الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ بل نَأْخُذ بالمبيح لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وَلقَوْله تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} وَلقَوْله تَعَالَى {يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} أما كَانَ يكون قَوْله أقوى من قَوْلكُم وَلَكنَّا لَا نقُول ذَلِك بل نقُول إِن كل أَمر من الله تَعَالَى لنا فَهُوَ يسر وَهُوَ رفع الْحَرج وَهُوَ التَّخْفِيف وَلَا يسر وَلَا تَخْفيف وَلَا رفع حرج أعظم من شَيْء أدّى إِلَى الْجنَّة ونجى من جَهَنَّم سَوَاء كَانَ حظرا أَو إِبَاحَة
وَقَالَ فِي فصل آخر وَقد أجَاز بعض أَصْحَابنَا أَن يرد حَدِيث صَحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيكون الْإِجْمَاع على خِلَافه قَالَ دَلِيل على أَنه مَنْسُوخ
قَالَ عَليّ وَهَذَا عندنَا خطأ فَاحش مُتَيَقن لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَو وُرُود حَدِيث صَحِيح يكون الْإِجْمَاع على خِلَافه مَعْدُوم لم يكن قطّ فَمن ادّعى أَنه مَوْجُود فليذكره لنا وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى وجوده أبدا وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى قَالَ {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} فَمَا تكفل الله عز وجل بِهِ فَهُوَ غير ضائع أبدا وَالْوَحي ذكر وَالذكر مَحْفُوظ بِالنَّصِّ فَكَلَامه عليه الصلاة والسلام مَحْفُوظ بِحِفْظ الله عز وجل فَلَو كَانَ الحَدِيث الَّذِي ادّعى هَذَا الْقَائِل أَنه مجمع على تَركه وَأَنه مَنْسُوخ كَمَا ذكر لَكَانَ ناسخه الَّذِي اتَّفقُوا عَلَيْهِ قد ضَاعَ وَلم يحفظ
قَالَ عَليّ ولسنا ننكر أَن يكون حَدِيث صَحِيح وَآيَة صَحِيحَة التِّلَاوَة منسوخين إِمَّا بِحَدِيث آخر صَحِيح وَإِمَّا بِآيَة متلوة وَيكون الِاتِّفَاق على النّسخ الْمَذْكُور ثَبت إِلَّا أننا نقُول لَا بُد أَن يكون النَّاسِخ لَهما مَوْجُودا أَيْضا عندنَا مَنْقُولًا إِلَيْنَا مَحْفُوظًا عندنَا وَإِنَّمَا الَّذِي منعنَا مِنْهُ أَن يكون الْمَنْسُوخ مَحْفُوظًا مَنْقُولًا مبلغا إِلَيْنَا وَيكون النَّاسِخ لَهُ قد سقط وَلم ينْقل إِلَيْنَا لفظا فَهَذَا بَاطِل عندنَا مَعْدُوم الْبَتَّةَ
الْفَائِدَة الثَّالِثَة
قد عرفت فِيمَا سبق أَن الْحَدِيثين إِذا لَاحَ بَينهمَا التَّعَارُض ابتدئ أَولا بِالْجمعِ بَينهمَا فَإِن لم يُمكن ذَلِك نظر هَل هما مِمَّا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ أم لَا فَإِن كَانَا مِمَّا يُمكن وُقُوع النّسخ فه بحث عَن الْمُتَأَخر مِنْهُمَا فَإِن وقف عَلَيْهِ جعل نَاسِخا وَأخذ بِهِ
وَترك الآخر وغن كَانَا مِمَّا لَا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ أَو كَانَا مِمَّا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ لَكِن لم يُوقف عل الْمُتَأَخر مِنْهُمَا بحث عَن الرَّاجِح مِنْهُمَا فَإِن عرف أَخذ بِهِ وَترك الآخر وَإِن لم يعرف الرَّاجِح مِنْهُمَا تعين التَّوَقُّف فيهمَا
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي كتاب اللمع فِي بَاب القَوْل فِي تَرْجِيح أحد الْخَبَرَيْنِ على الآخر وَجُمْلَته أَنه إِذا تعَارض خبران وَأمكن الْجمع بَينهمَا وترتيب أَحدهمَا على الآخر فِي الِاسْتِعْمَال فعل وَإِن لم بمكن وَأمكن نسخ أَحدهمَا بِالْآخرِ فعل على مَا بَينته فِي بَاب بَيَان الْأَدِلَّة الَّتِي يجوز التَّخْصِيص بهَا وَمَا لَا يجوز فَإِن لم يُمكن ذَلِك رجح أَحدهمَا على الآخر بِوَجْه من وُجُوه التَّرْجِيح
وَقد أورد بعض الْعلمَاء هُنَا إشْكَالًا وَهُوَ أَن الْبَحْث هُنَا غنما هُوَ فِي تعَارض الْحَدِيثين المقبولين وَقد سبق قَرِيبا أَن الحَدِيث المقبول إِذا عَارضه حَدِيث غير مَقْبُول أَخذ بالمقبول وَترك الآخر إِذْ لَا حكم لضعيف مَعَ الْقوي وَمَا ذكر فِي هَذَا الْموضع يدل على أَن الْخَبَرَيْنِ المقبولين قد يكون أَحدهمَا راجحا وَالْآخر مرجوحا وَقد لَا يظْهر وَجه التَّرْجِيح فَيتَوَقَّف فيهمَا
وَقد تقرر أَن الثِّقَة إِذا خَالفه من هُوَ أرجح مِنْهُ سمي حَدِيثه شاذا والشاذ من الْمَرْدُود وَأَن الحَدِيث إِذا وَقع الْخلاف فِيهِ بالإبدال فِي مَتنه أَو سَنَده وَلَا مُرَجّح سمي حَدِيثه مضطربا والمضطرب من الْمَرْدُود
وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى تَقْدِيم التَّرْجِيح ثمَّ الْجمع ثمَّ النّسخ وَذهب آخَرُونَ إِلَى تَقْدِيم التَّرْجِيح ثن النّسخ ثمَّ الْجمع وَقد ذكر بعض من ذهب إِلَى تَقْدِيم التَّرْجِيح على مَا سواهُ أَن الْعُقُول مطبقة على تَقْدِيم الرَّاجِح على غَيره فتقديم غَيره عَلَيْهِ هدم لقواعد الْأُصُول وَأما هَذِه الْأُصُول فَهِيَ من تَصَرُّفَات الْعُقُول
فَكل من أبدى فِيهَا وَجها معقولا قبل مِنْهُ وَإِن خَالف الْمَشْهُور الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور
نعم يسوغ تَأْوِيل الْمَرْجُوح بعد تَقْدِيم الرَّاجِح عَلَيْهِ بِحمْلِهِ على الرَّاجِح عَلَيْهِ من غير أَن ينقص شَيْئا من مَعْنَاهُ وَلَيْسَ هَذَا من قبيل الْجمع فَإِن الْجمع هُوَ أَن يحمل كل مِنْهُمَا على بعض مَعْنَاهُ
وَأما قَول من قَالَ الإعمال أولى من الإهمال فَإِن أَرَادَ الإعمال وَلَو مَعَ رُجْحَان غَيره عَلَيْهِ فَمَمْنُوع وَإِن أَرَادَ الإعمال مَعَ تَسَاوِي الْحَدِيثين فَمُسلم
وَقَالَ بعض المرجحين لهَذَا القَوْل الملخص من التَّعَارُض من وَجْهَيْن
أَحدهمَا مَا يرجع إِلَى الرُّكْن بِأَن لم يكن بَين الدَّلِيلَيْنِ مماثلة كنص الْكتاب وَالْخَبَر الْمُتَوَاتر مَعَ خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس أَو خبر الْوَاحِد مَعَ الْقيَاس لِأَن شَرط قبُول خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس أَن لَا يكون ثمَّة نَص من الْكتاب وَالسّنة المتواترة وَالْإِجْمَاع بِخِلَافِهِ
وَكَذَا إِذا كَانَ لأحد الْخَبَرَيْنِ من الْآحَاد أَو لأحد القياسين رُجْحَان على الآخر بِوَجْه من وُجُوه التَّرْجِيح لِأَن الْعَمَل بالراجح وَاجِب عِنْد عدم التيقن بِخِلَافِهِ وَلَا عِبْرَة للمرجوح بِمُقَابلَة الرَّاجِح
وَلَكِن هَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيم بَين خبري الْوَاحِد وَبَين القياسين لِأَن كلا مِنْهُمَا لَيْسَ بِدَلِيل مُوجب للْعلم وَإِنَّمَا يُوجب الظَّن أَو علم غَالب الرَّأْي وَهَذَا يحْتَمل التزايد من حَيْثُ الْقُوَّة بِوُجُوه التَّرْجِيح
فَأَما بَين النصين كتابا وَسنة متواترة فِي حق الثُّبُوت فَلَا يتَصَوَّر التَّرْجِيح لن الْعلم بثبوتهما قَطْعِيّ وَالْعلم الْقطعِي لَا يحْتَمل التزايد فِي نَفسه من حَيْثُ الثُّبُوت وَإِن كَانَ يحْتَملهُ من حَيْثُ الْجلاء والظهور إِلَّا إِذا وَقع التَّعَارُض فِي وجبهما بِأَن كَانَ أَحدهمَا محكما وَالْآخر فِيهِ احْتِمَال فالمحكم أولى
وَثَانِيهمَا مَا يرجع إِلَى الشَّرْط بِأَن لَا يثبت التَّنَافِي بَين الْحكمَيْنِ وَيتَصَوَّر
الْجمع بَينهمَا لاخْتِلَاف الْمحل وَالْحَال والقيد وَالْإِطْلَاق والحقيقة وَالْمجَاز وَاخْتِلَاف الزَّمَان حَقِيقَة أَو دلَالَة
وَبَيَانه أَن النصين إِذا تَعَارضا وَلم يكن أَحدهمَا خَاصّا وَالْآخر عَاما فإمَّا أَن لَا يكون بَينهمَا زمَان يصلح للنسخ فَفِي الخاصين يحمل أَحدهمَا على قيد أَو حَال أَو مجَاز مَا أمكن وَفِي العامين من وَجه يحمل على وَجه يتَحَقَّق الْجمع بَينهمَا وَفِي العامين لفظا يحمل أَحدهمَا على بعض وَالْآخر على بعض آخر أَو على الْقَيْد وَالْإِطْلَاق
وَأما أَن يكون بَينهمَا زمَان يصلح للنسخ بِأَن كَانَ الْمُكَلف يتَمَكَّن من الْفِعْل والاعتقاد أَو من الِاعْتِقَاد لَا غير على الِاخْتِلَاف فِيهِ فَيمكن الْعَمَل بالطريقين بالتناسخ والتخصيص وَالتَّقْيِيد وَالْحمل على الْمجَاز فِي العامين والخاصين فأصحاب الحَدِيث يرَوْنَ الْعَمَل بطرِيق التَّخْصِيص وَالْبَيَان أولى والمعتزلة يرَوْنَ الْعَمَل بالنسخ أولى
وَقَالَ مَشَايِخنَا وَهُوَ اخْتِيَار أبي مَنْصُور الماتريدي ينظر فِي عمل الْأمة فِي ذَلِك فَإِن حملوه على النّسخ يجب الْعَمَل بِهِ وَإِن حملوه لى التَّخْصِيص يجب الْعَمَل بِهِ وَإِن لم يعرف عمل الْأمة فِي ذَلِك على أحد الْوَجْهَيْنِ أَو اسْتَوَى عَمَلهم فِيهِ بِأَن عمل بَعضهم على أحد الْوَجْهَيْنِ وَبَعْضهمْ على الْوَجْه الآخر فَيرجع فِي ذَلِك إِلَى شَهَادَة الْأُصُول فَيعْمل بِالْوَجْهِ الَّذِي شهِدت بِهِ
وَإِن كَانَ أَحدهمَا خَاصّا وَالْآخر عَاما فَإِن عرف تاريخهما وَبَينهمَا زمَان يَصح فِيهِ النّسخ فَإِن كَانَ الْخَاص سَابِقًا وَالْعَام مُتَأَخِّرًا نسخ الْخَاص بِهِ وَإِن كَانَ الْعَام سَابِقًا وَالْخَاص مُتَأَخِّرًا نسخ من الْعَام بِقدر الْخَاص وَيبقى الْبَاقِي وَإِن وردا مَعًا وَكَانَ بَينهمَا زمَان لَا يَصح فِيهِ النّسخ يَبْنِي الْعَام على الْخَاص فَيكون المُرَاد من الْعَام مَا وَرَاء الْمَخْصُوص وَهَذَا قَول مَشَايِخ الْعرَاق وَالْقَاضِي أبي زيد وَمن تَابعه من دِيَارنَا
وَقَالَ الشَّافِعِيَّة يبْنى الْعَام على الْخَاص فِي الْفَصْلَيْنِ حَتَّى إِن الْخَاص السَّابِق
يكون مَبْنِيا للعام اللَّاحِق فَيكون المُرَاد من الْعَام مَا وَرَاء قدر الْمَخْصُوص بطرِيق الْبَيَان
وَالْجَوَاب فِيهِ على قَول مَشَايِخ سَمَرْقَنْد كَذَلِك إِذا لم يكن بَينهمَا زمَان يصلح للنسخ لِأَنَّهُ لَا ينْدَفع التَّنَاقُض إِلَّا بِهَذَا الطَّرِيق فَأَما إِذا كَانَ زمَان يصلح للنسخ فَقَالُوا يتَوَقَّف فِي حق الِاعْتِقَاد وَيعْمل بِالنَّصِّ الْعَام بِعُمُومِهِ وَلَا يبْنى على الْخَاص اهـ
وَقد ذكر كثير من عُلَمَاء الْأُصُول أَن الدَّلِيلَيْنِ المتعارضين قد يكونَانِ متقارنين فِي الْوُرُود عَن الشَّارِع وبينوا الحكم فِي ذَلِك فَقَالُوا وَإِن تقارن المتعارضان فَإِن تعذر الْجمع بَينهمَا بحث عَن الرَّاجِح مِنْهُمَا فَإِن لم يعلم تعين الْمصير إِلَى التَّخْيِير
وَلم يتَعَرَّضُوا لذكر النّسخ هُنَا لما أَن من شَرطه التَّرَاخِي بَينهمَا فَإِذا تقارنا الْوُرُود لم يُمكن جعل أَحدهمَا نَاسِخا وَالْآخر مَنْسُوخا
وَقد اسْتشْكل بعض الْعلمَاء ذَلِك فَقَالَ إِن التقارن بَين المتنافيين لَا يتَصَوَّر فِي كَلَام الشَّارِع لِأَنَّهُ تنَاقض لَا يَلِيق بمنصبه بل لَا بُد أَن يكون أَحدهمَا مُتَأَخِّرًا إِلَّا أَنه رُبمَا جهل التَّارِيخ
وَقد أجَاب عَن ذَلِك بَعضهم فَقَالَ يجوز
أَن يُرَاد بالتقارن هُنَا التقارن فِي زمن التَّكَلُّم بالنسة إِلَيْهِ تقدس وَتَعَالَى على الْوَجْه المتصور فِي حَقه إِذْ لَا يلْزم عَلَيْهِ تنَاقض لِأَنَّهُ لَا يلْزم أَن يكون ذَلِك الزَّمَان زمَان النِّسْبَة
وَأَن يُرَاد بِهِ التقارن فِي النُّزُول على النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذْ لَا يلْزم عَلَيْهِ تنَاقض لما ذكر
وَأَن يُرَاد بِهِ التقارن فِي الْوُرُود أَي الْوُصُول إِلَيْنَا أَي إِلَى الطَّبَقَة الأولى منا الآخذين عَنهُ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن تصور تقارن ذَلِك إِذْ لَا يلْزم عَلَيْهِ تنَاقض أَيْضا لما ذكر
وَأَن يُرَاد بِهِ التَّعَاقُب بِالنِّسْبَةِ لزمان الْمُتَكَلّم أَو زمَان النُّزُول أَو زمَان الْوَلُود خُصُوصا فِي الْأَخير وَمن الْمَشْهُور ان تقارن الْأَقْوَال مَعَ اتِّحَاد الْقَائِل الْحَادِث لَيْسَ إِلَّا بِمَعْنى التَّعَاقُب
هَذَا وَلَعَلَّ الأسبق إِلَى الْفَهم من كَلَامهم أَن الْمدَار فِي التقارن بِمَعْنَاهُ الظَّاهِر أَو بِمَعْنى التَّعَاقُب وَغَيره بِالنِّسْبَةِ للْكتاب على زمَان النُّزُول وبالنسبة للسّنة على زمَان الْوُرُود أَي التَّكَلُّم مِنْهُ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام
على أَن لقَائِل أَن يَقُول إِن التقارن بَين المتنافيين لَا يلْزم على الْإِطْلَاق أَن يكون تناقضا محذورا لجَوَاز أَن يكون للتَّخْيِير بَينهمَا أَو لحكمة أُخْرَى
فَإِن قلت حمل التقارن على التَّعَاقُب لَا يَصح هُنَا لِأَن مُقْتَضَاهُ النّسخ وَلم يذكر فِي أَحْكَام هَذَا الْقسم
قلت قد يمْنَع أَن مُقْتَضَاهُ ذَلِك بِنَاء على اعْتِبَار التَّرَاخِي فِي النّسخ انْتهى مَا أجَاب بِهِ وليته لَو أَتَى بمثال ليعلم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة لَيست محصورة فِي دَائِرَة الخيال كثير من الْمسَائِل الْمَفْرُوضَة الَّتِي لَا ينالها سوى الْوَهم لَا سِيمَا إِن كَانَت بعيدَة عَن الْفَهم
وَقد وَقع فِي كتب أصُول الْفِقْه مسَائِل كَثِيرَة مَبْنِيَّة على مُجَرّد الْفَرْض وَهِي لَيست دَاخِلَة فِيهِ وَكَثِيرًا مَا أوجب ذَلِك حيرة الْمطَالع النبيه حَيْثُ يطْلب لَهَا أَمْثِلَة فَيرجع بعد الْجد وَالِاجْتِهَاد وَلم يحظ بمثال وَاحِد
فَيَنْبَغِي الانتباه لهَذَا الْأَمر وَلما ذكره بعض الْعلمَاء وَهُوَ أَن كل مَسْأَلَة تذكر فِي أصُول الْفِقْه وَلَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا فروع فقهية أَو آدَاب شَرْعِيَّة أَو لَا تكون عونا فِي ذَلِك فَهِيَ غير دَاخِلَة فِي أصُول الْفِقْه وَذَلِكَ أَن هَذَا الْعلم لم يخْتَص بإضافته إِلَى الْفِقْه إِلَّا لكَونه مُفِيدا لَهُ ومحققا للِاجْتِهَاد فِيهِ فَإِذا لم يفد ذَلِك لم يكن أصلا لَهُ
وَيخرج على هَذَا كثير من الْمسَائِل الَّتِي تكلم عَلَيْهَا الْمُتَأَخّرُونَ وأدخلوها فِيهِ كَمَسْأَلَة ابْتِدَاء وضع اللُّغَات وَمَسْأَلَة الْإِبَاحَة هَل هِيَ تَكْلِيف أم لَا وَمَسْأَلَة أَمر
الْمَعْدُوم وَمَسْأَلَة كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم متعبدا بشرع من قبله أم لَا
وَكَذَلِكَ كل مَسْأَلَة يَنْبَنِي عَلَيْهَا فقه إِلَّا أَنه لَا يحصل من الْخلاف فِيهَا خلاف فِي فرع من فروع الْفِقْه مثل مَسْأَلَة الْأَمر بِوَاحِد مُبْهَم من أَشْيَاء مُعينَة كَمَا فِي كَفَّارَة الْيَمين فَقيل إِن الْأَمر بذلك يُوجب وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِه وَقيل إِنَّه يُوجب الْكل فعل الْكل فَقيل الْوَاجِب أَعْلَاهَا وَإِن تَركهَا فَقيل يُعَاقب على أدناها فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَمَا أشبههَا من الْمسَائِل الَّتِي فرضوها مِمَّا لَا ثَمَرَة لَهُ فِي الْفِقْه غير دَاخِلَة فِي أُصُوله
وَقد رَأَيْت فِي كتاب الِاعْتِبَار فِي النَّاسِخ والمنسوخ من الحَدِيث لِلْحَافِظِ الْحَازِمِي عبارَة رُبمَا كَانَ لَهَا موقع عَظِيم هُنَا فِي الْمُقدمَة فِي بَيَان شُرُوط النّسخ وَمِنْهَا أَن يكون الْخطاب النَّاسِخ متراخيا عَن الْمَنْسُوخ فعلى هَذَا يعْتَبر الحكم الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يعدو أحد الْقسمَيْنِ إِمَّا أَن يكون مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا
فَإِن كَانَ مُتَّصِلا بِالْأولِ لَا يُسمى نسخا إِذْ من شَرط النّسخ التَّرَاخِي وَقد فقد هَا هُنَا لِأَن قَوْله عليه الصلاة والسلام لَا تلبسوا القمص وَلَا السرويلات وَلَا الْخفاف إِلَّا أَن يكون رجل لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ فليلبس الْخُفَّيْنِ وغن كَانَ صدر الحَدِيث يدل على منع لبس لخفاف وعجزه يدل على جَوَازه وهما حكمان متنافيان غير أَنه لَا يُسمى نسخا لِانْعِدَامِ التَّرَاخِي فِيهِ وَلَكِن هَذَا النَّوْع يُسمى بَيَانا
وَإِن كَانَ مُنْفَصِلا نظرت هَل يُمكن بَينهمَا فَإِن أمكن الْجمع جمع 1