الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَجْهَانِ أَعنِي الْعَطف وَالِاسْتِثْنَاء يوجبان الْأَخْذ بِالزَّائِدِ أبدا وَقد بَين ذَلِك النَّبِي عليه الصلاة والسلام فِي حلَّة عُطَارِد إِذْ قَالَ لعمر إِنَّمَا يلبس هَذِه من لَا خلاق لَهُ ثمَّ بعث إِلَيْهِ حلَّة سيراء فَأَتَاهُ عمر فَقَالَ يَا رَسُول الله أبعثت إِلَيّ هَذِه وَقد قلت فِي حلَّة عُطَارِد مَا قلت إِنِّي لم أبعثها إِلَيْك لتلبسها وَفِي بعض الْأَحَادِيث إِنَّمَا بعثت إِلَيْك بهَا لتصيب بهَا حَاجَتك أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ
فَفِي هَذَا الحَدِيث تَعْلِيم عَظِيم لاستعمال الْأَحَادِيث والنصوص وَالْأَخْذ بهَا كلهَا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَبَاحَ ملك الْحلَّة من الْحَرِير وَبَيْعهَا وهبتها وكسوتها النِّسَاء وَأمر عمر أَن يَسْتَثْنِي من ذَلِك اللبَاس الْمَذْكُور فِي حَدِيث النَّهْي فَقَط وَأَن لَا يتَعَدَّى مَا أَمر إِلَى غَيره وَأَن لَا تعَارض بَين أَحْكَامه
وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن حكمه عليه الصلاة والسلام فِي عين مَا حكم على جَمِيع نوع تِلْكَ الْعين لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقع الْكَلَام على حلَّة سيراء كَانَ يَبِيعهَا عُطَارِد ثمَّ أخبر عليه الصلاة والسلام أَن ذَلِك الحكم جَار فِي كل حلَّة حَرِير وَأخْبر أَن ذَلِك الحكم لَا يتَعَدَّى إِلَى غير اللبَاس وَهَذَا هُوَ قَوْلنَا فِي عُمُوم الحكم وَإِبْطَال الْقيَاس
هَذَا مَا قَالَه ابْن حزم وَلم يقْتَصر على ذَلِك بل وَصله بتتمة فَقَالَ
فصل فِي تَمام الْكَلَام فِي تعَارض النُّصُوص
قَالَ عَليّ وَذهب بعض أَصْحَابنَا إِلَى ترك الْحَدِيثين إِذا كَانَ أَحدهمَا حاظرا وَالْآخر مبيحا أَو كَانَ أَحدهمَا مُوجبا وَالْآخر مسْقطًا قَالَ فَيرجع حِينَئِذٍ إِلَى مَا كُنَّا نَكُون عَلَيْهِ لَو لم يرد ذَانك الحديثان
قَالَ عَليّ وَهَذَا خطأ من جِهَات
أَحدهَا أننا قد أيقنا أَن الْأَحَادِيث لَا تتعارض وَإِذا بَطل التَّعَارُض فقد بَطل الحكم الَّذِي يُوجِبهُ التَّعَارُض إِذْ كل شَيْء بَطل سَببه فالمسبب فِيهِ بَاطِل بضرورة الْحس والمشاهدة
الثَّانِي أَنهم يتركون كلا الْخَبَرَيْنِ وَالْحق فِي أَحدهمَا بِلَا شكّ فَإِذا تركوهما جَمِيعًا فقد تركُوا لَاحق يَقِينا فِي أَحدهمَا وَلَا يحل لأحد أَن يتْرك الْحق الْيَقِين أصلا
الثَّالِث أَنهم لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ إِحْدَاهمَا حاظرة وَالْأُخْرَى مبيحة أَو إِحْدَاهمَا مُوجبَة وَالثَّانيَِة نَافِيَة بل يَأْخُذُونَ بالحكم الزَّائِد ويستثنون الْأَقَل من الْأَكْثَر وَقد بَينا فِيمَا سلف أَنه لَا فرق فِي وجوب مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن وَبَين وجوب مَا جَاءَ فِي كَلَام النَّبِي عليه الصلاة والسلام
قَالَ عَليّ وَكَانَ فِي حجتهم فِي ذَلِك إِن أحد الْخَبَرَيْنِ نَاسخ بِلَا شكّ ولسنا نعلمهُ بِعَيْنِه فَلَمَّا لم نعلمهُ لم يجز لنا أَن نقدم عَلَيْهِ بِغَيْر علم فندخل فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} الْآيَة
قَالَ عَليّ وَهَذِه الْحجَّة فَاسِدَة من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنهم يلْزمهُم مثل ذَلِك فِي الْآيَتَيْنِ وهم لَا يَفْعَلُونَ لَك وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه لَا يجوز أَن يُقَال فِي خبر وَلَا آيَة إِن هَذَا مَنْسُوخ إِلَّا بِيَقِين وَيَكْفِي من بطلَان هَذَا الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ أننا على يَقِين من أَن الحكم الزَّائِد على مَعْهُود الأَصْل رَافع لما كَانَ النَّاس عَلَيْهِ قبل وُرُوده فَهُوَ النَّاسِخ بِلَا شكّ وَنحن على شكّ هَل نسخ ذَلِك الحكم بِحكم آخر يردنا إِلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أم لَا فَحَرَام ترك الْيَقِين للشكوك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
قَالَ عَليّ وَقد سبق خاطر أبي بكر مُحَمَّد بن دَاوُد إِلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ إِلَّا أَنه رحمه الله اخترم قبل إنعام النّظر فِي ذَلِك وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِي كتاب الْوُصُول وَالْعَمَل فِي الْخَبَرَيْنِ المتعارضين كالعمل فِي الْآيَتَيْنِ وَلَا فرق
قَالَ عَليّ وَقَالَ بعض أهل الْقيَاس نَأْخُذ بأشبه الْخَبَرَيْنِ بِالْكتاب وَالسّنة
قَالَ عَليّ وَهَذَا بَاطِل لِأَنَّهُ لَيْسَ الَّذِي ردوا إِلَيْهِ حكم هذَيْن الْخَبَرَيْنِ أولى بِأَن يُؤْخَذ بِهِ من الْخَبَرَيْنِ المردودين إِلَيْهِ بل النُّصُوص كلهَا سَوَاء فِي وجوب الْأَخْذ بهَا وَالطَّاعَة لَهَا فَإذْ قد صَحَّ ذَلِك بِيَقِين فَمَاذَا الَّذِي جعل بَعْضهَا مردودا وَبَعضهَا
مردودا إِلَيْهِ وَمَا الَّذِي أوجب أَن يكون بَعْضهَا أصلا وَبَعضهَا فرعا وَبَعضهَا حَاكما وَبَعضهَا مَحْكُومًا فِيهِ
فَإِن قَالَ الِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي هذَيْن هُوَ الَّذِي حط درجتهما إِلَى أَن يعرضا على غَيرهمَا قَالَ عَليّ وَهَذِه دَعْوَى مفتقرة إِلَى برهَان لِأَنَّهُ لَيْسَ الِاخْتِلَاف لِكَوْنِهِمَا معروضا على غيهما لِأَن الِاخْتِلَاف بَاطِل فظنهم أَنه اخْتِلَاف ظن فَاسد يكذبهُ قَول الله عز وجل {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} فَإذْ قد أبطل الله تَعَالَى الِاخْتِلَاف الَّذِي جَعَلُوهُ سَببا لعرض الْحَدِيثين على سنة أُخْرَى أَو آيَة أُخْرَى فقد وَجب ضَرُورَة أَن يبطل مسببه الَّذِي هُوَ الْعرض وَهَذَا برهَان ضَرُورِيّ
قَالَ عَليّ وَإِذا كَانَت النُّصُوص كلهَا سَوَاء فِي بَاب وجوب الْأَخْذ بهَا فَلَا يجوز تَقْوِيَة أَحدهمَا بِالْآخرِ وَغنما ذَلِك من بَاب طيب النَّفس وَهَذَا هُوَ اسْتِحْسَان الْبَاطِل وَقد أنكرهُ بَعضهم على بعض
قَالَ عَليّ وَقد رجح بعض أَصْحَاب الْقيَاس أحد الْخَبَرَيْنِ على الآخر بترجيحات فَاسِدَة نذكرها إِن شَاءَ الله ونبين غلطهم فِيهَا فَمن ذَلِك أَن قَالُوا إِذا كَانَ أحد الْخَبَرَيْنِ مَعْمُولا بِهِ وَالْآخر غير مَعْمُول بِهِ رجحنا بذلك الْخَبَر الْمَعْمُول بِهِ على غير الْمَعْمُول بِهِ
قَالَ عَليّ وَهَذَا بَاطِل لما نذكرهُ بعد هَذَا إِلَّا أننا نقُول هَا هُنَا جملَة لَا يَخْلُو الْخَبَر قبل أَن يعْمل بِهِ من أَن يكون حَقًا وَاجِبا أَو بَاطِلا فَإِن كَانَ حَقًا وَاجِبا لم يزده الْعَمَل بِهِ قُوَّة لِأَنَّهُ لَا يكن أَن يكون حق أَحَق من حق آخر فِي أَنه حق وَإِن كَانَ بَاطِلا فالباطل لَا يحقه أَن يعْمل بِهِ
قَالَ عَليّ وَقَالُوا إِن كَانَ أحد الْخَبَرَيْنِ حاظرا وَالْآخر مبيحا فَإنَّا نَأْخُذ بالحاظر وَنَدع الْمُبِيح
قَالَ عَليّ وَهَذَا خطأ لِأَنَّهُ تحكم بِلَا برهَان وَلَو عكس عاكس