المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في سبب جمع الحديث في الصحف وما يناسب ذلك - توجيه النظر إلى أصول الأثر - جـ ١

[طاهر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي بَيَان معنى الحَدِيث

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي سَبَب جمع الحَدِيث فِي الصُّحُف وَمَا يُنَاسب ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي تَمْيِيز عُلَمَاء الحَدِيث مَا ثَبت مِنْهُ مِمَّا لم يثبت

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّابِعَة

- ‌اسْتِدْرَاك

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌فِي أَقسَام الْخَبَر إِلَى متواتر وآحاد

- ‌الْخَبَر الْمُتَوَاتر

- ‌خبر الْآحَاد

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الْخَبَر الْمَشْهُور

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌فِي أَقسَام الحَدِيث

- ‌فَائِدَة

- ‌المبحث الأول

- ‌فِي الحَدِيث الصَّحِيح

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث التَّخْصِيص

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث مَا يرد بِهِ الْخَبَر

- ‌ملحة من ملح هَذَا المبحث

- ‌اعتراضات على الْحَد الْمَذْكُور للْحَدِيث الصَّحِيح مَعَ الْجَواب عَنْهَا

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الصَّحِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن من ألف فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد هُوَ البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌فصل فِي بَيَان شُرُوط البُخَارِيّ وموضوعه

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌فِي أَن الشَّيْخَيْنِ لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزما ذَلِك

- ‌تَتِمَّة فِي بَيَان عدد أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌فَمَا انتقد عَلَيْهِمَا وَالْجَوَاب عَن ذَلِك

- ‌فِي كتاب الصَّلَاة

- ‌فِي كتاب الْجَنَائِز

- ‌فِي كتاب الْبيُوع

- ‌فِي كتاب الْجِهَاد

- ‌فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌فِي كتاب اللبَاس

- ‌حرف الْألف

- ‌حرف الْبَاء

- ‌حرف التَّاء الْمُثَنَّاة

- ‌حرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة

- ‌حرف الْجِيم

- ‌حرف الْحَاء

- ‌حرف الْخَاء

- ‌حرف الدَّال

- ‌حرف الذَّال

- ‌حرف الرَّاء

- ‌حرف الزَّاي

- ‌حرف السِّين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصَّاد

- ‌حرف الضَّاد خَالِي حرف الطَّاء

- ‌حرف الظَّاء خَالِي حرف الْعين

- ‌حرف الْغَيْن

- ‌حرف الْفَاء

- ‌حرف الْقَاف

- ‌حرف الْكَاف

- ‌حرف اللَّام خَالِي حرف الْمِيم

- ‌حرف النُّون

- ‌حرف الْهَاء

- ‌حرف الْوَاو

- ‌حرف الْيَاء

- ‌صلَة تتمّ بهَا هَذِه الْفَائِدَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌فِي دَرَجَة أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي الصِّحَّة

- ‌تَتِمَّة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌فِيمَا يتَعَلَّق بِالصَّحِيحِ الزَّائِد على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌المصنفات فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد

- ‌المستخرجات على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌حكم الزِّيَادَات الْوَاقِعَة فِي المستخرجات

- ‌المبحث الثَّانِي

- ‌فِي الحَدِيث الْحسن

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن بعض الْأَحَادِيث قد يعرض لَهَا من الْأَحْوَال مَا يرفعها من درجتها إِلَى الدرجَة الَّتِي هِيَ فَوْقهَا

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي بَيَان الْكتب الَّتِي يَهْتَدِي بهَا إِلَى معرفَة الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر أول نوع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث من أَنْوَاع الحَدِيث

- ‌ذكر الوع الرَّابِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس من هَذِه الْعُلُوم

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعَاشِر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر الْإِخْوَة عُلَمَاء نيسابور على غير تَرْتِيب

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَكَذَلِكَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَهِشَام بن عُرْوَة وَغَيرهم

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر من سكن الْكُوفَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مَكَّة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الْبَصْرَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مصر من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الشَّام من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الجزيرة

- ‌ذكر من نزل خُرَاسَان من الصَّحَابَة وَتُوفِّي بهَا

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر موَالِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَهَذِه آدَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَغَازِي الَّتِي كَانَ يُوصي بهَا أُمَرَاء الأجناد

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌صلَة مهمة يتَعَلَّق معظمها بِالصَّحِيحِ وَالْحسن

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الشاذ وَالْمَحْفُوظ وَالْمُنكر وَالْمَعْرُوف

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فصل فِيمَا ادَّعَاهُ قوم من تعَارض النُّصُوص

- ‌فصل فِي تَمام الْكَلَام فِي تعَارض النُّصُوص

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌وَهَاهُنَا مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِهَذَا المبحث

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

الفصل: ‌في سبب جمع الحديث في الصحف وما يناسب ذلك

‌الْفَصْل الثَّانِي

‌فِي سَبَب جمع الحَدِيث فِي الصُّحُف وَمَا يُنَاسب ذَلِك

كَانَت الصَّحَابَة رضي الله عنهم لَا يَكْتُبُونَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم غير الْقُرْآن أخرج مُسلم فِي صَحِيحه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تكْتبُوا عني وَمن كتب عني غير الْقُرْآن فليمحه وَحَدثُوا عني فَلَا حرج وَمن كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار

قَالَ كثير من الْعلمَاء نَهَاهُم عَن كِتَابَة الحَدِيث خشيَة اخْتِلَاطه بِالْقُرْآنِ وَهَذَا لَا يُنَافِي جَوَاز كِتَابَته إِذا أَمن اللّبْس وَبِذَلِك يحصل الْجمع بَين هَذَا وَبَين قَوْله عليه الصلاة والسلام فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ ايتوني بِكِتَاب أكتب لكم كتابا لَا تضلوا بعده وَقَوله اكتبوا لأبي شاه وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث

وَلما توفّي النَّبِي عليه الصلاة والسلام بَادر الصَّحَابَة إِلَى جمع مَا كتب فِي عَهده فِي مَوضِع وَاحِد وَسموا ذَلِك الْمُصحف واقتصروا على ذَلِك وَلم يتجاوزوه إِلَى كِتَابَة الحَدِيث وَجمعه فِي مَوضِع وَاحِد كَمَا فعلوا بِالْقُرْآنِ لَكِن صرفُوا هممهم إِلَى نشره بطرِيق الرِّوَايَة إِمَّا بِنَفس الْأَلْفَاظ الَّتِي سمعوها مِنْهُ عليه الصلاة والسلام إِن بقيت فِي أذهانهم أَو بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا إِن غَابَتْ عَنْهُم فَإِن الْمَقْصُود بِالْحَدِيثِ هُوَ الْمَعْنى وَلَا يتَعَلَّق فِي الْغَالِب حكم بالمبنى بِخِلَاف الْقُرْآن فَإِن لألفاظه مدخلًا فِي الإعجاز فَلَا يجوز إِبْدَال لفظ مِنْهُ بِلَفْظ آخر وَلَو كَانَ مرادفا لَهُ خشيَة النسْيَان مَعَ طول الزَّمَان فَوَجَبَ أَن يُقيد بِالْكِتَابَةِ وَلَا يكْتَفى فِيهِ بِالْحِفْظِ

ص: 45

قَالَ الإِمَام الْخطابِيّ فِي كِتَابه فِي إعجاز الْقُرْآن إِنَّمَا يقوم الْكَلَام بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة لفظ حَامِل وَمعنى قَائِم بِهِ ورباط لَهما ناظم وَإِذا تَأَمَّلت الْقُرْآن وجدت هَذِه الْأُمُور مِنْهُ فِي غَايَة الشّرف والفضيلة حَتَّى لَا ترى شَيْئا من الْأَلْفَاظ أفْصح وَلَا أجزل وَلَا أعذب من أَلْفَاظه وَلَا ترى نظما أحسن تأليفا وَأَشد تلاؤما وتشاكلا من نظمه

وَأما مَعَانِيه فَكل ذِي لب يشْهد لَهَا بالتقدم فِي أبوابه والترقي إِلَى أَعلَى درجاته وَقد تُوجد هَذِه الْفَضَائِل الثَّلَاث على التَّفَرُّق فِي أَنْوَاع الْكَلَام فَأَما أَن تُوجد مَجْمُوعَة فِي نوع وَاحِد مِنْهُ فَلم تُوجد إِلَّا فِي كَلَام الْعَلِيم الْقَدِير

فَخرج من هَذَا أَن الْقُرْآن إِنَّمَا صَار معجزا لِأَنَّهُ جَاءَ بأفصح الْأَلْفَاظ فِي أحسن نظم فِي التَّأْلِيف مضمنا أصح الْمعَانِي من تَوْحِيد الله تَعَالَى وتنزيه لَهُ فِي ذَاته وَصِفَاته وَدُعَاء إِلَى طَاعَته وَبَيَان لطريق عِبَادَته وَمن تَحْلِيل وَتَحْرِيم وحظر وَإِبَاحَة وَمن وعظ وتقويم وَأمر بِمَعْرُوف وَنهي عَن مُنكر وإرشاد إِلَى محَاسِن الْأَخْلَاق وزجر عَن مساويها وَاضِعا كل شَيْء مِنْهَا مَوْضِعه الَّذِي لَا يرى شَيْء أولى مِنْهُ

وَلَا يتَوَهَّم فِي صُورَة الْعقل أَمر أليق بِهِ مِنْهُ مودعا أَخْبَار الْقُرُون الْمَاضِيَة وَمَا نزل من مثلات الله بِمن مضى وعاند مِنْهُم منبئا عَن الكوائن المستقبلية فِي الْأَعْصَار الْآتِيَة من الزَّمَان جَامعا بَين الْحجَّة والمحتج لَهُ وَالدَّلِيل والمدلول عَلَيْهِ ليَكُون ذَلِك آكِد للُزُوم مَا دَعَا إِلَيْهِ وأنبأ عَن وجوب مَا أَمر بِهِ وَنهى عَنهُ

وَمَعْلُوم أَن الْإِتْيَان بِمثل هَذِه الْأُمُور وَالْجمع بَين أشتاتها حَتَّى تنتظم وتتسق أَمر تعجز عَنهُ قوى الْبشر وَلَا تبلغه قدرتهم فَانْقَطع الْخلق دونه وعجزوا عَن معارضته بِمثلِهِ أَو مناقضته فِي شكله اهـ

ص: 46

وَقَالَ إِمَام الْمُتَكَلِّمين على طَريقَة السّلف تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية فِي الرسَالَة الملقبة بالتسعينية وَهِي رِسَالَة تبلغ مجلدا كَبِيرا ألفها فِي الرَّد على الْمُتَكَلِّمين على طَريقَة الْخلف فِي مَسْأَلَة الْكَلَام فِي الْوَجْه الثَّالِث وَالسِّتِّينَ وَيجب أَن يعلم أصلان عظيمان

أَحدهمَا أَن الْقُرْآن لَهُ بِهَذَا اللَّفْظ وَالنّظم الْعَرَبِيّ اخْتِصَاص لَا يُمكن أَن يماثله فِي ذَلِك شَيْء أصلا أَعنِي خَاصَّة فِي اللَّفْظ وخاصة فِيمَا دلّ عَلَيْهِ من الْمَعْنى وَلِهَذَا لَو فسر الْقُرْآن أَو ترْجم فالتفسير والترجمة قد يَأْتِي بِأَصْل الْمَعْنى أَو بِمَا يقرب مِنْهُ وَأما الْإِتْيَان بِلَفْظ يبين الْمَعْنى كبيان لفظ الْقُرْآن فَهَذَا غير مُمكن أصلا وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّة الدّين على أَنه لَا يجوز أَن يقْرَأ بِغَيْر الْعَرَبيَّة لَا مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا وَلَا مَعَ الْعَجز عَنْهَا لِأَن ذَلِك يُخرجهُ عَن أَن يكون هُوَ الْقُرْآن الْمنزل وَلَكِن يجوز تَرْجَمته كَمَا يجوز تَفْسِيره وَإِن لم تجز قِرَاءَته بِأَلْفَاظ التَّفْسِير وَهِي إِلَيْهِ أقرب من أَلْفَاظ التَّرْجَمَة بِأَلْفَاظ أُخْرَى

الأَصْل الثَّانِي أَنه إِذا ترْجم أَو قرئَ بالترجمة فَلهُ معنى يخْتَص بِهِ لَا يماثله فِيهِ كَلَام أصلا وَمَعْنَاهُ أَشد مباينة لسَائِر مَعَاني الْكَلَام من مباينة لَفظه ونظمه لسَائِر اللَّفْظ وَالنّظم والإعجاز فِي مَعْنَاهُ أعظم بِكَثِير كثير من الإعجاز فِي لَفظه وَقَوله تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا} يتَنَاوَل ذَلِك كُله انْتهى

هَذَا وَلم يزل أَمر الحَدِيث فِي عصر الصَّحَابَة وَأول عصر التَّابِعين على مَا ذكرنَا وَلما أفضت الْخلَافَة إِلَى من قَامَ بِحَقِّهَا عمر بن عبد الْعَزِيز أَمر بِكِتَابَة

ص: 47

الحَدِيث وَكَانَت مبايعته بالخلافة فِي صفر سنة تسع وَتِسْعين ووفاته لخمس بَقينَ من رَجَب سنة إِحْدَى ومئة وعاش أَرْبَعِينَ سنة وأشهرا وَكَانَ مَوته بالسم فَإِن بني أُميَّة ظهر لَهُم أَنه إِن امتدت أَيَّامه أخرج الْأَمر من أَيْديهم وَلم يعْهَد بِهِ إِلَّا لمن يصلح لَهُ فعاجلوه

قَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي كتاب الْعلم وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أبي بكر بن حزم انْظُر مَا كَانَ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فَإِنِّي خفت دروس الْعلم وَذَهَاب الْعلمَاء

وَأَبُو بكر هَذَا كَانَ نَائِب عمر بن عبد الْعَزِيز فِي الإمرة وَالْقَضَاء على الْمَدِينَة روى عَن السَّائِب بن يزِيد وَعباد بن تَمِيم وَعَمْرو بن سليم الزرقي وروى عَن خَالَته عمْرَة وَعَن خالدة ابْنة أنس وَلها صُحْبَة

قَالَ مَالك لم يكن أحد بِالْمَدِينَةِ عِنْده من علم الْقَضَاء مَا كَانَ عِنْد أبي بكر بن حزم وَكتب إِلَيْهِ عمر بن عبد الْعَزِيز أَن يكْتب لَهُ من الْعلم مَا عِنْد عمْرَة وَالقَاسِم فَكَتبهُ لَهُ وَأخذ عَنهُ معمر وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَمَالك وَابْن أبي ذِئْب وَابْن إِسْحَاق وَغَيرهم وَكَانَت وَفَاته فِيمَا قَالَه الْوَاقِدِيّ وَابْن سعد وَجَمَاعَة سنة عشْرين ومئة

وَأول من دون الحَدِيث بِأَمْر عمر بن عبد الْعَزِيز مُحَمَّد بن مُسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهَاب الزُّهْرِيّ الْمدنِي أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وعالم أهل الْحجاز وَالشَّام

أَخذ عَن ابْن عمر وَسَهل بن سعد وَأنس بن مَالك ومحمود بن الرّبيع وَسَعِيد بن الْمسيب وَأبي أُمَامَة بن سهل وطبقتهم من صغَار الصَّحَابَة وكبار التَّابِعين

ص: 48

وَأخذ عَنهُ معمر وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَمَالك وَابْن أبي ذِئْب وَغَيرهم ولد سنة خمسين وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين ومئة

قَالَ عبد الرَّزَّاق سَمِعت معمرا يَقُول كُنَّا نرى أَنا قد أكثرنا عَن الزُّهْرِيّ حَتَّى قتل الْوَلِيد بن يزِيد فَإِذا الدفاتر قد حملت على الدَّوَابّ من خزائنه يَقُول من علم الزُّهْرِيّ

ثمَّ شاع التدوين فِي الطَّبَقَة الَّتِي تلِي طبقَة الزُّهْرِيّ ولوقوع ذَلِك فِي كثير من الْبِلَاد وشيوعه بَين النَّاس اعتبروه الأول فَقَالُوا كَانَت الْأَحَادِيث فِي عصر الصَّحَابَة وكبار التَّابِعين غير مدونة فَلَمَّا انتشرت الْعلمَاء فِي الْأَمْصَار وشاع الابتداع دونت ممزوجة بأقوال الصَّحَابَة وفتاوى التَّابِعين

وَأول من جمع ذَلِك ابْن جريح بِمَكَّة وَابْن إِسْحَاق أَو مَالك بِالْمَدِينَةِ وَالربيع بن صبيح أَو سعيد بن أبي عرُوبَة أَو حَمَّاد بن سَلمَة بِالْبَصْرَةِ وسُفْيَان الثَّوْريّ بِالْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام وهشيم بواسط وَمعمر بِالْيمن وَجَرِير بن عبد الحميد بِالريِّ وَابْن الْمُبَارك بخراسان وَكَانَ هَؤُلَاءِ فِي عصر وَاحِد وَلَا يدْرِي أَيهمْ سبق قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِن مَا ذكر إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجمع فِي الْأَبْوَاب وَأما جمع حَدِيث إِلَى مثله فِي بَاب وَاحِد فقد سبق إِلَيْهِ الشّعبِيّ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ هَذَا بَاب من الطَّلَاق جسيم وسَاق فِيهِ أَحَادِيث اهـ

وتلا الْمَذْكُورين كثير من أهل عصرهم إِلَى أَن رأى بعض الْأَئِمَّة إِفْرَاد أَحَادِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم خَاصَّة وَذَلِكَ على رَأس المئتين فصنف عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي الْكُوفِي مُسْندًا وصنف مُسَدّد الْبَصْرِيّ مُسْندًا وصنف أَسد بن مُوسَى مُسْندًا وصنف نعيم بن حَمَّاد الْخُزَاعِيّ مُسْندًا

ص: 49

ثمَّ اقتفى الْحفاظ آثَارهم فصنف الإِمَام أَحْمد مُسْندًا وَكَذَلِكَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيرهم

وَلم يزل التَّأْلِيف فِي الحَدِيث مُتَتَابِعًا إِلَى أَن ظهر الإِمَام البُخَارِيّ وبرع فِي علم الحَدِيث وَصَارَ لَهُ فِيهِ الْمنزلَة الَّتِي لَيْسَ فَوْقهَا منزلَة فَأَرَادَ أَن يجرد الصَّحِيح ويجعله فِي كتاب على حِدة ليخلص طَالب الحَدِيث من عناء الْبَحْث وَالسُّؤَال فألف كِتَابه الْمَشْهُور وَأورد فِيهِ مَا تبين لَهُ صِحَّته

وَكَانَت الْكتب قبله ممزوجا فِيهَا الصَّحِيح بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يتَبَيَّن للنَّاظِر فِيهَا دَرَجَة الحَدِيث من الصِّحَّة إِلَّا بعد الْبَحْث عَن أَحْوَال رُوَاته وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث فَإِن لم يكن لَهُ وقُوف على ذَلِك اضْطر إِلَى أَن يسْأَل أَئِمَّة الحَدِيث عَنهُ فَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ ذَلِك بَقِي ذَلِك الحَدِيث مَجْهُول الْحَال عِنْده

واقتفى أثر الإِمَام البُخَارِيّ فِي ذَلِك الإِمَام مُسلم بن الْحجَّاج وَكَانَ من الآخذين عَنهُ والمستفيدين مِنْهُ فألف كِتَابه الْمَشْهُور

ولقب هَذَانِ الكتابان بالصحيحين فَعظم انْتِفَاع النَّاس بهما وَرَجَعُوا عِنْد الِاضْطِرَاب إِلَيْهِمَا وألفت بعدهمَا كتب لَا تحصى فَمن أَرَادَ الْبَحْث عَنْهَا فَليرْجع إِلَى مظان ذكرهَا

هَذَا وَقد توهم أنَاس مِمَّا ذكر آنِفا أَنه لم يُقيد فِي عصر الصَّحَابَة وأوائل عصر التَّابِعين بِالْكِتَابَةِ شَيْء غير الْكتاب الْعَزِيز وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فقد ذكر بعض الْحفاظ أَن زيد بن ثَابت ألف كتابا فِي علم الْفَرَائِض

وَذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه أَن عبد الله بن عَمْرو كَانَ يكْتب الحَدِيث فَإِنَّهُ روى عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ مَا من أحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ

ص: 50

وَسلم أَكثر حَدِيثا عَنهُ مني إِلَّا مَا كَانَ من عبد الله بن عَمْرو فَإِنَّهُ كَانَ يكْتب وَلَا أكتب

وَذكر مُسلم فِي صَحِيحه كتابا ألف فِي عهد ابْن عَبَّاس فِي قَضَاء عَليّ فَقَالَ حَدثنَا دَاوُد بن عَمْرو الضَّبِّيّ حَدثنَا نَافِع بن عمر عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ كتبت إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله أَن يكْتب لي كتابا ويخفي عني فَقَالَ ولد نَاصح أَنا أخْتَار لَهُ الْأُمُور اخْتِيَارا وأخفي عَنهُ قَالَ فَدَعَا بِقَضَاء عَليّ فَجعل يكْتب مِنْهُ أَشْيَاء ويمر بِهِ الشَّيْء فَيَقُول وَالله مَا قضى بِهَذَا عَليّ إِلَّا أَن يكون ضل

وَحدثنَا عَمْرو النَّاقِد حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن هِشَام بن حُجَيْر عَن طَاوس قَالَ أُتِي ابْن عَبَّاس بِكِتَاب فِيهِ قَضَاء عَليّ فمحاه إِلَّا قدر وَأَشَارَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة بذراعه

حَدثنَا حسن بن عَليّ الْحلْوانِي حَدثنَا يحيى بن آدم حَدثنَا ابْن إِدْرِيس عَن الْأَعْمَش عَن أبي إِسْحَاق قَالَ لما أَحْدَثُوا تِلْكَ الْأَشْيَاء بعد عَليّ عليه السلام قَالَ رجل من أَصْحَاب عَليّ قَاتلهم الله أَي علم أفسدوا

وَحدثنَا عَليّ بن خشرم أخبرنَا أَبُو بكر يَعْنِي ابْن عَيَّاش قَالَ سَمِعت الْمُغيرَة يَقُول لم يكن يصدق على عَليّ عليه السلام فِي الحَدِيث عَنهُ إِلَّا من أَصْحَاب عبد الله بن مَسْعُود اهـ

ص: 51

قَوْله ويخفي عني وأخفي عَنهُ هما بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَقد ظن بَعضهم أَنَّهُمَا بِالْحَاء من الإحفاء بِمَعْنى الإلحاح أَو الِاسْتِقْصَاء وَجعل عَن بِمَعْنى على وَلَا يخفى مَا فِي ذَلِك من التعسف يُرِيد أَنه يكتم عَنهُ أَشْيَاء مِمَّا يخْشَى إِذا ظَهرت أَن يحصل مِنْهَا قيل وَقَالَ من النواصب والخوارج وناهيك بشوكتهما فِي ذَلِك الْعَصْر وبفرط ميلهما لمشاقة الإِمَام المرتضى فَاخْتَارَ عدم كِتَابَة ذَلِك دفا للمحذور مَعَ أَن هَذَا النَّوْع رُبمَا كَانَ مِمَّا لَا يلْزم السَّائِل مَعْرفَته وَإِن كَانَ مِمَّا يضْطَر إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمكنهُ أَن يحصل عَلَيْهِ بطرِيق المشافهة

وَأَرَادَ بقوله وَالله مَا قضى عَليّ بِهَذَا إِلَّا أَن يكون ضل أَنه لم يقْض بِهِ لِأَنَّهُ لم يضل وَالظَّاهِر أَن الْكتاب الَّذِي محاه إِلَّا قدر ذِرَاع مِنْهُ كَانَ على هَيْئَة درج مستطيل

وَابْن أبي مليكَة الْمَذْكُور هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمَكِّيّ قَاضِي مَكَّة فِي زمن ابْن الزبير وَكَانَ إِمَامًا فَقِيها فصيحا مفوها اتَّفقُوا على توثيقه روى عَنهُ ابْن جريح وَنَافِع بن عمر الجُمَحِي وَاللَّيْث بن سعد وَغَيرهم روى عَنهُ أَيُّوب قَالَ بَعَثَنِي ابْن الزبير على قَضَاء الطَّائِف فَكنت أسأَل ابْن عَبَّاس وَكَانَت وَفَاته سنه سبع عشرَة ومئة ووفاة ابْن عَبَّاس سنة ثَمَان وَسِتِّينَ

والمغيرة الْمَذْكُور هُوَ الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو هِشَام بن مقسم الضَّبِّيّ الْكُوفِي ولد أعمى وَكَانَ عجيبا فِي الذكاء قَالَ الذَّهَبِيّ فِي طَبَقَات الْحفاظ ضعف أَحْمد رِوَايَته عَن إِبْرَاهِيم فَقَط وَكَانَ عثمانيا وَيحمل على عَليّ بعض الْحمل وَقَالَ فِي الْمِيزَان إِمَام ثِقَة لَكِن لين أَحْمد بن حَنْبَل رِوَايَته عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَقَط مَعَ أَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وروى عَن أبي وَائِل وَالشعْبِيّ وَمُجاهد

ص: 52

وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق النديم فِي كتاب الفهرست فِي أثْنَاء وصف خزانَة للكتب رَآهَا فِي مَدِينَة الحديثة لم ير لأحد مثلهَا كَثْرَة وَرَأَيْت فِيهَا بخطوط الْإِمَامَيْنِ الْحسن وَالْحُسَيْن وَرَأَيْت عِنْده أمانات وعهودا بِخَط أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عليه السلام وبخط غَيره من كتاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَمن خطوط الْعلمَاء فِي النَّحْو واللغة مثل أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَأبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ والأصمعي وَابْن الْأَعرَابِي وسيبويه وَالْفراء وَالْكسَائِيّ

وَمن خطوط أَصْحَاب الحَدِيث مثل سُفْيَان بن عُيَيْنَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيرهم

وَرَأَيْت مِمَّا يدل على أَن النَّحْو عَن أبي الْأسود مَا هَذِه حكايته وَهِي أَربع أوراق أحسبها من ورق الصين ترجمتها هَذِه فِيهَا كَلَام فِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول من أبي الْأسود رَحْمَة الله عَلَيْهِ بِخَط يحيى بن يعمر وَتَحْت هَذَا الْخط بِخَط عَتيق هَذَا خطّ عَلان النَّحْوِيّ وَتَحْته هَذَا خطّ النَّضر بن شُمَيْل اهـ

تَنْبِيه قد نقلنا آنِفا مَا ذكره الْعلمَاء الْأَعْلَام فِي طَرِيق الْجمع بَين الحَدِيث الَّذِي ورد فِي منع كِتَابَة مَا سوى الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي إجَازَة ذَلِك وَقد سلك ابْن قُتَيْبَة فِيهِ طَرِيقا آخر فَقَالَ فِي تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث وَهُوَ كتاب أَلفه فِي

ص: 53

الرَّد على الْمُتَكَلِّمين الَّذين أولعوا بثلب أهل الحَدِيث ورميهم بِحمْل الْكَذِب وَرِوَايَة المتناقض حَتَّى وَقع الِاخْتِلَاف وَكَثُرت النَّحْل وتقطعت العصم وتعادى الْمُسلمُونَ وأكفر بَعضهم بَعْضًا وَتعلق كل فريق مِنْهُم لمذهبه بِجِنْس من الحَدِيث

قَالُوا أَحَادِيث متناقضة قَالُوا رويتم عَن همام عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء ين يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تكْتبُوا عني شَيْئا سوى الْقُرْآن فَمن كتب عني شَيْئا فليمحه

ثمَّ رويتم عَن ابْن جريح عَن عَطاء عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قلت يَا رَسُول الله أقيد الْعلم قَالَ نعم قيل وَمَا تَقْيِيده قَالَ كِتَابَته

ورويتم عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قلت يَا رَسُول الله أكتب كل مَا أسمع مِنْك قَالَ نعم قلت فِي الرِّضَا وَالْغَضَب قَالَ نعم فَإِنِّي لَا أَقُول فِي ذَلِك إِلَّا الْحق

قَالُوا وَهَذَا تنَاقض وَاخْتِلَاف

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَنحن نقُول إِن فِي هَذَا مَعْنيين

أَحدهمَا أَن يكون من مَنْسُوخ السّنة بِالسنةِ كَأَنَّهُ نهى فِي أول الْأَمر أَن يكْتب قَوْله ثمَّ رأى بعد لما علم أَن السّنَن تكْثر وتفوت الْحِفْظ أَن تكْتب وتقيد

وَالْمعْنَى الآخر أَن يكون خص بِهَذَا عبد الله بن عَمْرو لِأَنَّهُ كَانَ قَارِئًا للكتب الْمُتَقَدّمَة وَيكْتب بالسُّرْيَانيَّة والعربية وَكَانَ غَيره من الصَّحَابَة أُمِّيين لَا يكْتب مِنْهُم إِلَّا الْوَاحِد والاثنان وَإِذا كتب لم يتقن وَلم يصب التهجي فَلَمَّا خشِي عَلَيْهِم الْغَلَط فِيمَا يَكْتُبُونَ نَهَاهُم وَلما أَمن على عبد الله بن عَمْرو ذَلِك أذن لَهُ

قَالَ أَبُو مُحَمَّد حَدثنَا إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قَالَ حَدثنَا وهب بن جرير عَن أَبِيه عَن يُونُس بن عبيد عَن الْحسن عَن عَمْرو بن تغلب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يفِيض المَال وَيظْهر الْقَلَم ويفشو التُّجَّار

ص: 54

قَالَ عَمْرو إِن كُنَّا لنلتمس فِي الحواء الْعَظِيم الْكَاتِب فَمَا يُوجد وَيبِيع الرجل البيع فَيَقُول حَتَّى أَستَأْمر تَاجر بني فلَان

ص: 55

انْتهى كَلَامه وبمثله يعلم فِي مثل هَذَا الْمقَام مقَامه

ص: 56