المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ فَإِن - توجيه النظر إلى أصول الأثر - جـ ١

[طاهر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي بَيَان معنى الحَدِيث

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي سَبَب جمع الحَدِيث فِي الصُّحُف وَمَا يُنَاسب ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي تَمْيِيز عُلَمَاء الحَدِيث مَا ثَبت مِنْهُ مِمَّا لم يثبت

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌الْفَائِدَة السَّابِعَة

- ‌اسْتِدْرَاك

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌فِي أَقسَام الْخَبَر إِلَى متواتر وآحاد

- ‌الْخَبَر الْمُتَوَاتر

- ‌خبر الْآحَاد

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الْخَبَر الْمَشْهُور

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌فِي أَقسَام الحَدِيث

- ‌فَائِدَة

- ‌المبحث الأول

- ‌فِي الحَدِيث الصَّحِيح

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث التَّخْصِيص

- ‌وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث مَا يرد بِهِ الْخَبَر

- ‌ملحة من ملح هَذَا المبحث

- ‌اعتراضات على الْحَد الْمَذْكُور للْحَدِيث الصَّحِيح مَعَ الْجَواب عَنْهَا

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الصَّحِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن من ألف فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد هُوَ البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم

- ‌فصل فِي بَيَان شُرُوط البُخَارِيّ وموضوعه

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌فِي أَن الشَّيْخَيْنِ لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزما ذَلِك

- ‌تَتِمَّة فِي بَيَان عدد أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌فَمَا انتقد عَلَيْهِمَا وَالْجَوَاب عَن ذَلِك

- ‌فِي كتاب الصَّلَاة

- ‌فِي كتاب الْجَنَائِز

- ‌فِي كتاب الْبيُوع

- ‌فِي كتاب الْجِهَاد

- ‌فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌فِي كتاب اللبَاس

- ‌حرف الْألف

- ‌حرف الْبَاء

- ‌حرف التَّاء الْمُثَنَّاة

- ‌حرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة

- ‌حرف الْجِيم

- ‌حرف الْحَاء

- ‌حرف الْخَاء

- ‌حرف الدَّال

- ‌حرف الذَّال

- ‌حرف الرَّاء

- ‌حرف الزَّاي

- ‌حرف السِّين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصَّاد

- ‌حرف الضَّاد خَالِي حرف الطَّاء

- ‌حرف الظَّاء خَالِي حرف الْعين

- ‌حرف الْغَيْن

- ‌حرف الْفَاء

- ‌حرف الْقَاف

- ‌حرف الْكَاف

- ‌حرف اللَّام خَالِي حرف الْمِيم

- ‌حرف النُّون

- ‌حرف الْهَاء

- ‌حرف الْوَاو

- ‌حرف الْيَاء

- ‌صلَة تتمّ بهَا هَذِه الْفَائِدَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌فِي دَرَجَة أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي الصِّحَّة

- ‌تَتِمَّة

- ‌الْفَائِدَة السَّادِسَة

- ‌فِيمَا يتَعَلَّق بِالصَّحِيحِ الزَّائِد على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌المصنفات فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد

- ‌المستخرجات على الصَّحِيحَيْنِ

- ‌حكم الزِّيَادَات الْوَاقِعَة فِي المستخرجات

- ‌المبحث الثَّانِي

- ‌فِي الحَدِيث الْحسن

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌فِي أَن بعض الْأَحَادِيث قد يعرض لَهَا من الْأَحْوَال مَا يرفعها من درجتها إِلَى الدرجَة الَّتِي هِيَ فَوْقهَا

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فِي بَيَان الْكتب الَّتِي يَهْتَدِي بهَا إِلَى معرفَة الحَدِيث الْحسن

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر أول نوع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث من أَنْوَاع الحَدِيث

- ‌ذكر الوع الرَّابِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس من هَذِه الْعُلُوم

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعَاشِر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع عشر من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْعشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر الْإِخْوَة عُلَمَاء نيسابور على غير تَرْتِيب

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَكَذَلِكَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَهِشَام بن عُرْوَة وَغَيرهم

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر من سكن الْكُوفَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مَكَّة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الْبَصْرَة من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل مصر من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الشَّام من الصَّحَابَة

- ‌ذكر من نزل الجزيرة

- ‌ذكر من نزل خُرَاسَان من الصَّحَابَة وَتُوفِّي بهَا

- ‌ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر موَالِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث

- ‌وَهَذِه آدَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَغَازِي الَّتِي كَانَ يُوصي بهَا أُمَرَاء الأجناد

- ‌ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌صلَة مهمة يتَعَلَّق معظمها بِالصَّحِيحِ وَالْحسن

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الشاذ وَالْمَحْفُوظ وَالْمُنكر وَالْمَعْرُوف

- ‌فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌فصل فِيمَا ادَّعَاهُ قوم من تعَارض النُّصُوص

- ‌فصل فِي تَمام الْكَلَام فِي تعَارض النُّصُوص

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌وَهَاهُنَا مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِهَذَا المبحث

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

الفصل: شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ فَإِن

شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ فَإِن غمي عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ وَثَانِيهمَا من حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَن مُحَمَّد بن حنين عَن ابْنة عَبَّاس بِلَفْظ حَدِيث ابْن دِينَار عَن ابْن عمر سَوَاء وَهُوَ فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ فَهَذَا شَاهد بِاللَّفْظِ وَمَا قبله شَاهد بِالْمَعْنَى

‌تَنْبِيهَات

التَّنْبِيه الأول يُسمى حَدِيث الَّذِي شَارك الرَّاوِي فِيهِ تَابعا وَقد يُسمى شَاهدا وَأما الشَّاهِد فَلَا يُسمى تَابعا وَقَالَ بَعضهم إِن التابعيختص بِمَا كَانَ بِاللَّفْظِ سَوَاء كَانَ من رِوَايَة ذَلِك الصَّحَابِيّ أم غَيره وَالشَّاهِد يخْتَص بِمَا كَانَ بِالْمَعْنَى كَذَلِك وَقَالَ الْجُمْهُور مَا أَتَى عَن ذَلِك الصَّحَابِيّ فتابع وَمَا أَتَى عَن صَحَابِيّ آخر فشاهد فعندهم أَن رِوَايَة ابْن وَعلة الْمَذْكُورَة تكون مُتَابعَة لعطاء وَمَا رَوَاهُ يكون مُتَابعًا لَا شَاهدا

وَيُقَال للتابع المتابع المكسر قَالَ بَعضهم قد طلق المتابع على الشَّاهِد وَالشَّاهِد على المتابع والخطب فِي ذَلِك سهل إِذْ الْمَقْصُود الَّذِي هُوَ التقوية حَاصِل بِكُل مِنْهُمَا فَإِذا قَامَت قرينَة تدل على الْمَقْصُود لم يكن فِي ذَلِك بَأْس غير أَن الْغَالِب اسْتِعْمَال كل مِنْهُمَا فِي مَعْنَاهُ الَّذِي يسْبق إِلَى الذِّهْن

التَّنْبِيه الثَّانِي أَنه لَا انحصار للمتابعات والشواهد فِي الثِّقَة وَلذَا قَالَ ابْن الصّلاح وَاعْلَم أَنه قد يدْخل فِي بَاب الْمُتَابَعَة والاستشهاد رِوَايَة من لَا يحْتَج بحَديثه وَحده بل يكون معدودا فِي الضُّعَفَاء وَفِي كتابي البُخَارِيّ وَمُسلم جمَاعَة من الضُّعَفَاء ذكراهم فِي المتابعات والشواخد وَلَيْسَ كل ضَعِيف يصلح لذَلِك وَلِهَذَا يَقُول الدَّارَقُطْنِيّ فلَان يعْتَبر بِهِ وَفُلَان لَا يعْتَبر بِهِ

قَالَ بعض الْعلمَاء وَإِنَّمَا يدْخلُونَ الضُّعَفَاء لكَون المتابع لَا اعْتِمَاد عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الِاعْتِمَاد على من قبله وَقَالَ بَعضهم إِنَّه لَا انحصار لَهُ فِي ذَلِك بل قد يكون كل من المتابع والمتابع عَلَيْهِ إِلَّا أَن باجتماعهما تحصل الْقُوَّة

ص: 494

التَّنْبِيه الثَّالِث قد عرفت أَنهم قسموا خبر الْآحَاد إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام مَشْهُور وعزيز وغريب وَهَذَا التَّقْسِيم إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى عدد الروَاة وَلما كَانَ كل قسم من هَذِه الْأَقْسَام لَا يَخْلُو من صَحِيح وَغير صَحِيح عَادوا انيا فقسموه بِالنّظرِ إِلَى هَذِه الْجِهَة إِلَى مَقْبُول ومردود ثمَّ قسموا كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى أَقسَام

وَقد آن أَوَان الشُّرُوع فِي ذَلِك مرجئين الْبَحْث عَن الشاذ الَّذِي يعد قسما من أَقسَام الْفَرد الَّذِي كُنَّا فِي صدده وَكَذَلِكَ الْمُنكر إِلَى الْموضع الَّذِي يَلِيق بهما فِيمَا سَيَأْتِي فَنَقُول

خبر الْآحَاد يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ نقبول ومردود فالمقبول هُوَ مَا دلّ دَلِيل على رُجْحَان ثُبُوته فِي نفس الْأَمر والمردود مَا لم يدل على رُجْحَان ثُبُوته فِي نفس الْأَمر

فَإِن قلت يدْخل فِي تَعْرِيف الْمَرْدُود الْخَبَر الَّذِي لَا يتَرَجَّح ثُبُوته وَلَا عدم ثُبُوته بل يتساوى فِي الْأَمْرَانِ قلت نعم وَاعْتذر عَن ذَلِك من أدخلهُ فِيهِ بِأَن مُوجبه لما كَانَ التَّوَقُّف صَار كالمردود فَألْحق بِهِ لَا لوُجُود مَا يُوجب الرَّد بل لعدم وجود مَا يُوجب الْقبُول وَمن جعله قسما مُسْتقِلّا عرف الْمَرْدُود بِأَنَّهُ الْخَبَر الَّذِي دلّ دَلِيل على رُجْحَان عدم ثُبُوته فِي نفس الْأَمر

وَعرف الْخَبَر المتوقف فِيهِ بِأَنَّهُ الْخَبَر الَّذِي لم يدل دَلِيل على رُجْحَان ثُبُوته وَلَا على رُجْحَان عدم ثُبُوته وَهَذَا هُوَ الْخَبَر الْمَشْكُوك فِيهِ وَهُوَ كثير جدا تكَاد تكون أَفْرَاده أَكثر من أَفْرَاد الْقسمَيْنِ الآخرين وَحكم هَذَا الْقسم التَّوَقُّف فِيهِ الْبَتَّةَ إِلَى أَن يُوجد مَا يلْحقهُ بِأحد الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين

والمقبول يَنْقَسِم لى أَرْبَعَة أَقسَام صَحِيح لذاته وصحيح لغيره وَحسن لذاته وَحسن لغيره وَذَلِكَ لِأَن الحَدِيث إِن اشْتَمَل من صِفَات الْقبُول على أَعلَى

ص: 495

مراتبها فَهُوَ الصَّحِيح لذاته وَإِن لم يشْتَمل على أَعلَى مراتبها فَإِن وجد فِيهِ مَا يجْبر ذَلِك الْقُصُور الْوَاقِع فِيهِ فَهُوَ الصَّحِيح لَا لذاته بل لغيره وَهُوَ العاضد

وَقد مثل ذَلِك ابْن لاصلاح بِحَدِيث مُحَمَّد بنعمرو بن عَلْقَمَة عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم يبالسواك عِنْد كل صَلَاة فَإِن مُحَمَّد بن عَمْرو من الْمَشْهُورين بِالصّدقِ والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حَتَّى ضعفه بَعضهم من جِهَة سوء حفظه وَوَثَّقَهُ بَعضهم لصدقه وجلالته فَلَمَّا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك كَونه رُوِيَ من وَجه آخر أمنا بذلك مَا كُنَّا نخشاه من جِهَة سوء حفظه وانجبر بِهِ ذَلِك النَّقْص الْيَسِير فالتحق الْإِسْنَاد بِدَرَجَة الصَّحِيح

وَإِن لم يُوجد فِيهِ مَا يجْبر ذَلِك الْقُصُور الْوَاقِع فِيهِ فَهُوَ الْحسن لذاته وَإِن كَانَ الحَدِيث مَا يَقْتَضِي التَّوَقُّف فِيهِ لَكِن وجد مَا يرجح جَانب قبُوله فَهُوَ الْحسن لَا لذاته بل لغيره وَهُوَ العاضد وَذَلِكَ نَحْو أَن يكون فِي الْإِسْنَاد مَسْتُور الْحَال إِذا كَانَ غير مُغفل وَلَا كثير الْخَطَأ فِي الرِّوَايَة وَلَا مُتَّهم بِالْكَذِبِ وَنَحْوه من منافيات الْعَدَالَة فَإِذا ورد من طَرِيق آخر زَالَ التَّوَقُّف فِيهِ وَحكم بحسنه لَا لذاته بل للعاضد

فَالصَّحِيح هُوَ مَا اتَّصل إِسْنَاده بِنَقْل عدل ضَابِط عَن مثله من أَوله إِلَى منتهاه وَسلم من شذوذ وَعلة

واحترزوا بالقيد الأول وَهُوَ قَوْلهم مَا اتَّصل إِسْنَاده عَمَّا لم يتَّصل إِسْنَاده وَهُوَ الْمُنْقَطع والمعضل والمرسل عِنْد من لَا يحْتَج بِهِ

وبالقيد الثَّانِي وَهُوَ قَوْلهم بِنَقْل عدل عَن نقل مَجْهُول الْعين أَو الْحَال أَو الْمَعْرُوف بِعَدَمِ الْعَدَالَة

وبالقيد الثَّالِث وَهُوَ قَوْلهم ضَابِط غير الضَّابِط وَهُوَ الْمُغَفَّل وَكثير الْخَطَأ

وبالقيد الرَّابِع وَهُوَ قَوْلهم وَسلم من شذوذ وَعلة مَا لم يسلم من ذَلِك وَهُوَ الشاذ والمعلل

ص: 496

قَالَ بَعضهم الْأَخْضَر أَن يُقَال بِنَقْل ثِقَة عَن مثله لِأَن الثِّقَة عِنْدهم هُوَ من جمع بَين الْعَدَالَة والضبط

وَأجِيب بِأَن الثِّقَة قد ة يُطلق على من كَانَ عدلا فِي دينه وَإِن كَانَ غير مُحكم الضَّبْط والتعريف يَنْبَغِي أَن يجْتَنب فِيهِ الْأَلْفَاظ الَّتِي رُبمَا أوقعت فِي اللّبْس

وَهَذَا التَّعْرِيف إِنَّمَا هُوَ للصحيح لذاته وَهُوَ الَّذِي ينْصَرف اسْم الصَّحِيح إِلَيْهِ عِنْد الْإِطْلَاق

وَالْحسن مَا اتَّصل إِسْنَاده بِنَقْل عدل عَن مثله من أَوله إلة منتهاه وَكَانَ فِي رُوَاته مَعَ كَونهم موسومين بالضبط من لَا يكون قَوِيا فِيهِ وَسلم من شذوذ وَعلة

وَالْمرَاد بالْحسنِ هُنَا الْحسن لذاته وَهُوَ كَالصَّحِيحِ لذاته فِي كل شَيْء إِلَّا فِي أَمر وَاحِد وَهُوَ تَمام الضَّبْط فَإِن الصَّحِيح لذاته لَا بُد أَن يكون كل وَاحِد من رُوَاته تَامّ الضَّبْط وَالْحسن لذاته لَا بُد أَن يكون فِي رُوَاته من لَا يكون تَامّ الضَّبْط وَقد ظهر لَك أَن المُرَاد بالضابط فِي تَعْرِيف الصَّحِيح التَّام الضَّبْط وَقد اخْتَار بَعضهم التَّصْرِيح بذلك دفعا للالتباس

وَالْحسن لذاته إِذا ورد من طَرِيق آخر مسَاوٍ للطريق الذيورد مِنْهُ أَو أرجح ارْتَفع إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح لغيره فَإِن ورد من طَرِيق أدنى من الطَّرِيق الَّذِي ورد مِنْهُ لم يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ وَذَلِكَ كَأَن يرد من طَرِيق الْحسن لغيره إِلَّا أَن يَتَعَدَّد هَذَا الطَّرِيق

وَالْحَاصِل أَن الْحسن لذاته يرْتَفع عَن دَرَجَته إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح إِذا ورد من طَرِيق وَاحِد يكون مُسَاوِيا لطريقة أَو راجحا عَلَيْهِ أَو من طرق مُتعَدِّدَة وَلَو كَانَ كل وَاحِد مِنْهَا منحطا عَنهُ

وَأما قَول الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح بلاجمع بَين الوصفين مَعًا فللعلماء فِي مُرَاده أَقْوَال نكتفي هُنَا بإيراد أَحدهَا وَهُوَ أَن الحَدِيث الْمَوْصُوف بذلك إِن لم يكن لَهُ إِلَّا إِسْنَاد وَاحِد فوصفه بالوصفين مَعًا يكون

ص: 497

إِمَّا بِالنّظرِ إِلَى تردد النَّاظر فِي حَال الروَاة هَل هم مِمَّن بلغ دَرَجَة رُوَاة الصَّحِيح فَيحكم على مَا رَوَوْهُ بِالصِّحَّةِ أم هم مِمَّن قصر عَن تِلْكَ الدرجَة فَيحكم على مَا رَوَوْهُ بالْحسنِ

وَإِمَّا بِالنّظرِ إِلَى اخْتِلَاف أَئِمَّة الحَدِيث فِي ذَلِك فَكَأَنَّهُ يقة ل هَذَا حَدِيث حسن عِنْد قوم صَحِيح عِنْد قوم

وعَلى الْوَجْهَيْنِ يكون مَا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط أقوى مِمَّا قيل فِيهِ حسن صَحِيح لِأَنَّهُ يشْعر بِالْجَزْمِ بِخِلَاف مَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح لِأَنَّهُ يشْعر إِمَّا بتردد الْفِكر فِيهِ بَين الصِّحَّة وَالْحسن وَإِمَّا باخْتلَاف الْأَئِمَّة فِيهِ

وَإِن كَانَ الحَدِيث الْمَوْصُوف بالوصفين مَعًا لَهُ إسنادين يكون إطلاقهما مَعًا عَلَيْهِ بِالنّظرِ إِلَى حَال الْإِسْنَاد فَكَأَنَّهُ يَقُول هَذَا حَدِيث حسن بِالنّظرِ إِلَى أحد الإسنادين وصحيح بِالنّظرِ إِلَى الْإِسْنَاد الاخر وعَلى هَذَا فَمَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح أقوى مِمَّا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط هَذَا إِذا كَانَ لَهُ إِسْنَاد وَاحِد فَإِن كَانَ لَهُ أَيْضا إسنادان لم يتَعَيَّن ذَلِك لاحتمالان يكون كل مِنْهُمَا على شَرط الصَّحِيح فَيكون أقوى مِمَّا قيل فِيهِ حسن صَحِيح فَإِذا كَانَ لَهُ إسنادان وَجب الْبَحْث لأولا عَن حَالهمَا فَإِذا عرف الحكم برجحان مَا يقْضِي الْحَال برجحانه

فَإِن قيل إِن الترمي قد صرح بِأَن شَرط الْحسن أَن يروي من غير وَجه فَكيف يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه

يُقَال إِن التِّرْمِذِيّ لم يعرف الْحسن مُطلقًا وَغنما عرف نوعا خَاصّا مِنْهُ وَهُوَ مَا يَقُول فِيهِ حسن من غير صفة أُخْرَى وَذَلِكَ أَنه يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث حسن وَفِي بَعْضهَا صَحِيح وَفِي بَعْضهَا غَرِيب وَفِي بَعْضهَا حسن صَحِيح وَفِي بَعْضهَا حسن غَرِيب وَفِي بَعْضهَا صَحِيح غَرِيب وَفِي بَعْضهَا حسن صَحِيح غَرِيب

ص: 498

وتعريفه إِنَّمَا وَقع على مَا يَقُول فِيهِ حسن فَقَط وَيدل على ذَلِك مَا قَالَه فِي آخر كِتَابه وَهُوَ مَا قُلْنَا فِي كتَابنَا حَدِيث حسن فَإِنَّمَا أردنَا بِهِ حسن إِسْنَاده عندنَا فَكل حَدِيث يرْوى لَا يكون رَاوِيه مُتَّهمًا بكذب ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك وَلَا يكون شاذا فَهُوَ عندنَا حَدِيث حسن

فَعرف بِهَذَا إِنَّمَا عرف مَا يَقُول فِيهِ حسن فَقَط وَأما مَا يَقُول فِيهِ حسن صَحِيح أَو حسن غَرِيب أَو حسن صَحِيح غَرِيب فَلم يعرفهُ كَمَا لم يعرف مَا يَقُول فِيهِ صَحِيح أَو غَرِيب وَكَأَنَّهُ ترك ذَلِك لشهرته عِنْد أهل الْفَنّ وَاقْتصر على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ حسن فَقَط إِمَّا لخفائه وَإِمَّا لِأَنَّهُ اصْطِلَاح لَهُ جَدِيد لم يكن من قبل فَوَجَبَ تَعْرِيفه من قبله ليعرف مَا أَرَادَ بِهِ

ويتفاوت الصَّحِيح الرُّتْبَة بِسَبَب تفَاوت الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة للصِّحَّة فِي الْقُوَّة فَمن الرُّتْبَة الْعليا فِي ذَلِك مَا رُوِيَ بِإِسْنَاد أطلق عَلَيْهِ بعض الْأَئِمَّة أَنه أصح الْأَسَانِيد كالزهري عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه وكمحمد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة بن عَمْرو السَّلمَانِي عَن عَليّ وكإبراهيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود

ويليها فِي الرُّتْبَة مثل رِوَايَة بريد بن عبد الله بن أبي بردة عَن جده عَن أَبِيه أبي مُوسَى وَمثل رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس

ويليها فِي الرُّتْبَة مثل رِوَايَة سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَمثل رِوَايَة الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة فَإِن الْجَمِيع يشملهم اسْم الْعَدَالَة والضبط إِلَّا أَن للمرتبة الأولى من الصِّفَات المرجحة مَا يَقْتَضِي تَقْدِيم روايتهم على الَّتِي تَلِيهَا وَفِي الَّتِي تَلِيهَا من قُوَّة الضَّبْط مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمهَا على الثَّالِثَة وَهِي مُقَدّمَة على رِوَايَة من يعد مَا ينْفَرد بِهِ حسنا كمحمد بن إِسْحَاق عَن عَاصِم بن عمر عَن جَابر وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَقس على هَذَا مَا يُشبههُ

ص: 499

وَقد اخْتلف فِي أصح الْأَسَانِيد فَقَالَ البُخَارِيّ أصح الْأَسَانِيد كلهَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر

وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أصح الْأَسَانِيد كلهَا الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وَرُوِيَ نَحوه عَن أَحْمد بن حَنْبَل

وَعَن خلف بن هِشَام الْبَزَّار أَنه قَالَ سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل أَي الْأَسَانِيد أثبت فَقَالَ أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر

وَقَالَ معمر وَرُوِيَ أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة أصح الْأَسَانِيد كلهَا الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن عَليّ

وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَقْوَال أخر مَذْكُورَة فِي المبسوطات

وَالْمُخْتَار أَنه لَا يحكم لإسناد بِأَنَّهُ أصح الْأَسَانِيد كلهَا إِذْ لَا يُمكن أَن يحكم لكل راو ذكر فِيهِ بِأَنَّهُ قد حَاز أَعلَى صِفَات الْقبُول من الْعَدَالَة والضبط وَنَحْوهمَا عل وَجه لَا يوازيه فِيهِ أحد من الروَاة الْمَوْجُودين فِي عصره وَلذَلِك اضْطَرَبَتْ أَقْوَال من خَاضَ فِي ذَلِك إِذْ لَيْسَ لديهم دَلِيل مقنع واكثر الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة فِي ذَلِك متكافئة يعسر تَرْجِيح بَعْضهَا على بعض فِي الْأَكْثَر فَالْحكم حِينَئِذٍ على إِسْنَاد معِين بِأَنَّهُ أصح الْأَسَانِيد على الْإِطْلَاق مَعَ عدم اتِّفَاقهم فِيهِ تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح

قَالَ بعض الْحفاظ وَمَعَ ذَلِك يُمكن للنَّاظِر المتقن تَرْجِيح بَعْضهَا على بعض من حَيْثُ حفظ الإِمَام الَّذِي رجح وإتقانه وَإِن لم يتهيأ ذَلِك على الْإِطْلَاق فَلَا يَخْلُو النّظر فِيهِ من فَائِدَة لِأَن مَجْمُوع مَا نقل عَن الْأَئِمَّة من ذَلِك يُفِيد تَرْجِيح التراجم الَّتِي حكمُوا لَهَا بالأصحية على مَا لم يَقع لَهُ حكم من أحدهم

وَهَذَا حَيْثُ لم يكن مَانع وَلذَلِك قَالَ أَبُو بكر البرديجي أجمع أهل النَّقْل صِحَة أَحَادِيث الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وَعَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة منرواية مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَمعمر مَا لم يَخْتَلِفُوا فَإِذا اخْتلفُوا توقف فِيهَا

ص: 500

هَذَا وَلما كَانَ لَا يلْزم من كَون الْإِسْنَاد أصح من غَيره أَن يكون الْمَتْن كَذَلِك قصر الْأَئِمَّة الحكم عل الْإِسْنَاد فَقَط وَلَا يحفظ عَن أحد مِنْهُم أَنه قَالَ إِن الْأَحَادِيث المروية بِإِسْنَاد كَذَا من الْأَسَانِيد الَّتِي حكم لَهَا بِأَنَّهَا أصح من غَيرهَا هِيَ أصح الْأَحَادِيث

فَإِن كَانَ وَلَا بُد من الحكم فَيَنْبَغِي تَقْيِيد كل تَرْجَمَة بصحابيها أَو بالبلدة الَّتِي مِنْهَا أَصْحَاب تِلْكَ التَّرْجَمَة بِأَن يُقَال أصح أَسَانِيد فلَان كَذَا وَأَصَح أَسَانِيد أهل بَلْدَة كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ أقل انتشارا وَأقرب إِلَى الْحصْر بِخِلَاف الأول فَإِنَّهُ فِي أَمر وَاسع شَدِيد الانتشار وَالْحَاكِم فِيهِ على خطر من الْخَطَأ وَالْخَطَأ فِيهِ أَكثر من الْخَطَأ فِي مثل قَوْلهم لَيْسَ فِي الروَاة من اسْمه كَذَا سوى فلَان

وعَلى ذَلِك يُقَال أصح أَسَانِيد ابْن عمر مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَأَصَح أَسَانِيد ابْن مَسْعُود سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود وَأَصَح أَسَانِيد أنس بن مَالك مَالك عَن الزُّهْرِيّ وَلَهُمَا من الروَاة جمَاعَة فَأثْبت أَصْحَاب ثَابت حَمَّاد بن زيد وَقيل حَمَّاد بن سَلمَة وَأثبت أَصْحَاب قَتَادَة شُعْبَة وَقيل هِشَام الدستوَائي

وَأَصَح أَسَانِيد المكيين سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر وَأَصَح أَسَانِيد اليمانيين معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة وَأثبت أَسَانِيد المصريين اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر وَأَصَح أَسَانِيد الْكُوفِيّين يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد عَن عَليّ

وَمن الرُّتْبَة الْعليا مَا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاجه فِي صَحِيحهمَا وَذَلِكَ لجلالة شَأْنهمَا فِي هَذَا الْعلم وتقديمها على غَيرهمَا فِيهِ وفرط عنايتهما بتمييز الصَّحِيح

ص: 501

من غَيره وتلقي عُلَمَاء الحَدِيث لكتابيهما بِالْقبُولِ حَتَّى حكمُوا فِي الْجُمْلَة على كَون مَا روياه أصح الصِّحَاح

وَلم يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا الْأَمر وَغنما اخْتلفُوا فِي أَمر آخر وَهُوَ ان مَا روياه هَل يُفِيد الْعلم أم لَا فَذهب ابْن الصّلاح وَمن نحا نَحوه إِلَى أَنه يُفِيد علم الْيَقِين وَاسْتثنى من ذَلِك أحرفا يسيرَة تكلم عَلَيْهَا بعض أهل النَّقْد كالدارقطني وَغَيره قَالَ وَهِي مَعْرُوفَة عِنْد أهل هَذَا الشَّأْن

وَاسْتثنى بَعضهم أَيْضا مَا وَقع التَّعَارُض بَين مدلوليه مِمَّا اتّفق وُقُوعه فِي كِتَابَيْهِمَا وَذَلِكَ لِاسْتِحَالَة أَن يُفِيد المتناقضان الْعلم وَهَذَا حَيْثُ لم يظْهر رُجْحَان أَحدهمَا على الآخر فَإِن ظهر ذَلِك كَانَ الحكم للراجح وَصَارَ مُفِيدا للْعلم

وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن مَا روياه يُفِيد الظَّن مَا لم يتواتر وَذَلِكَ لِأَن شَأْن الْآحَاد إِفَادَة الظَّن وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الشَّيْخَيْنِ وَغَيرهمَا وتلقي الْأمة لَهما بِالْقبُولِ إِنَّمَا يَقْتَضِي وجوب الْأَخْذ بِمَا فيهمَا من غير بحث لالتزامهما إِخْرَاج الصَّحِيح فَقَط وفرط براعتهما فِي مَعْرفَته بِخِلَاف غَيرهمَا فَإِن مِنْهُم من لم يلْتَزم إِخْرَاج الصَّحِيح فَقَط وَمِنْهُم من الْتزم ذَلِك غير أَنه لَيْسَ لَهُ من البراعة فِي ذَلِك مَا لَهما

فَلم يتَعَيَّن وجوب الْعَمَل بِمَا فِي غير كِتَابَيْهِمَا إِلَّا بعد الْبَحْث وَالنَّظَر فَإِن تبينت صِحَّته وَجب الْأَخْذ بِهِ وَإِلَّا فَلَا فَظهر أَن إِجْمَاع الْعلمَاء على وجوب الْأَخْذ بِمَا فيهمَا إِن ثَبت الْإِجْمَاع لَا يدل على إِجْمَاعهم على الْقطع بِأَنَّهُ من كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِن الْأمة مأمورة بِالْعَمَلِ بِالظَّنِّ حَيْثُ لَا يطْلب الْقطع وَالظَّن قد يُخطئ

هَذَا وَقد قسم الْجُمْهُور الحَدِيث الصَّحِيح بِالنّظرِ إِلَى تفَاوت الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة للصِّحَّة فِيهِ إِلَى سَبْعَة أَقسَام كل قسم مِنْهَا أَعلَى مِمَّا بعده

الْقسم الأول مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم ويعبر عَنهُ أهل الحَدِيث بقَوْلهمْ هَذَا حَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ أَو على صِحَّته ومرادهم بالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ اتِّفَاق الشَّيْخَيْنِ لَا اتِّفَاق الْأمة وَقَالَ ابْن الصّلاح يلْزم من اتِّفَاقهمَا اتِّفَاقهم لتلقيهم لَهُ بِالْقبُولِ

الْقسم الثَّانِي مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ

ص: 502

الْقسم الثَّالِث مَا انْفَرد بِهِ مُسلم

الْقسم الرَّابِع مَا هُوَ على شَرطهمَا مِمَّا لم يُخرجهُ وَاحِد مِنْهُمَا

الْقسم الْخَامِس مَا هُوَ على شَرط البُخَارِيّ مِمَّا لم يُخرجهُ

الْقسم السَّادِس مَا هُوَ على شَرط مُسلم مِمَّا لم يُخرجهُ

الْقسم السَّابِع مَا لَيْسَ على شَرطهمَا وَلَا شَرط وَاحِد مِنْهُمَا وَلَكِن صَححهُ أحد الْأَئِمَّة المعتمدين فِي ذَلِك

وترجيح كل قسم من هَذِه الْأَقْسَام السَّبْعَة على مَا بعده إِنَّمَا هُوَ من قبيل تَرْجِيح الْجُمْلَة على الْجُمْلَة لَا تَرْجِيح كل وَاحِد من أَفْرَاده على كل وَاحِد من أَفْرَاد الآخر وَلذَلِك سَاغَ أَن يرجح بعض مَا فِي قسم من الْأَقْسَام على مَا قبله إِذا وجد مَا يَقْتَضِي التَّرْجِيح وَذَلِكَ كَمَا لَو كَانَ الحَدِيث عِنْد مُسلم مَشْهُورا فَإِنَّهُ يقدم على مَا فِي البُخَارِيّ إِذا لم يكن كَذَلِك وكما لَو كَانَ الحَدِيث الَّذِي لم يخرجَاهُ من تَرْجَمَة وصفت بِكَوْنِهَا من أصح الْأَسَانِيد كمالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر فَإِنَّهُ يقدم على مَا انْفَرد بِهِ أَحدهمَا مثلا لَا سِيمَا إِذا كَانَ فِي إِسْنَاده من فِيهِ مقَال

وَأما تَقْدِيم صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم فقد صرح بِهِ الْجُمْهُور يُوجد من أحد التَّصْرِيح بعكسه وَلَو صرح أحد بذلك لرده عَلَيْهِ شَاهد العيان فالصفات الَّتِي تَدور عَلَيْهَا الصِّحَّة فِي كتاب البُخَارِيّ أتم مِنْهَا فِي كتاب مُسلم وَأسد وَشَرطه فِيهَا أقوى وَأَشد

أما رجحانه من حَيْثُ الِاتِّصَال فلاشتراطه أَن يكون الرَّاوِي قد ثَبت لَهُ لِقَاء من روى عَنهُ وَلَو مرّة وَاكْتفى مُسلم بالمعاصرة وَأما مَا أَرَادَ مُسلم إِلْزَام البُخَارِيّ بِهِ من أَنه يلْزمه أَن لَا يقبل العنعنة أصلا فَلَيْسَ بِلَازِم لِأَن الرَّاوِي إِذا ثَبت لَهُ اللِّقَاء مرّة كَانَ من المستبعد فِي رواياته احْتِمَال أَن لَا يكون سمع مِنْهُ وَإِذا فرض ذَلِك كَانَ مدلسا وَالْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي غير المدلس

ص: 503

وَأما رجحانه من حَيْثُ الْعَدَالَة والضبط فَلِأَن الرِّجَال الَّذين تكلم فيهم من رجال مُسلم أَكثر عددا من الرِّجَال الَّذين تكلم من رجال البُخَارِيّ فَإِن الَّذين انْفَرد البُخَارِيّ بهم أَربع مئة وَبضْعَة وَثَمَانُونَ رجلا تكلم بالضعف فِي ثَمَانِينَ مِنْهُم وَالَّذين انْفَرد بهم مُسلم سِتّ ومئة وَعِشْرُونَ رحلا تكلم فِي الضعْف فِي مئة وَسِتِّينَ مِنْهُم

وَالَّذين انْفَرد البُخَارِيّ بهم مِمَّن تكلم فِيهِ أَكْثَرهم من شُيُوخه لَقِيَهُمْ وخبرهم وَخبر حَدِيثهمْ بِخِلَاف مُسلم فَأكْثر من انْفَرد بِهِ مِمَّن تكلم فِيهِ من الْمُتَقَدِّمين وَلَا شكّ أَن الْمَرْء أعرف بِحَدِيث شُيُوخه من حَدِيث غَيرهم مِمَّن تقدم عَنهُ على أَن البُخَارِيّ لم يكثر من إِخْرَاج أَحَادِيث من تكلم فيهم من رِجَاله بِخِلَاف مُسلم

وَأما رجحانه من حَيْثُ عدم الشذوذ والإعلال وَنَحْو ذَلِك فَلِأَن مَا انتقد على البُخَارِيّ من الْأَحَادِيث أقل عددا مِمَّا انتقد على مُسلم فَإِن مَا انتقد عَلَيْهِمَا بلغ مئتين وَعشْرين حَدِيثا اشْتَركَا فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا واختص البُخَارِيّ مِنْهَا بِثمَانِيَة وَسبعين وَمُسلم بمئة وَإِن كَانَ الانتقاد فِي أَكثر مَا انتقد من أحاديثهما مَبْنِيا على علل لَيست بقادحة

وَأما رُجْحَان نفس البُخَارِيّ على نفس مُسلم فِي صناعَة الحَدِيث فَذَلِك مِمَّا لَا ريب فِيهِ وَقد كَانَ مُسلم تِلْمِيذه وخريجه وَلم يزل يَسْتَفِيد مِنْهُ ويتتبع آثاره

وَقد أَشَارَ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية إِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة فِي كتاب منهاج السّنة حَيْثُ قَالَ إِن التَّصْحِيح لم يُقَلّد أَئِمَّة الحَدِيث فِيهِ البُخَارِيّ وَمُسلمًا بل جُمْهُور مَا صَحَّحَاهُ كَانَ قبلهمَا عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث صَحِيحا متلقى بِالْقبُولِ وَكَذَلِكَ فِي عصرهما مَا صَحَّحَاهُ إِلَّا مَوَاضِع يسيرَة نَحْو عشْرين حَدِيثا انتقدها عَلَيْهِمَا طَائِفَة من الْحفاظ وَهَذِه الْمَوَاضِع المنتقدة غالبها فِي مُسلم

ص: 504

وَقد انتصر طَائِفَة لَهما فِيهَا وَطَائِفَة قررت قَول المنتقد وَالصَّحِيح التَّفْصِيل فَإِن فِيهَا مَوَاضِع منتقدة بِلَا ريب مثل حَدِيث أم حَبِيبَة وَحَدِيث خلق الله التربة يَوْم السبت وَحَدِيث صَلَاة الْكُسُوف بِثَلَاث ركوعات وَأكْثر وفيهَا مَوَاضِع لَا انتقاد فِيهَا فِي البُخَارِيّ فَإِنَّهُ أبعد الْكِتَابَيْنِ عَن الانتقاد وَلَا يكَاد يروي لفظا فِيهِ انتقاد إِلَّا ويروي اللَّفْظ الآخر الَّذِي يبين أَنه منتقد فَمَا فِي كِتَابه لفظ منتقد إِلَّا وَفِي كِتَابه مَا يبين أَنه منتقد

وَفِي الْجُمْلَة من نقد سَبْعَة آلَاف دِرْهَم فَلم يبهرج فِيهَا إِلَّا دَرَاهِم يسيرَة وَمَعَ هَذَا فَهِيَ مفيدة لَيست مغشوشة مَحْضَة فَهَذَا إِمَام فِي صَنعته والكتابان سَبْعَة آلَاف حَدِيث وَكسر وَالْمَقْصُود أَن أحاديثهما نقدها الْأَئِمَّة الجهابذة قبلهم وبعدهم وَرَوَاهَا خلائق لَا يُحْصى عَددهمْ إِلَّا الله فَلم ينفردا لَا بِرِوَايَة وَلَا بتصحيح وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ الحفيظ يحفظ هَذَا الدّين كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون}

هَذَا وكما يتَفَاوَت الصَّحِيح بِالنّظرِ إِلَى الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة للصِّحَّة فِيهِ يتَفَاوَت الْحسن بِالنّظرِ إِلَى الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة لِلْحسنِ فِيهِ

وَأَعْلَى مَرَاتِب الْحسن رِوَايَة بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَابْن إِسْحَاق عَن التَّيْمِيّ وأمثال ذَلِك

وَيَتْلُو ذَلِك رِوَايَة الْحَارِث بن عبد الله وَعَاصِم بن ضَمرَة وحجاج بن أَرْطَاة وَنَحْوهم مِمَّن اخْتلف فِي تَحْسِين حَدِيثه وتضعيفه

قَالَ بعض الباحثين إِن الَّذِي لَهُ مَرَاتِب إِنَّمَا هُوَ الْحسن لذاته وَأما الْحسن

ص: 505

لغيره فَلَا مَرَاتِب لَهُ لَكِن فِي عِبَارَات أهل الْفَنّ مَا يدل على أَن لَهُ أقساما مُتعَدِّدَة فَإِنَّهُم كروا أَن الْحسن لغيره

يَشْمَل مَا كَانَ فِي رُوَاته سيئ الْحِفْظ مِمَّن كثر مِنْهُ الْغَلَط اَوْ الْخَطَأ أَو مَسْتُور لم ينْقل فِيهِ جرح وَلَا تَعْدِيل أَو نقل فِيهِ الْأَمْرَانِ مَعًا وَلم يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر أَو مُدَلّس بالعنعنة لعدم مُنَافَاة ذَلِك اشْتِرَاط نفي الاتهام بِالْكَذِبِ

ويشمل أَيْضا مَا فِيهِ إرْسَال من إِمَام حَافظ لَا يشْتَرط الِاتِّصَال أَو انْقِطَاع بَين ثقتين حافظين

وَلأَجل كَون مَا ذكر مُوجبا للتوقف عَن الاحتجاح بِهِ اشترطوا فِيهِ أَن لَا يرد من طَرِيق آخر مسَاوٍ لطريقة أَو فَوْقه لترجيح أحد الِاحْتِمَالَيْنِ المتساويين الموجبين للتوقف وَذَلِكَ لِأَن سيئ الْحِفْظ مثلا يحْتَمل أَن يكون ضبط مَا روى وَيحْتَمل أَن لَا يكون ضَبطه فَإِذا ورد مثل مَا رَوَاهُ أَو مَعْنَاهُ من طَرِيق آخر غلب على الظَّن أَنه ضبط وَكلما كثر المتابع قوي الظَّن

وَمَا ذكر من عدم اشْتِرَاط الِاتِّصَال فِي الْحسن لغيره هُوَ المطابق لما فِي جَامع التِّرْمِذِيّ الَّذِي هُوَ أول من عرف هَذَا النَّوْع وَأكْثر من ذكره فقد حكم لأحاديث بالْحسنِ مَعَ وجود الِانْقِطَاع فِيهَا

وَذكر بعض الْعلمَاء أَن بعض الْأَحَادِيث الضعيفة إِذا كثرت طرقها قوي بَعْضهَا بَعْضًا وَصَارَت بذلك من قبيل الْحسن فيحتج بهَا وَقد نحا نَحْو ذَلِك ابْن لاقطان حَيْثُ قَالَ هَذَا الْقسم لَا يحْتَج بِهِ كُله بل يعْمل بِهِ فِي فَضَائِل الْأَعْمَال ويتوقف عَن الْعَمَل بِهِ فِي الْأَحْكَام إِلَّا إِذا كثرت طرقه أَو عضده اتِّصَال عمل أَو مُوَافقَة شَاهد صَحِيح أَو ظَاهر الْقُرْآن

وَاسْتحْسن ذَلِك الْحَافِظ ابْن حجر وَصرح فِي مَوضِع آخر بِأَن الضَّعِيف الَّذِي ضعفه نَاشِئ عَن سوء الْحِفْظ إِذا كثرت طرقه ارْتقى إِلَى مرتبَة الْحسن وَلكنه هُوَ مُتَوَقف فِي شُمُول الْحسن الْمُسَمّى بِالصَّحِيحِ عِنْد من لَا يفرق بَينهمَا

ص: 506

وَقد أَشَارَ الْعَلامَة أَبُو الْفَتْح تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد الاقتراح إِلَى التَّوَقُّف فِي إِطْلَاق الِاحْتِجَاج بالْحسنِ حَيْثُ قَالَ إِن هَا هُنَا أوصافا يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة إِذا وجدت فِي الرَّاوِي فَإِن كَانَ هَذَا الحَدِيث الْمُسَمّى بالْحسنِ مِمَّا قد وجدت فِيهِ هَذِه الصِّفَات على أقل الدَّرَجَات الَّتِي يجب مَعهَا الْقبُول فَهُوَ صَحِيح وَإِن لم تُوجد فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن سمي حسنا

اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يرد هَذَا إِلَى أَمر اصطلاحي وَهُوَ أَن يُقَال إِن الصِّفَات الَّتِي يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة لَهَا مَرَاتِب ودرجات فأعلاها وأوسطها يُسمى صَحِيحا وَأَدْنَاهَا يُسمى حسنا وَحِينَئِذٍ يرجع الْأَمر إِلَى الِاصْطِلَاح وَيكون الْكل صَحِيحا فِي الْحَقِيقَة والمر فِي الِاصْطِلَاح قريب لَكِن من أَرَادَ هَذِه الطَّرِيقَة فَعَلَيهِ أَن يعْتَبر مَا سَمَّاهُ أهل الحَدِيث حسنا ويتحقق وجود الصِّفَات الَّتِي يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث اهـ

وَمِمَّنْ كَانَ لَا يحْتَج بالْحسنِ أَبُو حَاتِم الرَّاوِي فَإِنَّهُ سُئِلَ عَن حَدِيث فحسنه فَقيل لَهُ أتحتج بِهِ فَقَالَ إِنَّه حسن فأعيد عَلَيْهِ السُّؤَال مرَارًا وَهُوَ لَا يزِيد على قَوْله إِنَّه حسن وَنَحْوه أَنه سُئِلَ عَن عبد ربه بن سعيد فَقَالَ إِنَّه لَا بَأْس بِهِ فَقيل لَهُ أتحتج بحَديثه فَقَالَ هُوَ حسن الحَدِيث الْحجَّة سُفْيَان وَشعْبَة

وَقد وجد فِي كَلَامهم إِطْلَاق الْحسن على الْغَرِيب قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانُوا إِذا اجْتَمعُوا كَرهُوا أَن يخرج الرجل حسان أَحَادِيثه قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِنَّه عَنى الغرائب وَوجد للشَّافِعِيّ إِطْلَاقه فِي الْمُتَّفق على صِحَّته وَلابْن الْمَدِينِيّ فِي الْحسن لذاته وللبخاري فِي الْحسن لغيره

وَقد وجد إِطْلَاقه مرَادا بِهِ الْمَعْنى اللّغَوِيّ كَمَا وَقع لِابْنِ عبد الْبر حَيْثُ روى فِي كتاب الْعلم حَدِيث معَاذ بن جبل مَرْفُوعا تعلمُوا الْعلم فَإِن تعلمه لله خشيَة

ص: 507

وَطَلَبه عبَادَة الحَدِيث بِطُولِهِ وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن جدا وَلَكِن لَيْسَ لَهُ إِسْنَاد قوي أَرَادَ بالْحسنِ حسن اللَّفْظ لِأَنَّهُ من رِوَايَة مُوسَى الْبُلْقَاوِيُّ وَهُوَ كَذَّاب نسب إِلَى الْوَضع عَن عبد الرَّحِيم الْعمي وَهُوَ مَتْرُوك

قَالَ بعض الْعلمَاء يلْزم على هَذَا ان يُطلق على الحَدِيث الْمَوْضُوع إِذا كَانَ حسن اللَّفْظ أَنه حسن وَلَك لَا يَقُوله أحد من الْمُحدثين إِذا جروا عل اصطلاحهم

وَقَالَ بَعضهم يلْزم على هَذَا أَن يُوصف كل حَدِيث ثَابت بذلك لِأَن الْأَحَادِيث كلهَا حَسَنَة الْأَلْفَاظ بليغة

وَالظَّاهِر ان المُرَاد بالْحسنِ فِي مثل عبارَة ابْن عبد الْبر مَا يمِيل إِلَيْهِ ذُو الطَّبْع السَّلِيم إِذا طرق سَمعه وجود شَيْء يُنكر فِيهِ فَإِن أَكثر الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا الضُّعَفَاء يجد السَّامع مِنْهَا حزازة فِي نَفسه وَلذَلِك قَالَ بَعضهم إِن الحَدِيث الْمُنكر ينفر مِنْهُ قلب طَالب الْعلم فِي الْغَالِب

وَفِي الْجُمْلَة حَيْثُ اخْتلف صَنِيع الْأَئِمَّة فِي إِطْلَاق لفظ الْحسن فَلَا يسوغ إِطْلَاق القَوْل بالاحتجاج بِهِ إِلَّا بعد النّظر فِي ذَلِك فَمَا كَانَ مِنْهُ منطبقا على الْحسن لذاته فَهُوَ مَقْبُول يسوغ الِاحْتِجَاج بِهِ وَمَا كَانَ مِنْهُ منطبقا على الْحسن لغيره فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِن ورد من طرق يحصل من مجموعها مَا يتَرَجَّح بِهِ جَانب الْقبُول قبل وَاحْتج بِهِ وَمَا لَا فَلَا وَهَذِه أُمُور جملية لَا ينجلي أمرهَا إِلَّا بِالْمُبَاشرَةِ

وَمن الْأَلْفَاظ المستعملة عِنْد أهل الحَدِيث فِي المقبول الْجيد وَالْقَوِي والصالح وَالْمَعْرُوف وَالْمَحْفُوظ والمجود وَالثَّابِت والمشبه

فَأَما الْجيد فقد سوى بَعضهم بَينه وَبَين الصَّحِيح وَقد وَقع فِي كَلَام التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ فِي الطِّبّ هَذَا حَدِيث جيد حسن وَقَالَ بَعضهم إِنَّه وَإِن كَانَ بِمَعْنى صَحِيح لَكِن الجهبذ من الْمُحدثين لَا يعدل عَن صَحِيح إِلَى جيد إِلَّا لنكتة كَأَن يرتقي الحَدِيث عِنْده عَن الْحسن لذاته ويتردد فِي بُلُوغه دَرَجَة الصَّحِيح فالوصف بِهِ أنزل رُتْبَة من الْوَصْف بِصَحِيح

ص: 508

وَكَذَا الْقوي

وَأما الصَّالح فَإِنَّهُ شَامِل للصحيح وَالْحسن لصلاحيتهما للاحتجاج وَيسْتَعْمل أَيْضا فِي ضَعِيف يصلح للاعتبار

وَأما الْمَعْرُوف فَهُوَ مُقَابل الْمُنكر

وَأما المجود وَالثَّابِت فيشملان الصَّحِيح وَالْحسن

وَأما الْمُشبه فيطلق على الْحسن وَمَا يُقَارِبه فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كنسبة الْجيد إِلَى الصَّحِيح قَالَ أَبُو حَاتِم أخرج عَمْرو بن حُصَيْن الْكلابِي أول شَيْء أَحَادِيث مشبهة حسانا ثمَّ أخرج بعد أَحَادِيث مَوْضُوعَة فأفسد علينا مَا كتبنَا

تَنْبِيه قَول الْحفاظ هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد دون قَوْلهم هَذَا حَدِيث صَحِيح وَقَوْلهمْ هَذَا حَدِيث حسن الْإِسْنَاد دون قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسن لِأَنَّهُ قد يَصح الْإِسْنَاد أَو يحسن لثقة رِجَاله دون الْمَتْن لشذوذ اَوْ عِلّة فَإِن اقْتصر على ذَلِك إِمَام مُعْتَمد فَالظَّاهِر صِحَة الْمَتْن وَحسنه لِأَن الأَصْل هُوَ عدم الشذوذ وَالْعلَّة

وَقَالَ بعض الْعلمَاء الَّذِي لَا يشك فِيهِ أَن الإِمَام مِنْهُم لَا يعدل عَن قَوْله صَحِيح إِلَى قَوْله صَحِيح الْإِسْنَاد إِلَّا لأمر مَا وعَلى كل حَال فالتقييد بِالْإِسْنَادِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي صِحَة الْمَتْن أَو ضعفه

وَيشْهد لعدم التلازم مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي بكر بن خَلاد عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن يحيى بن سعيد عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة تسحرُوا فَإِن فِي السّحُور بركَة قَالَ هَذَا حَدِيث مُنكر وَإِسْنَاده حسن

وَقد أورد الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه غير حدث يحكم على إِسْنَاده بِالصِّحَّةِ وعَلى

ص: 509

الْمَتْن بالوهاء لعلته أَو شذوذه وَقد فعل نَحْو لَك كثير من الْمُتَقَدِّمين وَمِمَّنْ فعل ذَلِك من الْمُتَأَخِّرين الْحَافِظ الْمزي فَإِنَّهُ تكَرر مِنْهُ الحكم بصلاحية الْإِسْنَاد ونكارة الْمَتْن

وَزِيَادَة رَاوِي الصَّحِيح وَالْحسن تقبل مُطلقًا إِن لم تكن مُنَافِيَة لرِوَايَة من لم يذكرهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كالحديث المستقل الَّذِي ينْفَرد بِهِ الثِّقَة وَلَا يرويهِ عَن شَيْخه غَيره فَإِن كَانَت مُنَافِيَة لَهَا بِحَيْثُ يلْزم قبُولهَا رد الرِّوَايَة الْأُخْرَى بحث عَن الرَّاجِح مِنْهُمَا فَإِن كَانَ الرَّاجِح مِنْهُمَا رِوَايَة من لم يذكر تِلْكَ الزِّيَادَة لمزيد ضَبطه أَو كَثْرَة عدده أَو غير ذَلِك من مُوجبَات الرجحان ردَّتْ تِلْكَ الزِّيَادَة وَإِن كَانَ الرَّاجِح مِنْهُمَا رِوَايَة من ذكر تِلْكَ الزِّيَادَة قبلت وَإِن لم ترجح إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى بِوَجْه مَا وَهُوَ نَادِر اخْتلف فِي ذَلِك فَقَالَ بَعضهم تقبل وَقَالَ بَعضهم يتَوَقَّف فِيهَا

وَقد اشْتهر عَن جمع من الْعلمَاء إِطْلَاق القَوْل بِقبُول زِيَادَة الثِّقَة مَعَ أَن قبُولهَا مُقَيّد بِمَا ذكر آنِفا ولعلهم إِنَّمَا سكتوا عَن ذَلِك اكْتِفَاء بِمَا ذكرُوا فِي تَعْرِيف الصَّحِيح وَالْحسن من اعْتِبَار السَّلامَة من الشذوذ فيهمَا وفسروا الشذوذ بمخالفة الثِّقَة من هُوَ أوثق مِنْهُ فَلَو قبلوا زِيَادَة الثِّقَة مَعَ منافاتها لرِوَايَة من هُوَ أوثق مِنْهُ كَانُوا قد أخلوا بِمَا شرطوه من السَّلامَة من الشذوذ وَفِي ذَلِك من التَّنَاقُض الْجَلِيّ مَا لَا يخفى على أمثالهم

وَأما الَّذين لم يطلقوا القَوْل فِي قبُول زِيَادَة الثِّقَة فكثير مِنْهُم من أَئِمَّة الحَدِيث الْمُتَقَدِّمين عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَيحيى الْقطَّان وَأحمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فقد نقل عَنْهُم اعْتِبَار التَّرْجِيح فِي الزِّيَادَة وَغَيرهَا

وَمِنْهُم ابْن خُزَيْمَة فَإِنَّهُ قيد قبُول الزِّيَادَة باستواء الطَّرفَيْنِ فِي الْحِفْظ والإتقان فَإِن كَانَ السَّاكِت عددا أَو وَاحِدًا أحفظ مِنْهُ أَو لم يكن هُوَ حَافِظًا وَإِن كَانَ صَدُوقًا فَإِن الزِّيَادَة لَا تقبل

ص: 510

وَقد نحا نَحوه ابْن عبد الْبر فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّمْهِيد إِنَّمَا تقبل الزِّيَادَة إِذا كَانَ راويها أحفظ وأتقن مِمَّن قصر أَو مثله فِي الْحِفْظ فَإِن كَانَت من غير حَافظ وَلَا متقن فَلَا الْتِفَات إِلَيْهَا

وَمِنْهُم ابْن السَّمْعَانِيّ فَإِنَّهُ قيد الْقبُول بِمَا إِذا لم يكن الساكتون مِمَّن لَا يغْفل مثلهم عَن مثلهَا عَادَة أَو لم تكن مِمَّا تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله

وَقد وَقع فِي رِسَالَة الإِمَام الشَّافِعِي فِي الْأُصُول مَا يُشِير إِلَى أَن زِيَادَة الثِّقَة لَيست مَقْبُولَة عِنْده مُطلقًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي أثْنَاء كَلَامه على مَا يعْتَبر بِهِ حَال الرَّاوِي فِي الضَّبْط مَا نَصه وَسُكُون إِذا شرك أحدا من الْحفاظ لم يُخَالِفهُ فَإِن خَالفه فَوجدَ حَدِيثه أنقص كَانَ فِي ذَلِك دَلِيل على صِحَة مخرج حَدِيثه وَمَتى خَالف مَا وصفت أضرّ ذَلِك بحَديثه اهـ

فقد جعل زِيَادَة الْعدْل الَّذِي يختبر ضَبطه غير مَقْبُولَة إِذا خَالَفت رِوَايَة الْحَافِظ بل مضرَّة بحَديثه لدلالتها على قلَّة ضَبطه وتحريه بِخِلَاف نَقصه من الحَدِيث لدلالته على تحريه فَإِذا كَانَت زِيَادَة الْعدْل الَّذِي لم يعرف ضَبطه بعد غير مَقْبُولَة إِذا خَالَفت رِوَايَة الْحَافِظ تكون زِيَادَة الثِّقَة غير مَقْبُولَة إِذا خَالَفت رِوَايَة من هُوَ أوثق مِنْهُ رِعَايَة للراجح فِي الْمَوْضِعَيْنِ

فَإِن تصورت أَن نِسْبَة الْعدْل الَّذِي لم يعرف ضَبطه بعد إِلَى الْحَافِظ لَيست كنسبة الثِّقَة إِلَى من هُوَ أوثق مِنْهُ بل بَينهمَا فرق ظَاهر فافرض الْمَسْأَلَة فِي حَدِيث ورد من طَرِيقين رجال أَحدهمَا من الدرجَة الْعليا فِي رُوَاة الصَّحِيح وَرِجَال الآخر من الدرجَة الدُّنْيَا فِي رُوَاة الْحسن غير أَنه وَقعت فِي روايتهم زِيَادَة مُنَافِيَة لما وَقع فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي إسنادها من أَعلَى الْأَسَانِيد فَهَل تتَصَوَّر أَن من يرد الزِّيَادَة فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة يتَوَقَّف فِي رد الزِّيَادَة هُنَا وَبِمَا ذكرنَا يظْهر لَك قُوَّة مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَافِظ ابْن حجر من دلَالَة كَلَام الإِمَام الشَّافِعِي على أَن زِيَادَة الثِّقَة لَيست مَقْبُولَة عِنْده مُطلقًا

ص: 511