المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في درجة أحاديث الصحيحين في الصحة - توجيه النظر إلى أصول الأثر - جـ ١

[طاهر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي بَيَان معنى الحَدِيث

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي سَبَب جمع الحَدِيث فِي الصُّحُف وَمَا يُنَاسب ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي تَمْيِيز عُلَمَاء الحَدِيث مَا ثَبت مِنْهُ مِمَّا لم يثبت

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّابِعَة

- ‌اسْتِدْرَاك

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌فِي أَقسَام الْخَبَر إِلَى متواتر وآحاد

- ‌الْخَبَر الْمُتَوَاتر

- ‌خبر الْآحَاد

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الْخَبَر الْمَشْهُور

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌فِي أَقسَام الحَدِيث

- ‌فَائِدَة

- ‌المبحث الأول

- ‌فِي الحَدِيث الصَّحِيح

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث التَّخْصِيص

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث مَا يرد بِهِ الْخَبَر

- ‌ملحة من ملح هَذَا المبحث

- ‌اعتراضات على الْحَد الْمَذْكُور للْحَدِيث الصَّحِيح مَعَ الْجَواب عَنْهَا

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الصَّحِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن من ألف فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد هُوَ البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌فصل فِي بَيَان شُرُوط البُخَارِيّ وموضوعه

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌فِي أَن الشَّيْخَيْنِ لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزما ذَلِك

- ‌تَتِمَّة فِي بَيَان عدد أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌فَمَا انتقد عَلَيْهِمَا وَالْجَوَاب عَن ذَلِك

- ‌فِي كتاب الصَّلَاة

- ‌فِي كتاب الْجَنَائِز

- ‌فِي كتاب الْبيُوع

- ‌فِي كتاب الْجِهَاد

- ‌فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌فِي كتاب اللبَاس

- ‌حرف الْألف

- ‌حرف الْبَاء

- ‌حرف التَّاء الْمُثَنَّاة

- ‌حرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة

- ‌حرف الْجِيم

- ‌حرف الْحَاء

- ‌حرف الْخَاء

- ‌حرف الدَّال

- ‌حرف الذَّال

- ‌حرف الرَّاء

- ‌حرف الزَّاي

- ‌حرف السِّين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصَّاد

- ‌حرف الضَّاد خَالِي حرف الطَّاء

- ‌حرف الظَّاء خَالِي حرف الْعين

- ‌حرف الْغَيْن

- ‌حرف الْفَاء

- ‌حرف الْقَاف

- ‌حرف الْكَاف

- ‌حرف اللَّام خَالِي حرف الْمِيم

- ‌حرف النُّون

- ‌حرف الْهَاء

- ‌حرف الْوَاو

- ‌حرف الْيَاء

- ‌صلَة تتمّ بهَا هَذِه الْفَائِدَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌فِي دَرَجَة أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي الصِّحَّة

- ‌تَتِمَّة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌فِيمَا يتَعَلَّق بِالصَّحِيحِ الزَّائِد على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌المصنفات فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد

- ‌المستخرجات على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌حكم الزِّيَادَات الْوَاقِعَة فِي المستخرجات

- ‌المبحث الثَّانِي

- ‌فِي الحَدِيث الْحسن

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن بعض الْأَحَادِيث قد يعرض لَهَا من الْأَحْوَال مَا يرفعها من درجتها إِلَى الدرجَة الَّتِي هِيَ فَوْقهَا

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي بَيَان الْكتب الَّتِي يَهْتَدِي بهَا إِلَى معرفَة الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر أول نوع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث من أَنْوَاع الحَدِيث

- ‌ذكر الوع الرَّابِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس من هَذِه الْعُلُوم

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعَاشِر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر الْإِخْوَة عُلَمَاء نيسابور على غير تَرْتِيب

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَكَذَلِكَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَهِشَام بن عُرْوَة وَغَيرهم

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر من سكن الْكُوفَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مَكَّة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الْبَصْرَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مصر من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الشَّام من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الجزيرة

- ‌ذكر من نزل خُرَاسَان من الصَّحَابَة وَتُوفِّي بهَا

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر موَالِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَهَذِه آدَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَغَازِي الَّتِي كَانَ يُوصي بهَا أُمَرَاء الأجناد

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌صلَة مهمة يتَعَلَّق معظمها بِالصَّحِيحِ وَالْحسن

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الشاذ وَالْمَحْفُوظ وَالْمُنكر وَالْمَعْرُوف

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فصل فِيمَا ادَّعَاهُ قوم من تعَارض النُّصُوص

- ‌فصل فِي تَمام الْكَلَام فِي تعَارض النُّصُوص

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌وَهَاهُنَا مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِهَذَا المبحث

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

الفصل: ‌في درجة أحاديث الصحيحين في الصحة

الْمُعَلَّى أتراه بعث بعد الْمَوْت وَذَلِكَ لن ابْن مَسْعُود توفّي سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَثَلَاثِينَ قبل انْقِضَاء خلَافَة عُثْمَان بِثَلَاث سِنِين وصفين كَانَت فِي خلَافَة عَليّ بعد ذَلِك

والتاريخ فِي اللُّغَة والإعلام بِالْوَقْتِ يُقَال أرخت الْكتاب وورخته بِمَعْنى بيّنت كِتَابَته قيل إِنَّه لَيْسَ بعربي مَحْض بل هُوَ مُعرب من الفارسية وَأَصله ماه روز فماه الْقَمَر وروز النَّهَار والتعريب فِيهِ على هَذَا الْوَجْه غير ظَاهر

وَمن الْغَرِيب أَن بعض الناقلين كرّ أَن الْأَصْمَعِي قَالَ بَنو تَمِيم يَقُولُونَ تورخت الْكتاب توريخا وَقيس تَقول أرخته تأريخا وَقد نقل بَعضهم مَا يشْعر بِأَن لفظ التَّارِيخ يمني فَقَالَ روى ابْن أبي خَيْثَمَة من طَرِيق مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ قدم رجل من الْيمن فَقَالَ رَأَيْت بِالْيمن شَيْئا يسمونه التَّارِيخ يكتبونه من عَام كَذَا وَشهر كَذَا فَقَالَ عمر هَذَا احسن فأرخوا

‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

‌فِي دَرَجَة أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي الصِّحَّة

قد عرفت فِيمَا سبق ان الحَدِيث الصَّحِيح لَهُ دَرَجَات تَتَفَاوَت فِي الْقُوَّة بِحَسب تمكن الحَدِيث من الصِّفَات الَّتِي تبنى الصِّحَّة عَلَيْهَا وتنبىء عَنْهَا وان أصح كتب الحَدِيث كتاب البُخَارِيّ وَكتاب مُسلم

وَقد قسموا الحَدِيث الصَّحِيح بِاعْتِبَار تفَاوت الدَّرَجَات إِلَى سَبْعَة أَقسَام الْقسم الأول وَهُوَ أَعْلَاهَا مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم الْقسم الثَّانِي مَا انْفَرد بِهِ

ص: 288

البُخَارِيّ عَن مُسلم الْقسم الثَّالِث مَا انْفَرد بِهِ مُسلم عَن البُخَارِيّ الْقسم الرَّابِع مَا هُوَ على شَرطهمَا وَلَكِن لم يُخرجهُ وَاحِد مِنْهُمَا الْقسم الْخَامِس مَا هُوَ على

ص: 289

شَرط البُخَارِيّ وَلَكِن لم يُخرجهُ الْقسم السَّادِس مَا هُوَ على شَرط مُسلم وَلَكِن لم يُخرجهُ الْقسم السَّابِع مَا لَيْسَ على شَرطهمَا وَلَا على شَرط وَاحِد مِنْهُمَا وَلكنه صَحَّ عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث

ص: 290

وكل قسم من هَذِه الْأَقْسَام أَعلَى مِمَّا بعده غير أَنه قد يعرض لبَعض الْأَحَادِيث من زِيَادَة التَّمَكُّن من شُرُوط الصِّحَّة مَا يَجعله أرجح من حَدِيث آخر يكون فِي الْقسم الَّذِي هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِي الدرجَة وعَلى هَذَا فيرجح مَا انْفَرد بِهِ مُسلم وَلكنه رُوِيَ من طرق مُخْتَلفَة على مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ إِذا كَانَ فَردا وَكَذَلِكَ يرجح مَا لم يخرجَاهُ وَلكنه ورد بِإِسْنَاد يُقَال فِيهِ إِنَّه أصح إِسْنَادًا على مَا انْفَرد بِهِ أَحدهمَا

ص: 297

لَا سِيمَا إِن كَانَ فِي إِسْنَاده من فِيهِ مقَال وَقس على ذَلِك

وَقد ظن بعض أَرْبَاب الْأَهْوَاء الَّذين يميلون إِلَى كتاب البُخَارِيّ وَلَا إِلَى كتاب مُسلم أَنهم يَجدونَ بِسَبَب هَذِه الْمَسْأَلَة ذريعو إِلَى الْخَلَاص من حكمهمَا ليتسع لَهُم المجال فِيمَا وَافق أهواءهم من الآراء وَصَارَ دأبهم أَن يَقُولُوا كم من حَدِيث صَحِيح لم يرد فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ مَعَ ذَلِك أصح مِمَّا ورد فيهمَا يظنون انهم بذلك يوهنون أَمرهمَا ويضعون قدرهما

وَالْحَال أَن مزية الصَّحِيحَيْنِ ثَابِتَة ثُبُوت الْجبَال الرواسِي لَا ينكرها إِلَّا غمر يزري بِنَفسِهِ وَهُوَ لَا يشْعر وَالْعُلَمَاء إِنَّمَا فتحُوا هَذَا الْبَاب لأرباب النَّقْد والتمييز الَّذين يرجحون مَا يرجحون بِدَلِيل صَحِيح مَبْنِيّ على الْقَوَاعِد الَّتِي قررها الْمُحَقِّقُونَ فِي هَذَا الْفَنّ وَأما المموهون الَّذين يُرِيدُونَ أَن يجْعَلُوا الصَّحِيح سقيما والسقيم صَحِيحا بشبه واهية جعلوها فِي صُورَة الْأَدِلَّة فَيَنْبَغِي الْإِعْرَاض عَنْهُم مَعَ حل الشّبَه الَّتِي يخْشَى أَن تعلق بأذهان من يُرِيدُونَ أَن يوقعوه فِي أشراكهم 3 هَذَا وَقد نقل بعض الْعلمَاء عَن بَعضهم انه اعْترض على هَذَا التَّرْتِيب الَّذِي جرى عَلَيْهِ أهل الْأَثر فَقَالَ قَول من قَالَ أصح الْأَحَادِيث مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثمَّ مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ ثمَّ مَا انْفَرد بِهِ مُسلم ثمَّ مَا اشْتَمَل على شَرطهمَا ثمَّ مَا اشْتَمَل على شَرط أَحدهمَا تحكم لَا يجوز التَّقْلِيد فِيهِ إِذْ الأصحية لَيست إِلَّا لاشتمال رواتهما على الشُّرُوط الَّتِي اعتبراها فَإِذا فرض وجود تِلْكَ الشُّرُوط فِي رُوَاة حَدِيث فِي غير الْكِتَابَيْنِ أَفلا يكون الحكم بأصحية مَا فِي الْكِتَابَيْنِ عين التحكم

ثمَّ حكمهمَا أَو أَحدهمَا بِأَن الرَّاوِي الْمعِين مُجْتَمع تِلْكَ الشُّرُوط مِمَّا لَا يقطع فِيهِ

ص: 298

بمطابقة الْوَاقِع فَيجوز كَون الْوَاقِع خِلَافه وَقد أخرج مُسلم عَن كثير مِمَّن لم يسلم من غوائل الْجرْح وَكَذَا فِي البُخَارِيّ جمَاعَة تكلم فيهم فدار الْأَمر فِي الروَاة على اجْتِهَاد الْعلمَاء فيهم وَكَذَا فِي الشُّرُوط حَتَّى إِن من اعْتبر شرطا وألغاه آخر يكون مَا رَوَاهُ الآخر مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذَلِك الشَّرْط عِنْده مكافئا لمعارضة الْمُشْتَمل على ذَلِك الشَّرْط وَكَذَا فِيمَن تضعف رَاوِيا وَوَثَّقَهُ آخر

نعم تسكن نفس غير الْمُجْتَهد وَمن لم يخبر أَمر الرواي بِنَفسِهِ إِلَى مَا اجْتمع عَلَيْهِ الْأَكْثَر أما الْمُجْتَهد فباعتبار الشَّرْط وَعَدَمه وَالَّذِي خبر الرَّاوِي فَلَا يرجع إِلَّا إِلَى رَأْي نَفسه فَمَا صَحَّ من الحَدِيث فِي غير الْكِتَابَيْنِ يُعَارض مَا فيهمَا

وَلَا يخفى أَن صَاحِبي الصَّحِيحَيْنِ لم يكتفيا فِي التَّصْحِيح بِمُجَرَّد النّظر إِلَى حَال الرَّاوِي فِي الْعَدَالَة والضبط كَمَا يتوهمه كثير مِمَّن لم يعن بهما وَلم يكن لَهُ إمعان نظر فِي أصُول الْأَثر بل ضما إِلَى ذَلِك النّظر فِي أُمُور أُخْرَى بمجموعها يظْهر الحكم بِالصِّحَّةِ وَقد ذكرنَا شَيْئا من ذَلِك سَابِقًا وَرُبمَا ألممنا بِهِ عِنْد ذكر الْمُسْتَدْرك

وَقد تعرض الْعَلامَة تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية إِلَى مَا ذكرنَا آنِفا فَقَالَ فصل وَأما الحَدِيث الْوَاحِد إِذا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَرَوَاهُ الْمُوَطَّأ فقد تكون رجال البُخَارِيّ أفضل وَقد تكون رجال الْمُوَطَّأ فَينْظر فِي هَذَا وَهَذَا إِلَى رجالهما وَنحن وَإِن كُنَّا نعلم أَن الرِّجَال الَّذين فِي البُخَارِيّ اعظم من الرِّجَال الَّذين فِي الْمُوَطَّأ على الْجُمْلَة فَهَذَا لَا يُفِيد الْعلم بِالتَّعْيِينِ فَإِن أَعْيَان ثِقَات الْمُوَطَّأ روى لَهُم البُخَارِيّ فهم من رجال الْمُوَطَّأ وَالْبُخَارِيّ والمتن الْوَاحِد قد يرويهِ البُخَارِيّ بِإِسْنَاد وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَاد آخر على شَرط البُخَارِيّ أَجود من رجال البُخَارِيّ فَالْحَدِيث إِذا كَانَ مُسْندًا فِي الْكِتَابَيْنِ نظر إِلَى إسنادهما وَلَا يحكم فِي هَذَا بِحكم مُجمل

لَكِن نعلم من حَيْثُ الْجُمْلَة أَن الرِّجَال الَّذين اشْتَمَل عَلَيْهِم البُخَارِيّ أصح

ص: 299

من جنس رجال الْمُوَطَّأ وَغَيرهم والْحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْمُوَطَّأ رِجَاله رجال البُخَارِيّ

وَأما معَاذ بن فضَالة وَهِشَام الدستوَائي وَنَحْوهمَا من رجال أهل الْعرَاق فليسوا فِي الْمُوَطَّأ ومهم من تَأَخّر عَن مَالك كمعاذ وَهِشَام الدستوَائي هُوَ فِي طبقَة شُيُوخ مَالك بِمَنْزِلَة يحيى بن أبي عرُوبَة وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وَالْأَعْمَش وَيُونُس بن عبيد وَعبد الله بن عون وأمثالهم من رجال أهل الْعرَاق الَّذين هم من طبقَة شُيُوخ مَالك والْحَدِيث الَّذِي يكون عَن رجال البُخَارِيّ وَلَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيح لَا يحكم بِأَنَّهُ مثل مَا فِي الصَّحِيح مُطلقًا لَكِن قد يتَّفق ان يكون مثله كَمَا قد يتَّفق أَن يكون مُعْتَلًّا وَإِن كَانَ ظَاهر إِسْنَاده الصِّحَّة وَالله أعلم اهـ

أَقُول قد سبق ذكر هِشَام الدستوَائي فِي أثْنَاء ذكر من طعن فِيهِ من رجال البُخَارِيّ وَأَن الْأَئِمَّة احْتَجُّوا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ ثِقَة حجَّة وَلم يكن وَجه لِلطَّعْنِ فِيهِ غير أَنه كَانَ يرى الْقدر إِلَّا أَنه كَانَ لَا يَدْعُو إِلَيْهِ

هَذَا ورجحان كتاب البُخَارِيّ على كتاب مُسلم أَمر ثَابت أدّى إِلَيْهِ بحث جهابذة النقاد واختبارهم وَقد صرح بذلك كثير مِنْهُم وَلم يُصَرح أحد بخلافة إِلَّا انه نقل عَن أبي عَليّ النَّيْسَابُورِي شيخ الْحَاكِم وَبَعض عُلَمَاء الْمغرب مَا يُوهم رُجْحَان كتاب مُسلم عَلَيْهِ أما أَبُو عَليّ فقد نقل عَنهُ ابْن مَنْدَه أَنه قَالَ مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أصح من كتاب مُسلم

وَهَذِه الْعبارَة لَيست صَرِيحَة فِي مونه أصح من كتاب البُخَارِيّ وَذَلِكَ لِأَن ظَاهرهَا يدل على نفي وجود كتاب أصح من كتاب مُسلم وَلَا يدل على نفي وجود كتاب يُسَاوِيه فِي الصِّحَّة وَإِنَّمَا تكون صَرِيحَة فِي ذَلِك أَن لَو قَالَ كتاب مُسلم أصح كتاب تَحت أَدِيم السَّمَاء

قَالَ بعض أهل الْأَدَب ذهب من لَا يعرف مَعَاني الْكَلَام إِلَى أَن مثل قَوْله

ص: 300

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أقلت الغبراء وَلَا أظلت الخضراء لهجة من أبي ذَر مُقْتَضَاهُ أَن يكون أَبُو ذَر أصدق الْعَالم أجمع وَلَيْسَ الْمَعْنى كَذَلِك وَإِنَّمَا نفى أَن يكون أحد أَعلَى رُتْبَة فِي الصدْق مِنْهُ وَلم ينف أَن يكون فِي النَّاس مثله فِي الصدْق وَلَو أَرَادَ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لقَالَ أَبُو ذَر أصدق من أقلت الغبراء وأظلت الخضراء

وَقَالَ بَعضهم عَن هَذِه الصِّيغَة تسْتَعْمل تَارَة على مُقْتَضى اللُّغَة فتدل على نفي الزِّيَادَة فَقَط وتستعمل تَارَة على مُقْتَضى الْعرف فتدل على نفي الزِّيَادَة والمساوة مَعًا وَحَيْثُ أَن عبارَة أبي عَليّ تحْتَمل الْمَعْنيين فَلَا يَنْبَغِي أَن ينْسب إِلَيْهِ أَحدهمَا جزما كَمَا فعل جمَاعَة حَيْثُ ذكرُوا أَنه قَالَ إِن كتاب مُسلم أصح من كتاب البُخَارِيّ

وَقَالَ بعض الْعلمَاء وَالَّذِي يظْهر لي من كَلَام أبي عَليّ أَنه إِنَّمَا قدم صَحِيح مُسلم لِمَعْنى آخر غير مَا يرجع إِلَى مَا نَحن بصدده من الشَّرَائِط الْمَطْلُوبَة فِي الصِّحَّة بل لَك لِأَن مُسلما صنف كِتَابه فِي بَلَده بِحُضُور أُصُوله فِي حَيَاة كثير من مشايخه فَكَانَ يتحرز فِي الْأَلْفَاظ ويتحرى فِي السِّيَاق بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ رُبمَا كتب الحَدِيث من حفظه وَلم يُمَيّز أَلْفَاظ رُوَاته وَلِهَذَا رُبمَا يعرض لَهُ الشَّك وَقد صَحَّ عَنهُ انه قَالَ رب حَدِيث سمعته بِالْبَصْرَةِ فكتبته بِالشَّام

وَلم يتصد مُسلم لما تصدى لَهُ البُخَارِيّ من استنباط الْأَحْكَام ليبوب عَلَيْهَا حَتَّى لزم من ذَلِك تقطيعه للْحَدِيث فِي أبوابه بل جمع مُسلم الطّرق كلهَا فِي مَكَان وَاحِد وَاقْتصر على الْأَحَادِيث دون الْمَوْقُوفَات فَلم يعرج عَلَيْهَا إِلَّا فِي بعض الْمَوَاضِع على سَبِيل الندرة تبعا لَا مَقْصُودا فَلهَذَا قَالَ أَبُو عَليّ مَا قَالَ مَعَ أَنِّي رَأَيْت بعض

ص: 301

أَئِمَّتنَا يجوز أَن يكون أَبُو عَليّ مَا رأى صَحِيح البُخَارِيّ وَعِنْدِي فِي ذَلِك بعد وَالْأَقْرَب مَا ذكرته اهـ

وَأما بعض عُلَمَاء الْمغرب فقد نقل عَنْهُم مَا يدل على تَفْضِيل كتاب مُسلم على كتاب البُخَارِيّ إِلَّا انه لَيْسَ فِي عبارَة أحد مِنْهُم مَا يشْعر بِأَن ذَلِك من جِهَة الصِّحَّة فقد نقل عَن أحد تلاميذ ابْن حزم أَنه كَانَ يَقُول كَانَ بعض شيوخي يفضل صَحِيح مُسلم على صَحِيح البُخَارِيّ ويظن أَنه يَعْنِي بذلك ابْن حزم

قَالَ الْقَاسِم التجِيبِي فِي فهرسته كَانَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم يفضل كتاب مُسلم على كتاب البُخَارِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بعد خطبَته إِلَّا الحَدِيث السرد فقد أبان ابْن حزم أَن تَفْضِيل كتاب مُسلم من جِهَة أَنه لم يمزج فِيهِ الحَدِيث بِغَيْرِهِ من موقوفات الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغير ذَلِك

وَقَالَ مسملة بن قَاسم الْقُرْطُبِيّ وَهُوَ من أَقْرَان الدَّارَقُطْنِيّ فِي تَارِيخه عِنْد ذكر كتاب مُسلم لم يضع أحد مثله

وَهَذَا مَحْمُول على حسن الْوَضع وجودة التَّرْتِيب وسهولة التَّنَاوُل فَإِنَّهُ جعل لكل حَدِيث موضعا وَاحِدًا يَلِيق بِهِ جمع فِيهِ طرْقَة الَّتِي ارتضاها وَاخْتَارَ ذكرهَا وَأورد فِيهِ أَلْفَاظه الْمُخْتَلفَة بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ يذكر الطّرق فِي أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة ويورد كثيرا من الْأَحَادِيث فِي غير الْأَبْوَاب الَّتِي يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن أَنَّهَا تذكر فِيهَا

وَقد وَقع بِسَبَب ذَلِك لناس من الْعلمَاء أَنهم نفوا رِوَايَة البُخَارِيّ لأحاديث هِيَ مَوْجُودَة فِيهِ حَيْثُ لم يجدوها فِي مظانها السَّابِقَة إِلَى الْفَهم وَقد اعْتمد كثير من المغاربة مِمَّن صنف فِي الْأَحْكَام بِحَذْف الْأَسَانِيد كَعبد الْحق على كتاب مُسلم فِي نقل الْمُتُون وسياقها لوجودها فِيهِ فِي مَوضِع وَاحِد وتقطيع البُخَارِيّ لَهَا

وَقد تعرض مرجحو كتاب البُخَارِيّ على كتاب مُسلم من جِهَة الصِّحَّة لبَيَان مُوجب ذَلِك فَقَالُوا إِن مدَار صِحَة الحَدِيث على ثَلَاثَة أَشْيَاء الثِّقَة بالرواة

ص: 302

واتصال الْإِسْنَاد والسلامة من الْعِلَل القادحة ولدى الباحث تبين أَن كتاب البُخَارِيّ أرجح فِي ذَلِك

أما من جِهَة الثِّقَة بالرواة فَيظْهر رجحانه من اوجه

أَحدهَا أَن الَّذين انْفَرد البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون مُسلم أَربع مئة وبضع وَثَلَاثُونَ رجلا والمتكلم فِيهِ بالضعف مِنْهُم ثَمَانُون رجلا وَالَّذين انْفَرد مُسلم بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون البُخَارِيّ سِتّ مئة وَعِشْرُونَ رجلا والمتكلم فِيهِ بالضعف مِنْهُم مئة وَسِتُّونَ رجلا وَلَا ريب أَن التَّخْرِيج لمن لم يتَكَلَّم فِيهِ أصلا أولى من التَّخْرِيج لمن تكلم فِيهِ وغن لم يكن ذَلِك الْكَلَام قادحا

وَثَانِيها ان الَّذين انْفَرد بهم البُخَارِيّ مِمَّن تكلم فِيهِ لم يكثر من تَخْرِيج أَحَادِيثهم وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُم نُسْخَة كَبِيرَة أخرجهَا كلهَا أَو أَكْثَرهَا إِلَّا تَرْجَمَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس بِخِلَاف مُسلم فَإِنَّهُ اخْرُج أَكثر تِلْكَ النّسخ كَأبي الزبير عَن جَابر وَسُهيْل عَن أَبِيه والْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت وَغير ذَلِك

وَثَالِثهَا أَن الَّذين انْفَرد بهم البُخَارِيّ مِمَّن تكلم فِيهِ اكثرهم من شُيُوخه الَّذين لَقِيَهُمْ وَجَالسهمْ وَعرف أَحْوَالهم واطلع عَلَيْهِم أَحَادِيثهم وميز جيدها من غَيره بِخِلَاف مُسلم فَإِن أَكثر من انْفَرد بتخريج حَدِيثه مِمَّن تكلم فِيهِ مِمَّن تقدم عصره من التَّابِعين وَمن بعدهمْ وَلَا شكّ أَن الْمُحدث أعرف بِحَدِيث شُيُوخه مِمَّن تقدم مِنْهُم

وَرَابِعهَا أَن البُخَارِيّ يخرج حَدِيث الطَّبَقَة الأولى الَّتِي جعل جلّ اعْتِمَاده عَلَيْهَا وَقد يخرج من حَدِيث الطَّبَقَة الثَّانِيَة مَا يعتمده من غير اسْتِيعَاب لَكِن يخرج أَكْثَره على طَرِيق التَّعْلِيق وَرُبمَا خرج الْيَسِير من حَدِيث الطَّبَقَة الثَّالِثَة على طَرِيق التَّعْلِيق أَيْضا وَقد عرفت فِيمَا سبق أَن كتاب البُخَارِيّ مَوْضُوع بِالذَّاتِ للمسندات وَأما المعلقات فَإِنَّمَا تذكر فِيهِ استئناسا واستشهادا وَلِهَذَا لم يتَعَرَّض لَهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِيمَا انتقده

ص: 303

عَلَيْهِ وَأما مُسلم فَإِنَّهُ يخرج أَحَادِيث الطبقيتين على سَبِيل الِاسْتِيعَاب وَيخرج أَحَادِيث الطَّبَقَة الثَّالِثَة من غير اسْتِيعَاب

وَمَا ذكر إِنَّمَا فِي حق المكثرين فَأَما غير المكثرين فَإِنَّمَا اعْتمد الشَّيْخَانِ فِي تَخْرِيج أَحَادِيثهم على الثِّقَة وَالْعَدَالَة وَقلة الْخَطَأ لَكِن مِنْهُم من قوي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ فَأخْرج مَا تفرد بِهِ كيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَمِنْهُم من لم يقو الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ فأخرجا لَهُ مَا شَاركهُ فِيهِ غَيره وَهُوَ الْأَكْثَر وَأما الطَّبَقَة الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة فَلم يعرجا عَلَيْهَا

وَأما من جِهَة السَّلامَة من الْعِلَل القادحة فَلِأَن الْأَحَادِيث الَّتِي انتقدت عَلَيْهِمَا بلغت مئتي حَدِيث وَعشرَة أَحَادِيث اخْتصَّ البُخَارِيّ مِنْهَا بِأَقَلّ من ثَمَانِينَ واختص مُسلم بِالْبَاقِي وَلَا شكّ أَن مَا قل الانتقاد فِيهِ أرجح مِمَّا كثر ذَلِك فِيهِ وَرُبمَا ذكر تعلم رُجْحَان كتاب البُخَارِيّ على كتاب مُسلم فِي الْأُمُور الثَّلَاثَة الَّتِي عَلَيْهَا مدَار صِحَة الحَدِيث

وَقد نقل عَن كثير من الْأَئِمَّة تَرْجِيح كِتَابه على غَيره بطرِيق الْإِجْمَال قَالَ النَّسَائِيّ وَهُوَ شيخ أبي عَليّ النَّيْسَابُورِي مَا فِي هَذِه الْكتب كلهَا أَجود من كتاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَعْنِي بالجودة جودة الْأَسَانِيد كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم فِي عرف الْمُحدثين وناهيك بِمثل هَذَا الْكَلَام من مثل النَّسَائِيّ الْمَشْهُور بِشدَّة التَّحَرِّي

ص: 304

والتثبت فِي نقد الرِّجَال فقد ثَبت تقدمه فِي ذَلِك على أهل عصره حَتَّى قدمه قوم من الحذاق فِي نقد الرِّجَال على مُسلم وَقدمه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره فِي ذَلِك على إِمَام الْأَئِمَّة أبي بكر بن خُزَيْمَة صَاحب الصَّحِيح

وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمدْخل لَهُ أما بعد فَإِنِّي نظرت فِي كتاب الْجَامِع الَّذِي أَلفه أَبُو عبد الله البُخَارِيّ فرأيته جَامعا كَمَا سمي لكثير من السّنَن الصَّحِيحَة ودالا على جمل من الْمعَانِي الْحَسَنَة المستنبطة الَّتِي لَا يكمل لمثلهَا إِلَّا من جمع لى معرفَة الحَدِيث ونقلته وَالْعلم بالروايات وعللها علما بالفقه واللغة وتمكنا مِنْهَا كلهَا وتبحرا فِيهَا وَكَانَ يرحمه الله الرجل الَّذِي قصر زَمَانه على ذَلِك فبرع وَبلغ الْغَايَة فحاز السَّبق وَجمع إِلَى ذَلِك حسن النِّيَّة وَالْقَصْد للخير فنفعه الله ونفع بِهِ

قَالَ وَقد نحا نَحوه فِي التصنيف جمَاعَة مِنْهُم الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي لكنه اقْتصر على السّنَن

وَمِنْهُم أَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَكَانَ فِي عصر أبي عبد الله البُخَارِيّ فسلك فِيمَا سَمَّاهُ سننا ذكر مَا رُوِيَ فِي الشَّيْء وَإِن كَانَ فِي السَّنَد ضعف إِذْ لم يجد فِي الْبَاب غَيره

وَمِنْهُم مُسلم بن الْحجَّاج وَكَانَ يُقَارِبه فِي الْعَصْر فرام مرامه وَكَانَ يَأْخُذ عَنهُ أَو عَن كتبه إِلَّا أَنه لم يضايق نَفسه مضايقة أبي عبد الله وروى عَن جمَاعَة كَثِيرَة لم يتَعَرَّض أَبُو عبد الله للرواية عَنْهُم

وكل قصد الْخَيْر غير أَن أحدا مِنْهُم لم يبلغ من التشدد مبلغ أبي عبد الله وَلَا تسبب إِلَى استنباط الْمعَانِي واستخراج لطائف فقه الحَدِيث وتراجم البواب الدَّالَّة على مَاله وصلَة الحَدِيث الْمَرْوِيّ فِيهِ تسببه وَللَّه الْفضل يخْتَص بِهِ من يَشَاء

وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد النَّيْسَابُورِي وَهُوَ معاصر لأبي عَليّ النَّيْسَابُورِي ومقدم عَلَيْهِ فِي معرفَة الرِّجَال فِيمَا حَكَاهُ أَبُو يعلى الخليلي فِي الْإِرْشَاد مَا ملخصه رحم الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الإِمَام فَإِنَّهُ الَّذِي ألف الْأُصُول وَبَين النَّاس وكل من عمل بعده

ص: 305

فَإِنَّمَا أَخذه من كِتَابه كمسلم فرق أَكثر كِتَابه فِي كِتَابه

وَقَالَ أَيْضا فِي كتاب الكنى كَانَ أحد الْأَئِمَّة فِي معرفَة الحَدِيث وَجمعه وَلَو قلت إِنِّي لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه فِي الْحسن وَالْمُبَالغَة لم أكن بالغت

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّمَا أَخذ مُسلم كتاب البُخَارِيّ فَعمل عَلَيْهِ مستخرجا وَزَاد فِيهِ زيادات

وَالْكَلَام فِي ذَلِك كثير وَيَكْفِي مِنْهُ اتِّفَاقهم على أَنه كَانَ أجل من مُسلم فِي الْعُلُوم وَأعرف مِنْهُ بفن الحَدِيث وَأَن مُسلما تِلْمِيذه وخريجه وَلم يزل يَسْتَفِيد مِنْهُ ويتتبع آثاره وَأَن مُسلما كَانَ يشْهد لَهُ بالتقدم فِي ذَلِك والإمامة فِيهِ والتفرد بِمَعْرِِفَة ذَلِك فِي عصره حَتَّى هجر من أَجله شَيْخه مُحَمَّد بن يحيى الذهلي لما أثار الْفِتْنَة على البُخَارِيّ حسدا لَهُ حَتَّى اضْطر البُخَارِيّ أَن يخرج من نيسابور خشيَة على نَفسه

وعَلى كل حَال ففضل مُسلم لَا يُنكر فَإِن البُخَارِيّ وَإِن يكن قد قَامَ بِأَمْر الْجَامِع فَإِن مُسلما قد قَامَ بِأَمْر إكماله فَهُوَ يتلوه على الْأَثر وهما للنَّاس شمس وقمر وللأديب البارع أبي عَامر الْفضل بن إِسْمَاعِيل الْجِرْجَانِيّ فِي مدح صَحِيح البُخَارِيّ

(صَحِيح البُخَارِيّ لَو أنصفوه

لما خطّ إِلَّا بِمَاء الذَّهَب)

(هُوَ الْفرق بَين الْهدى والعمى

هُوَ السد دون العنا والعطب)

(أَسَانِيد مثل نُجُوم السَّمَاء

أَمَام متون كَمثل الشهب)

(بِهِ قَامَ ميزَان دين النَّبِي

ودان لَهُ الْعَجم بعد الْعَرَب)

(حجاب من النَّار لَا شكّ فِيهِ

يُمَيّز بَين الرِّضَا وَالْغَضَب)

(وَخير رَفِيق إِلَى الْمُصْطَفى

وَنور مُبين لكشف الريب)

(فيا عَالما أجمع الْعَالمُونَ

على فضل رتبته فِي الرتب)

(سبقت الْأَئِمَّة فِيمَا جمعت

وفزت على رغمهم بالقصب)

ص: 306