الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وهذا الاستثناء باطل ظاهر البطلان، كيف وهو يناقض العلة التي ذكرها والحديث الذي استدل به عليها، وكيف يصح مثل هذا الاستثناء والاحاديث مستفيضة في لعن أهل الكتاب لاتخاذ قبور أنبيائهم مساجد ثم صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك، فالنهي منصب على اتخاذ قبور الأنبياء مباشرة، وغيرهم يلحق بهم، فكيف يعقل استثناؤهم! ؟ والحق أن مثل هذا الاستثناء إنما يتمشى مع القول الثاني أن العلة النجاسة وقبور الأنبياء بلا شك طاهرة لأنهم كما قال عليه السلام:«إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» ، ولكن هذه العلة باطلة وما بني على باطل فهو باطل (1).
أحكام الجنائز [270]
حرمة بناء المساجد على القبور
[مما يحرم عند القبور]: بناء المساجد عليها.
وفيه أحاديث:
الأول: عن عائشة وعبد الله بن عباس معا قالا: «لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال: وهو كذلك.
- لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر [مثل] ما صنعوا».
الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
قالت: فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا.
(1) وقد فصلت القول في خطأ الطحاوي وتناقضه في الاستثناء المذكور في كتابي «الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب» . [منه].
الثالث: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«قاتل الله اليهود «وفي رواية: لعن الله اليهود والنصارى» اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
الرابع: عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
الخامس: عن جندب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: «قد كان لي فيكم أخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل» ، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من امتي خليلا، لا تخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانو يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنها كم عن ذلك».
السادس: عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد» .
السابع: عن عائشة قالت: «لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم، تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها «مارية» - وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة - فذكرن من حسنها وتصاويرها.
قالت: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح [فمات] بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله [يوم القيامة]» .
وفي الباب أحاديث أخرى عن جماعة آخرين من الصحابة، أوردتها في «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» .
وهي تدل دلالة قاطعة على أن اتخاذ القبور مساجد حرام لما فيها من لعن المتخذين، ولذلك قال الفقيه الهيتمي في «الزواجر» «1/ 120 - 121»:«الكبيرة الثالثة والتسعون اتخاذ القبور مساجد» .
ثم ساق بعض الاحاديث المتقدمة وغيرها مما ليس على شرطنا ثم قال: «وعد هذه من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية، وكأنه أخذ ذلك مما ذكره من هذه الاحاديث، ووجهه واضح، لأنه لعن من فعل ذلك بقبور أنبيائه.
وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله يوم القيامة، ففيه تحذير لنا كما في رواية «يحذر ما صنعوا» ، أي يحذر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك، فيلعنوا كما لعنوا .. قال بعض الحنابلة: قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركا بها عين المحادة لله ورسوله، وابتداع دين لما يأذن به الله للنهي عنها ثم إجماعا، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها، واتخاذها مساجد، أو بناؤها عليها، والقول بالكراهة محمول على غير ذلك، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله، وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه نهى عن ذلك، وأمر صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره.
انتهى».
هذا والاتخاذ المذكور في الاحاديث المتقدمة يشمل عدة أمور:
الأول: الصلاة إلى القبور مستقبلا لها.
الثاني: السجود على القبور.
الثالث: بناء المساجد عليها.
والمعنى الثاني ظاهر من الاتخاذ، والآخران مع دخولهما فيه، فقد جاء النص عليهما في بعض الاحاديث المتقدمة، وفصلت القول في ذلك وأوردت أقوال العلماء مستشهدا بها في كتابنا الخاص «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» وذكرت فيه تاريخ إدخال القبر النبوي في المسجد الشريف، وما فيه من المخالفة للأحاديث