الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّحِيح وَكَانَ بارعا فِي تَمْيِيزه من غَيره
الْفَائِدَة الثَّالِثَة
فِي معنى قَول التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَنَحْو ذَلِك
قَالَ الْحَافِظ جلال الدّين السُّيُوطِيّ فِي تَعْلِيقه على جَامع التِّرْمِذِيّ الَّذِي سَمَّاهُ قوت المغتذي قَالَ ابْن الصّلاح قَول التِّرْمِذِيّ وَغَيره هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح فِيهِ إِشْكَال لن الْحسن قَاصِر عَن الصَّحِيح فَفِي الْجمع بَينهمَا فِي حَدِيث وَاحِد جمع بَين نفي ذَلِك الْقُصُور وإثباته
قَالَ وَجَوَابه أَن ذَلِك رَاجع إِلَى الْإِسْنَاد فَإِذا رُوِيَ الحَدِيث الْوَاحِد بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا إِسْنَاد حسن وَالْآخر إِسْنَاد صَحِيح استقام أَن يُقَال فِيهِ إِنَّه حَدِيث حسن صَحِيح أَي إِنَّه حسن بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِسْنَاد صَحِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِسْنَاد آخر
على أَنه غير مستنكر أَن يكون بعض من قَالَ ذَلِك أَرَادَ بالْحسنِ مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ وَهُوَ مَا تميل إِلَيْهِ النَّفس وَلَا يأباه الْعقل دون الْمَعْنى الاصطلاحي الَّذِي نَحن بصدده انْتهى
وَقَالَ ابْن دَقِيق فِي الاقتراح يرد على الْجَواب الأول الْأَحَادِيث الَّتِي قيل فِيهَا حسن صَحِيح مَعَ انه لَيْسَ لَهَا إِلَّا مخرج وَاحِد قَالَ وَفِي كَلَام التِّرْمِذِيّ فِي مَوَاضِع يَقُول هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه قَالَ وَالَّذِي أَقُول فِي جَوَاب هَذَا السُّؤَال إِنَّه لَا يشْتَرط فِي الْحسن قيد الْقُصُور عَن الصَّحِيح وَإِنَّمَا يَجِيئهُ الْقُصُور وَيفهم ذَلِك إِذا اقْتصر على قَوْله حسن فالقصور يَأْتِيهِ من قبل الِاقْتِصَار لَا من حَيْثُ حَقِيقَته وذاته
وَشرح ذَلِك وَبَيَانه أَنه هَا هُنَا صِفَات تَقْتَضِي قبُول الرِّوَايَة ولتلك الصِّفَات دَرَجَات بَعْضهَا فَوق بعض كالتيقظ وَالْحِفْظ والإتقان مثلا فوجود
الدرجَة الدُّنْيَا كالصدق وَعدم التُّهْمَة بِالْكَذِبِ لَا يُنَافِيهِ وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ كالحفظ مَعَ الصدْق فَيصح ان يُقَال فِي هَذَا إِنَّه حسن بِاعْتِبَار وجود الصّفة الدُّنْيَا وَهِي الصدْق مثلا صَحِيح بِاعْتِبَار الصّفة الْعليا وَهِي الْحِفْظ والإتقان وَيلْزم على هَذَا أَن يكون كل صَحِيح حسنا ويلتزم ذَلِك وَيُؤَيِّدهُ وُرُود قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسن فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَهَذَا مَوْجُود فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين انْتهى
وَقَالَ الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير أصل هَذَا السُّؤَال غير مُتَّجه لِأَن الْجمع بَين الْحسن وَالصِّحَّة فِي حَدِيث وَاحِد رُتْبَة متوسطة بَين الصَّحِيح وَالْحسن قَالَ فَهُنَا ثَلَاث مَرَاتِب الصَّحِيح أَعْلَاهَا وَالْحسن أدناها وَالثَّالِثَة مَا تتشرب من كل مِنْهُمَا فَإِن كل مَا كَانَ فِيهِ شبه لم يتمخض لأَحَدهمَا اخْتصَّ برتبة مُفْردَة كَقَوْلِهِم للمز وَهُوَ مَا فِيهِ حلاوة وحموضة هَذَا حُلْو حامض أَي مز
قَالَ فعلى هَذَا يكون مَا يَقُول فِيهِ حسن صَحِيح أَعلَى رتبه عِنْده من الْحسن وَيكون حكمه على الحَدِيث بِالصِّحَّةِ الْمَحْضَة أقوى من حكمه عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْحسن
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْعِرَاقِيّ فِي نكته على ابْن الصّلاح وَهَذَا الَّذِي قَالَه ابْن كثير تحكم لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَهُوَ بعيد من فهمهم معنى كَلَام التِّرْمِذِيّ
قَالَ الإِمَام بدر الدّين الزَّرْكَشِيّ والحافظ أَبُو الْفضل بن حجر كِلَاهُمَا فِي النكت على ابْن الصّلاح هَذَا يَقْتَضِي إِثْبَات قسم ثَالِث وَلَا قَائِل بِهِ وَعبارَة الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ خرق لإجماعهم ثمَّ إِنَّه يلْزم عَلَيْهِ أَن لَا يكون فِي كتاب التِّرْمِذِيّ حَدِيث صَحِيح إِلَّا قَلِيلا لقلَّة اقْتِصَاره على قَوْله هَذَا صَحِيح مَعَ أَن الَّذِي يعبر فِيهِ بِالصِّحَّةِ وَالْحسن أَكْثَره مَوْجُود فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَقَالَ الشَّيْخ سراج الدّين البُلْقِينِيّ فِي محَاسِن الِاصْطِلَاح أَيْضا فِي هَذَا
الْجَواب نظر لَكِن جزم الإِمَام شمس الدّين الْجَزرِي فِي الْهِدَايَة فَقَالَ وَالَّذِي قَالَ صَحِيح حسن فَالتِّرْمِذِي يَعْنِي يشاب صِحَة وحسنا فَهُوَ إِذن دون الصَّحِيح معنى
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ فَإِن قلت فَمَا عنْدك فِي رفع هَذَا الْإِشْكَال قلت يحْتَمل أَن يُرِيد بقوله حسن صَحِيح فِي هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة الترادف وَاسْتِعْمَال هَذَا قَلِيلا دَلِيل على جَوَازه كَمَا اسْتَعْملهُ بَعضهم حَيْثُ وصف الْحسن بِالصِّحَّةِ على قَول من أدرج الْحسن فِي الْقسم الصَّحِيح وَيجوز أَن يُرِيد حقيقتهما بِالصِّحَّةِ على قَول من أدرج الْحسن فِي الْقسم الصَّحِيح وَيجوز أَن يُرِيد حقيقتهما فِي إِسْنَاد وَاحِد بِاعْتِبَار حَالين وزمانين فَيجوز أَن يكون سمع هَذَا الحَدِيث من رجل مرّة فِي حَال كَونه مَسْتُورا أَو مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة ثمَّ ترقي ذَلِك الرجل المسمع وارتفع حَاله إِلَى دَرَجَة الْعَدَالَة فَسَمعهُ مِنْهُ التِّرْمِذِيّ أَو غَيره مرّة أُخْرَى فَأخْبر بالوصفين وَقد رُوِيَ عَن غير وَاحِد انه سمع الحَدِيث الْوَاحِد على شيخ وَاحِد غير مرّة قَالَ وَهَذَا الِاحْتِمَال وغن كَانَ بَعيدا فَهُوَ أشبه مَا يُقَال
قَالَ وَيحْتَمل أَن يكون التِّرْمِذِيّ أدّى اجْتِهَاده إِلَى حسنه وَأدّى اجْتِهَاد غَيره إِلَى صِحَّته أَو بِالْعَكْسِ فَبَان أَن الحَدِيث فِي أَعلَى دَرَجَات الْحسن واول دَرَجَات الصَّحِيح فَجمع بَينهمَا بِاعْتِبَار مذهبين وَأَنت إِذا تَأَمَّلت تصرف التِّرْمِذِيّ لَعَلَّك تسكن إِلَى قَصده هَذَا انْتهى كَلَام الزَّرْكَشِيّ وَبَعضه مَأْخُوذ من الجعبري حَيْثُ قَالَ فِي مُخْتَصره وَقَوله حسن صَحِيح بِاعْتِبَار سندين أَو مذهبين
وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي النكت قد أجَاب بعض الْمُتَأَخِّرين عَن أصل الْإِشْكَال بِأَنَّهُ بِاعْتِبَار صدق الوصفين على الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْوَال رُوَاته عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث فَإِذا كَانَ فيهم من يكون حَدِيثه صَحِيحا عِنْد قوم وحسنا عِنْد قوم يُقَال لَك فِيهِ
قَالَ ويتعقب هَذَا بِأَنَّهُ لَو أَرَادَ ذَلِك لأتى بِالْوَاو بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْده لَا بِالنِّسْبَةِ الَّتِي للْجمع فَيَقُول حسن وصحيح
قَالَ ثمَّ إِن الَّذِي يتَبَادَر إِلَيْهِ الْفَهم أَن التِّرْمِذِيّ إِنَّمَا يحكم على الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره فَهَذَا يقْدَح فِي الْجَواب ويتوقف أَيْضا على اعْتِبَار الْأَحَادِيث الَّتِي جمع التِّرْمِذِيّ فِيهَا بَين الوصفين فَإِن كَانَ فِي بَعْضهَا مَا لَا اخْتِلَاف عِنْد جَمِيعهم فِي صِحَّتهَا قدح فِي الْجَواب أَيْضا لَكِن لَو سلم هَذَا الْجَواب لَكَانَ أقرب إِلَى مُرَاده من غَيره
قَالَ وَإِنِّي لأميل إِلَيْهِ وأرتضيه وَالْجَوَاب عَمَّا يرد عَلَيْهِ مُمكن
قَالَ وَقيل يجوز أَن يكون مُرَاده أَن ذَلِك بِاعْتِبَار وفين مُخْتَلفين وهما الْإِسْنَاد وَالْحكم فَيجوز أَن يكون قَوْله حسن أَي بِاعْتِبَار إِسْنَاده صَحِيح أَي بِاعْتِبَار حكمه لِأَنَّهُ من قبيل المقبول وكل مَقْبُول يجوز أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم الصِّحَّة وَهَذَا يمشي على قَول من يفرد الْحسن من الصَّحِيح بل يُسَمِّي الْكل صَحِيحا لَكِن يرد عَلَيْهِ مَا أوردناه أَولا من أَن التِّرْمِذِيّ أَكثر من الحكم بذلك على الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْإِسْنَاد
قَالَ وَأجَاب بعض الْمُتَأَخِّرين بِأَنَّهُ أَرَادَ حسن على طَريقَة من يفرق بَين النَّوْعَيْنِ لقُصُور رُتْبَة رَاوِيه عَن دَرَجَة الصِّحَّة المصطلحة صَحِيح على طَريقَة من لَا يفرق بَينهمَا
قَالَ وَيرد عَلَيْهِ مَا أوردناه فِيمَا سبق
قَالَ وَاخْتَارَ بعض من أدركناه أَن اللَّفْظَيْنِ عِنْده مترافان وَيكون إِتْيَانه بِاللَّفْظِ الثَّانِي بعد الول على سَبِيل التَّأْكِيد لَهُ كَمَا يُقَال صَحِيح ثَابت أَو جيد قوي أَو غير ذَلِك
قَالَ وَهَذَا قد يقْدَح فِيهِ الْقَاعِدَة فَإِن الْحمل على التأسيس خير من الْحمل على التَّأْكِيد لِأَن الأَصْل عدم التَّأْكِيد لَكِن قد ينْدَفع الْقدح بِوُجُود الْقَرِينَة الدَّالَّة على ذَلِك وَقد وجدنَا فِي عبارَة غير وَاحِد كالدارقطني هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت
قَالَ وَفِي الْجُمْلَة أقوى الْأَجْوِبَة مَا أجَاب بِهِ بَان دَقِيق الْعِيد انْتهى كَلَام الْحَافِظ ابْن حجر فِي النكت
قَالَ فِي شرح النخبة إِذا اجْتمع الصَّحِيح وَالْحسن فِي وصف وَاحِد فالتردد الْحَاصِل من الْمُجْتَهد فِي النَّاقِل هَل اجْتمعت فِيهِ شُرُوط الصِّحَّة أَو قصر عَنْهَا وَهَذَا حَدِيث يحصل مِنْهُ التفرد بِتِلْكَ الرِّوَايَة
قَالَ ومحصل الْجَواب أَن تردد أَئِمَّة الحَدِيث فِي ناقليه اقْتضى للمجتهد أَن لَا يصفه بِأحد الوصفين فَيُقَال فِيهِ حسن بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم صَحِيح بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم وَغَايَة مَا فِيهِ أَنه حذف مِنْهُ حرف التَّرَدُّد لِأَنَّهُ حَقه أَن يَقُول حسن أَو صَحِيح وَهَذَا كَمَا حذف حرف الْعَطف من الَّذِي بعده
وعَلى هَذَا مَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح دون مَا قيل فِيهِ صَحِيح لِأَن الْجَزْم أقوى من التَّرَدُّد وَهَذَا من حَيْثُ التفرد وَإِلَّا فَإِذا لم يحصل التفرد فإطلاق الوصفين مَعًا على الحَدِيث يكون بِاعْتِبَار إسنادين أَحدهمَا صَحِيح وَالْآخر حسن وعَلى هَذَا فَمَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح فَوق مَا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط إِذا كَانَ فَردا لِأَن كَثْرَة الطّرق تقَوِّي
فَإِن قيل قد صرح التِّرْمِذِيّ بِأَن شَرط الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه فَكيف يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه
فَالْجَوَاب أَن التِّرْمِذِيّ لم يعرف الْحسن مُطلقًا وَغنما عرف بِنَوْع خَاص وَقع فِي كِتَابه وَهُوَ مَا يَقُول فِيهِ حسن من غير صفة أُخْرَى وذ لَك أَنه يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث حسن وَفِي بَعْضهَا صَحِيح وَفِي بَعْضهَا غَرِيب وَفِي بَعْضهَا حسن صَحِيح وَفِي بَعْضهَا حسن غَرِيب وَفِي بَعْضهَا صَحِيح غَرِيب وَفِي بَعْضهَا حسن صَحِيح غَرِيب
وتعريفه إِنَّمَا وَقع على الأول فَقَط وَعبارَته ترشد إِلَى ذَلِك حَيْثُ قَالَ فِي أَوَاخِر كِتَابه وَمَا قُلْنَا فِي كتَابنَا حَدِيث حسن فَإِنَّمَا أردنَا بِهِ حسن إِسْنَاده عندنَا فَكل حَدِيث رُوِيَ لَا يكون رَاوِيه مُتَّهمًا بكذب ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك وَلَا يكون شاذا فَهُوَ عندنَا حَدِيث حسن
يعرف بِهَذَا أَنه إِنَّمَا عرف الَّذِي يَقُول فِيهِ حسن فَقَط أما مَا يَقُول فِيهِ حسن صَحِيح أَو حسن غَرِيب أَو حسن صَحِيح غَرِيب فَلم يعرج على تَعْرِيفه كَمَا لم يعرج على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ صَحِيح فَقَط أَو غَرِيب فَقَط وَكَأَنَّهُ ترك ذَلِك اسْتغْنَاء بشهرته عِنْد أهل الْفَنّ وَاقْتصر على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ فِي كِتَابه حسن فَقَط إِمَّا لغموضه وَإِمَّا لِأَنَّهُ اصْطِلَاح جَدِيد وَلذَلِك قيد بقوله عندنَا وَلم ينْسبهُ إِلَى أهل الحَدِيث كَمَا فعل الْخطابِيّ وَبِهَذَا التَّقْرِير ينْدَفع كثير من الإيرادات الَّتِي طَال الْبَحْث فِيهَا وَلم يسفر وَجه توجيهها فَللَّه الْحَمد على مَا ألهم وَعلم
قلت وَظهر لي توجيهان آخرَانِ أَحدهمَا أَن المُرَاد حسن لذاته صَحِيح لغيره وَالْآخر أَن المُرَاد حسن بِاعْتِبَار إِسْنَاده صَحِيح أَي أَنه أصح شَيْء ورد فِي الْبَاب فَإِنَّهُ يُقَال أصح مَا ورد كَذَا وَإِن كَانَ حسنا اَوْ ضَعِيفا فَالْمُرَاد أرجحه أَو أَقَله ضعفا
ثمَّ إِن التِّرْمِذِيّ لم ينْفَرد بِهَذَا المصطلح بل سبقه إِلَيْهِ شَيْخه البُخَارِيّ كَمَا نَقله ابْن الصّلاح فِي غير مُخْتَصره وَالزَّرْكَشِيّ وَابْن حجر فِي نكتهما
قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَاعْلَم أَن هَذَا السُّؤَال يرد بِعَيْنِه فِي قَول التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لِأَن من شَرط الْحسن أَن يكون مَعْرُوفا من غير وَجه والغريب مَا انْفَرد بِهِ أحد رُوَاته وَبَينهمَا تناف
قَالَ وَجَوَابه ان الْغَرِيب يطبق على أَقسَام غَرِيب من جِهَة الْمَتْن وغريب من جِهَة الْإِسْنَاد وَالْمرَاد هُنَا الثَّانِي دون الأول لِأَن هَذَا الْغَرِيب مَعْرُوف عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة لَكِن تفرد بَعضهم بروايته عَن صَحَابِيّ فبحسب الْمَتْن حسن وبحسب الْإِسْنَاد غَرِيب لِأَنَّهُ لم يروه من تِلْكَ الْجَمَاعَة إِلَّا وَاحِد وَلَا مُنَافَاة بَين الْغَرِيب بِهَذَا الْمَعْنى وَبَين الْحسن بِخِلَاف سَائِر الغرائب فَإِنَّهَا تنَافِي الْحسن انْتهى مَا نقل من قوت المغتذي
وَقد سُئِلَ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية عَن هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا فَقَالَ الْجَواب أما الْغَرِيب فَهُوَ الَّذِي لَا يعرف إِلَّا من طَرِيق وَاحِد ثمَّ قد يكون صَحِيحا كَحَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَنَهْيه عَن بيع الْوَلَاء وهبته وَحَدِيث أَنه دخل مَكَّة وعَلى رَأسه المغفر فَهَذِهِ صِحَاح فِي البُخَارِيّ وَمُسلم وَهِي غَرِيبَة عَن أهل الحَدِيث
فَالْأول إِنَّمَا ثَبت عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن عَلْقَمَة بن وَقاص اللَّيْثِيّ عَن عمر بن الْخطاب
وَالثَّانِي إِنَّمَا يعرف من حَدِيث عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر وَالثَّالِث إِنَّمَا يعرف من رِوَايَة مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس وَلَكِن أَكثر الغرائب ضَعِيفَة
وَأما الْحسن فِي اصْطِلَاح التِّرْمِذِيّ فَهُوَ مَا رُوِيَ من وَجْهَيْن وَلَيْسَ فِي رُوَاته من هُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ وَلَا هُوَ شَاذ مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة فَهَذِهِ الشُّرُوط هِيَ الَّتِي شَرطهَا التِّرْمِذِيّ فِي الْحسن
لكم من النَّاس من يَقُول قد يُسَمِّي حسنا مَا لَيْسَ كَذَلِك مثل حَدِيث يَقُول فِيهِ حسن غَرِيب فَإِنَّهُ لم يرو إِلَّا من وَجه وَاحِد وَقد سَمَّاهُ حسنا
وَقد أُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ قد يكون غَرِيبا لم يرو إِلَّا عَن تَابِعِيّ وَاحِد لَكِن رُوِيَ عَنهُ من وَجْهَيْن فَصَارَ حسنا لتَعَدد طرقه عَن ذَلِك الشَّخْص وَهُوَ فِي أَصله غَرِيب
وَكَذَلِكَ الصَّحِيح الْحسن الْغَرِيب قد يكون مرويا بِإِسْنَاد صَحِيح غَرِيب ثمَّ رُوِيَ عَن الرَّاوِي الْأَعْلَى بطرِيق صَحِيح وَطَرِيق آخر فَيصير بذلك حسنا مَعَ أَنه صَحِيح غَرِيب لِأَن الْحسن مَا تعدّدت طرقه وَلَيْسَ فِيهَا مُتَّهم فَإِن كَانَ صَحِيحا من الطَّرِيقَيْنِ فَهَذَا صَحِيح مَحْض وَإِن كَانَ أحد الطَّرِيقَيْنِ لم يعلم صِحَّته فَهَذَا حسن
وَقد يكون غَرِيب الْإِسْنَاد فَلَا يعرف بذلك الْإِسْنَاد إِلَّا من ذَلِك الْوَجْه وَهُوَ حسن الْمَتْن لِأَن الْمَتْن رُوِيَ من وَجْهَيْن وَلِهَذَا يَقُول وَفِي الْبَاب عَن فلَان وَفُلَان فَيكون لمعناه شَوَاهِد تبين أَن مَتنه حسن وَإِن كَانَ إِسْنَاده غَرِيبا وَإِذا قَالَ مَعَ ذَلِك إِنَّه صَحِيح فَيكون قد ثَبت من طَرِيق صَحِيح وَرُوِيَ من طَرِيق حسن فَاجْتمع فِيهِ الصِّحَّة وَالْحسن وَيكون غَرِيبا من ذَلِك الْوَجْه لَا يعرف من ذَلِك الْإِسْنَاد إِلَّا من ذَلِك الْوَجْه وغن كَانَ صَحِيحا من ذَلِك الْوَجْه فقد يكون صَحِيحا غَرِيبا وَهَذَا لَا شُبْهَة فِيهِ وَإِنَّمَا الشُّبْهَة فِي اجْتِمَاع الْحسن والغربة وَقد تقدم أَنه قد يكون غَرِيبا ثمَّ يصير حسنا فَيكون حسنا غَرِيبا كَمَا ذكر من الْمَعْنيين وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة لأولي الْجد والعناية وَهنا تمّ الْكَلَام فِي المبحث الثَّانِي فِي الحَدِيث الْحسن وبينما كُنَّا نُرِيد أَن نشرع فِي المبحث الثَّالِث فِي الحَدِيث الضَّعِيف وقفنا على كتاب معرفَة عُلُوم الحَدِيث لِلْحَافِظِ الجل الْمجمع على صدقه وإمامته فِي هَذَا الْفَنّ أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الضَّبِّيّ الْمَعْرُوف بالحاكم فَوَجَدنَا فِيهِ فَوَائِد مهمة رائقة يَنْبَغِي لطالبي هَذَا الْفَنّ الْوُقُوف عَلَيْهَا فَرَأَيْنَا أَن نورد من كل مَبْحَث من مباحثه شَيْئا مِمَّا ذكر فِيهِ حَتَّى يكون الْمطَالع لذَلِك كَأَنَّهُ مشرف عَلَيْهِ
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله بن عبد الله الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي
الْحَمد لله ذِي الْمَنّ وَالْإِحْسَان وَالْقُدْرَة وَالسُّلْطَان الَّذِي أنشأ الْخلق بربوبيته وجنسهم بمشيئته وَاصْطفى مِنْهُم طَائِفَة أصفياء وجعلهم بررة أتقياء فهم خَواص عباده وأوتاد بِلَاده يصرف عَنْهُم البلايا ويخصهم بالخيرات والعطايا فهم القائمون بِإِظْهَار دينه والمتمسكون بسنن نبيه فَلهُ الْحَمد على مَا قدر وَقضى
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله زجر عَن اتِّخَاذ الْأَوْلِيَاء دون كِتَابه وَاتِّبَاع الْخلق دون نبيه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده الْمُصْطَفى وَرَسُوله الْمُجْتَبى بلغ عَنهُ رسَالَته فصلى الله عَلَيْهِ آمرا وناهيا ومبيحا وزاجرا وعَلى آله الطيبين
قَالَ الْحَاكِم أما بعد فَإِنِّي لما رَأَيْت الْبدع فِي زَمَاننَا كثرت وَمَعْرِفَة النَّاس بأصول السّنَن قلت مَعَ إمعانهم فِي كِتَابه الْأَخْبَار وَكَثْرَة طلبَهَا على الإهمال والإغفال دَعَاني ذَلِك إِلَى تصنيف كتاب خَفِيف يشْتَمل على ذكر أَنْوَاع علم الحَدِيث مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ طلبه الْأَخْبَار المواظبون على كِتَابه الْآثَار وأعتمد فِي ذَلِك
سلوك الِاخْتِصَار دون الإطناب فِي الْإِكْثَار وَالله الْمُوفق لما قصدته والمان فِي بَيَان مَا أردته إِنَّه جواد كريم رؤوف رَحِيم حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق الْبَصْرِيّ حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا شُعْبَة عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ سَمِعت أبي يحدث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يزَال نَاس من أمتِي منصورين لَا يضرهم من خذلهم حَتَّى تقوم السَّاعَة
سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الحميد الْآدَمِيّ يَقُول سَمِعت مُوسَى بن هَارُون يَقُول سَمِعت أحد بن حَنْبَل وَسُئِلَ عَن معنى هَذَا الحَدِيث فَقَالَ إِن لم تكن هَذِه الطَّائِفَة المنصورة أَصْحَاب الحَدِيث فَلَا أَدْرِي من هم
قَالَ أَبُو عبد الله وَفِي مثل هَذَا قيل من أَمر السّنة على نَفسه قولا وفعلا نطق بِالْحَقِّ فَلَقَد أحسن أَحْمد بن حَنْبَل فِي تَفْسِير هَذَا الْخَبَر أَن الطَّائِفَة المنصورة الَّتِي يرفع الخذلان عَنْهُم إِلَى قيام السَّاعَة هم أَصْحَاب الحَدِيث
وَمن أَحَق بِهَذَا التَّأْوِيل من قوم سلكوا محجة الصَّالِحين وَاتبعُوا آثَار السّلف من الماضين ودمغوا أهل الْبدع والمخالفين بسنن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله أَجْمَعِينَ
سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد بن سهل الْفَقِيه ببخارى يَقُول سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد بن سَلام الْفَقِيه يَقُول لَيْسَ شَيْء أثقل على أهل الْإِلْحَاد وَلَا أبْغض إِلَيْهِم من سَماع الحَدِيث وَرِوَايَته بِإِسْنَاد
قَالَ أَبُو عبد الله وعَلى هَذَا عهدنا فِي أسفارنا وأوطاننا كل من ينْسب إِلَى نوع من الْإِلْحَاد والبدع لَا ينظر إِلَى الطَّائِفَة المنصورة إِلَّا بِعَين الحقارة ويسميها الحشوية