الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلَة تتمّ بهَا هَذِه الْفَائِدَة
قد تقرر أَن الْجرْح وَالتَّعْدِيل من أهم مَا يَعْنِي بِهِ أهل الْأَثر وَقد ألف الْحفاظ فِيهِ كتبا جمة مَا بَين مطول ومختصر
وَأول من جمع كَلَامه فِي ذَلِك الْحَافِظ يحيى بن سعيد الْقطَّان وَقد تكلم فِي ذَلِك من بعده تلامذته مثل يحيى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَاحْمَدْ بن حَنْبَل وَعَمْرو بن عَليّ الفلاس وتلامذتهم مثل أبي زرْعَة وَأبي حَاتِم وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأبي إِسْحَاق الْجوزجَاني وتلاهم فِي ذَلِك من بعدهمْ مثل النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَالتِّرْمِذِيّ والدولابي والعقيلي وَله مُصَنف مُفِيد فِي معرفَة الضُّعَفَاء
وَمن الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي ذَلِك كتاب أبي حَاتِم بن حبَان وَكتاب أَحْمد بن بن عدي وَهُوَ أكمل الْكتب فِي ذَلِك وأجلها وَهُوَ الْكتاب الَّذِي يدعى الْكَامِل وَكتاب أبي الْفَتْح الْأَزْدِيّ وَكتاب أبي مُحَمَّد بن أبي حَاتِم وَكتاب الدَّارَقُطْنِيّ فِي الضُّعَفَاء وَكتاب الْحَاكِم فيهم
وَقد صنف أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ كتابا كَبِيرا اخْتَصَرَهُ الذَّهَبِيّ وَجعل لَهُ ذيلين وَجمع مُعظم مَا فيهمَا فِي مِيزَانه وَقد عول النَّاس عَلَيْهِ مَعَ انه تبع ابْن عدي فِي إِيرَاد كل من تكلم فِيهِ وَلَو كلن ثِقَة وَلكنه الْتزم ان لَا يذكر أحدا من
الصَّحَابَة وَلَا الْأَئِمَّة المتبوعين قَالَ فِي الْمِيزَان وَمَا كَانَ فِي كتاب البُخَارِيّ وَابْن عدي وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة فَإِنِّي أسقطهم لجلالة الصَّحَابَة وَلَا أذكرهم فِي هَذَا المُصَنّف إِذْ كَانَ الضعْف إِنَّمَا جَاءَ من جِهَة الروَاة إِلَيْهِم وَكَذَا لَا أذكر فِي كتابي من الْأَئِمَّة المتبوعين فِي الْفُرُوع أحدا لجلالتهم فِي الْإِسْلَام وعظمهم فِي النُّفُوس
وَقد ذيل عَلَيْهِ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي مُجَلد وَقد الْتقط مِنْهُ الْحَافِظ ابْن حجر من لَيْسَ فِي تَهْذِيب الْكَمَال وَضم إِلَيْهِ مَا فَاتَهُ فِي الروَاة وتراجم مُسْتَقلَّة فِي كِتَابه الْمُسَمّى لِسَان الْمِيزَان وَله كِتَابَانِ آخرَانِ وهما تَقْوِيم اللِّسَان وتحرير الْمِيزَان
هَذَا وَقد أطبق الْعلمَاء على وجوب بَيَان أَحْوَال الْكَذَّابين من الروَاة وَإِقَامَة النكير عَلَيْهِم صِيَانة للدّين قَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول وَمن الْوَاجِب الْكَلَام فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل لتمييز الصَّحِيح من الْآثَار من السقيم وَقد دلّت قَوَاعِد الشَّرِيعَة على أَن حفظهَا فرض كِفَايَة فِيمَا زَاد على الْقدر الْمُتَعَيّن وَلَا يَتَأَتَّى حفظ الشَّرِيعَة إِلَّا بذلك اهـ
وَأما من لَا يتَعَلَّق بهم حفظ الشَّرِيعَة فَلَا يجْرِي هَذَا الحكم فيهم حَتَّى إِن بعض من ألف فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل قد أغضى عَن ذكر كثير مِمَّن تكلم فِيهِ من الروَاة الْمُتَأَخِّرين وَذَلِكَ لاستقرار أَمر الحَدِيث فِي الْجَوَامِع الَّتِي جمعتها الْأَئِمَّة فَمن روى بعد ذَلِك حَدِيثا لَا يُوجد فِيهَا لم يقبل مِنْهُ قَالَ بَعضهم وَالْحَد الْفَاصِل بَين الْمُتَقَدّم والمتأخر هُوَ رَأس سنة ثَلَاث مئة
وَقد رَأَيْت لبَعض أهل الْأَثر كلَاما يتَعَلَّق بِمَا نَحن فِيهِ وَفِيه زِيَادَة بسط فَأَحْبَبْت إِيرَاد جلّ ذَلِك إتماما للصلة فَأَقُول
قد تكلم فِي الرِّجَال خلق لَا يتهيأ خصرهم وَقد سرد ابْن عدي فِي مُقَدّمَة كَامِلَة جمَاعَة إِلَى زَمَنه فَمن الصَّحَابَة ابْن عَبَّاس وَعبادَة بن الصَّامِت وَأنس وَمن التَّابِعين الشّعبِيّ وَابْن سِيرِين وَلَك لقلَّة الضعْف فِيمَن يروون عَنْهُم إِذْ أَكْثَرهم صحابة وهم عدُول وَغير الصَّحَابَة مِنْهُم أَكْثَرهم ثِقَات إِذْ لَا يكَاد يُوجد فِي الْقرن الأول من الضُّعَفَاء إِلَّا الْقَلِيل
واما الْقرن الثَّانِي فقد كَانَ فِي أَوَائِله من أوساط التَّابِعين جمَاعَة من الضُّعَفَاء وَضعف أَكْثَرهم نَشأ غَالِبا من قبل تحملهم وضبطهم للْحَدِيث فَكَانُوا يرسلون كثيرا ويرفعون الْمَوْقُوف وَكَانَت لَهُم أغلاط وَذَلِكَ مثل أبي هَارُون الْعَبْدي
وَلما كَانَ آخر عصر التَّابِعين وَهُوَ حُدُود الْخمسين ومئة تكلم فِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح طَائِفَة من أَئِمَّة فضعف الْأَعْمَش جمَاعَة ووثق آخَرين وَنظر فِي الرِّجَال شُعْبَة وَكَانَ مثبتا لَا يكَاد يروي إِلَّا عَن ثِقَة وَمثله مَالك وَمِمَّنْ كَانَ فِي هَذَا الْعَصْر مِمَّن إِذا قَالَ قبل قَوْله معمر وَهِشَام الدستوَائي وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَابْن الْمَاجشون وَحَمَّاد بن سَلمَة وَاللَّيْث بن سعد
وَبعد هَؤُلَاءِ طبقَة مِنْهُم ابْن الْمُبَارك وهشيم وَأَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ
والمعافى بن عمرَان الْموصِلِي وَبشر بن الْمفضل وَابْن عُيَيْنَة وَقد كَانَ فِي زمانهم طبقَة أُخْرَى مِنْهُم ابْن علية وَابْن وهب ووكيع
وَقد انتدب فِي ذَلِك الزَّمَان لنقد الرِّجَال أَيْضا الحافظان الحجتان يحيى بن سعيد الْقطَّان وَابْن مهْدي وَكَانَ للنَّاس وتوثق بهما فَصَارَ من وثقاه مَقْبُولًا وَمن جرحا مجروحا وَأما مَا اخْتلفَا فِيهِ وَذَلِكَ قَلِيل فَرجع النَّاس فِيهِ إِلَى مَا ترجح عِنْدهم بِحَسب اجتهادهم
ثمَّ ظَهرت بعدهمْ طبقَة أُخْرَى يرجع إِلَيْهِم فِي ذَلِك مِنْهُم يزِيد بن هَارُون وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل
ثمَّ صنفت الْكتب فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل والعلل وبينت فِيهَا أَحْوَال الروَاة وَكَانَ رُؤَسَاء الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِي ذَلِك الْوَقْت جمَاعَة مِنْهُم يحيى بن معِين وَقد اخْتلفت آراؤه وَعبارَته فِي بعض الرِّجَال كَمَا تخْتَلف آراء الْفَقِيه النحرير وَعبارَته فِي بعض الْمسَائِل الَّتِي لَا تخلص من إِشْكَال
وَمن طبقَة أَحْمد بن حَنْبَل وَقد سَأَلَهُ جمَاعَة من تلامذته عَن كثير من الرِّجَال فَتكلم فيهم بِمَا بدا لَهُ وَلم يخرج عَن دَائِرَة الِاعْتِدَال
وَقد تكلم فِي هَذَا الْأَمر مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ فِي طبقاته وَكَلَامه جيد مَعْقُول
وَأَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب وَله فِي ذَلِك كَلَام كثير رَوَاهُ عَنهُ ابْنه أَحْمد وَغَيره
وَأَبُو جَعْفَر عبيد الله بن مُحَمَّد النَّبِيل حَافظ الجزيرة الَّذِي قَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد لم أر أحفظ مِنْهُ
وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَله التصانيف الْكَثِيرَة فِي الْعِلَل وَالرِّجَال
وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير الَّذِي قَالَ فِيهِ أَحْمد هُوَ درة الْعرَاق
وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة صَاحب الْمسند وَكَانَ آي فِي الْحِفْظ
وَعبيد الله بن عمر القواريري الَّذِي قَالَ فِيهِ صَالح جزرة هُوَ أعلم من رَأَيْت بِحَدِيث أهل الْبَصْرَة
وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه إِمَام خُرَاسَان
وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار الْموصِلِي الْحَافِظ وَله كَلَام جيد فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل
وَأحمد بن صَالح حَافظ مصر وَكَانَ قَلِيل الْمثل
وَهَارُون بن عبد الله الْحمال وكل هَؤُلَاءِ من أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل
ثمَّ خلفتهم طبقَة أُخْرَى مُتَّصِلَة بهم مِنْهُم إِسْحَاق الكوسج والدارمي وَالْبُخَارِيّ وَالْعجلِي الْحَافِظ نزيل الْمغرب
ويتلوهم أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم الرازيان وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَبَقِي بن مخلد وَأَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي
ثمَّ من بعد جمَاعَة مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن خرَاش الْبَغْدَادِيّ وَله مُصَنف فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَكَانَ كَأبي حَاتِم فِي قُوَّة النَّفس وَإِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ وَمُحَمّد بن وضاح حَافظ قرطبة وَأَبُو بكر بن أبي عَاصِم وَعبد الله بن أَحْمد وَصَالح جزرة وَأَبُو بكر الزار وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَهُوَ ضَعِيف لكنه من الْأَئِمَّة فِي هَذَا الْأَمر
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو بكر الْفرْيَابِيّ والبرديجي وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَأَبُو الْحسن سُفْيَان وَابْن خُزَيْمَة وَابْن جرير الطَّبَرِيّ والدولابي وَأَبُو عرُوبَة الْحَرَّانِي وَأَبُو الْحسن أَحْمد بن عُمَيْر بن جوصا وَأَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ
ويتلوهم جمَاعَة مِنْهُم ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو طَالب أَحْمد بن نصر الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ شيخ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عقدَة وَعبد الْبَاقِي
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو سعيد بن يُونُس وَأَبُو حَاتِم بن حبَان البستس
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي الْجِرْجَانِيّ ومصنفه فِي الرِّجَال إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الْجرْح
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الماسرجسي النَّيْسَابُورِي وَله مُسْند مُعَلل فِي ألف جُزْء وَثَلَاث مئة جُزْء وَأَبُو الشَّيْخ بن حَيَّان وَأَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَبِه ختمت معرفَة الْعِلَل
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عبد الله بن مَنْدَه وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأَبُو نصر الكلاباذي وَأَبُو مطرف عبد الرَّحْمَن بن فطيس قَاضِي قرطبة وَله دَلَائِل السّنة وَعبد الْغَنِيّ بن سعيد وَأَبُو بكر بن مرْدَوَيْه الْأَصْفَهَانِي وَتَمام الرَّازِيّ
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن أبي الفوراس الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو بكر البرقاني وَأَبُو حَاتِم العبدوي وَقد كتب عَنهُ عشرَة أنفس عشرَة آلَاف جُزْء وَخلف بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ وَأَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي وَأَبُو الْفضل الفلكي وَله فِي كتاب الطَّبَقَات فِي ألف جُزْء وَأَبُو الْقَاسِم مَحْمُود السَّهْمِي وَأَبُو يَعْقُوب القراب وَأَبُو ذَر الهرويان
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم الْحسن بن مُحَمَّد الْخلال الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو عبد الله الصُّورِي وَأَبُو سعد السمان وَأَبُو يعلى الخليلي
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم ابْن عبد الْبر وَابْن حزم الأندلسيان وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم سعد بن عَليّ عَليّ بن مُحَمَّد الزنجاني وَابْن مَاكُولَا وَأَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَقد صنف فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَأَبُو عبد الله الْحميدِي وَابْن مفوز الْمعَافِرِي الشاطبي
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْفضل ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي وشجاع بن فَارس الذهلي والمؤتمن بن أَحْمد بن عَليّ السَّاجِي وشهرويه الديلمي وَأَبُو عَليّ الغساني
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْفضل بن نَاصِر السلَامِي والسلفي وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَأَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَابْن بشكوال
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم عبد الْحق الإشبيلي وَابْن الْجَوْزِيّ وَأَبُو عبد الله بن الفخار المالقي وَأَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو بكر الْحَازِمِي وَعِيد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي والرهاوي وَابْن مفضل الْمَقْدِسِي
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْحسن بن الْقطَّان وَابْن الْأنمَاطِي وَابْن نقطة وَابْن الدبيثي وَأَبُو بكر بن خلفون الْأَزْدِيّ وَابْن النجار
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم ابْن الصّلاح والزكي الْمُنْذِرِيّ وَأَبُو عبد الله البرزالي وَابْن الْأَبَّار وَابْن العديم وَأَبُو شامة وَأَبُو الْبَقَاء خَالِد بن يُوسُف النابلسي
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم الدمياطي والشرف الْمَيْدُومِيُّ وَابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن تَيْمِية
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم الْمزي والقطب الْحلَبِي وَابْن سيد النَّاس والتاج بن مَكْتُوم وَالشَّمْس الْجَزرِي الدِّمَشْقِي وَأَبُو عبد الله بن أيبك السرُوجِي والكمال جَعْفَر الأدفوي والذهبي والشهاب بن فضل ومغلطاي والشريف الْحُسَيْنِي الدِّمَشْقِي والزين الْعِرَاقِيّ
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ والبرهان الْحلَبِي وَابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَآخَرُونَ فِي كل عصر إِلَّا أَن الْمُتَقَدِّمين كَانُوا أقرب إِلَى الاسْتقَامَة وَأبْعد من مُوجبَات الْمَلَامَة
وَيقسم المتكلمون فِي الروَاة إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام قُم تكلمُوا فِي سَائِر الروَاة كَابْن معِين وَأبي حَاتِم
وَقسم تكلمُوا فِي كثير من الروَاة كمالك وَشعْبَة
وَقسم تكلمُوا فِي الرجل بعد الرجل كَابْن عُيَيْنَة وَالشَّافِعِيّ
ويقسمون من جِهَة أُخْرَى إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام أَيْضا قسم شدد فِي أَمر التَّعْدِيل وَقسم تساهل فِيهِ وَقسم توَسط فِي ذَلِك
فالقسم الأول وَهُوَ المشدد قد أفرط فِي التثبت فِي أَمر التَّعْدِيل فَلهَذَا ترَاهُ يُؤَاخذ الرَّاوِي بالغلطتين وَالثَّلَاث فَهَذَا إِذْ وثق رَاوِيا فَلَا تتَوَقَّف فِي توثيقه وَإِذا ضعف رَاوِيا فتأن فِي أمره وَانْظُر هَل وَافقه غَيره على ذَلِك فَإِن لم يوثق ذَلِك الرَّاوِي أحد من الجهابذة النقاد فَهُوَ ضَعِيف وَإِن وَثَّقَهُ أحد مِنْهُم كَانَ موضعا للنَّظَر والبحث
فقد قَالُوا لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا يُرِيدُونَ بذلك أَنه لَا يَكْفِي فِي ذَلِك قَول مثل ابْن معِين مثلا هُوَ ضَعِيف من غير بَيَان سَبَب ضعفه فَإِذا وثق مثل هَذَا البُخَارِيّ وَنَحْوه وَقع الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الرَّاوِي من جِهَة تَصْحِيح حَدِيثه أَو تَضْعِيفه وَمن ثمَّ قَالَ أَرْبَاب الاستقراء فِي هَذَا الْفَنّ لم يجْتَمع اثْنَان من عُلَمَاء هَذَا الشَّأْن قطّ على تَوْثِيق ضَعِيف ثِقَة يُرِيد اثْنَان من طبقَة وَاحِدَة وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَب النَّسَائِيّ أَن لَا يتْرك حَدِيث الرجل حَتَّى يجْتَمع الْجَمِيع على تَركه
وكل طبقَة من نقاد الرِّجَال لَا تَخْلُو من مشدد ومتوسط فَمن الأولى شُعْبَة وَالثَّوْري وَشعْبَة أشدهما وَمن الثَّانِيَة يحيى الْقطَّان وَابْن مهْدي وَيحيى أشدهما وَمن الثَّالِثَة ابْن معِين وَأحمد وَابْن معِين أشدهما وَمن الرَّابِعَة أَبُو حَاتِم وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم أشدهما
فَإِذا وثق ابْن مهْدي رَاوِيا وَضَعفه ابْن الْقطَّان فَإِن النَّسَائِيّ لَا يتْركهُ لما عرف من تَشْدِيد الْقطَّان وَمن نحا نَحوه فِي النَّقْد
وَمن المتساهلين فِي النَّقْد التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَمن المعتدلين فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عدي فلينتبه لذَلِك فَإِنَّهُ من الْمَوَاضِع الَّتِي يخْشَى أَن يغلب فِيهَا الْوَهم على الْفَهم
تَنْبِيه يَنْبَغِي للجارح فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يتَعَيَّن عَلَيْهِ فِي الْجرْح أَن يقْتَصر على أقل مَا يحصل بِهِ الْغَرَض وَلَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَى مَا فَوْقه وَلذَلِك لَام بعض الْأَئِمَّة بعض إخوانه حَيْثُ قَالَ فلَان كَذَّاب وَقَالَ لَهُ آكس كلامك أحسن الْأَلْفَاظ لَا تقل كَذَّاب وَلَكِن قل حَدِيثه لَيْسَ بِشَيْء
وَقد حكى مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه أَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ ذكر رجلا فَقَالَ هُوَ يزِيد فِي الرقم وكنى بِهَذَا اللَّفْظ عَن الْكَذِب وَقد جرى الإِمَام البُخَارِيّ على هَذِه الطَّرِيقَة فَأكْثر مَا يَقُول مُنكر الحَدِيث سكتوا عَنهُ فِيهِ نظر تَرَكُوهُ وَقل أَن يَقُول فلَان كَذَّاب أَو وَضاع وَغنما يَقُول كذبه فلَان رَمَاه فلَان بِالْكَذِبِ
وَقَالَ لَهُ وراقة إِن بعض النَّاس ينقمون عَلَيْك التَّارِيخ يَقُولُونَ فِيهِ اغتياب النَّاس فَقَالَ إِنَّمَا روينَا ذَلِك رِوَايَة وَلم نَقله من عِنْد أَنْفُسنَا وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بئس أَخُو الْعَشِيرَة وَقَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان لمن قَالَ لَهُ أما تخشى أَن يكون هَؤُلَاءِ خصماءك يَوْم الْقِيَامَة لِأَن يَكُونُوا خصمائي أحب إِلَيّ أَن يكون خصمي النَّبِي عليه الصلاة والسلام حَيْثُ لم أذب عَن حَدِيثه
وَاعْلَم أَن اضطرار أهل الْأَثر إِلَى معرفَة أَحْوَال الروَاة بَعثه على الْبَحْث عَنْهَا ليعرفوها ثمَّ تدوين مَا أمكنهم مِنْهَا ليعرفها من غَابَ عَنْهُم أَو من يَأْتِي بعدهمْ فَنَشَأَ من ذَلِك التَّأْلِيف فِي تَارِيخ الروَاة وَصَارَ يذكر فِيهِ بِالْعرضِ مَا يتَعَلَّق بغيرهم إِذا دَعَا إِلَيْهِ دَاع على ان الحَدِيث شجون وَأَن كثيرا مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ لَا تتمّ مَعْرفَته إِلَّا بِمَعْرِِفَة مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وغن كَانَ من هَذَا الْوَجْه صَار مُحْتَاجا إِلَيْهِ
ثمَّ توسعوا هم وَغَيرهم فِي التَّارِيخ فألفوا فِي أَنْوَاعه الْمُخْتَلفَة فظهرت تِلْكَ الْكتب البديعة الْمُخْتَلفَة الْأَنْوَاع المتعددة الأوضاع وكتبهم فِيهِ أَجود من كتب غَيرهم فِي الْغَالِب لِكَثْرَة تثبتهم وتحريهم للصدق
وكتبهم المسندة فِيهِ يحْتَاج النَّاظر فِيهَا إِلَى معرفَة أَحْوَال السَّنَد ليعرف دَرَجَة الْخَبَر فِي الصِّحَّة والسقم
وَقد توهم كثير من النَّاس أَن ذكر السَّنَد يدل على تَقْوِيَة الْخَبَر وَالْحَال أَنه يدل إِمَّا على تقويته أَو توهِينه إِلَّا أَنه يَنْبَغِي التنبه لأمر وَهُوَ ان بعض المؤرخين رُبمَا غلب عَلَيْهِم التعصب على من يخالفهم فسعوا فِي ستر محاسنه بِأَن ينقلوا عَن غَيرهم حملهمْ شدَّة التعصب على الافتراء عَلَيْهِ وَلَو كَانَ على لِسَان غَيرهم بِأَن ينقلوا عَن غَيرهم مِمَّن لَا يوثق بِهِ خَبرا يشين خالفهم إِلَّا ان هَذَا لَا يخفى على النبيه الباحث
إِلَّا أَن بعض أَرْبَاب السخافة يعرضون إِلَى مَا كتبه بعض المؤرخين الثِّقَات فِي حق مخالفهم مِمَّا لَو كَانَ فِي حق محالفيهم لم يكتبوا غير ذَلِك فيوهمون الأغمار أَن فلَانا بخس فلَانا حَقه لكَونه مُخَالفا لَهُ كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَن يخلق المؤرخ لَهُ محَاسِن غير مَا فِيهِ
وَقد ترْجم أنَاس من كبار المؤرخين أُنَاسًا من الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ وفوهم فِيهَا حَقهم بل زادوا فِي ذَلِك فَعمد بعض المتعصبين لَهُم إِلَى الغض عَنْهُم والتنفير مِنْهُم زاعمين أَنهم لم يوفوهم حَقهم بغيا وعدوانا مَعَ أَن المترجمين لَو رَأَوْا تِلْكَ التراجم لقالوا للمترجمين قد أعطيتمونا فَوق مَا نستحق وعدوهم من اعظم المخلصين فِي حبهم لَا أَن أَكثر هَؤُلَاءِ الأتباع هم بنزلة الرعاع لَيْسَ لَهُم رَأْي جزل يفرقون بِهِ بَين الْجد والهزل فَلَا يَنْبَغِي أَن يعبأ بكلامهم وَلَا يلْتَفت إِلَى ملامهم فهم منكرون للإحسان لَيْسَ فيهم غير الصُّورَة من الْإِنْسَان
هَذَا والمؤلفات فِي الروَاة قد سبق ذكر بَعضهم وَقد أحببنا أَن نعود إِلَى ذَلِك وَإِن تَكَرَّرت بعض الْأَسْمَاء فَنَقُول نقلا عَمَّن لَهُم عناية بذلك
وَمن الْكتب الْمُشْتَملَة على الثِّقَات والضعفاء جَمِيعًا كتاب ابْن أبي خَيْثَمَة وَهُوَ كثير الْفَوَائِد
والطبقات لِابْنِ سعد
وتواريخ البُخَارِيّ وَهِي ثَلَاثَة كَبِير وَهُوَ على حُرُوف المعجم وابتدأه بِمن اسْمه مُحَمَّد وأوسط وَهُوَ على السنين وصغير
ولمسلمة بن قَاسم ذيل على الْكَبِير سَمَّاهُ الصِّلَة وَهُوَ فِي مُجَلد
وَلابْن أبي حَاتِم جُزْء كَبِير انتقد فِيهِ على البُخَارِيّ وَله فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل مَشى فِيهِ خلف البُخَارِيّ
وللحسين بن إِدْرِيس الْأنْصَارِيّ الْهَرَوِيّ وَيعرف بِابْن خرم على نَحْو التَّارِيخ الْكَبِير للْبُخَارِيّ
ولعلي بن الْمَدِينِيّ تَارِيخ فِي عشرَة أَجزَاء حَدِيثِيَّةٌ
وَلابْن حبَان كتاب فِي أَوْهَام أَصْحَاب التواريخ فِي عشرَة أَجزَاء أَيْضا
وَلأبي مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ بن الْجَارُود كتاب فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل
وَلمُسلم رُوَاة الِاعْتِبَار
وللنسائي التَّمْيِيز
وَلأبي يعلى الخليلي الْإِرْشَاد
وللعماد بن كثير التَّكْمِيل فِي معرفَة الثِّقَات والضعفاء والمجاهيل جمع فِيهِ بَين تَهْذِيب الْمزي وميزان الذَّهَبِيّ مَعَ زيادات وتحرير فِي الْعبارَات وَهُوَ أَنْفَع شَيْء للمحدث والفقيه التَّالِي لأثره
قَالَ الْخَطِيب فِي جَامعه وَمن جملَة مَا يهتم بِهِ الطَّالِب سَماع تواريخ الْمُحدثين وَكَلَامهم فِي أَحْوَال الروَاة مثل كتب ابْن معِين رِوَايَة الْحُسَيْن بن حبَان
الْبَغْدَادِيّ وعباس الدوري والمفضل الْغلابِي وتاريخ ابْن أبي خَيْثَمَة وحنبل بن إِسْحَاق وَخَلِيفَة بن خياط وَمُحَمّد بن إِسْحَاق السراج وَأبي حسان الزيَادي وَأبي زرْعَة الدِّمَشْقِي وَكتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل لِابْنِ أبي حَاتِم
قَالَ ويربي على هَذِه كلهَا تَارِيخ البُخَارِيّ ثمَّ سَاق عَن أبي الْعَبَّاس بن عقدَة أَنه قَالَ لَو أَن رجلا كتب ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث لما اسْتغنى عَنهُ اهـ
وَقد ذكر المحدثون للتاريخ بِمَعْنى التَّعْرِيف بِالْوَقْتِ الَّذِي حصلت فِيهِ الْحَادِثَة فَوَائِد بِاعْتِبَار فنهم
أَحدهَا أَنه أحد الطّرق الَّتِي يعلم بهَا النّسخ فِي أحد الْخَبَرَيْنِ المتعارضين اللَّذين تعذر الْجمع بَينهمَا
وَثَانِيهمَا أَنه طَرِيق لمعْرِفَة مَا يُؤْخَذ بِهِ من أَحَادِيث الثِّقَات الَّذين لحقهم الِاخْتِلَاط مِمَّا لَا يُؤْخَذ بِهِ
وَيظْهر لَك ذَلِك مِمَّا ذكر الْحَافِظ ابْن حجر فِي تَرْجَمَة عبد الرَّزَّاق بن همام الصَّنْعَانِيّ قَالَ كَانَ أحد الْحفاظ الْأَثْبَات أَصْحَاب التصانيف وَثَّقَهُ الْأَئِمَّة كلهم إِلَّا الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري وَحده فَتكلم بِكَلَام أفرط فِيهِ وَلم يُوَافقهُ عَلَيْهِ أحد وَقَالَ ابْن عدي رَحل إِلَيْهِ ثِقَات الْمُسلمين وَكَتَبُوا عَنهُ إِلَّا أَنهم نسبوه إِلَى التَّشَيُّع وَهُوَ أعظم مَا ذموه بِهِ وَأما الصدْق فأرجو انه لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيّ
فِيهِ نظر لمن كتب عَنهُ بِأخرَة كتبُوا عَنهُ أَحَادِيث مُنكرَة وَقَالَ الْأَثْرَم عَن أَحْمد من سمع مِنْهُ بعد مَا عمي فَلَيْسَ بِشَيْء وَمَا كَانَ فِي كتبه فَهُوَ صَحِيح فَإِنَّهُ كَانَ يلقن فيتلقن
قلت احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ فِي جملَة من حَدِيث من سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط وَضَابِط ذَلِك من سمع مِنْهُ قبل المئتين فَأَما بعْدهَا فَكَانَ قد تغير وفيهَا سمع مِنْهُ أَحْمد بن شبويه فِيمَا حكى الْأَثْرَم عَن أَحْمد وَإِسْحَاق الدبرِي وَطَائِفَة من شُيُوخ أبي عوَانَة وَالطَّبَرَانِيّ مِمَّن تَأَخّر إِلَى قرب الثَّمَانِينَ ومئتين وروى لَهُ الْبَاقُونَ
وثالثهما معرفَة من حدث عَمَّن لم يلقه إِمَّا لكَونه كذب أَو دلّس أَو أرسل وَفِي ذَلِك معرفَة مَا فِي السَّنَد من انْقِطَاع أَو إعضال أَو تَدْلِيس
وَلَا يخفى ان من المهم عِنْد الْمُحدث معرفَة كَون الرَّاوِي لم يعاصر من روى عَنهُ أَو عاصره وَلكنه لم يلقه لِكَوْنِهِمَا من بلدين مُخْتَلفين وَلم يدْخل أَحدهمَا بلد الآخر وَلَا التقيا فِي حج وَغَيره مَعَ انه لَيست مِنْهُ إجَازَة أَو نَحْوهَا
قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ لما اسْتعْمل الروَاة الْكَذِب استعملنا لَهُم التَّارِيخ وَعَن حسان بن زيد لم يستعن على الْكَذَّابين بِمثل لاتاريخ يُقَال للشَّيْخ سنة كم ولدت فَإِذا أقرّ بمولده مَعَ معرفتنا بِوَقْت وَفَاة الَّذِي انْتَمَى إِلَيْهِ عرفنَا صدقه من كذبه وَعَن حَفْص بن غياث القَاضِي قَالَ إِذا اتهمتم الشَّيْخ فحاسبوه بِالسِّنِينَ وَهُوَ تَثْنِيَة سنّ بِمَعْنى الْعُمر يَعْنِي احسبوا سنه وَسن من كتب عَنهُ
وَسَأَلَ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش رجلا فَقَالَ لَهُ فِي أَي سنة كتبت عَن خَالِد بن معدان فَقَالَ سنة ثَلَاث عشرَة ومئة فَقَالَ أَنْت تزْعم أَنَّك سَمِعت مِنْهُ بعد مَوته بِسبع سِنِين وَفِي مُقَدّمَة مُسلم أَن الْمُعَلَّى بن عرفان قَالَ حَدثنَا أَبُو وَائِل قَالَ خرج علينا ابْن مَسْعُود بصفين قَالَ أَبُو نعيم يَعْنِي الْفضل بن دُكَيْن حاكيه عَن