الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرمة الصلاة إلى القبور
- الصلاة إلى القبور للحديث المتقدم آنفا «لا تصلوا إلى القبور .. » وفيه دليل على تحريم الصلاة إلى القبر لظاهر النهي، وهو اختيار النووي، فقال المناوي في «فيض القدير» شارحا للحديث:«أي مستقبلين إليها، لما فيه من التعظيم البالغ، لأنه من مرتبة المعبود، فجمع - يعنى الحديث بتمامه - بين النهي عن الاستخفاف بالتعظيم، والتعظيم البليغ» ثم قال في موضع آخر: «فإن ذلك مكروه، فإن قصد إنسان التبرك بالصلاة في ثلك البقعة فقد ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله، والمراد كراهة التنزيه، قال النووي: كذا قال أصحابنا، ولو قيل بتحريمه لظاهر الحديث لم يبعد.
ويؤخذ من الحديث النهي عن الصلاة في المقبرة، فهو مكروه كراهة تحريم».
وينبغي أن يعلم أن التحريم المذكور إنما هو إذا لم يقصد بالاستقبال تعظيم القبور، وإلا فهو شرك، قال الشيخ علي القاري في «المرقاة» «2/ 372» في شرحه لهذا الحديث: ولو كان هذا التعظيم حقيقة للقبر ولصاحبه لكفر المعظم، فالتشبه به مكروه،
وينبغي أن يكون كراهة تحريم، وفي معناه بل أولى منه: الجنازة الموضوعة.
وهو مما ابتلي به أهل مكة، حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها».
أحكام الجنائز [269]
حرمة الصلاة عند القبور ولو بدون استقبال
- الصلاة عندها ولو بدون استقبال، وفيه أحاديث:
الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» .
الثاني: عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بين القبور» .
الثالث: عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا» .
الرابع: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» .
وقد ترجم البخاري للحديث الثالث بقوله: «باب كراهية الصلاة في المقابر» .
وبين وجه ذلك الحافظ في شرحه فقال ما مختصره: «استنبط من قوله في الحديث: «لا تتخذوها قبورا» أن القبور ليست بمحل للعبادة، فتكون الصلاة فيها مكروهة، وقد نازع الإسماعيلي المصنف في هذه الترجمة فقال: الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر: قلت: قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ «لا تجعلوا بيوتكم مقابر» ، وقال ابن التين: تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر: وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت، إذ الموتى لا يصلون، كأنه قال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور، قال: فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك.
قلت إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم.
وإن أراد نفي ذلك مطلقا فلا، فقد قدمنا وجه استنباطه، وقد نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم أنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع للصلاة.
وكذا قال البغوي في «شرح السنة» والخطابي».
قلت: وهذا هو الأرجح أن الحديث يدل على أن المقبرة ليست موضعا للصلاة، لا سيما بلفظ أبي هريرة فهو أصرح في الدلالة، وقول الاسماعيلي: يدل على كراهة
الصلاة في القبر لا في المقابر، مع مخالفته الصريحة لحديث أبي هريرة، فلا يحسن حمل حديث ابن عمر عليه، لان الصلاة في القبر غير ممكنة عادة، فكيف يحمل كلام الشارع عليه! ؟ وقول ابن التين:«هو من شراح «صحيح البخاري» واسمه عبد الواحد: «الموتى لا يصلون» .
ليس بصحيح، لأنه لم يرد نص في الشرع بنفي ذلك، وهو من الأمور الغيبية التي لا ينبغي البت فيها إلا بنص، وذلك مفقود، بل قد جاء ما يبطل إطلاق القول به، وهو صلاة موسى عليه الصلاة والسلام في قبره كما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به على ما رواه مسلم في «صحيحه» ، وكذلك صلاة الانبياء عليهم الصلاة والسلام مقتدين به في تلك الليلة كما ثبت في «الصحيح» بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» .
أخرجه أبو يعلى باسناد جيد، وقد خرجته في «الاحاديث الصحيحة» «622» .
بل قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم ما هو أعم مما ذكرنا، وذلك في حديث أبي هريرة في سؤال الملكين للمؤمن في القبر:«فيقال له اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس وقد آذنت للغروب، فيقال له: أرأيتك هذا الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولان: إنك ستفعل» .
أخرجه ابن حبان في «صحيحه» «781» والحاكم «1/ 379 - 380» وقال «صحيح على شرط مسلم» ووافقه الذهبي! وإنما هو حسن فقط، لان فيه محمد بن عمرو ولم يحتج به مسلم وإنما روى له مقرونا أو متابعة.
فهذا الحديث صريح في أن المؤمن أيضا يصلي في قبره، فبطل بذلك القول بأن الموتى لا يصلون، وترجح أن المراد بحديث ابن عمر أن المقبرة ليست موضعا للصلاة، والله أعلم.
وقد دل الحديث وما ذكر معه على كراهة الصلاة في المقبرة، وهي للتحريم لظاهر النهي في بعضها، وذهب بعض العلماء إلى بطلان الصلاة فيها لان النهي يدل
على فساد المنهي عنه، وهو قول ابن حزم، واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية، والشوكاني في «نيل الاوطار» «2/ 112» ، وروى ابن حزم «4/ 27 - 28» عن الامام أحمد أنه قال:«من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدا» .
قلت: وفيما قاله في صلاة الجنازة نظر، لأنه لا نص على جوزها في المقبرة ولو كان ابن حزم من القائلين بالقياس لقلنا أنه قاس ذلك على الصلاة على القبر: ولكنه يقول ببطلان القياس من أصله، وصلاة الجنازة في المقبرة خلاف السنة التي لم تأت إلا بصلاتها في المصلى وفي المسجد كما سبق بيانه في محله، بل قد جاء النهي الصريح عن الصلاة عليها بين القبور كما في رواية في حديث أنس المذكور في هذا الفصل، وهو الحديث الثاني منه.
ثم إن كراهة الصلاة في المقبرة تشمل كل مكان منها سواء كان القبر أمام المصلي أو خلفه أو عن يمينه، أو عن يساره، لان النهي مطلق، ومن المقرر في علم الاصول أن المطلق يجرى على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده، ولم يرد هنا شئ من ذلك، وقد صرح بما ذكرنا بعض فقهاء الحنفية وغيرهم كما يأتي، فقال شيخ الاسلام ابن تيمية في «الاختيارات العلمية» «ص 25»: «ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها، والنهي عن ذلك إنما هو سد لذريعة الشرك وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر
والقبرين لا يمنع من الصلاة، لأنه لا يتناوله اسم المقبرة، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا.
وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور، وهو الصواب، والمقبرة كل ما قبر فيه، لا أنه جمع قبر.
وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه، فهذا يعين أن المنع يكون متناولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه.
وذكر الامدي وغيره: أنه لا تجوز الصلاة فيه أي المسجد الذي قبلته إلى القبر حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر.
وذكر بعضهم: هذا منصوص أحمد».
وفي كلام الشيخ رحمه الله التصريح بأن علة النهي عن الصلاة في المقبرة إنما هي سد الذريعة، وهذا أحد قولي العلماء في ذلك، والقول الآخر أن العلة إنما هي نجاسة أرض المقبرة! وهما قولان في مذهب الحنفية، وقد نظر ابن عابدين في «الحاشية» «1/ 352» في الثاني منهما، وذلك لأن الاستحالة مطهرة عندهم، فكيف تكون هذه العلة صحيحة! ؟ ولا شك عندنا أن القول الأول هو الصحيح، وقد بين ذلك شيخ الاسلام في كتبه، واستدل له بما لا تجده عند غيره، فراجع مثلا كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم» «152، 193» ، وعليه مشى في «الحانية» من كتب الحنفية، وأشار إليه الطحاوي في حاشيته على «مراقي الفلاح» فقال عند قول الشارح «وتكره الصلاة في المقبرة» «1/ 208» «بتثليث الباء، لأنه تشبه باليهود والنصارى، قال صلى الله عليه وسلم: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وسواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه. ويستثنى مقابر الأنبياء عليهم السلام فلا تكره الصلاة فيها مطلقا منبوشة أو لا، بعد أن لا يكون القبر في جهة القبلة، لأنهم أحياء في قبورهم» !