المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْحَدِيثين لما لم يُوقف على طَرِيق إِزَالَته وَهُوَ معرفَة النَّاسِخ - توجيه النظر إلى أصول الأثر - جـ ١

[طاهر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي بَيَان معنى الحَدِيث

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي سَبَب جمع الحَدِيث فِي الصُّحُف وَمَا يُنَاسب ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي تَمْيِيز عُلَمَاء الحَدِيث مَا ثَبت مِنْهُ مِمَّا لم يثبت

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّابِعَة

- ‌اسْتِدْرَاك

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌فِي أَقسَام الْخَبَر إِلَى متواتر وآحاد

- ‌الْخَبَر الْمُتَوَاتر

- ‌خبر الْآحَاد

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الْخَبَر الْمَشْهُور

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌فِي أَقسَام الحَدِيث

- ‌فَائِدَة

- ‌المبحث الأول

- ‌فِي الحَدِيث الصَّحِيح

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث التَّخْصِيص

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث مَا يرد بِهِ الْخَبَر

- ‌ملحة من ملح هَذَا المبحث

- ‌اعتراضات على الْحَد الْمَذْكُور للْحَدِيث الصَّحِيح مَعَ الْجَواب عَنْهَا

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الصَّحِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن من ألف فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد هُوَ البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌فصل فِي بَيَان شُرُوط البُخَارِيّ وموضوعه

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌فِي أَن الشَّيْخَيْنِ لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزما ذَلِك

- ‌تَتِمَّة فِي بَيَان عدد أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌فَمَا انتقد عَلَيْهِمَا وَالْجَوَاب عَن ذَلِك

- ‌فِي كتاب الصَّلَاة

- ‌فِي كتاب الْجَنَائِز

- ‌فِي كتاب الْبيُوع

- ‌فِي كتاب الْجِهَاد

- ‌فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌فِي كتاب اللبَاس

- ‌حرف الْألف

- ‌حرف الْبَاء

- ‌حرف التَّاء الْمُثَنَّاة

- ‌حرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة

- ‌حرف الْجِيم

- ‌حرف الْحَاء

- ‌حرف الْخَاء

- ‌حرف الدَّال

- ‌حرف الذَّال

- ‌حرف الرَّاء

- ‌حرف الزَّاي

- ‌حرف السِّين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصَّاد

- ‌حرف الضَّاد خَالِي حرف الطَّاء

- ‌حرف الظَّاء خَالِي حرف الْعين

- ‌حرف الْغَيْن

- ‌حرف الْفَاء

- ‌حرف الْقَاف

- ‌حرف الْكَاف

- ‌حرف اللَّام خَالِي حرف الْمِيم

- ‌حرف النُّون

- ‌حرف الْهَاء

- ‌حرف الْوَاو

- ‌حرف الْيَاء

- ‌صلَة تتمّ بهَا هَذِه الْفَائِدَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌فِي دَرَجَة أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي الصِّحَّة

- ‌تَتِمَّة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌فِيمَا يتَعَلَّق بِالصَّحِيحِ الزَّائِد على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌المصنفات فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد

- ‌المستخرجات على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌حكم الزِّيَادَات الْوَاقِعَة فِي المستخرجات

- ‌المبحث الثَّانِي

- ‌فِي الحَدِيث الْحسن

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن بعض الْأَحَادِيث قد يعرض لَهَا من الْأَحْوَال مَا يرفعها من درجتها إِلَى الدرجَة الَّتِي هِيَ فَوْقهَا

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي بَيَان الْكتب الَّتِي يَهْتَدِي بهَا إِلَى معرفَة الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر أول نوع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث من أَنْوَاع الحَدِيث

- ‌ذكر الوع الرَّابِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس من هَذِه الْعُلُوم

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعَاشِر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر الْإِخْوَة عُلَمَاء نيسابور على غير تَرْتِيب

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَكَذَلِكَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَهِشَام بن عُرْوَة وَغَيرهم

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر من سكن الْكُوفَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مَكَّة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الْبَصْرَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مصر من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الشَّام من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الجزيرة

- ‌ذكر من نزل خُرَاسَان من الصَّحَابَة وَتُوفِّي بهَا

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر موَالِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَهَذِه آدَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَغَازِي الَّتِي كَانَ يُوصي بهَا أُمَرَاء الأجناد

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌صلَة مهمة يتَعَلَّق معظمها بِالصَّحِيحِ وَالْحسن

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الشاذ وَالْمَحْفُوظ وَالْمُنكر وَالْمَعْرُوف

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فصل فِيمَا ادَّعَاهُ قوم من تعَارض النُّصُوص

- ‌فصل فِي تَمام الْكَلَام فِي تعَارض النُّصُوص

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌وَهَاهُنَا مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِهَذَا المبحث

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

الفصل: الْحَدِيثين لما لم يُوقف على طَرِيق إِزَالَته وَهُوَ معرفَة النَّاسِخ

الْحَدِيثين لما لم يُوقف على طَرِيق إِزَالَته وَهُوَ معرفَة النَّاسِخ مِنْهُمَا أَو الرَّاجِح تعين الْمصير إِلَى التَّوَقُّف لعدم وجود طَرِيق إِلَى غير ذَلِك

وَأما الْجمع بَينهمَا فَغير مُمكن لإفضائه إِلَى التَّكْلِيف بالمحال وَقيل بالتخيير وَقيل غير ذَلِك

ومبحث التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح من أهم مبَاحث أصُول الْفِقْه وأصبعها وَقد أطلق الْعلمَاء فِي ميدانه الفسيح الأرجاء أَعِنَّة أقلامهم فَمن أَرَادَ الِاسْتِيفَاء فَعَلَيهِ بالكتب المبسوطة فِيهِ غير أَنه يَنْبَغِي لَهُ أَن يخْتَار مِنْهَا الْكتب الَّتِي لأربابها براعة فِي نَحْو الْأُصُول

‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح

‌الْفَائِدَة الأولى

ذهب كثير من الْعلمَاء إِلَى أَنه يمْتَنع أَن يرد فِي الشَّرْع متكافئان فِي نفس الْأَمر بِحَيْثُ لَا يكون لأَحَدهمَا مُرَجّح مَعَ تعارضهما من كل وَجه وَبِه قَالَ الْعَنْبَري وَابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ هُوَ مَذْهَب الْفُقَهَاء وَحَكَاهُ عَن أَحْمد بن حَنْبَل القَاضِي وَأَبُو الْخطاب من أَصْحَابه وَهُوَ الْمَنْقُول عَن الشَّافِعِي

قَالَ الصَّيْرَفِي فِي شرح الرسَالَة صرح الشَّافِعِي بِأَنَّهُ لَا يَصح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أبدا حديثان صَحِيحَانِ متضادان يَنْفِي أَحدهمَا مَا يُثبتهُ الآخر من غير جِهَة الْخُصُوص والعموم والإجمال وَالتَّفْسِير إِلَّا على وَجه النّسخ وَإِن لم نجده

وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَن ذَلِك غير مُمْتَنع بل هُوَ جَائِز وواقع وَقد اخْتلفُوا على فرض وُقُوع التعادل فِي نفس الْأَمر مَعَ عجز الْمُجْتَهد عَن التَّرْجِيح بَينهمَا وَعدم وجود دَلِيل آخر فَقيل إِنَّه يُخَيّر وَقيل إِن الدَّلِيلَيْنِ يتساقطان وَيطْلب الحكم من مَوضِع آخر أَو يرجع إِلَى عُمُوم أولي الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة وَنقل ذَلِك عَن أهل

ص: 523

الظَّاهِر وَأنكر على ابْن حزم نسبته إِلَيْهِم وَقَالَ إِنَّمَا هُوَ قَول بعض شُيُوخنَا وَهُوَ خطا بل الْوَاجِب الْأَخْذ بِالزَّائِدِ إِذا لم يقدر على استعمالهما جَمِيعًا

وَقيل إِن كَانَ التَّعَارُض بَين حديثين تساقطا وَلَا يعْمل بِوَاحِد مِنْهُمَا وَإِن كَانَ بَين قياسين يُخَيّر بَينهمَا

وَقيل بالتوقف واستبعده بَعضهم وَقَالَ كَيفَ يتَوَقَّف لَا إِلَى غَايَة وأمد إِذْ لَا يُرْجَى فِيهِ ظُهُور الرجحان وَإِلَّا لم يكن مِمَّا فرض فِيهِ التعادل فِي نفس الْأَمر بِخِلَاف مَا فِيهِ التعادل بِالنّظرِ إِلَى ظَاهر الْحَال فَإِنَّهُ يُرْجَى فِيهِ ظُهُور الْمُرَجح فيعقل التَّوَقُّف فِيهِ إِلَى أَن يظْهر الْمُرَجح

وَقيل يُؤْخَذ بالأشد وَقيل يُصَار إِلَى التَّوْزِيع إِن أمكن تَنْزِيل إِحْدَى الأمارتين على أَمر والأمارة الْأُخْرَى على أَمر آخر

وَقيل إِن الحكم فِيهِ كَالْحكمِ قبل وُرُود الشَّرْع فتجيئ فِيهِ الْأَقْوَال الْمَشْهُورَة فِي ذَلِك

وَقد نسب القَوْل الْمَذْكُور وَهُوَ القَوْل بتكافؤ الْأَدِلَّة إِلَى الْقَائِلين بِأَن كل مُجْتَهد مُصِيب وَلذَا قَالَ بعض الْعلمَاء إِن التَّرْجِيح بَين الظَّوَاهِر المتعارضة إِنَّمَا يتَعَيَّن عِنْد من يَقُول إِن الْمُصِيب فِي الْفُرُوع وَاحِد وَأما من يَقُول إِن كل مُجْتَهد مُصِيب فَلَا يتَعَيَّن عِنْده التَّرْجِيح لاعْتِقَاده أَن الْكل صَوَاب

وَقد أنكر كثير من الْعلمَاء هَذَا القَوْل

قَالَ الْعَلامَة أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الشاطبي فِي كتاب الموافقات التَّعَارُض إِمَّا أَن يعْتَبر من جِهَة مَا فِي نفس الْأَمر وَإِمَّا من جِهَة نظر الْمُجْتَهد

أما من جِهَة مَا فِي نفس الْأَمر فَغير مُمكن بِإِطْلَاق وَقد مر آنِفا فِي كتاب الِاجْتِهَاد من ذَلِك فِي مَسْأَلَة أَن الشَّرِيعَة على قَول وَاحِد مَا فِيهِ كِفَايَة

ص: 524

وَأما من جِهَة نظر الْمُجْتَهد فممكن بِلَا خلاف إِلَّا أَنهم إِنَّمَا نظرُوا فِيهِ بِالنّسَبِ إِلَى كل مَوضِع لَا يُمكن فِيهِ الْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ وَهُوَ صَوَاب فَإِنَّهُ إِن أمكن الْجمع فَلَا تعَارض كالعام مَعَ الْخَاص وَالْمُطلق مَعَ الْقَيْد وَأَشْبَاه ذَلِك

وَقَالَ فِي كتاب الِاجْتِهَاد فِي الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الشَّرِيعَة كلهَا ترجع إِلَى قَول وَاحِد فِي فروعها وَإِن كثر الْخلاف كَمَا أَنَّهَا فِي أُصُولهَا كَذَلِك

وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أُمُور

أَحدهَا أَدِلَّة الْقُرْآن من ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} فنفى أَن يَقع فِيهِ الِاخْتِلَاف الْبَتَّةَ وَلَو كَانَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي قَوْلَيْنِ مُخْتَلفين لم يصدق عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَام على حَال والآيات فِي ذمّ الِاخْتِلَاف وَالْأَمر بِالرُّجُوعِ إِلَى الشَّرِيعَة كَثِيرَة كلهَا قَاطع فِي أَنَّهَا لَا اخْتِلَاف فِيهَا

الثَّانِي أَن عَامَّة أهل الشَّرِيعَة أثبتوا فِي الْقُرْآن وَالسّنة النَّاسِخ والمنسوخ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا بَين دَلِيلين يتعارضان بِحَيْثُ لَا يَصح اجْتِمَاعهمَا بِحَال وَإِلَّا لما كَانَ أَحدهمَا نَاسِخا وَالْآخر مَنْسُوخا وَالْفَرْض خلَافَة

فَلَو كَانَ الِاخْتِلَاف من الدّين لما كَانَ لإِثْبَات النَّاسِخ والمنسوخ من غير نَص قَاطع فِيهِ فَائِدَة وَكَانَ الْكَلَام فِي ذَلِك كلَاما فِيمَا لَا يجني ثَمَرَة إِذْ كَانَ يَصح الْعَمَل بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا ابْتِدَاء ودواما استنادا إِلَى أَن الِاخْتِلَاف أصل من أصُول الدّين لَكِن هَذَا بَاطِل بِإِجْمَاع على أَن الِاخْتِلَاف لَا أصل لَهُ فِي الشَّرِيعَة وَهَكَذَا القَوْل فِي كل دَلِيل مَعَ مُعَارضَة كالعموم وَالْخُصُوص وَالْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيد وَمَا أشبه ذَلِك

الثَّالِث أَنه لَو كَانَ فِي الشَّرِيعَة مساغ للْخلاف لَأَدَّى إِلَى تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق

ص: 525

لِأَن الدَّلِيلَيْنِ إِذا فَرضنَا تعارضهما وفرضناهما مقصودين مَعًا للشارع فإمَّا أَن يُقَال إِن الْمُكَلف مَطْلُوب بمقتضاهما أَو لَا أَو مَطْلُوب بِأَحَدِهِمَا دون الآخر والجميع غير صَحِيح

فَالْأول يَقْتَضِي افْعَل لَا تفعل لمكلف وَاحِد من وَجه وَاحِد وَهُوَ عين التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق

وَالثَّانِي بَاطِل لِأَنَّهُ خلاف الْفَرْض إِذْ الْفَرْض توجه الطّلب بهما فَلم يبْق إِلَّا الأول فليزم مِنْهُ مَا تقدم لَا يُقَال إِن الدَّلِيلَيْنِ بِحَسب شَخْصَيْنِ أَو حَالين لِأَنَّهُ خلاف الْفَرْض وَهُوَ أَيْضا قَول وَاحِد لَا قَولَانِ لِأَنَّهُ إِذا انْصَرف كل دَلِيل إِلَى جِهَة لم يكن ثمَّ اخْتِلَاف وَهُوَ الْمَطْلُوب

الرَّابِع أَن الْأُصُولِيِّينَ اتَّفقُوا على إِثْبَات التَّرْجِيح بَين الْأَدِلَّة المتعارضة إِذا لم يُمكن الْجمع وَأَنه لَا يَصح إِعْمَال أحد دَلِيلين متعارضين جزَافا من غير نظر فِي تَرْجِيحه على الآخر وَالْقَوْل بِثُبُوت الْخلاف فِي الشَّرِيعَة يرفع بَاب التَّرْجِيح جملَة إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ على ثُبُوت الْخلاف أصلا شَرْعِيًّا لصِحَّة وُقُوع التَّعَارُض فِي الشَّرِيعَة لَكِن لَك فَاسد فَمَا أدّى إِلَيْهِ مثله

الْخَامِس أَنه شَيْء لَا يتَصَوَّر لِأَن الدَّلِيلَيْنِ المتعارضين إِذا قصدهما الشَّارِع مثلا لم يحصل مَقْصُوده لِأَنَّهُ إِذا قَالَ فِي الشَّيْء الْوَاحِد افْعَل لَا تفعل فَلَا يُمكن أَن يكون الْمَفْهُوم مِنْهُ طلب الْفِعْل لقَوْله لَا تفعل لقَوْله لَا تفعل وَلَا طلب تَركه لقَوْله افْعَل فَلَا يحصل للمكلف فهم التَّكْلِيف فَلَا يتَصَوَّر توجهه على حَال والأدلة على ذَلِك كَثِيرَة لَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى التَّطْوِيل انْتهى بِاخْتِصَار قَلِيل ثمَّ أورد بعد ذَلِك اعتراضات من طرف الْمُخَالفين وَأجَاب عَنْهَا

ص: 526

وَقَالَ الْفَخر فِي الْمَحْصُول اخْتلفُوا فِي أَنه هَل يجوز تعادل الأمارتين فَمنع الْكَرْخِي مِنْهُ مُطلقًا وَجوزهُ الْبَاقُونَ

ثمَّ المجوزون اخْتلفُوا فِي حكمه عِنْد وُقُوعه فَعِنْدَ القَاضِي أبي بكر منا وَأبي عَليّ وَأبي هَاشم من الْمُعْتَزلَة حكمه التَّخْيِير وَعند بعض الْفُقَهَاء حكمه أَنَّهُمَا يتساقطان وَيجب الرُّجُوع إِلَى مُقْتَضى الْعقل

وَالْمُخْتَار أَن نقُول تعادل الأمارتين إِمَّا أَن يَقع فِي حكمين متنافيين وَالْفِعْل وَاحِد وَهُوَ كتعارض الأمارتين على كَون الْفِعْل قبيحا ومباحا وواجبا وَإِمَّا أَن يكون فِي فعلين متنافيين وَالْحكم وَاحِد نَحْو وجوب التَّوْجِيه إِلَى جِهَتَيْنِ قد غلب فِي ظَنّه أَنَّهُمَا جِهَة الْقبْلَة

أما الْقسم الأول فَهُوَ جَائِز فِي الْجُمْلَة لكنه غير وَاقع فِي الشَّرْع

إِمَّا أَنه جَائِز فِي الْجُمْلَة فَلِأَنَّهُ يجوز أَن يخبرنا رجلَانِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات وتستوي عدالتهما وَصدق لهجتهما بِحَيْثُ لَا يكون لأَحَدهمَا مزية على الآخر

وَأما أَنه فِي الشَّرْع غير وَاقع فالدليل عَلَيْهِ أَنه لَو تعادلت أمارتان على كَون هَذَا الْفِعْل مَحْظُورًا أَو مُبَاحا فإمَّا أَن يعْمل بهما مَعًا أَو يتركا مَعًا أَو يعْمل بِأَحَدِهِمَا دون الثَّانِيَة وَهُوَ محَال لِأَنَّهُمَا لما كَانَتَا فِي نفسيهما بِحَيْثُ لَا يُمكن الْعَمَل بهما الْبَتَّةَ كَانَ وضعهما عَبَثا والعبث غير جَائِز على الله تَعَالَى

وَأما الثَّالِث وَهُوَ أَن يعْمل بِإِحْدَاهُمَا دون الْأُخْرَى فإمَّا أَن يعْمل بِإِحْدَاهُمَا على التَّعْيِين أَولا على التَّعْيِين وَالْأول بَاطِل لِأَنَّهُ تَرْجِيح من غير مُرَجّح فَيكون ذَلِك قولا فِي الدّين بِمُجَرَّد التشهي وَإنَّهُ غير جَائِز وَالثَّانِي أَيْضا بَاطِل لأَنا إِذا خيرناه بَين الْفِعْل وَالتّرْك فقد أبحنا لَهُ الْفِعْل فَيكون تَرْجِيحا لأمارة الْإِبَاحَة بِعَينهَا على أَمارَة الْحَظْر وَلَك هُوَ الْقسم الَّذِي تقدم إِبْطَاله فَثَبت أَن القَوْل بتعادل الأمارتين فِي

ص: 527

حكمين متنافيين وَالْفِعْل وَاحِد يُفْضِي إِلَى هَذِه الْأَقْسَام الْبَاطِلَة فَوَجَبَ ان يكون بَاطِلا

ثمَّ قَالَ وَأما الْقسم الثَّانِي وَهُوَ تعادل الأمارتين فِي فعلين متنافيين وَالْحكم وَاحِد فَهَذَا جَائِز وَمُقْتَضَاهُ التَّخْيِير وَالدَّلِيل على جَوَازه وُقُوعه فِي صور

إِحْدَاهَا قَوْله عليه الصلاة والسلام فِي زَكَاة الْإِبِل فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي كل خمسين حقة فَمن ملك مئتين فقد ملك أَربع خمسينات وَخمْس أربعينات فَإِن أخرج الحقات فقد أدّى الْوَاجِب إِذْ عمل بقوله فِي كل خمسين حَقه وَإِن اخْرُج بَنَات اللَّبُون فقد عمل بقوله فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَلَيْسَ أحد اللَّفْظَيْنِ أولى من الآخر

وثانيتها من دخل الْكَعْبَة فَلهُ أَن يسْتَقْبل أَي جَانب مِنْهَا شَاءَ لِأَنَّهُ كَيفَ فعل فَهُوَ مُسْتَقْبل شَيْئا من الْكَعْبَة

وثالثتها أَن الْوَلِيّ إِذا لم يجد من اللَّبن لَا مَا يسد رَمق أحد رضيعيه وَلَو قسمه عَلَيْهِمَا أَو منعهما لماتا وَلَو سقى أَحدهمَا مَاتَ الآخر فها هُنَا هُوَ مُخَيّر بَين أَن يسْقِي هَذَا فَيهْلك ذَاك أَو ذَاك فَيهْلك هَذَا وَلَا سَبِيل التَّخْيِير

ورابعتها أَن ثُبُوت الحكم فِي الفعليين المتنافيين نفس إِيجَاب الضدين وَذَلِكَ يَقْتَضِي إِيجَاب فعل الضدين كل وَاحِد مِنْهُمَا بَدَلا من الآخر

وَاحْتج الْخصم على فَسَاد التَّخْيِير بِأَن أَمارَة وجوي كل وَاحِد من الْفِعْلَيْنِ اقْتَضَت وُجُوبه على وَجه لَا يسوغ الْإِخْلَال بِهِ والتخيير بَينه وَبَين ضِدّه يسوغ الْإِخْلَال بِهِ فَالْقَوْل بالتخيير مُخَالف لمقْتَضى الأمارتين مَعًا

وَالْجَوَاب أَن اارة وجوب الْفِعْل تَقْتَضِي وُجُوبه قطعا فَأَما الْمَنْع من الْإِخْلَال بِهِ على كل حَال فموقوف على عدم الدّلَالَة على قيام غَيره مقَامه وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن التَّخْيِير مُخَالفا لمقْتَضى الأمارتين اهـ

ص: 528