الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للميت كما هو ظاهر في عرف الناس كلهم. فالصواب قول من يوجب شق البطن وإخراجه إذا رجح الطبيب حياته بعد خروجه، وقد صرح بهذا بعضهم.
وقال في منار السبيل «1/ 178» : وان خرج بعضه حيا شق للباقي لتيقن حياته بعد ان كانت متوهمة.
قلت: وما اختاره السيد رحمه الله تعالى هو الاصح عند الشافعية كما قال النووي «5/ 301» وعزاه لقول أبي حنيفة وأكثر الفقهاء، وهو مذهب ابن حزم «5/ 166 - 167» وهو الحق إن شاء الله تعالى.
أحكام الجنائز [295]
حرمة نبش قبر المسلم
ويستفاد من الحديث [أي المتقدم]:
1 -
حرمة نبش قبر المسلم لما فيه من تعريض عظامه للكسر، ولذلك كان بعض السلف يتحرج من أن يحفر له في مقبرة يكثر الدفن فيها، قال الامام الشافعي في «الأم» «1/ 245»:«أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ما أحب أن أدفن بالبقيع! لأن أدفن في غيره أحب ألي، إنما هو أحد رجلين، إما ظالم، فلا أحب أن أكون في جواره، وإما صالح فلا أحب أن ينبش في عظامه، قال: وإن أخرجت عظام ميت أحببت أن تعاد فتدفن» .
وقال النووي في «المجموع» «5/ 303» ما مختصره:
«ولا يجوز نبش القبر لغير سبب شرعي باتفاق الأصحاب، ويجوز بالاسباب الشرعية كنحو ما سبق «في المسألة 109» ، ومختصره: أنه يجوز نبش القبر إذا بلى الميت وصار ترابا، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه.
ويجوز زرع تلك الأرض وبناؤها، وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الاصحاب، وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم وغيره، ويختلف ذلك باختلاف
البلاد والارض. ويعتمد فيه قول أهل الخبرة بها».
قلت: ومنه تعلم تحريم ما ترتكبه بعض الحكومات الاسلامية من دوس بعض المقابر الاسلامية ونبشها من أجل التنظيم العمراني، دون أي مبالاة بحرمتها، أو اهتمام بالنهي عن وطئها وكسر عظامها ونحو ذلك. ولا يتوهمن أحد، أن التنظيم المشار إليه يبرر مثل هذه المخالفات، كلا، فإنه ليس من الضروريات، وإنما هي من الكماليات التي لا يجوز بمثلها إلاعتداء على الاموات، فعلى الاحياء أن ينظموا أمورهم، دون أن يؤذوا موتاهم.
ومن العجائب التي تلفت النظر، أن ترى هذه الحكومات تحترم الأحجار والأبنية القائمة على بعض الموتى أكثر من احترامها للاموات أنفسهم. فإنه لو وقف في طريق التنظيم المزعوم بعض هذه الابنية من القباب أو الكنائس ونحوها تركتها على حالها، وعدلت من أجلها خارطة التنظيم إبقاء عليها، لأنهم يعتبرونها من الآثار القديمة!
وأما قبور الموتى أنفسهم فلا تستحق عندهم ذلك التعديل! بل إن بعض تلك الحكومات لتسعى فيما علمنا - إلى جعل القبور خارج البلدة، والمنع من الدفن في القبور القديمة - وهذه مخالفة أخرى في نظري، لأنها تفوت على المسلمين سنة زيارة القبور، لأنه ليس من السهل على عامة الناس أن يقطع المسافات الطويلة حتى يتمكن من الوصول إليها، ويقوم بزيارتها والدعاء لها! والحامل على هذه المخالفات - فيما أعتقد - إنما هو التقليد الاعمى لأوروبا المادية الكافرة، التي تريد أن تقضي على كل مظهر من مظاهر الايمان بالاخرة، وكل ما يذكر بها، وليس هو مراعاة القواعد الصحية كما يزعمون، ولو كان ذلك صحيحا لبادروا إلى محاربة الاسباب التي لا يشك عاقل في ضررها مثل بيع الخمور وشربها، والفسق والفجور على اختلاف اشكاله وأسمائه، فعدم اهتمامهم بالقضاء على هذه المفاسد الظاهرة، وسعيهم إلى إزالة كل ما يذكر بالاخرة وإبعادها عن أعينهم أكبر دليل على أن القصد خلاف ما يزعمون ويعلنون، وما تكنه صدورهم أكبر.