الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما يَحْرُمُ عند القبور: الذبح والنحر
ويحرم عند القبور ما يأتي:
- الذبح والنحر، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا عقر في الاسلام» ، قال عبد الرزاق بن همام:«كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة» .
وقال شيخ الاسلام في «الاقتضاء» «ص 182» :
وقال النووي في «المجموع» «5/ 320» : «وأما الذبح والعقر عند القبر فمذموم لحديث أنس هذا، رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح» .
قلت: وهذا إذا كان الذبح هناك لله تعالى وأما إذ كان لصاحب القبر كما يفعله بعض الجهال فهو شرك صريح، وأكله حرام وفسق كما قال تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]. أي والحال أنه كذلك بأن ذبح لغير الله، إذ هذا هو الفسق هنا كما ذكره الله تعالى بقوله «أو فسقا أهل لغير الله به» ، كما في «الزواجر» «1/ 171» للفقيه الهيتمى. وقال:«لعن الله» وفي رواية: «ملعون من ذبح لغير الله» .
أحكام الجنائز [259]
من المحرمات عند القبور
- رفعها زيادة على التراب الخارج منها.
- طليها بالكلس ونحوه.
- الكتابة عليها.
- البناء عليها.
- القعود عليها.
وفي ذلك أحاديث:
الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجَصّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه، [أو يزاد عليه]، [أو يكتب عليه]» .
وقال النووي «5/ 296» : «وإسنادها صحيح» .
ثم استدل بها على أنه يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه وقال: «قال الشافعي: فإن زاد فلا بأس، قال أصحابنا: معناه أنه ليس بمكروه» .
قلت: وهذا خلاف ظاهر النهي فإن الاصل فيه التحريم، فالحق ما قاله ابن حزم في «المحلى» «5/ 33»:
«ولا يحل أن يبنى القبر، ولا أن يجصص، ولا أن يزاد على ترابه شئ ويهدم كل ذلك» .
وهو ظاهر قول الامام أحمد، فقال أبو داود في «المسائل» «ص 158»:«سمعت أحمد قال: لا يزاد على القبر من تراب غيره، إلا أن يسوى بالارض فلا يعرف. فكأنه رخص إذ ذاك» .
لكن ذكر في «الإنصاف» «2/ 548» عنه الكراهة فقط! وقال الامام محمد في «الآثار» «ص 45» : «أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: كان يقال: ارفعوا القبر حتى يعرف أنه قبر فلا يوطأ.
قال محمد: وبه نأخذ، ولا نرى أن يزاد على ما خرج منه، ونكره أن يجصص، أو يطين، أو يجعل عنده مسجدا أو علما، أو يكتب عليه، ويكره الآجر أن يبنى به، أو
يدخله القبر، ولا نرى برش الماء عليه بأسا، وهو قول أبي حنيفة».
قلت: ويدل الحديث بمفهومه على جواز رفع القبر، بقدر ما يساعد عليه التراب الخارج منه، وذلك يكون نحو شبر، فهو موافق للنص المتقدم في المسألة «107» وأما التجصيص فهو من «الجص» وهو الكلس.
والمراد الطلي به قال في «القاموس» : «وجصص الاناء ملاه، والبناء طلاه بالجص» .
ولعل النهي عن التجصيص من أجل أنه نوع زينة كما قال بعض المتقدمين.
وعليه فما حكم تطيين القبر؟ للعلماء فيه قولان:
الأول: الكراهة، نص عليه الامام محمد فيما نقلته آنفا عنه، والكراهة عنده للتحريم إذا أطلقت.
وبالكراهة قال أبو حفص من الحنابلة كما في «الإنصاف» «2/ 549» والاخر: أنه لا بأس به.
حكاه أبو داود «158» عن الامام أحمد.
وجزم به في «الإنصاف» .
وحكاه الترمذي «2/ 155» عن الامام الشافعي، قال النووي عقبه:«ولم يتعرض جمهور الأصحاب له، فالصحيح أنه لاكراهة فيه كما نص عليه، ولم يرد فيه نهي» .
قلت: ولعل الصواب التفصيل على نحو ما يأتي: إن كان المقصود من التطيين المحافظة على القبر وبقائه مرفوعا قدر ما سمح به الشرع، وأن لا تنسفة الرياح ولا تبعثره الامطار، فهو جائز بدون شك لأنه يحقق غاية مشروعة.
ولعل هذا هو وجه من قال من الحنابلة أنه يستحب. وإن كان المقصود الزينة ونحوها مما لا فائدة فيه فلا يجوز لأنه محدث.
وأما الكتابة، فظاهر الحديث تحريمها، وهو ظاهر كلام الإمام محمد، وصرح الشافعية والحنابلة بالكراهة فقط! وقال النووي «5/ 298»:«قال أصحابنا: وسواء كان المكتوب على القبر في لوح عند رأسه كما جرت عادة بعض الناس، أم في غيره، فكله مكروه لعموم الحديث» .
واستثنى بعض العلماء كتابة اسم الميت لا على وجه الزخرفة، بل للتعرُّف قياسا على وضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجر على قبر عثمان بن مظعون كما تقدم في المسألة المشار إليها آنفا «ص 155». قال الشوكاني:«وهو من التخصيص بالقياس وقد قال به الجمهور، لا أنه قياس في مقابلة النص كما قال في «ضوء النهار» ، ولكن الشأن في صحة هذا القياس».
والذي أراه - والله أعلم - أن القول بصحة هذا القياس على إطلاقه بعيد، والصواب تقييده بما إذا كان الحجر لا يحقق الغاية التي من أجلها وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، ألا وهي التعرف عليه، وذلك بسبب كثرة القبور مثلا وكثرة الأحجار المعرفة! فحينئذ يجوز كتابة الاسم بقدر ما تتحقق به الغاية المذكورة. والله أعلم.
وأما قول الحاكم عقب الحديث: «ليس العمل عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف» .
فقد رده الذهبي بقوله: «ما قلت طائلا، ولا نعلم صحابيا فعل ذلك، وإنما هو شئ أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم - ولم يبلغهم النهي» .
الثاني: عن أبي سعيد وهو الخدري «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبر» .
الثالث: عن أبي الهياج الأسدي قال: «قال لي علي بن أبي طالب: ألا ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالا [رواية: صورة] [في بيت] إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته» .
قال الشوكاني رحمه الله تعالى «4/ 72» في شرح هذا الحديث:
«فيه أن السنة أن القبر لا يرفع رفعا كبيرا من غير فرق بين من كان فاضلا ومن
كان غير فاضل.
والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم. وقد صرح بذلك أصحاب أحمد، وجماعة الشافعي ومالك. قال: ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك كما سيأتي. وكم قد نشأ عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الاسلام. منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج، وملجا لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال وتمسحوا واستغاثوا. وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالاصنام إلا فعلوه! فإنا لله وإنا إليه راجعون، ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله، ويغار حمية للدين الحنيف، لا عالما ولا متعلام، ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا، وقد توارد إلينا من الاخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني! تلعثم وتلكأ وأبي واعترف بالحق! وهذا من أبين الادلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين، أو ثالث ثلاثة.
فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رِزء للاسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأى مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك واجبا؟ !
لقد أسمعت لو ناديت حياً
…
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت
…
ولكن أنت تنفخ في رماد
وللشوكاني رحمه الله تعالى رسالة لطيفة نافعة في هذا الباب أسماها «شرح الصدور في تحريم رفع القبور» مطبوعة في المجموعة المنيرية «1/ 62 - 76» .
الرابع: عن ثمامة بن شفي قال: «خرجنا مع فضالة بن عبيد إلى أرض الروم، وكان عاملا لمعاوية على الدرب، «وفي رواية: غزونا أرض الروم، وعلى ذلك الجيش فضالة بن عبيد الانصاري» ، فأصيب ابن عم لنا [ب]«رودس» (1) فصلى عليه فضالة، وقام على حفرته حتى واراه، فلما سوينا عليه حفرته قال: أخفوا عنه، «وفي الرواية الاخرى: خففوا عنه» (2) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بتسوية القبور».
وأما الحديث المشهور على الالسنة بلفظ: «خير القبور الدوارس» فلا أصل له في شئ من كتب السنة، وهو بظاهره منكر، لان القبر لا ينبغي أن يدرس، بل ينبغي أن يظل ظاهرا مرفوعا عن الارض قدر شبر كما سبق، ليعرف فيصان ولا يهان، ويزار ولا يهجر.
ثم إن الظاهر من حديث فضالة «كان يأمرنا بتسوية القبور» تسويتها بالأرض بحيث لا ترفع إطلاقا، وهذا الظاهر غير مراد قطعا، بدليل أن السنة الرفع قدر شبر كما مرت الإشارة إليه سابقا، ويؤيد هذا من الحديث نفسه قول فضالة «خففوا» أي التراب، فلم يأمر بإزالة التراب عنه بالكلية، وبهذا فسره العلماء انظر «المرقاة» «2/ 372» .
الخامس: قال معاوية رضي الله عنه: «إن تسوية القبور من السنة، وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تشبهوا بهما» .
السادس: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس «وفي رواية: يطأ» على قبر».
السابع: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن
(1) جزيرة معروفة في البحر الابيض المتوسط، جنوب غرب تركيا. [منه].
(2)
هي بمعنى الرواية التي قبلها، إلا أن هذه عديت بالتشديد وتلك بالالف. [منه].
أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي (1) أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق».
الثامن: عن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها» .
وفي هذه الاحاديث الثلاثة دليل على تحريم الجلوس والوطء على قبر المسلم، وهو مذهب جمهور العلماء على ما نقله الشوكاني «4/ 57» وغيره، لكن حكى النووي والعسقلاني عنهم الكراهة فقط، وهو نص الامام الشافعي في «الأم» وكذلك نص الامام محمد في «الآثار» «ص 45» على الكراهة وقال:«وهو قول أبي حنيفة» .
قال الشافعي رحمه الله «1/ 246» : «وأكره وطء القبر والجلوس والاتكاء عليه، إلا أن لا يجد الرجل السبيل إلى قبر ميته إلا بأن يطأه فذلك موضع ضرورة، فأرجو حينئذ أن يسعه إن شاء الله تعالى، وقال بعض أصحابنا: لا بأس بالجلوس عليه، وإنما نهي عن الجلوس عليه للتغوط! وليس هذا عندنا كما قال، وإن كان نهي عنه للمذهب فقد نهي عنه مطلقا لغير المذهب» .
وكان الشافعي رحمه الله يشير إلى إلامام مالك رحمه الله فإنه صرح في «الموطأ» بالتأويل المذكور، ولا شك في بطلانه كما بينه النووي فيما نقله الحافظ «3/ 174» .
قلت: والكراهة عندهما إذا أطلقت فهي للتحريم، وهذا أقرب إلى الصواب من القول بالكراهة فحسب، والحق القول بالتحريم لأنه الذي ينص عليه حديث أبي هريرة وعقبة. لما فيهما من الترهيب الشديد، وبهذا قال جماعة من الشافعية، منهم النووي، وإليه ذهب الصنعاني في «سبل السلام» «1/ 210» ، ومال الفقيه ابن حجر الهيتمى في «الزواجر» «1/ 143» إلى أنه كبيرة، لما أشرنا إليه من الوعيد الشديد، وليس ذلك عن الصواب ببعيد.
أحكام الجنائز [260]
(1) أي وذلك أمر صعب شدبد إن أمكن. [منه].