الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: لكن حديث قراءة ياسين ضعيف كما تقدم، والاستحباب حكم شرعي، ولا يثبت بالحديث الضعيف كما هو معلوم من كلام ابن تيمية نفسه في بعض مصناته وغيرها.
أحكام الجنائز [241]
الرد على أدلة بعض من جوَّز القراءة عند القبور
وأما جاء في «كتاب الروح» لابن القيم «ص 13» : قال الخلال: وأخبرني الحسن بن أحمد الوارق: ثنا علي ابن موسى الحداد - وكان صدوقا - قال: كنت مع أحمد بن جنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر، فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة! فلما خرجت من المقابر، قال محمد بن قدامة لاحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة، قال: كتبت عنه شيئا؟ قال: نعم، قال: فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج، «الأصل: الحلاج وهو خطأ» عن أبيه أنه أوصي إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك.
فقال له أحمد: فارجع وقل للرجل: يقرأ».
فالجواب عنه من وجوه:
الأول: إن في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظر، لأن شيخ الخلال الحسن بن أحمد الوراق لم أجد ترجمة فيما عندي الان من كتب الرجال، وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد لم أعرفه، وإن قيل في هذا السند أنه كان صدوقا، فإن الظاهر أن القائل هو الوراق هذا، وقد عرفت حاله.
الثاني: أنه إن ثبت ذلك عنه، فإنه أخص مما رواه أبو داود عنه، وينتج من الجمع بين الروايتين عنه أن مذهبه كراهة القراءة عند القبر إلا عند الدفن.
الثالث: أن السند بهذا الأثر لا يصح عن ابن عمر، ولو فرض ثبوته عن أحمد،
وذلك لأن عبد الرحمن ابن العلاء بن اللجلاج معدود في المجهولين، كما يشعر بذلك قول الذهبي في ترجمته من «الميزان»:«ما روي عنه سوى مبشر هذا» ، ومن طريقة رواه ابن عساكر «13/ 399 / 2» وأما توثيق ابن حيان إياه فمما لا يعتد به لما اشتهر به من التساهل في التوثيق، ولذلك لم يعرج عليه الحافظ في «التقريب» حين قال في المترجم:«مقبول» يعني عند المتابعة وإلا فلين الحديث كما نص عليه في المقدمة، ومما يؤيد ما ذكرنا أن الترمذي مع تساهله في التحسين لما أخرج له حديثا آخر «2/ 128» وليس له عنده سكت عليه ولم يحسنه!
الرابع: أنه لو ثبت سنده عن ابن عمر، فهو موقوف لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه أصلا.
ومثل هذا الاثر ما ذكره ابن القيم أيضا «ص 14» : «وذكر الخلال عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرؤون القرآن» .
فنحن في شك من ثبوت ذلك عن الشعبي بهذا اللفظ خاصة، فقد رأيت السيوطي قد أورده في «شرح الصدور» «ص 15» بلفظ:«كانت الانصار يقرؤون عند الميت سورة البقرة» .
قال: «رواه ابن أبي شيبة والمروزي» أورده في «باب ما يقول الانسان في مرض الموت، وما يقرأ عنده» .
ثم رأيته في «المصنف» لابن أبى شيبة «4/ 74» وترجم له بقوله: «باب ما يقال عند المريض إذا حضر» .
فتبين أن في سنده مجالداً وهو ابن سعيد قال الحافظ في «التقريب» : «ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره» .
فظهر بهذا أن الأثر ليس في القراءة عند القبر بل عند الاحتضار، ثم هو على ذلك ضعيف الاسناد.
وأما حديث «من مر بالمقابر فقرأ «قل هو الله أحد» إحدى عشر مرة ثم وهب
أجره للاموأت أعطي من الأجر بعدد الاموات».
فهو حديث باطل موضوع، رواه أبو محمد الخلال في «القراءة على القبور» «ق 201/ 2» والديلمي عن نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن علي الرضا عن آبائه، وهي نسخة موضوعة باطلة لا تنفك عن وضع عبد الله هذا أو وضع أبيه، كما قال الذهبي في «الميزان» وتبعه الحافظ ابن حجر في «اللسان» ثم السيوطي في «ذيل الاحاديث الموضوعة» ، وذكر له هذا الحديث وتبعه ابن عراق في «تنزيه الشريعة المرفوعة، عن الاحاديث الشنيعة الموضوعة» .
ثم ذهل السيوطي عن ذلك فأورد الحديث في «شرح الصدور» «ص 130» برواية أبي محمد السمرقندي في «فضائل قل هو الله أحد» وسكت عليه! نعم قد أشار قبل ذلك إلى ضعفه، ولكن هذا لا، يكفي فإن الحديث، موضوع باعترافه فلا يجزيء الاقتصار على تضعيفه كما لا يجوز السكوت عنه، كما صنع الشيخ إسماعيل العجلوني في «كشف الخفاء» «2 - 382» فإنه عزاه للرافعي في تاريخه وسكت عليه! مع أنه وضع كتابه المذكور للكشف «عما اشتهر من الاحاديث على ألسنة الناس» ! ثم إن سكوت أهل الاختصاص عن الحديث قد يوهم من لا علم عنده به أن الحديث مما يصلح للاحتجاج به أو العمل به في فضائل الاعمال كما يقولون، وهذا ما وقع لهذا الحديث، فقد رأيت بعض الحنفية قد احتج بهذا الحديث للقراءة عند القبور وهو الشيخ الطهطاوي على «مراقي الفلاح» «ص 117» ! وقد عزاه هذا إلى الدارقطني، وأظنة وهما، فإني لم أجد غيره عزاه إليه، ثم إن المعروف عند
المشتغلين بهذا العلم أن العزو إلى الدارقطني مطلقا يراد به كتابه «السنن» ، وهذا الحديث لم أره فيه.
والله أعلم.
أحكام الجنائز [243]