَّاوِي الثَّالِث وَهُوَ أَبُو الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة من الصَّحَابَة وَكَانَ آخِرهم موتا وَأخر الْمُؤلف هُنَا السَّنَد عَن الْمَتْن ليميز بَين طَريقَة إِسْنَاد الحَدِيث وَإسْنَاد الْأَثر أَو لضعف الْإِسْنَاد بِسَبَب ابْن خَرَّبُوذ أَو للتفنن وَبَيَان الْجَوَاز وَمن ثمَّ وَقع فِي بعض النّسخ مقدما وَقد سقط هَذَا الْأَثر كُله من رِوَايَة الْكشميهني اهـ

وروى مُسلم فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ مَا أَنْت بمحدث قوما حَدِيثا لَا تبلغه عُقُولهمْ إِلَّا كَانَ لبَعْضهِم فتْنَة

تَنْبِيه وَقد فهم من هذَيْن الأثرين أَن الْمُحدث يجب عَلَيْهِ أَن يُرَاعِي حَال من يُحَدِّثهُمْ فَإِذا كَانَ فِيمَا ثَبت عِنْده مَا لَا تصل إِلَيْهِ أفهامهم وَجب عَلَيْهِ ترك تحديثهم بِهِ دفعا للضَّرَر فَلَيْسَ كل حَدِيث يجب نشره لجَمِيع النَّاس كَمَا يتوهمه الأغمار فقد روى البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ حفظت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فَأَما أَحدهمَا فبثثته وَأما الآخر فَلَو بثثتة قطع هَذَا البلعوم

قَالُوا أَرَادَ بالوعاء الأول الْأَحَادِيث الَّتِي لم ير ضَرَرا فِي بثها فبثها وَأَرَادَ بالوعاء الثَّانِي الْأَحَادِيث الْمُتَعَلّقَة بِبَيَان أُمَرَاء الْجور وذمهم فقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ لَو شِئْت أَن أسميهم بِأَسْمَائِهِمْ وَكَانَ لَا يُصَرح بذلك خوفًا على نَفسه مِنْهُم

وَقَالَ بعض الصُّوفِيَّة أَرَادَ بِهِ الْأَحَادِيث الْمُتَعَلّقَة بالأسرار الربانية الَّتِي لَا يُدْرِكهَا إِلَّا أَرْبَاب الْقُلُوب

وَفِي كَون المُرَاد بِهِ هَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما وسع أَبَا هُرَيْرَة كِتْمَانه من جَمِيع النَّاس بل كَانَ أظهره لبَعض الْخَواص مِنْهُم

ص: 63

على أَن الَّذِي كتمه أَبُو هُرَيْرَة لَو كَانَ مِمَّا يتَعَلَّق بِالدّينِ لَكَانَ غَايَته أَن يكون بِمَنْزِلَة الْمُتَشَابه والمتشابه مَوْجُود فِي الْكتاب الْعَزِيز وَهُوَ يُتْلَى على النَّاس كلهم فِي كل حِين وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة كثيرا من الْأَحَادِيث المتشابهة

أخرج مُسلم عَنهُ فِي بَاب صَلَاة اللَّيْل أَنه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينزل رَبنَا تبارك وتعالى كل لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر فَيَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ وَمن يسألني فَأعْطِيه وَمن يستغفرني فَأغْفِر لَهُ

وَأخرج عَنهُ فِي بَاب رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ رَبهم فِي الْآخِرَة أَنه قَالَ إِن نَاسا قَالُوا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ هَل تضَارونَ فِي الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر قَالُوا لَا يَا رَسُول الله قَالَ هَل تضَارونَ فِي الشَّمْس لَيْسَ دونهَا سَحَاب قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّكُم تَرَوْنَهُ كَذَلِك

يجمع الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه فَيتبع من كَانَ يعبد الشَّمْس الشَّمْس وَيتبع من كَانَ يعبد الْقَمَر الْقَمَر وَيتبع من كَانَ يعبد الطواغيت الطواغيت وَتبقى هَذِه الْأمة فِيهَا منافقوها فيأتيهم الله فِي صُورَة غير الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول أَنا ربكُم فَيَقُولُونَ نَعُوذ بِاللَّه مِنْك هَذَا مَكَاننَا حَتَّى يأتينا رَبنَا فَإِذا جَاءَ رَبنَا عَرفْنَاهُ فيأتيهم الله فِي صورته الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول أَنا ربكُم فَيَقُولُونَ أَنْت رَبنَا فيتبعونه الحَدِيث

وَأخرج عَنهُ فِي كتاب الْجنَّة أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله سِتُّونَ ذِرَاعا فَلَمَّا خلقَة قَالَ اذْهَبْ

ص: 64

فَسلم على أُولَئِكَ النَّفر وهم نفر من الْمَلَائِكَة جُلُوس فاستمع مَا يحيونك بِهِ فَإِنَّهَا تحيتك وتحية ذريتك قَالَ فَذهب فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم فَقَالُوا السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله فزادوه وَرَحْمَة الله قَالَ فَكل من يدْخل الْجنَّة على صُورَة آدم وَطوله سِتُّونَ ذِرَاعا فَلم يزل الْخلق ينقص بعده حَتَّى الْآن

وروى مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لما قضى الله الْخلق كتب عِنْده فَوق عَرْشه إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي اهـ

هَذَا وَمن الْغَرِيب مَا يروي عَن ابْن الْقَاسِم أَنه قَالَ سَأَلت مَالِكًا عَمَّن يحدث الحَدِيث إِن الله خلق آدم على صورته والْحَدِيث إِن الله يكْشف عَن سَاقه يَوْم الْقِيَامَة وَإنَّهُ يدْخل فِي النَّار يَده حَتَّى يخرج من أَرَادَ فَأنْكر ذَلِك إنكارا شَدِيدا وَنهى أَن يتحدث بِهِ أحد

قَالَ تَقِيّ الدّين فِي التسعينية هَذَانِ الحديثان كَانَ اللَّيْث بن سعد يحدث بهما فَالْأول حَدِيث الصُّورَة حدث بِهِ عَن ابْن عجلَان وَالثَّانِي هُوَ فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الطَّوِيل وَهَذَا الحَدِيث قد أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث اللَّيْث وَالْأول قد أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث غَيره

ص: 65

وَابْن الْقَاسِم إِنَّمَا سَأَلَ مَالِكًا لأجل تحديث اللَّيْث بذلك فَيُقَال إِمَّا أَن يكون مَا قَالَه مَالك مُخَالفا لما فعله اللَّيْث وَنَحْوه أَو لَيْسَ بمخالف بل يكره أَن يتحدث بذلك لمن يفتنه ذَلِك وَلَا يحملهُ عقله كَمَا قَالَ ابْن مَسْعُود مَا من رجل يحدث قوما حَدِيثا لَا تبلغه عُقُولهمْ إِلَّا كَانَ فتْنَة لبَعْضهِم

وَقد كَانَ مَالك يتْرك أَحَادِيث كَثِيرَة لكَونهَا لَا يُؤْخَذ بهَا وَلم يَتْرُكهَا غَيره فَلهُ فِي ذَلِك مَذْهَب وَغَايَة مَا يعْتَذر لَهُ أَن يُقَال كره أَن يتحدث بذلك حَدِيثا يفتن المستمع الَّذِي لَا يحمل عقله ذَلِك وَأما إِن قيل إِنَّه كره التحدث بذلك مُطلقًا فَهَذَا مَرْدُود

ولنرجع إِلَى الْمَقْصُود وَهُوَ بَيَان تروي جُمْهُور الصَّحَابَة فِي أَمر الرِّوَايَة فَنَقُول

قَالَ مُسلم فِي صَحِيحه حَدثنَا مُحَمَّد بن عباد وَسَعِيد بن عَمْرو الأشعثي جَمِيعًا عَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ سعيد أخبرنَا سُفْيَان عَن هِشَام بن حُجَيْر عَن طَاوس قَالَ جَاءَ هَذَا إِلَى ابْن عَبَّاس يَعْنِي بشير بن كَعْب فَجعل يحدثه فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس عد لحَدِيث كَذَا وَكَذَا فَعَاد لَهُ ثمَّ حَدثهُ فَقَالَ لَهُ عد لحَدِيث كَذَا وَكَذَا فَعَاد لَهُ

فَقَالَ لَهُ مَا أَدْرِي أعرفت حَدِيثي كُله وَأنْكرت هَذَا أم أنْكرت حَدِيثي كُله وَعرفت هَذَا فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس إِنَّا كُنَّا نُحدث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ لم يكن يكذب عَلَيْهِ فَلَمَّا ركب النَّاس الصعب والذلول تركنَا الحَدِيث عَنهُ

ص: 66

حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا معمر عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِنَّمَا كُنَّا نَحْفَظ الحَدِيث والْحَدِيث يحفظ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَما إِذا ركبتم كل صَعب وَذَلُول فهيهات

وحَدثني أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بن عبيد الله الغيلاني حَدثنَا أَبُو عَامر يَعْنِي الْعَقدي حَدثنَا رَبَاح عَن قيس بن سعد عَن مُجَاهِد قَالَ جَاءَ بشير الْعَدوي إِلَى ابْن عَبَّاس فَجعل يحدث وَيَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فَجعل ابْن عَبَّاس لَا يَأْذَن لحديثه وَلَا ينظر إِلَيْهِ

فَقَالَ يَا ابْن عَبَّاس مَا لي لَا أَرَاك تسمع لحديثي أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا تسمع فَقَالَ ابْن عَبَّاس إِنَّا كُنَّا مرّة إِذا سمعنَا رجلا يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إِلَيْهِ بآذاننا فَلَمَّا ركب النَّاس الصعب والذلول لم نَأْخُذ من النَّاس إِلَّا مَا نَعْرِف اهـ

وَبشير الْمَذْكُور مخضرم يروي عَن أبي ذَر وَأبي الدَّرْدَاء وَقد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَابْن سعد وَهُوَ مصغر بشر

وَأخرج ابْن ماجة فِي سنَنه عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ قُلْنَا لزيد بن أَرقم حَدثنَا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ كبرنا ونسينا والْحَدِيث عَن رَسُول الله شَدِيد

وَأخرج عَن السَّائِب بن يزِيد أَنه قَالَ صَحِبت سعد بن مَالك من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فَمَا سمعته يحدث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِحَدِيث وَاحِد

ص: 67

وروى عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ جالست ابْن عمر سنة فَمَا سمعته يحدث عَن رَسُول الله شَيْئا

وروى عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه قَالَ كَانَ أنس بن مَالك إِذا حدث عَن رَسُول الله ففرغ مِنْهُ قَالَ أَو كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَقد ثَبت توقف كثير من الصَّحَابَة فِي قبُول كثير من الْأَخْبَار وَقد اسْتدلَّ بذلك من يَقُول بِعَدَمِ الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا فِي أَمر الدّين

وَقد رد عَلَيْهِم الْجُمْهُور بِأَن الرَّد إِنَّمَا كَانَ لأسباب عارضة وَهُوَ لَا يَقْتَضِي رد جَمِيع أَخْبَار الْآحَاد كَمَا ذهب إِلَيْهِ أُولَئِكَ على أَن الْأَخْبَار الَّتِي استندوا إِلَيْهَا إِنَّمَا تدل على مَذْهَب من يشْتَرط فِي قبُول الْخَبَر التَّعَدُّد فِي رُوَاته وَلَا تدل على مَذْهَب من يشْتَرط التَّوَاتُر فِيهِ فقد ذكر الإِمَام الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى ثمَّ قَالَ

وَنحن نشِير إِلَى جنس المعاذير فِي رد الْأَخْبَار والتوقف فِيهَا أما توقف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن قَول ذِي الْيَدَيْنِ فَيحْتَمل ثَلَاثَة أُمُور

أَحدهَا أَنه جوز الْوَهم عَلَيْهِ لِكَثْرَة الْجمع وَبعد انْفِرَاده بِمَعْرِِفَة ذَلِك مَعَ غَفلَة الْجَمِيع إِذْ الْغَلَط عَلَيْهِ أقرب من الْغَفْلَة على الْجمع الْكثير وَحَيْثُ ظَهرت أَمَارَات الْوَهم يجب التَّوَقُّف

ثَانِيهَا أَنه وَإِن علم صدقه جَازَ أَن يكون سَبَب توقفه أَن يعلمهُمْ وجوب التَّوَقُّف فِي مثله وَلَو لم يتَوَقَّف لصار التَّصْدِيق مَعَ سكُوت الْجَمَاعَة سنة مَاضِيَة فحسم سَبِيل ذَلِك

الثَّالِث أَنه قَالَ لَوْلَا لَو علم صدقه لظهر أَثَره فِي حق الْجَمَاعَة واشتغلت ذمتهم فَألْحق بقبيل الشَّهَادَة فَلم يقبل فِيهِ قَول الْوَاحِد والأقوى مَا ذَكرْنَاهُ من قبل

ص: 68

نعم لَو تعلق بِهَذَا من يشْتَرط عدد الشَّهَادَة فليزمه اشْتِرَاطه ثَلَاثَة ويلمه أَن تكون فِي جمع يسكت عَلَيْهِ الْبَاقُونَ لِأَنَّهُ كَذَلِك كَانَ

أما توقف أبي بكر فِي حَدِيث الْمُغيرَة فِي تَوْرِيث الْجدّة فَلَعَلَّهُ كن هُنَاكَ وَجه اقْتضى التَّوَقُّف وَرُبمَا لم يطلع عَلَيْهِ أحد أَو لينْظر أَنه حكم مُسْتَقر أَو مَنْسُوخ أَو ليعلم هَل عِنْد غَيره مثل مَا عِنْده ليَكُون الحكم أوكد أَو خلَافَة فيندفع أَو توقف فِي انْتِظَار استظهار بِزِيَادَة كَمَا يستظهر الْحَاكِم بعد شَهَادَة اثْنَيْنِ على جزم الحكم إِن لم يُصَادف الزِّيَادَة لَا على عزم الرَّد أَو أظهر التَّوَقُّف لِئَلَّا يكثر الْإِقْدَام على الرِّوَايَة عَن تساهل وَيجب حمله على شَيْء من ذَلِك إِذْ ثَبت مِنْهُ قطعا قبُول خبر الْوَاحِد وَترك الْإِنْكَار على الْقَائِلين بِهِ

وَأما رد حَدِيث عُثْمَان فِي حق الحكم بن أبي الْعَاصِ فَلِأَنَّهُ خبر عَن إِثْبَات حق لشخص فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ لَا تثبت بقول وَاحِد أَو توقفا لأجل قرَابَة عُثْمَان من الحكم وَقد كَانَ مَعْرُوفا بِأَنَّهُ كلفب أَقَاربه فتوقفا تَنْزِيها لعرضه ومنصبه من أَن يَقُول متعنت إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِقَرَابَتِهِ حَتَّى يثبت ذَلِك بقول غَيره أَو لعلهما توقفا ليسنا للنَّاس التَّوَقُّف فِي حق الْقَرِيب الملاطف ليتعلم مِنْهُمَا التثبت فِي مثله

وَأما خبر أبي مُوسَى فِي الاسْتِئْذَان فقد كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ ليدفع بِهِ سياسة عمر عَن نَفسه لما انْصَرف عَن بَابه بعد أَن قرع ثَلَاثًا كالمترفع عَن المثول بِبَابِهِ فخاف أَن يصير ذَلِك طَرِيقا لغيره إِلَى أَن يروي الحَدِيث على حسب غَرَضه بِدَلِيل أَنه لما رَجَعَ مَعَ أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَشهد لَهُ قَالَ عمر إِنِّي لم أتهمك وَلَكِنِّي خشيت أَن يتقول النَّاس على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَيجوز للْإِمَام التَّوَقُّف مَعَ انْتِفَاء التُّهْمَة لمثل هَذِه الْمصلحَة كَيفَ وَمثل هَذِه الْأَخْبَار لَا تَسَاوِي فِي الشُّهْرَة وَالصِّحَّة أحاديثنا فِي نقل الْقبُول عَنْهُم

ص: 69

وَأما رد عَليّ خبر الْأَشْجَعِيّ فقد ذكر علته وَقَالَ كَيفَ نقبل قَول أَعْرَابِي بوال على عَقِبَيْهِ بَين أَنه لم يعرف عَدَالَته وَضَبطه وَلذَلِك وَصفه بالجفاء وَترك التَّنَزُّه عَن الْبَوْل كَمَا قَالَ عمر فِي فَاطِمَة بنت قيس فِي حَدِيث السُّكْنَى لَا نَدع كتاب رَبنَا وَسنة نَبينَا لقَوْل امْرَأَة لَا نَدْرِي أصدقت أم كذبت فَهَذَا سَبِيل الْكَلَام على مَا ينْقل من التَّوَقُّف فِي الْأَخْبَار اهـ

هَذَا وَقد عقد الْحَافِظ ابْن حزم فصلا فِي كتاب الإحكام للرَّدّ على من ذمّ الْإِكْثَار من الرِّوَايَة وَقد أحببنا إِيرَاده على طَرِيق التَّلْخِيص تَقْرِيبًا للمرام وتخليصا للمطالع من كثير من الْعبارَات الشَّدِيدَة الإيلام قَالَ فصل فِي فضل الْإِكْثَار من الرِّوَايَة للسنن قَالَ عَليّ وَذهب قوم إِلَى ذمّ الْإِكْثَار من الرِّوَايَة ونسبوا ذَلِك إِلَى عمر وَذكروا أَنه لم يلْتَفت إِلَى رِوَايَة فَاطِمَة بنت قيس فِي أَن لَا نَفَقَة وَلَا سُكْنى للمبتوتة ثَلَاثًا وَأَنه قَالَ لَا نَدع كتاب رَبنَا وَسنة نَبينَا لكَلَام امْرَأَة لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا نسيت

وتوعد أَبَا مُوسَى بِالضَّرْبِ إِن لم يَأْته بِشَاهِد على مَا حدث بِهِ من حكم الاسْتِئْذَان

وَأَن أَبَا بكر الصّديق لم يَأْخُذ بِرِوَايَة الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي مِيرَاث الْجدّة حَتَّى شهد لَهُ بذلك مُحَمَّد بن مسلمة وَأَن عُثْمَان حمل إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب من عِنْد أَبِيه كتاب حكم النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الزَّكَاة فَقَالَ أغنها عَنَّا فَرجع إِلَى أَبِيه فَقَالَ ضع الصَّحِيفَة حَيْثُ وجحدتها

ص: 70

وَأَن ابْن عَبَّاس لم يلْتَفت إِلَى رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي الْوضُوء مِمَّا مست النَّار وَلَا إِلَى رِوَايَة عَليّ فِي النَّهْي عَن الْمُتْعَة وَلَا إِلَى رِوَايَة أبي سعيد فِي النَّهْي عَن الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ يدا بيد

وَابْن عمر ذكرت لَهُ رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي كلب الزَّرْع فَقَالَ إِن لأبي هيرة زرعا وَذكروا نَحْو هَذَا عَن نفر من التَّابِعين

قَالَ عَليّ وَقَوْلهمْ هَذَا داحض بالبرهان الظَّاهِر وَهُوَ أَن يُقَال لمن ذمّ الْإِكْثَار من الرِّوَايَة أخبرنَا أخير هِيَ أم شَرّ وَلَا سَبِيل إِلَى وَجه ثَالِث فَإِن قَالَ هِيَ خير فالإكثار من الْخَيْر خير وَإِن قَالَ هِيَ شَرّ فالقليل من الشَّرّ شَرّ وهم قد أخذُوا بِنَصِيب مِنْهُ

أما نَحن فَنَقُول إِن الْإِكْثَار مِنْهَا لطلب مَا صَحَّ هُوَ الْخَيْر كُله ثمَّ نقُول لَهُم عرفونا حد الْإِكْثَار من الرِّوَايَة المذموم عنْدكُمْ لنعرف مَا تَكْرَهُونَ وحد الإقلال الْمُسْتَحبّ عنْدكُمْ فَإِن حدوا لذَلِك حدا كَانُوا قد قَالُوا بِغَيْر برهَان وَبِغير علم وَإِن لم يحدوا فِي ذَلِك حدا كَانُوا قد وَقَعُوا فِي أسخف منزلَة إِذْ لَا يَدْرُونَ مَا يُنكرُونَ

وَالْحق أَن الْخَيْر كُله فِي التفقه فِي الْآثَار وَالْقُرْآن وَضبط مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد حض النَّبِي صلى الله عليه وسلم على أَن يبلغ عَنهُ وَهَذَا هُوَ التفقه والنذارة الَّتِي أَمر الله تَعَالَى بهَا

وليت شعري إِذا كَانَ الْإِكْثَار من الرِّوَايَة شرا فَأَيْنَ الْخَيْر أَفِي التَّقْلِيد الَّذِي لَا يلتزمه إِلَّا جَاهِل أَو متجاهل أم فِي التحكم فِي دين الله بالآراء الَّتِي قد حذر الله تَعَالَى مِنْهَا وزجر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنْهَا

وَقد زعم بَعضهم أَن مَالِكًا كَانَ يسْقط من الْمُوَطَّأ كل سنة وَأَنه لم يحدث بِكَثِير مِمَّا عِنْده وَهَذَا حَال من يُرِيد أَن يمدح فيذم وَيُرِيد أَن يَبْنِي فيهدم فَإِن أَرَادوا

ص: 71

أَن مَالِكًا حدث بِالصَّحِيحِ عِنْده وَترك مَا لم يَصح فقد أحسن وَكَذَلِكَ كل من حدث بِمَا صَحَّ عِنْده كسفيان وَشعْبَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِن أَرَادوا أَنه حدث بالسقيم وَترك الصَّحِيح فقد نزهه الله عَن ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن أَرَادوا أَنه حدث بِصَحِيح وَسَقِيم وَترك صَحِيحا وسقيما فَبَطل مَا أَرَادوا أَن يمدحوه بِهِ وَكَانَ ذما عَظِيما لَو صَحَّ عَلَيْهِ وَأَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك

وممايدل على كذب من قَالَ هَذَا أَن الْمُوَطَّأ أَلفه مَالك بعد موت يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ بِلَا شكّ وَكَانَت وَفَاة يحيى فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين ومئة وَلم يزل الْمُوَطَّأ يرويهِ عَن مَالك مُنْذُ أَلفه طَائِفَة بعد طَائِفَة وَأمة بعد أمة

وَآخر من رَوَاهُ عَنهُ من الثِّقَات أَبُو المصعب الزُّهْرِيّ لصِغَر سنه وعاش بعد موت مَالك ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة وموطؤه أكمل الموطآت لِأَن فِيهِ خمس مئة حَدِيث وَتِسْعين حَدِيثا بالمكرر أما بِإِسْقَاط التّكْرَار فَخمس مئة حَدِيث وَتِسْعَة وَخَمْسُونَ حَدِيثا

وَكَانَ سَماع ابْن وهب للموطأ منمالك قبل سَماع أبي المصعب بدهر وَكَذَلِكَ سَماع ابْن الْقَاسِم ومعن بن عِيسَى وَلَيْسَ فِي موطأ ابْن الْقَاسِم إِلَّا خمس مئة حَدِيث وَثَلَاثَة أَحَادِيث وَفِي موطأ ابْن وهب كَمَا فِي موطأ أبي المصعب وَلَا مزِيد فَبَان كذب هَذَا الْقَائِل

قَالَ عَليّ وَأول من ألف فِي جمع الحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة وَمعمر ثمَّ مَالك ثمَّ تلاهم النَّاس وَنحن نحمد ذَلِك من فعلهم ونقول إِن لَهُم وَلمن فعل فعلهم أعظم الْأجر لعَظيم مَا قيدوا من السن وَكثير مَا بينوا من الْحق وَمَا رفعوا من الْإِشْكَال فِي الدّين وَمَا فَرجوا بِمَا كتبُوا من حكم الِاخْتِلَاف فَمن أعظم أجرا مِنْهُم جعلنَا الله بمنه مِمَّن تَبِعَهُمْ فِي ذَلِك بِإِحْسَان

وَأما رد عمر لحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس فقد خالفته هِيَ وَهِي من المبايعات الْمُهَاجِرَات الصواحب فَهُوَ تنَازع بَين أولي الْأَمر وَلَيْسَ قَول أَحدهمَا بِأولى من

ص: 72

قَول الآخر إِلَّا بِنَصّ وَالنَّص مُوَافق لقولها وَهُوَ فِي رد ذَلِك مُجْتَهد مأجور مرّة وَلَا تعلق للمستدلين بِهَذَا الْخَبَر فَإِنَّهُم قد خالفوا الِاثْنَيْنِ كليهمَا

وَأما مَا ذكرُوا من نهي عمر عَن الْإِكْثَار من الحَدِيث فحدثنا مُحَمَّد بن سعيد حَدثنَا أَحْمد بن عون حَدثنَا قَاسم بن أصبغ حَدثنَا الْخُشَنِي حَدثنَا بنْدَار حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي حَدثنَا شُعْبَة عَن بَيَان عَن الشّعبِيّ عَن قرظة هُوَ ابْن كَعْب الْأنْصَارِيّ قَالَ شيعنا عمر بن الْخطاب إِلَى صرار فَانْتهى إِلَى مَكَان فِيهِ فَتَوَضَّأ فَقَالَ تَدْرُونَ لم شيعتكم قُلْنَا لحق الصُّحْبَة قَالَ إِنَّكُم ستأتون قوما تهتز ألسنتهم بِالْقُرْآنِ كاهتزاز النّخل فَلَا تصدوهم بِالْحَدِيثِ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنا شريككم قَالَ قرظة فَمَا حدثت بِشَيْء بعد وَلَقَد سَمِعت كَمَا سمع أَصْحَابِي

فَهَذَا لم يذكر فِيهِ الشّعبِيّ أَنه سَمعه من قرظة وَمَا نعلم أَن الشّعبِيّ لَقِي قرظة وَلَا سمع مِنْهُ بل لَا شكّ فِي ذَلِك لِأَن قرظة مَاتَ والمغيرة بن شُعْبَة أَمِير بِالْكُوفَةِ هَذَا مَذْكُور فِي الْخَبَر الثَّابِت الْمسند أول من نيح عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ قرظة بن كَعْب فَذكر الْمُغيرَة عِنْد ذَلِك خَبرا مُسْندًا فِي النوح وَمَات الْمُغيرَة سنة خمسين بِلَا شكّ وَالشعْبِيّ أقرب إِلَى الصِّبَا فَلَا شكّ أَنه لم يلق قرظة قطّ فَسقط هَذَا

ص: 73

الْخَبَر بل ذكر بعض أهل الْعلم بالأخبار أَن قرظة بن كَعْب مَاتَ وَعلي بِالْكُوفَةِ فصح يَقِينا أَن الشّعبِيّ لم يلق قرظة

قَالَ عَليّ وَرووا عَنهُ أَنه حبس عبد الله بن مَسْعُود من أجل الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَمَا روينَا بالسند الْمَذْكُور إِلَى بنْدَار حَدثنَا غنْدر حَدثنَا شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أَبِيه قَالَ قَالَ عمر لِابْنِ مَسْعُود وَلأبي الدَّرْدَاء وَلأبي ذَر مَا هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَأَحْسبهُ أَنه لم يدعهم أَن يخرجُوا من الْمَدِينَة حَتَّى مَاتَ قَالَ عَليّ هَذَا مُرْسل ومشكوك فِيهِ من شُعْبَة فَلَا يَصح وَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ ثمَّ هُوَ فِي نَفسه ظَاهر الْكَذِب والتوليد

وَقد حدث عمر بِحَدِيث كثير فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنهُ خمس مئة حَدِيث ونيف على قرب مَوته من موت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كثير الرِّوَايَة وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أَكثر رِوَايَة مِنْهُ إِلَّا بضعَة عشر مِنْهُم

وَالَّذِي صَحَّ عَن عمر أَنه تشدد فِي الحَدِيث وَكَانَ يُكَلف من حَدثهُ بِحَدِيث أَن يَأْتِي بآخر سَمعه مَعَه وَإِنَّمَا فعل ذَلِك اجْتِهَادًا مِنْهُ

وَأما الرِّوَايَة عَن أبي بكر الصّديق فمنقطعة لَا تصح وَلَو صحت لما كَانَ لَهُم فِيهَا حجَّة لأَنهم يَقُولُونَ بِخَبَر الْوَاحِد إِذا وافقهم وَلَا معنى لطلب راو آخر عِنْدهم فَالَّذِي يدْخل خبر الْوَاحِد يدْخل خبر الِاثْنَيْنِ وَلَا فرق إِلَّا أَن يفرق بَين ذَلِك بِنَصّ فَيُوقف عِنْده

وَأما خبر عُثْمَان فَلَا نَدْرِي على أَي وَجه أوردوه وَالَّذِي نظن بعثمان أَنه كَانَ عِنْده عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رِوَايَة فِي صفة الزَّكَاة اسْتغنى بهَا عَمَّا عِنْد عَليّ بل نقطع عَلَيْهِ بِهَذَا قطعا وَلَا وَجه لذَلِك الْخَبَر سوى هَذَا أَو المجاهرة بالمخالفة وَقد أَعَاذَهُ الله من ذَلِك

وَأما ابْن عَبَّاس فقد روى فِي الْمُتْعَة إِبَاحَة شَهِدَهَا وَثَبت عَلَيْهَا وَلم يُحَقّق النّظر

ص: 74

وروى فِي الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ خَبرا عَن أُسَامَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وليت شعري من جعل قَوْله أولى من قَول من خَالفه فِي ذَلِك

وَأما قَول ابْن عمر إِن لأبي هُرَيْرَة زرعا فَصدق وَلَيْسَ فِي هَذَا رد لروايته

فَالْوَاجِب الرَّد المفترض الَّذِي لَا يسوغ سواهُ وَهُوَ الرَّد إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى الرَّسُول عليه الصلاة والسلام وَقد أَمر الله تَعَالَى بِطَاعَة رَسُوله وَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِك إِلَّا بِنَقْل كَلَامه وَضَبطه وتبليغه وَقد حض عليه الصلاة والسلام على تَبْلِيغ الحَدِيث عَنهُ فَقَالَ فِي حجَّة الْوَدَاع لجَمِيع من حضر أَلا فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب فَسقط قَول من ذمّ الْإِكْثَار من الحَدِيث

ثمَّ الْعجب من إيرادهم لهَذِهِ الْآثَار الَّتِي ذكرنَا عَمَّن أوردوها عَنهُ فوَاللَّه الْعَظِيم لَا أَدْرِي غرضهم فِي ذَلِك وَلَا منفعتهم بهَا لأَنهم إِن كَانُوا أوردوها طَعنا فِي القَوْل بِخَبَر الْوَاحِد فَلَيْسَ هَذَا قَوْلهم بل هم كلهم يَقُولُونَ بِخَبَر الْوَاحِد وَأَيْضًا فَهِيَ كلهَا أَخْبَار آحَاد وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا حجَّة عِنْد من لَا يَقُول بِخَبَر الْوَاحِد وَهَذَا عَجِيب جدا أَو يَكُونُوا أوردوها على إِبَاحَة رد الْمَرْء مَا لم يُوَافقهُ من خبر الْوَاحِد وَأخذ مَا وَافقه من ذَلِك فَهَذَا هوس لِأَن لخصومهم أَن يردوا بِهَذَا نَفسه مَا أخذُوا هم بِهِ ويأخذوا مَا ردُّوهُ هم مِنْهُ

فَإِن قَالَ قَائِل الحَدِيث قد يدْخلهُ السَّهْو والغلط قيل لَهُ إِن كنت مِمَّن يَقُول بِخَبَر الْوَاحِد فاترك كل حَدِيث أخذت بِهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ فِي قَوْلك مُحْتَمل أَن يكون دخل فِيهِ السَّهْو والغلط وَإِن كنت مُقَلدًا فااترك كل من قلدت فَإِن السَّهْو والغلط يدخلَانِ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَقد يدخلَانِ أَيْضا فِي الروَاة عَنْهُم الَّذين أخذت دينك عَنْهُم وَإِن كنت مِمَّن يبطل خبر الْوَاحِد فقد أثبتنا بالبرهان وجوب قبُوله

ص: 75