الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشهداء في المعركة يدفنون في مواطن استشهادهم ولا ينقلون إلى المقابر
- ويسثني مما سبق الشهداء في المعركة، فإنهم يُدفنون في مواطن استشهادهم ولا ينقلون إلى المقابر لحديث جابر رضي الله عنه قال:«خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى المشركين ليقاتلهم، وقال أبي عبد الله: يا جابر ابن عبد الله لا عليك أن تكون في نظاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا، فإني والله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي، قال: فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا - إذ لحق رجل ينادي: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلي فتدفنوها في مصارعها حيث قُتلت فرجعنا بهما فدفناهما حيث قتلا» .
أحكام الجنائز [175].
لا يجوز الدفن في أوقات ثلاثة
- ولا يجوز الدفن في الأحوال الآتية إلا لضرورة:
أ - الدفن في الاوقات الثلاثة لحديث عقبة بن عامر المتقدم، «ص 130» بلفظ:«ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» .
والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا، وقد ذهب إلى ذلك ابن حزم في «المحلى» «5/ 114 - 115» وغيره من العلماء، .
ومن التأويلات البعيدة، بل الباطلة قول بعضهم:«قوله: «نقبر» أي نصلي» قال أبو الحسن السندي: «ولا يخفى أنه معنى بعيد، لا ينساق إليه الذهن من لفظ الحديث، قال بعضهم «يقال: قبره إذا دفنه، ولا يقال: قبره إذا صلى عليه» .
والأقرب أن الحديث يميل إلى قول أحمد وغيره أن الدفن مكروه في هذه الاوقات.
قلت: وقد رد ذلك التأويل الامام النووي أيضا، ولكنه في سبيل بيان ذلك وقع في تأويل آخر يشبه هذا، وادعي دعوى غير ثابتة فقال في «شرح مسلم»: «قال بعضهم إن المراد بالقبر صلاة الجنازة، وهذا ضعيف، لان صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع، فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع، بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الاوقات، كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر
…
فأما إذا وقع الدفن في هذه الاوقات بلا تعمد فلا يكره».
قلت: وهذا تأويل لا دليل عليه، والحديث مطلق يشمل المتعمد وغيره، فالحق عدم جواز الدفن ولو لغير المتعمد، فمن أدركته فيها فليتريث حتى يخرج وقت الكراهة.
وأما ادعاؤه أن صلاة الجنازة لا تكره في مثل هذا الاوقات بالإجماع فوهم منه رحمه الله، فالمسألة خلافية والصواب فيها الكراهة خلاف الإجماع المزعوم.
ب - في الليل لحديث جابر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من أصحابه قُبض فكُفن في كفن غير طائل وقبر ليلا، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك» أخرجه مسلم وغيره وقد سبق في المسألة «35 ص 56» والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا، وهو مذهب أحمد رحمه الله في رواية عنه ذكرها في «الإنصاف» «2/ 547» قال:«لا يفعله إلا لضرورة، وفي أخرى عنه: يكره» .
قلت: والأول أقرب لظاهر قوله «زجر» فإنه أبلغ في النهي من لفظ «نهى» الذي يمكن حمله على الكراهة، على أن الاصل فيه التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة.
لكن يُشكل على ما ذكرنا قوله في الحديث «حتى يصلى عليه» .
فإنه يدل بظاهره أيضا على جواز الدفن ليلا بعد الصلاة لأنها هي الغاية من النهي، فإذا حصلت ارتفع النهي، لكن يرد عليه قوله «إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك» فإن إسم الاشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الدفن ليلا قبل الصلاة إلا عند الضرورة فيجوز.
وهذا بعيد جدًا، لأن من السهل أن نتصور اضطرار المشيعين للدفن ليلا لأسباب كثيرة كما سيأتي عن ابن حزم ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا لدفنه دون أن يصلو عليه، ومما يزيده بعدا أن هذا المعنى يجعل قيد «الليل» عديم الفائدة، إذ الدفن قبل الصلاة، كما لا يجوز ليلا، فكذلك لا يجوز نهارا، فإن جاز ليلا لضرورة جاز نهارا من أجلها ولا فرق، فما فائدة التقييد ب «الليل» حينئذ.
لا شك أن الفائدة لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أو لا من عدم جواز الدفن ليلا، وبيان ذلك: أن الدفن في الليل مظنة قلة المصلين على الميت، فنهي عن الدفن ليلا حتى يصلي عليه نهارا، لأن الناس في النهار أنشط في الصلاة عليه، وبذلك تحصل الكثرة من المصلين عليه، هذه الكثرة التي هي من مقاصد الشريعة وأرجى لقبول شفاعتهم في الميت كما سبق بيانه في «المسألة «63» ، «ص 96» قال النووي: في «شرح مسلم» :
قلت: فإذا عرف أن العلة قلة المصلين وخشية رداءة الكفن، ينتج من ذلك أنه لو صلي عليه نهارا، ثم تأخر دفنه لعذر إلى الليل أنه لا مانع من دفنه فيه لانتفاء العلة وتحقق الغاية وهي كثرة المصلين، وعليه فهل يجوز التأخر بدفن الميت في النهار تحصيلا للغاية المذكورة، استحسن ذلك الصنعاني في «سبل السلام» «2/ 166» ،
ولست أرى ذلك لأن العلة المذكورة مقيَّدة فلا يجوز تعديتها إلى النهار لوجود الفارق الكبير بين الظرفين، فإن القلة في الليل أمر طبيعي، بخلاف النهار فالكثرة فيه هي الطبيعي، ثم إن هذه الكثرة لا حد لها فكلما تؤخر بالميت زادت الكثرة، ولذلك نرى بعض المترفين الذين يحبون الظهور رياء وسمعة، ولو على حساب الميت قد يؤخرونه اليوم واليومين ليحضر الجنازة أكبر عدد ممكن من المشيعين.
فلو قيل بجواز ذلك لأدي إلى مناهضة الشارع في أمره بالاسراع بالجنازة على ما سبق بيانه في المسألة «17» «ص 13» بعلة الكثرة التي لا ضابط لها.
بعد هذا يتبين لنا الجواب عن الاشكال الذي أو ردته في قوله «حتى يصلى عليه» إذ أنه ظهر أن المراد حتى يصلى عليها نهارا لكثرة الجماعة، كي تبين أن إسم الاشارة في قوله «إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك» يعود إلى الدفن ليلا ولو مع قلة المصلين، لا إلى الدفن مع ترك الصلاة عليه إطلاقا، فليتأمل فإنه حقيق بالتأمل.
قلت: والجواب الأول وهو أن النهي كان لترك الصلاة، لا يصح، لأنه لو كان كذلك لم يكن ثمة فرق بين الدفن ليلا أو نهارا كما سبق بيانه، بل الصواب أن النهي إنما كان للأمرين اللذين سبقا في كلام القاضي، ولذلك اختار ابن حزم أنه لا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة.
واستدل على ذلك بهذا الحديث، ثم أجاب عن الاحاديث الواردة في الدفن