الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَائِدَة السَّادِسَة
من أصعب الْأَشْيَاء الْوُقُوف على رسم الْعَدَالَة فضلا عَن حَدهَا وَقد خَاضَ الْعلمَاء فِي ذَلِك كثيرا فَقَالَ بَعضهم الْعَدَالَة هِيَ ملكة تمنع عَن اقتراف الْكَبَائِر والإصرار على الصَّغَائِر وَقَالَ بَعضهم هِيَ ملكة تمنع عَن اقتراف الْكَبَائِر وَعَن فعل صَغِيرَة تشعر بالخسة كسرقة باقة بقل وَقَالَ بَعضهم من كَانَ الْأَغْلَب من أمره الطَّاعَة والمروءة قبلت شَهَادَته وَرِوَايَته وَمن كَانَ الْأَغْلَب من أمره الْمعْصِيَة وَخلاف الْمُرُوءَة ردَّتْ شَهَادَته وَرِوَايَته
وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى الْعَدَالَة فِي الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة عبارَة عَن استقامة السِّيرَة فِي الدّين وَيرجع حاصلها إِلَى هَيْئَة راسخة فِي النَّفس تحمل على مُلَازمَة التَّقْوَى والمروءة جَمِيعًا حَتَّى تحصل ثِقَة النُّفُوس بصدقه فَلَا ثِقَة بقول من لَا يخَاف الله تَعَالَى خوفًا وازعا عَن الْكَذِب
ثمَّ لَا خلاف فِي أَنه لَا تشْتَرط الْعِصْمَة من جَمِيع الْمعاصِي وَلَا يَكْفِي أَيْضا اجْتِنَاب الْكَبَائِر بل من الصَّغَائِر مَا يرد بِهِ كسرقة بصلَة وتطفيف فِي حَبَّة قصدا وَبِالْجُمْلَةِ كل مَا يدل على ركاكة دينه إِلَى حد يجترئ على الْكَذِب للأغراض الدُّنْيَوِيَّة كَيفَ وَقد شَرط فِي الْعَدَالَة التوقي عَن بعض الْمُبَاحَات القادحة فِي الْمُرُوءَة نَحْو الْأكل فِي الطَّرِيق وَالْبَوْل فِي الشَّارِع وصحبة الأرذال والإفراط فِي المزاح
وَالضَّابِط فِي ذَلِك فِيمَا جَاوز مَحل الْإِجْمَاع أَن يرد إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم فَمَا دلّ عِنْده على جراءته على الْكَذِب رد الشَّهَادَة بِهِ وَمَا لَا فَلَا وَهَذَا يخْتَلف بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُجْتَهدين وتفصيل ذَلِك من الْفِقْه لَا من الْأُصُول وَرب شخص يعْتَاد الْغَيْبَة وَيعلم الْحَاكِم أَن ذَلِك لَهُ طبع لَا يصبر عَنهُ وَلَو حمل على شَهَادَة الزُّور لم يشْهد أصلا فقبوله شَهَادَته بِحكم اجْتِهَاده جَائِر فِي حَقه وَيخْتَلف ذَلِك بعادات الْبِلَاد وَاخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس فِي استعظام بعض الصَّغَائِر دون بعض اهـ
وَقَالَ الْجُوَيْنِيّ الثِّقَة هِيَ الْمُعْتَمد عَلَيْهَا فِي الْخَبَر فَمَتَى حصلت الثِّقَة بالْخبر قبل وَهَذَا القَوْل وَأَمْثَاله وَإِن كَانَ مُخَالفا لما عَلَيْهِ الْجُمْهُور فِي الظَّاهِر فَهُوَ الْمعول عَلَيْهِ عِنْد الجهابذة فِي الْبَاطِن
وَقد انتبه لذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين فَقَالَ مَا لبابه قد نقل عَن كثير من الروَاة الْمَأْخُوذ بروايتهم الْإِصْرَار على الصَّغَائِر من الْغَيْبَة والنميمة وهجران الْأَخ من غير مُوجب فِي الشَّرْع وَنَحْو ذَلِك من حسد الأقران وَالْبَغي عَلَيْهِم بل وصل الْأَمر ببعضهم إِلَى أَن يَدْعُو إِلَى اعْتِقَاد مَا لَا يدل عَلَيْهِ نقل أَو عقل وَنسبَة من لَا يَقُول بِهِ إِلَى الْبِدْعَة بل إِلَى الْكفْر وَالظَّاهِر أَن الْمُعْتَبر فِي عَدَالَة الرَّاوِي هُوَ كَونه بِحَيْثُ لَا يظنّ بِهِ الاجتراء على الافتراء على النَّبِي صلى الله عليه وسلم
وَقَالَ الْعِزّ بن عبد السَّلَام فِي الْقَوَاعِد الْكُبْرَى فَائِدَة لَا ترد شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء لِأَن الثِّقَة حَاصِلَة بِشَهَادَتِهِم حُصُولهَا بِشَهَادَة أهل السّنة أَو أولى فَإِن من يعْتَقد أَنه يخلد فِي النَّار على شَهَادَة الزُّور أبعد فِي الشَّهَادَة الكاذبة مِمَّن لَا يعْتَقد ذَلِك فَكَانَت الثِّقَة بِشَهَادَتِهِ وَخَبره أكمل من الثِّقَة بِمن لَا يعْتَقد ذَلِك
ومدار قبُول الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة على الثِّقَة بِالصّدقِ وَذَلِكَ مُتَحَقق فِي أهل الْأَهْوَاء تحَققه فِي أهل السّنة وَالأَصَح أَنهم لَا يكفرون ببدعهم وَلذَلِك تقبل شَهَادَة الْحَنَفِيّ إِذا حددناه فِي شرب النَّبِيذ لِأَن الثِّقَة بقوله لم تنخرم بشربه لاعْتِقَاده
إِبَاحَته وَإِنَّمَا ردَّتْ شَهَادَته الخطابية لأَنهم يشْهدُونَ بِنَاء على إِخْبَار بَعضهم بَعْضًا فَلَا تحصل الثِّقَة بِشَهَادَتِهِم لاحْتِمَال بنائها على مَا ذَكرْنَاهُ اهـ
وَلعدم وقُوف بعض النَّاس على مَا ذكرنَا من أَن بعض الْعلمَاء يمِيل إِلَى أَن الثِّقَة بالْخبر هِيَ الْمعول عَلَيْهِ فِي أمره انقسم الأغمار مِنْهُم إِلَى فريقين ففريق مِنْهُم اعْترض على كثير من جهابذة الْمُحدثين حَيْثُ رووا عَمَّن لَا ترتضى سيرتهم ظنا مِنْهُم بِأَن ذَلِك من قبيل الشَّهَادَة لَهُم بِحسن السِّيرَة ونقاء السريرة فنسبوهم إِلَى الْجَهْل أَو التجاهل وَمَا دروا بِأَن الرِّوَايَة عَنْهُم إِنَّمَا تشعر بالوثوق بخبرهم
وَهَذَا أَيْضا إِنَّمَا يكون فِي الْكتب الَّتِي الْتزم أَرْبَابهَا أَن لَا يذكرُوا فِيهَا سوى مَا صَحَّ من الْأَخْبَار
وفريق مِنْهُم صَار يذب عَن كل من روى عَنهُ إِمَام من أَئِمَّة الحَدِيث وَإِن كَانَ مِمَّن اتّفق عُلَمَاء الْأَخْبَار والْآثَار على الطعْن فِيهِ زعما مِنْهُم أَنهم لَا يروون إِلَّا عَمَّن يكون حسن السِّيرَة نقي السريرة نعم لَهُم وَجه فِي هَذِه الدَّعْوَى لَو صرح ذَلِك الإِمَام بِأَنَّهُ لَا يروي إِلَّا عَمَّن يكون كَذَلِك
هَذَا وَمِمَّا يستغرب مَا ذهب إِلَيْهِ بعض من ينحو فِي الظَّاهِر نَحْو مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة فَقَالَ فِي مقَالَة لَهُ فِي أصُول الْفِقْه وَإِذا ورد الْخَبَر عَن قوم مستورين لم يتَكَلَّم فيهم بِجرح وَلَا تَعْدِيل وَجب الْأَخْذ بروايتهم فَإِن جرح أحد مِنْهُم بجرحة تُؤثر فِي صدقه ترك حَدِيثه وَإِن كَانَت الجرحة لَا تتَعَلَّق بنقله وَجب الْأَخْذ بِهِ إِلَّا شَارِب الْخمر إِذا حدث فِي حَال سكره فَإِن علم أَنه حدث فِي حَال صحوه وَهُوَ مِمَّن هَذِه صفته أَخذ بقوله وَالْأَصْل الْعَدَالَة والجرحة طارئة وَإِذا ثَبت على حد مَا قُلْنَاهُ ترك الْأَخْذ بِحَدِيث صَاحب تِلْكَ الجرحة اهـ
وَقد نحا نَحْو هَذَا المنحى بعض الشِّيعَة فجوز الْأَخْذ بِرِوَايَة الْفَاسِق إِذا كَانَ متحرزا من الْكَذِب وَعلل ذَلِك بِأَن الْعَدَالَة الْمَطْلُوبَة فِي الرِّوَايَة مَوْجُودَة فِيهِ
تَتِمَّة الْعَدَالَة مصدر عدل بِالضَّمِّ يُقَال عدل فلَان عَدَالَة وعدولة فَهُوَ عدل أَي
رضَا ومقنع فِي الشَّهَادَة وَالْعدْل يُطلق على الْوَاحِد وَغَيره يُقَال هُوَ عدل وهما عدل وهم عدل وَيجوز أَن يُطَابق فَيُقَال هما عَدْلَانِ وهم عدُول وَقد يُطَابق فِي التَّأْنِيث فَيُقَال امْرَأَة عدلة وَأما الْعدْل الَّذِي هُوَ ضد الْجور فَهُوَ مصدر قَوْلك عدل فِي الْأَمر فَهُوَ عَادل
وتعديل الشَّيْء تقويمه يُقَال عدله تعديلا فاعتدل أَي قومه فاستقام وكل مثقف معدل وتعديل الشَّاهِد نسبته إِلَى الْعَدَالَة وَقد فسر الْعَدَالَة فِي الْمِصْبَاح فَقَالَ قَالَ بعض الْعلمَاء الْعَدَالَة صفة توجب مراعاتها الِاحْتِرَاز عَمَّا يخل بالمروءة عَادَة ظَاهرا فالمرة الْوَاحِدَة من صغائر الهفوات وتحريف الْكَلَام لَا تخل بالمروءة ظَاهرا لاحْتِمَال الْغَلَط وَالنِّسْيَان والتأويل بِخِلَاف مَا إِذا عرف مِنْهُ ذَلِك وتكرر فَيكون الظَّاهِر الْإِخْلَال
وَيعْتَبر عرف كل شخص وَمَا يعتاده من لبسه وتعاطيه للْبيع وَالشِّرَاء وَحمل الْأَمْتِعَة وَغير ذَلِك فَإِذا فعل مَا لَا يَلِيق بِهِ لغير ضَرُورَة قدح وَإِلَّا فَلَا وَعرف الْمُرُوءَة فَقَالَ هِيَ آدَاب نفسانية تحمل مراعاتها الْإِنْسَان على الْوُقُوف عِنْد محَاسِن الْأَخْلَاق وَجَمِيل الْعَادَات يُقَال مرؤ الْإِنْسَان فَهُوَ مريء مثل قرب فَهُوَ قريب أَي ذُو مُرُوءَة قَالَ الْجَوْهَرِي وَقد تشدد فَيُقَال مروة
وَقد اعْترض بعض الْعلمَاء على إِدْخَال الْمُرُوءَة فِي حد الْعَدَالَة لِأَن جلها يرجع إِلَى مُرَاعَاة الْعَادَات الْجَارِيَة بَين النَّاس وَهِي مُخْتَلفَة باخْتلَاف الْأَزْمِنَة والأمكنة والأجناس وَقد يدْخل فِي الْمُرُوءَة عرفا مَا لَا يستحسن فِي الشَّرْع وَلَا يَقْتَضِيهِ الطَّبْع على أَن الْمُرُوءَة من الْأُمُور الَّتِي يعسر معرفَة حَدهَا على وَجه لَا يخفى
قَالَ بَعضهم الْمُرُوءَة الإنسانية وَقَالَ بَعضهم الْمُرُوءَة كَمَال الْمَرْء كَمَا أَن الرجولية كَمَال الرجل وَقَالَ بَعضهم الْمُرُوءَة هِيَ قُوَّة للنَّفس تصدر عَنْهَا الْأَفْعَال
الجميلة المستتبعة للمدح شرعا وعقلا وشرفا وَلَعَلَّ الْمُرُوءَة بِهَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ من قَالَ
(مَرَرْت على الْمُرُوءَة وَهِي تبْكي
…
فَقلت على مَا تنتحب الفتاة)
(فَقَالَت كَيفَ لَا أبْكِي وَأَهلي
…
جَمِيعًا دون كل الْخلق مَاتُوا)
وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء الْمُرُوءَة صون النَّفس عَن الأدناس ورفعها عَمَّا يشين عِنْد النَّاس وَقيل سير الْمَرْء بسيره أَمْثَاله فِي زَمَانه
فَمن ترك الْمُرُوءَة لبس الْفَقِيه القباء والقلنسوة وتررده فيهمَا بَين النَّاس فِي الْبِلَاد الَّتِي لم تجر عَادَة الْفُقَهَاء بلبسهما فِيهِ وَمِنْه الْمَشْي فِي الْأَسْوَاق مَكْشُوف الرَّأْس حَيْثُ لَا يعْتَاد ذَلِك وَلَا يَلِيق بِمثلِهِ وَمِنْه مد الرجلَيْن فِي مجَالِس النَّاس وَمِنْه نقل الرجل الْمُعْتَبر المَاء والأطعمة إِلَى بَيته إِذا كَانَ عَن بخل وشح وَإِن كَانَ عَن تواضع واقتداء بالسلف لم يقْدَح ذَلِك فِي الْمُرُوءَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ يَأْكُل مَا يجد وَيَأْكُل حَيْثُ يجد زهدا وتنزها عَن التكلفات الْمُعْتَادَة وَيعرف ذَلِك بقرائن الْأَحْوَال
وَإِنَّمَا لَا تقبل شَهَادَة من أخل بالمروءة لِأَن الْإِخْلَال بهَا يكون إِمَّا لخبل فِي الْعقل أَو لنُقْصَان فِي الدّين أَو لقلَّة حَيَاء وكل ذَلِك رَافع للثقة بقوله
وَلم يتَعَرَّض كثير من عُلَمَاء الْأُصُول لذكر الْمُرُوءَة لِأَن المخل بِشَيْء مِمَّا يتَعَلَّق بهَا إِن كَانَ إخلاله بِهِ مِمَّا يرفع الثِّقَة بقوله فقد احترزوا عَنهُ وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يرفع الثِّقَة بقوله لم يضر قَالَ بَعضهم الْعَدَالَة الاسْتقَامَة وَلَيْسَ لكَمَال الاسْتقَامَة حد يُوقف عِنْده فَاعْتبر فِيهَا أَمر وَاحِد وَهُوَ رُجْحَان جِهَة الدّين وَالْعقل على طَرِيق الشَّهْوَة والهوى فَمن ارْتكب كَبِيرَة سَقَطت عَدَالَته وَقل الوثوق بقوله وَكَذَلِكَ من أصر على صَغِيرَة فَأَما من أَتَى بِشَيْء من الصَّغَائِر من غير إِصْرَار فَعدل بِلَا شُبْهَة
وللمحقق ابْن تَيْمِية مقَالَة فِي الْعَدَالَة والدل جرى فِيهَا على مَنْهَج من يَقُول برعاية الْمصَالح الْأَحْكَام قَالَ الْعدْل فِي كل زمَان وَمَكَان وَقوم بِحَسبِهِ فَيكون الشَّاهِد فِي كل قوم من كَانَ ذَا عدل فيهم وَإِن كَانَ لَو كَانَ فِي غَيرهم كَانَ عدله على
وَجه آخر وَبِهَذَا يُمكن الحكم بَين النَّاس وَإِلَّا فَلَو اعْتبر فِي شُهُود كل طَائِفَة أَن لَا يشْهد عَلَيْهِم إِلَّا من يكون قَائِما بأَدَاء الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات كَمَا كَانَت الصَّحَابَة لبطلت الشَّهَادَات كلهَا أَو غالبها
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَيتَوَجَّهُ أَن تقبل شَهَادَة المعروفين بِالصّدقِ وَإِن لم يَكُونُوا ملتزمين للحدود عِنْد الضَّرُورَة مثل الْجَيْش وحوادث البدو وَأهل الْقرى الَّذين لَا يُوجد فيهم عدل وَله أصُول مِنْهَا قبُول شَهَادَة أهل الذِّمَّة فِي الْوَصِيَّة فِي السّفر إِذا لم يُوجد غَيرهم وَشَهَادَة بَعضهم على بعض فِي قَول وَمِنْهَا شَهَادَة النِّسَاء فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال وَشَهَادَة الصّبيان فِيمَا لَا يشهده الرِّجَال
وَيظْهر ذَلِك بالمحتضر فِي السّفر إِذا حَضَره اثْنَان كَافِرَانِ وَاثْنَانِ مسلمان يصدقان ليسَا بملازمين للحدود أَو اثْنَان مبتدعان فهذان خير من الْكَافرين والشروط الَّتِي فِي الْقُرْآن إِنَّمَا هِيَ فِي استشهاد التَّحَمُّل للْأَدَاء وَيَنْبَغِي أَن نقُول فِي الشُّهُود مَا نقُول فِي الْمُحدثين وَهُوَ أَنه من الشُّهُود من تقبل شَهَادَته فِي نوع دون نوع أَو شخص دون شخص كَمَا أَن الْمُحدثين كَذَلِك
ونبأ الْفَاسِق لَيْسَ بمردود بل هُوَ مُوجب للتبين والتثبت كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وَفِي الْقِرَاءَة الْأُخْرَى / فتثبتوا / فعلينا التبين والتثبت وَإِنَّمَا أَمر بالتبين عِنْد خبر الْفَاسِق الْوَاحِد وَلم يَأْمر بِهِ عِنْد خبر الْفَاسِقين وَذَلِكَ أَن خبر الِاثْنَيْنِ يُوجب من الِاعْتِقَاد مَا لَا يُوجب خبر الْوَاحِد أما إِذا علم أَنَّهُمَا لم يتواطآ فَهَذَا قد يحصل بِهِ الْعلم
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر شُرُوط الْقَضَاء تعْتَبر حسب الْإِمْكَان وَيجب تَوْلِيَة الأمثل فالأمثل وعَلى هَذَا يدل كَلَام أَحْمد وَغَيره فيولي لعدم أَنْفَع الْفَاسِقين وأقلهما شرا وَأَعْدل المقلدين وأعرفهما بالتقليد وَإِن كَانَ أَحدهمَا أعلم وَالْآخر أورع قدم فِيمَا قد يظْهر حكمه وَيخَاف الْهوى فِيهِ الأورع وَفِيمَا ينْدر حكمه وَيخَاف فِيهِ