الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّامِت وَحَدِيث ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ وَلم يرو عَنهُ غير أبي سَلمَة ونظائر ذَلِك فِي الصَّحِيحَيْنِ كَثِيرَة
وَقد تعرض الْحَافِظ السُّيُوطِيّ فِي التوشيح لبَيَان شُرُوط البُخَارِيّ وموضوع كِتَابه فَأَحْبَبْت إِيرَاده بِتَمَامِهِ لما فِيهِ من الْفَوَائِد المهمة قَالَ فِي أَوله
فصل فِي بَيَان شُرُوط البُخَارِيّ وموضوعه
اعْلَم أَن البُخَارِيّ لم يُوجد عِنْده تَصْرِيح بِشَرْط معِين وَغنما أَخذ ذَلِك من تَسْمِيَة الْكتاب والاستقراء من تصرفه
أما أَولا فَإِنَّهُ سَمَّاهُ الْجَامِع الصَّحِيح الْمسند الْمُخْتَصر من أُمُور رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه
فَعلم من قَوْله الْجَامِع أَنه لم يَخُصُّهُ بصنف دون صنف وَلِهَذَا أورد فِيهِ الْأَحْكَام والفضائل وَالْأَخْبَار عَن الْأُمُور الْمَاضِيَة والآتية وَغير ذَلِك من الْآدَاب وَالرَّقَائِق
وَمن قَوْله الصَّحِيح أَنه لَيْسَ فِيهِ شَيْء ضَعِيف عِنْده وَإِن كَانَ فِيهِ مَوَاضِع
قد انتقدها غَيره فقد أُجِيب عَنْهَا وَقد صَحَّ عَنهُ أَنه قَالَ مَا أدخلت فِي الْجَامِع إِلَّا مَا صَحَّ
وَمن قَوْله الْمسند أَن مَقْصُوده الْأَصْلِيّ الْأَحَادِيث الَّتِي اتَّصل إسنادها بِبَعْض الصَّحَابَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَوَاء كَانَت من قَوْله أم فعله أم تَقْرِيره وَأما مَا قع فِي الْكتاب من غير ذَلِك فَإِنَّمَا وَقع عرضا وتبعا لَا أصلا مَقْصُودا
وَأما مَا عرف بالاستقراء من تصرفه فَهُوَ أَنه يخرج الحَدِيث الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده وَكَانَ كل من رُوَاته عدلا مَوْصُوفا بالضبط فَإِن قصر احْتَاجَ إِلَى مَا يجْبر ذَلِك التَّقْصِير وخلا عَن أَن يكون معلولا أَي فِيهِ عِلّة خُفْيَة قادحة أَو شاذا أَي خَالف رُوَاته من هُوَ أَكثر عددا مِنْهُ أَو أَشد ضبطا مُخَالفَة تَسْتَلْزِم التَّنَافِي ويتعذر مَعَه الْجمع الَّذِي لَا يكون فِيهِ تعسف
والاتصال عِنْدهم أَن يعبر كل من الروَاة فِي رِوَايَته عَن شَيْخه بِصفة صَرِيح فِي السماع مِنْهُ كسمعته وحَدثني وَأَخْبرنِي أَو ظَاهِرَة فِيهِ كعن أَو أَن فلَانا قَالَ وَهَذَا الثَّانِي فِي غير المدلس الثِّقَة أما هُوَ فَلَا يقبل مِنْهُ إِلَّا الْمرتبَة الأولى وَشرط حمل الثَّانِي على السماع عِنْد البُخَارِيّ أَن يكون الرَّاوِي قد ثَبت لَهُ لِقَاء من حدث عَنهُ وَلَو مرّة وَاحِدَة
وَعرف بالاستقراء من تصرفه فِي الرِّجَال الَّذين يخرج لَهُم أَنه ينتقي أَكْثَرهم صُحْبَة لشيخه وأعرفهم بحَديثه وَإِن أخرج من حَدِيث من لَا يكون بِهَذِهِ الصّفة فَإِنَّمَا يخرج فِي المتابعات أَو حَيْثُ تقوم لَهُ قرينَة بِأَن ذَلِك مِمَّا ضَبطه هَذَا الرَّاوِي فبمجموع ذَلِك وصف الْأَئِمَّة كتابا قَدِيما زحديثا بِأَنَّهُ أصح الْكتب المصنفة فِي الحَدِيث
وَأكْثر مَا فضل كتاب مُسلم عَلَيْهِ أَن يجمع الْمُتُون فِي مَوضِع وَاحِد وَلَا يفرقها فِي الْأَبْوَاب ويسوقها تَامَّة وَلَا يقطعهَا فِي التراجم ويحافظ على الْإِتْيَان بألفاظها وَلَا يروي بِالْمَعْنَى ويفردها وَلَا يخلط مَعهَا شَيْئا من أَقْوَال الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ
وَأما البُخَارِيّ فَإِنَّهُ يفرقها فِي الْأَبْوَاب اللائقة بهَا لَكِن رُبمَا كَانَ ذَلِك الحَدِيث ظَاهرا وَرُبمَا كَانَ خفِيا فالخفي رُبمَا حصل تنَاوله بالاقتضاء أَو باللزوم أَو بالتمسك بِالْعُمُومِ أَو بالرمز إِلَى مُخَالفَة مُخَالف أَو بِالْإِشَارَةِ إِلَى أَن بعض طرق ذَلِك الحَدِيث مَا يُعْطي الْمَقْصُود وَإِن خلا عَنهُ لفظ الْمَتْن المسوق هُنَاكَ تَنْبِيها على ذَلِك الْمشَار إِلَيْهِ بذلك وَأَنه صَالح لِأَن يحْتَج بِهِ وَإِن كَانَ لَا يرتقي إِلَى دَرَجَة شَرطه
وَاحْتَاجَ لذَلِك أَن يُكَرر الْأَحَادِيث لِأَن كثيرا من الْمُتُون تَشْمَل على عدَّة أَحْكَام فَيحْتَاج أَن يذكر فِي كل بَاب مَا يَلِيق بِهِ من حكم ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه فَإِن سَاقه بِتَمَامِهِ إِسْنَادًا ومتنا طَال وَإِن أهمله فَلَا يَلِيق بِهِ فتصرف فِيهِ بِوُجُوه من التَّصَرُّف
وَهُوَ أَنه ينظر الْإِسْنَاد إِلَى غَايَة من يَدُور عَلَيْهِ الحَدِيث من الروَاة أَي ينْفَرد بروايته فيخرجه فِي بَاب عَن راو يرويهِ عَن ذَلِك الْمُنْفَرد وَفِي بَاب آخر عَن راو آخر عَن ذَلِك الْمُنْفَرد وهلم جرا فَإِن كثرت الْأَحْكَام عَن عدد الروَاة عدل عَن سِيَاقه تَمام الْإِسْنَاد إِلَى اختصاره مُطلقًا فيسوق الْمَتْن تَارَة تَاما وَتارَة مُخْتَصرا
ثمَّ إِنَّه حَال تصنيفه كَانَ قد بسط التراجم وَالْأَحَادِيث فَجعل لكل تَرْجَمَة حَدِيثا وَبقيت عَلَيْهِ تراجم لم يجد فِي الْحَالة الراهنة مَا يلائمها فأخلاها عَن الحَدِيث وَبقيت عَلَيْهِ أَحَادِيث لم يَتَّضِح لَهُ مَا يرتضيه فِي التَّرْجَمَة عَنْهَا فَجعل لَهَا أبوابا بِلَا تراجم فيوجد فِيهِ أَحْيَانًا بَاب تراجم وَلَيْسَ فِيهِ سوى آيَة أَو كَلَام الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ وَأَحْيَانا بَاب غير مترجم وَقد سَاق فِيهِ حَدِيثا أَو أَكثر
نقل ذَلِك أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ عَن الْمُسْتَمْلِي وَأَشَارَ إِلَى أَن بعض من نقل الْكتاب بعد موت مُصَنفه رُبمَا ضم بَابا مترجما إِلَى حَدِيث غير مترجم وأخلى الْبيَاض الَّذِي بَينهمَا فيظن بعض النَّاس أَن هَذَا الحَدِيث يتَعَلَّق بالترجمة الَّتِي قبلهَا فَيجْعَل لَهَا وُجُوهًا من المحامل المتكلفة وَلَا تعلق لَهُ بِهِ الْبَتَّةَ اهـ
وَقد أوضح الْحَافِظ ابْن حجر مَا ذكر فِي آخر هَذَا الْفَصْل فَقَالَ فِي مُقَدّمَة شَرحه وَقع فِي كثير من أبوابه الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة وَفِي بَعْضهَا مَا فِيهِ وَاحِد وَفِي بَعْضهَا مَا فِيهِ آيَة من كتاب الله وَبَعضهَا لَا شَيْء فِيهِ الْبَتَّةَ وَقد ادّعى بَعضهم أَنه صنع ذَلِك عمدا وغرضه أَن يبين أَنه لم يثبت عِنْده حَدِيث بِشَرْطِهِ فِي الْمَعْنى الَّذِي ترْجم لَهُ وَمن ثمَّ وَقع من بعض من نسخ الْكتاب ضم بَاب لم يذكر فِيهِ حَدِيث إِلَى حَدِيث لم يذكر فِيهِ بَاب فأشكل فهمه على النَّاظر فِيهِ
وَقد أوضح السَّبَب فِي ذَلِك الإِمَام أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ الْمَالِكِي فِي مُقَدّمَة كِتَابه فِي أَسمَاء رجال البُخَارِيّ فَقَالَ أَخْبرنِي الْحَافِظ أَبُو ذَر عبد بن أَحْمد الْهَرَوِيّ قَالَ حَدثنَا الْحَافِظ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْمُسْتَمْلِي قَالَ انتسخت كتاب البُخَارِيّ من أَصله الَّذِي كَانَ عِنْد صَاحبه مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي فَرَأَيْت فِيهِ أَشْيَاء لم تتمّ وَأَشْيَاء مبيضة مِنْهَا تراجم لم يثبت بعْدهَا شَيْئا وَمِنْهَا أَحَادِيث لم يترجم لَهَا فأضفنا بعض ذَلِك إِلَى بعض
قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ مِمَّا يدل على صِحَة هَذَا القَوْل أَن رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْمُسْتَمْلِي وَرِوَايَة أبي مُحَمَّد السَّرخسِيّ وَرِوَايَة أبي الْهَيْثَم الكشميهيني وَرِوَايَة أبي زيد الْمروزِي مُخْتَلفَة بالتقديم وَالتَّأْخِير مَعَ أَنهم انتسخوا من أصل وَاحِد وَإِنَّمَا ذَلِك
بِحَسب مَا قدر كل وَاحِد مِنْهُم فِيمَا كَانَ فِي طرة أَو رقْعَة مُضَافَة انه من مَوضِع مَا فأضافه إِلَيْهِ وَيبين ذَلِك أَنَّك تَجِد ترجمتين وَأكْثر من ذَلِك مُتَّصِلَة لَيْسَ بَينهَا أَحَادِيث
قَالَ الْبَاجِيّ وَغنما اوردت هَذَا هُنَا لما عني بِهِ أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث الَّذِي يَليهَا وتكلفهم من ذَلِك من تعسف التَّأْوِيل مَا لَا يسوغ انْتهى
قلت هَذِه قَاعِدَة حَسَنَة يفزع إِلَيْهَا حَيْثُ يتعسر الْجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث وَهِي مَوَاضِع قَليلَة جدا ستظهر كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى
ثمَّ ظهر لي أَن البُخَارِيّ مَعَ ذَلِك فِيمَا يُورِدهُ من تراجم الْأَبْوَاب على أطوار
إِن وجد حَدِيثا يُنَاسب ذَلِك الْبَاب وَلَو على وَجه خَفِي وَافق شَرطه أوردهُ فِيهِ بالصيغة الَّتِي جعلهَا مصطلح لموضوع كِتَابه وَهِي حَدثنَا وَمَا قَامَ مقَام ذَلِك والعنعنة بشرطها عِنْده
وَإِن لم يجد فِيهِ إِلَّا حَدِيثا لَا يوفق شَرطه مَعَ صلاحيته للحجة كتبه فِي الْبَاب مغايرا للصيغة الَّتِي يَسُوق بهَا مَا هُوَ من شَرطه وَمن ثمَّ أورد التَّعَالِيق كَمَا سَيَأْتِي فِي فصل حكم التَّعْلِيق
وَإِن لم يجد فِيهِ حَدِيثا صَحِيحا لَا على شَرط غَيره وَكَانَ مِمَّا يسْتَأْنس بِهِ ويقدمه قوم على الْقيَاس اسْتعْمل لفظ ذَلِك الحَدِيث أَو مَعْنَاهُ تَرْجَمَة بَاب ثمَّ أورد فِي ذَلِك إِمَّا آيَة من كتاب الله تشهد لَهُ أَو حَدِيثا يُؤَيّد عُمُوم م دلّ عَلَيْهِ ذَلِك الْخَبَر وعَلى هَذَا فالأحاديث الَّتِي فِيهِ على ثَلَاثَة أَقسَام اهـ
وَقد أشكلت عبارَة الْبَاجِيّ على بعض النَّاس فَقَالَ وَهَذَا الَّذِي قَالَه الْبَاجِيّ فِيهِ نظر من حَيْثُ إِن الْكتاب قرئَ على مُؤَلفه وَلَا ريب أَنه لم يقْرَأ عَلَيْهِ إِلَّا مُرَتبا مبوبا فَالْعِبْرَة بالرواية لَا بالمسودة الَّتِي ذكر صفتهَا
وَفِي هَذَا النّظر نظر لِأَن الْبَاجِيّ لم يذكر أَن الْكتاب كَانَ غير مبوب وَلَا مُرَتّب بل ذكر أَنه يُوجد فِي بعض الْمَوَاضِع مِنْهُ تراجم لَيْسَ بعْدهَا شَيْء وَأَحَادِيث للم يترجم لَهَا وَهِي كَمَا قَالَ الْحَافِظ مَوَاضِع قَليلَة جدا وَالْكتاب على هَذِه الصّفة يُمكن قِرَاءَته وَأَخذه بالرواية
فَإِن قلت كَيفَ يفعل إِذا ول إِلَى تَرْجَمَة لَيْسَ بعْدهَا شَيْء قلت هُنَا احْتِمَالَانِ أَحدهمَا أَن يتْرك قِرَاءَة التَّرْجَمَة وَالثَّانِي أَن يَقْرَأها وَيُشِير إِلَى أَنه لم يجد إِلَى ذَلِك الْوَقْت مَا يُنَاسِبهَا فَإِن قلت فَلم لَا يضْرب عَلَيْهَا قلت إِن كثيرا من المؤلفين مثل ذَلِك ويأملون أَن يَجدوا بعد حِين مَا يُنَاسب التَّرْجَمَة على ان كثيرا من المؤلفات الَّتِي قُرِئت على مؤلفيها لَا تَخْلُو عَن بَيَاض
وَأما الْأَحَادِيث الَّتِي لم يترجم لَهَا فَالْأَمْر فِيهَا سهل فَإِنَّهُ يُمكن أَن يَجْعَل عنوان التَّرْجَمَة بَاب وَيذكر بعده الحَدِيث الَّذِي بِمَ يَجْعَل لَهُ تَرْجَمَة خَاصَّة وَلَا يحْتَمل هُنَا عدم قِرَاءَته لِأَن الْمَقْصُود الأول فِي كِتَابه هُوَ معرفَة الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة
وَقد وَقع فِي البُخَارِيّ كثيرا ذكر لفظ بَاب وَلَيْسَ بعده شَيْء فَمن ذَلِك فِي كتاب الْإِيمَان بَاب حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ الشُّرَّاح بَاب التَّنْوِين بِغَيْر تَرْجَمَة وَلَفظ الْبَاب سَاقِط عِنْد الْأصيلِيّ وَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيث التَّالِي من جملَة التَّرْجَمَة السَّابِقَة وعَلى رِوَايَة إثْبَاته فَهُوَ كالفصل عَن سابقه لتَعَلُّقه بِهِ وَفِي الحَدِيث السَّابِق بَيَان أَن حب الْأَنْصَار من الْإِيمَان وَفِي الحَدِيث اللَّاحِق الْإِشَارَة إِلَى سَبَب تلقيبهم بالأنصار لِأَن ذَلِك كَانَ لَيْلَة الْعقبَة لما بَايعُوا على إعلاء كلمة الله وَكَانَ يُقَال لَهُم بَنو قيلة وقيلة بِالْفَتْح الْأُم الَّتِي كَانَت تجمع الْقبْلَتَيْنِ اهـ
وَاعْلَم أَن صَحِيح مُسلم قد قرئَ على جَامعه مَعَ خلو أبوابه عَن التراجم