الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتقدمة وأن الصلاة مع ذلك لا تكره فيه خاصة، فمن شاء بسط القول في ذلك كله فليرجع إليه.
أحكام الجنائز [275]
حرمة اتخاذ القبور مساجد
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في مرضه الذي لم يقم منه:«لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
قال الألباني في شرح هذا الحديث: أي صلوا عليها أو إليها، أو جعلوها مساجد يصلون فيها، وكل هذه المعاني الثلاثة يشملها الاتخاذ المذكور ويعمها، وعلى كل منها دليل خاص من السنة، كما فصلته في كتابي «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» .
(مشكاة المصابيح 1/ 222)
حرمة اتخاذ القبور عيدًا
-[من محرمات القبور]: اتخاذها عيدا، تقصد في أوقات معينة، ومواسم معروفة، للتعبد عندها، أو لغيرها.
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، وحيثما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني» .
والحديث دليل على تحريم اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين عيدا.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في «الاقتضاء» «ص 155 - 156» : «ووجه الدلالة أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الارض وقد نهى عن اتخاذه عيدا، فقبر غيره أولى بالنهي كائنا من كان، ثم قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ولا تتخذوا بيوتكم قبورا» أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور فأمر
بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم.
قال: فهذا أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنهم، نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم، واستدل بالحديث الذي سمعه من أبيه الحسين عن جده علي.
وهو أعلم بمعناه من غيره، فتبين أن قصده أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند غير دخول المسجد، ورأى أن ذلك من الدعاء ونحوه اتخاذ له عيدا.
وكذلك ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته كره اتخاذه عيدا.
فانظر هذه السنة كيف أن مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا له أضبط.
والعيد إذا جعل اسما للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وإتيانه للعبادة عنده أو لغير العبادة، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة جعلها الله عيدا مثابة للناس، يجتمعون فيها وينتابونها للدعاء والذكر والنسك.
وكان للمشركين أمكنة ينتابونها للاجتماع عندها، فلما جاء الاسلام محا الله ذلك كله.
وهذا النوع من الأمكنة يدخل فيه قبور الانبياء والصالحين.
ثم قال الشيخ «ص 175 - 181» : «ولهذا كره مالك رضي الله عنه وغيره من أهل العلم لاهل المدينة، كلما دخل أحدهم المسجد أن يجبئ فيسلم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه.
قال: وإنما يكون ذلك لأحدهم إذا قدم من سفر، أو أراد سفرا ونحو ذلك، ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها، وأما قصده دائما للصلاة والسلام فما علمت أحدا رخص به، لأن ذلك نوع من اتخاذه عيدا ..
مع أنه قد شرح لنا إذا دخلنا المسجد أن نقول «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» (1) كما نقول ذلك في آخر صلاتنا.
قال: فخاف مالك وغيره أن يكون فعل ذلك عند القبر كل ساعة نوعا من اتخاذ القبر عيدا.
وأيضا فإن ذلك بدعة، فقد كان المهاجرون والأنصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسجد كل يوم لعلمهم رضي الله عنهم بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه من ذلك وما نهاهم عنه، وانهم يسلمون عليه حين دخول المسجد والخروج منه، وفي التشهد كما كانوا يسلمون عليه كذلك في حياته، وما أحسن ما قال مالك: لن يصلح آخر هذه الامة إلا ما أصلح أولها، ولكن كلما ضعف تمسك الامم بعهود أنبيائهم، ونقص إيمانهم، عوضوا ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك وغيره لهذا كرهت الامة استلام القبر وتقبيله.
وبنوه بناء منعوا الناس أن يصلوا إليه، قال: وقد ذكرنا عن أحمد وغيره أنه أمر من سلم على النبي وصاحبيه ثم أراد أن يدعو أن ينصرف فيستقبل القبلة، وكذلك أنكر ذلك من العلماء المتقدمين كما لك وغيره، ومن المتأخرين مثل أبي الوفاء بن عقيل وأبي الفرج ابن الجوزي، وما أحفظ لاعن صحابي ولا عن تابعي ولا عن إمام معروف أنه استحب قصد شئ من القبور للدعاء عنده، ولا روى أحد في ذلك شيئا، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ولا عن أحد من الائمة المعروفين، وقد صنف الناس في الدعاء وأوقاته وأمكنته وذكروا فيه الاثار، فما ذكر أحد منهم في فضل الدعاء عند شئ من القبور حرفا واحدا فيما أعلم، فكيف يجوز والحالة هذه أن
(1) قلت: لم أر هذه الصيغة في شئ من الأحاديث الواردة في آداب الدخول إلى المسجد والخروج منه، وأخذها من مطلق قوله: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم
…
الحديث أخرجه أبو عوانة في صحيحه «1/ 414» وأبو داود في سننه «رقم 465» ، فمما لا يخفى بعده، لا سيما وقد جاءت الصيغة في حديث فاطمة رضي الله عنها بلفظ «السلام على رسول الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» . أخرجه القاضي اسماعيل «82 - 84» وغيره. وانظر «نزل الابرار» «72» . و «الكلم الطيب «رقم 63 بتحقيقي وضع المكتب الاسلامي» . [منه].
يكون الدعاء عندها أجوب وأفضل، والسلف تنكره ولا تعرفه وتنهى عنه ولا تأمر به! ؟ قال: وقد أوجب اعتقاد استجابة الدعاء عندها وفضله أن تنتاب لذلك وتقصد، وربما اجتمع عندها اجتماعات كثيرة في مواسم معينة.
وهذا بعينه هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تتخذوا قبري عيدا» .
قال: حتي إن بعض القبور يجتمع عندها في يوم من السنة، ويسافر إليها إما في المحرم أو رجب أو شعبان أو ذي الحجة أو غيرها. وبعضها يجتمع عندها في يوم عاشوراء، وبعضها في يوم عرفة، وبعضها في النصف من شعبان. وبعضها في وقت آخر. بحيث يكون لها يوم من السنة تقصد فيه. ويجتمع عندها فيه. كما تقصد عرفة ومزدلفة ومنى في أيام معلومة من السنة، وكما يقصد مصلى المصر يوم العيدين، بل ربما كان الاهتمام بهذه الاجتماعات في الدين والدنيا أهم وأشد ومنها ما يسافر إليه من الامصار في وقت معين، أو وقت غير معين لقصد الدعاء عنده والعبادة هناك، كما يقصد بيت الله الحرام لذلك وهذا السفر لا أعلم بين المسلمين خلافا في النهي عنه. قال: ومنها ما يقصد الاجتماع عنده في يوم معين من الأسبوع.
وفي الجملة هذا الذي يفعل عند هذه القبور هو بعينه الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تتخذوا قبري عيدا» فإن اعتياد قصد المكان المعين في وقت معين عائد بعود السنة أو الشهر أو الاسبوع هو بعينه معنى العيد، ثم ينهى عن دق ذلك وجله، وهذا هو الذي تقدم عن الامام أحمد إنكاره.
قلت «يعني أحمد» : وقد أفرط الناس في هذا جدا وأكثروا. وذكر ما يفعل عند قبر الحسين. ثم قال الشيخ:
ويدخل في هذا ما يفعل بمصر عند قبر نفيسة وغيرها. وما يفعل بالعراق عند القبر الذي يقال: إنه قبر علي رضي الله عنه، وقبر الحسين وحذيفة بن اليمان و
…
و
…
وما يفعل عند قبر أبي يزيد البسطامي إلى قبور كثيرة في أكثر بلاد الاسلام لا يمكن حصرها. قال: واعتياد قصد هذه القبور في وقت معين، والاجتماع العام عندها في وقت معين هو أتخاذها عيدا كما تقدم ولا أعلم بين المسلمين أهل العلم
في ذلك خلافا. ولا يغتر بكثرة العادات الفاسدة فإن هذا من التشبه بأهل الكتابين الذي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه كائن في هذه الامة. وأصل ذلك إنما هو اعتقاد فضل الدعاء عندها، وإلا فلو لم يقم هذا الاعتقاد في القلوب لا نمحى ذلك كله. فإذا كان قصدها يجر هذه المفاسد كان حراما كالصلاة عندها وأولى، وكان ذلك فتنة للخلق، وفتحا لباب الشرك، وإغلاقاً لباب الايمان».
قلت: ومما يدخل في ذلك دخولا أوليا ما هو مشاهد اليوم في المدينة المنورة، من قصد الناس دبر كل صلاة مكتوبة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم: للسلام عليه والدعاء عنده وبه، ويرفعون أصواتهم لديه، حتى ليضج المسجد بهم، ولا سيما في موسم الحج حتى لكأن ذلك من سنن الصلاة! بل إنهم ليحافظون عليه أكثر من محافظتهم على السنن وكل ذلك يقع من مرأى ومسمع من ولاة الأمر، ولا أحد منهم ينكر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وواأسفاً على غربة الدين وأهله، وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينبغي أن يكون أبعد المساجد بعد المسجد الحرام عما يخالف شريعته عليه الصلاة والسلام.
هذا، وقد سبق في كلام شيخ الاسلام ابن تيمية أن بعض أهل العلم رخص في إتيان القبر الشريف للسلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها. وكأن ذلك يقيد
عدم الإكثار والتكرار بدليل قوله عقب ذلك: «وأما قصده دائما للصلاة والسلام فما علمت أحدا رخص فيه» .
قلت: وهذا الترخيص الذي نقله الشيخ عن بعض أهل العلم هو الذي نراه ونعتمد عليه بشرط القيد المذكور، فيجوز لمن بالمدينة إتيان القبر الشريف للسلام عليه صلى الله عليه وسلم، أحيانا، لان ذلك ليس، من اتخاذه عيدا كما هو ظاهر، والسلام عليه وعلى صاحبيه مشروع بالادلة العامة، فلا يجوز نفي المشروعية مطلقا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيدا، لامكان الجمع بملاحظة الشرط الذي ذكرنا، ولا يخرج عليه أننا لا نعلم أن أحدا من السلف كان يفعل ذلك، لان عدم العلم بالشئ لا يستلزم العلم