الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إغماض الميت والدعاء له
فإذا قضى وأسلم الروح، فعليهم عدة أشياء:
أ، ب - أن يغمضوا عينيه، ويدعوا له أيضا لحديث أم سلمة قالت:«دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة، وقد شُقّ بصره، فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فان الملائكة يؤمّنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه» .
ج - أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه لحديث عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببردة حبرة» .
د - وهذا في غير من مات محرما، فأما المحرم، فإنه لا يُغطَّى رأسه ووجهه لحديث ابن عباس قال:«بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته فوقصته، أو قال: فأقعصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين» وفي رواية: «في ثوبيه ولا تحنطوه» وفي رواية: «ولا تطيبوه» ، «ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» .
هـ - أن يعجلوا بتجهيزه وإخراجه إذا بان موته، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:«أسرعوا بالجنازة .. » .
و- أن يدفنوه في البلد الذي مات فيه، ولا ينقلوه إلى غيره، لأنه ينافي الإسراع المأمور به في حديث أبي هريرة المتقدم، ونحوه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:«لما كان يوم أحد، حمل القتلى ليُدْفَنوا بالبقيع، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم - بعدما حملت أمي أبي وخالي عديلين «وفي رواية: عادلتهما» «على ناضح» لتدفنهم في البقيع - فرُدُّوا «وفي رواية قال: فرجعناهما مع القتلى حيث قتلت» .
ولذلك قالت عائشة لما مات أخ لها بوادي الحبشة فحمل من مكانه:
«ما أجد في نفسي، أو يحزني في نفسي إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه» .
وقال النووي في الأذكار: وإذا أوصى أن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون، وصرح به المحققون.
ز - أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله، ولو أتى عليه كله، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه، فإن لم تفعل، وتطوع بذلك بعضهم جاز، وفي ذلك أحاديث:
الأول: عن سعد بن الأطول رضي الله عنه: «أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالا، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، قال: فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخاك محبوس بدينه «فاذهب» فاقض عنه» «فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت» قلت: يارسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة، وليست لها بينة، قال أعطها فإنها محقة، «وفي رواية: صادقة».
الثاني: عن سمرة بن جندب.
«أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة «وفي رواية: صلى الصبح» فلما انصرف قال: أههنا من آل فلان أحد؟ «ثلاثا لا بحيبه أحد» ، «فقال رجل: هو ذا»، قال: فقام رجل يجر إزاره من مؤخر الناس «فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما منعك في المرتين الأولين أن تكون أجبتني؟ أما إني لم أفوه باسمك إلا لخير، إن فلانا - لرجل منهم - مأسور بدينه عن الجنة، فان شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله، فلو رأيت أهله ومن يتحرَّون أمره قاموا فقضوا عنه، حتى ما أحد يطلبه بشئ» .
الثالث عن جابر بن عبد الله قال: «مات رجل، فغسلناه وكفناه وحنطناه، ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز، عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، فجاء معنا، «فتخطى» خُطًى، ثم قال «لعل على صاحبكم
دينا؟ قالوا نعم ديناران، فتخلف، «قال: صلوا على صاحبكم»، فقال له رجل منا يقال له إبو قتادة: يا رسول الله هما علي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هما عليك وفي مالك، والميت منهما برئ؟ فقال: نعم، فصلى عليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي إبا قتادة يقول:«وفي رواية ثم لقيه من الغد فقال: » ما صنعت الديناران؟ «قال: يارسول الله إنما مات أمس» حتى كان آخر ذلك «وفي الرواية الاخرى: ثم لقيه من الغد فقال: ما فعل الديناران؟ » قال: قد فضيتهما يا رسول الله، قال:«الآن حين بردت عليه جلده» .
تنبيهان:
1 -
أفاد هذا الحديث أن قضاء أبي قتادة للدين كان بعد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الميت.
وهذا مُشكل، فقد صح عن أبي قتادة نفسه أنه قضاه قبل الصلاة كما سيأتي ذكره في المسألة «55» فقرة «و» ، فان لم تحمل القصة على التعدد فرواية أبي قتادة أصح من حديث جابر، لأن فيه عبد الله بن محمد عقيل، وفيه كلام، وهو حسن الحديث فيما لم يخالف فيه، وأما مع المخالفة فليس بحجة، والله أعلم.
2 -
أفادت هذه الاحاديث أن الميت ينتفع بقضاء الدين عنه، وولو كان من غير ولده، وأن القضاء يرفع العذاب عنه، فهي من جملة المخصصات لعموم قوله تبارك وتعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث .. » الحديث رواه مسلم والبخاري في الأدب المفرد وأحمد.
ولكن القضاء عنه شئ والتصدق عنه شئ آخر، فانه أخص من التصدق، وإلا فالأحاديث التي وردت في التصدق عنه، إنما موردها في صدقة الولد عن الوالدين، وهو من كسبهما بنص الحديث، فلا يجوز قياس الغريب عليهما، لأنه قياس مع الفارق مع الفارق كما هو ظاهر، ولا قياس الصدقة على القضاء، لأنها أعم منه كما ذكرنا.
الحديث الرابع: عن جابر أيضا.
أن أباه استشهد يوم أحد، وترك ست بنات، وترك عليه دينًا «ثلاثين وسقا» ، «فاشتد الغرماء في حقوقهم» ، فلما حضره جداد النخل، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يارسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا، وإني أحب أن يراك الغرماء، قال: اذهب فبيدر كل تمر على حِدَة، ففعلت، ثم دعوت، «فغدا علينا حين أصبح» ، فلما نظرو إليه أغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثلاثا «ودعا في ثمرها بالبركة» ، ثم جلس عليه، ثم قال:
ادع أصحابك، فما زال يكيل لهم، حتى أدى الله أمانة والدي، وأنا والله راض أن يؤدي الله أمانة والدي، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلمت والله البيادر كلها حتى اني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لم ينقص تمرة واحدة، «فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فذكرت ذلك له فضحك، فقال: ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما، فقالا: لقد علمنا إذ صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع أن سيكون ذلك» .
الخامس عنه أيضا قال: «كان رسول الله صلى عليه وسلم يقوم فيخطب، فيحمد الله، ويثني عليه بما هو أهل له، ويقول: «من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» ، وكان إذا ذكر الساعة احمرت عيناه، وعلا صوته واشتد غضبه، كأنه منذر جيش يقول: «صَبَّحّكم ومَسّاكم، من ترك مالا فلورثته، ومن ترك ضياعا أو دينا فعلي، وإلي، وأنا
أولى بالمؤمنين» وفي رواية: «بكل مؤمن من نفسه» .
السادس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حمل من أمتي دينا، ثم جَهِد في قضائه فمات ولم يقضه فأنا وليه» .
أحكام الجنائز [25 - 30].