الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيرهما. قالوا: «ليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، والعذاب أعم من العقاب كما في قوله: «السفر قطعة من العذاب» ، وليس هذا عقابا على ذنب، وإنما هو تعذيب وتألم.
وقد يؤيد هذا قوله في الحديث «5 و 6» : «في قبره» . وكنت أميل إلى هذا المذهب برهة من الزمن، ثم بدا لي أنه ضعيف لمخالفته للحديث السابع الذي قيد العذاب بأنه «يوم القيامة» ، ومن الواضح أن هذا لا يمكن تأويله بما ذكروا، ولذلك فالراجح عندنا مذهب الجمهور، ولا منافاة عندهم بين هذا القيد والقيد الآخر في قوله «في قبره» ، بل يضم أحدهما إلى الآخر، وينتج أنه يعذب في قبره، ويوم القيامة. وهذا بين إن شاء الله تعالى.
أحكام الجنائز [41]
ما شرح حديث: (إن الميت يعذب ببكاء أهله)
؟
مداخلة: والحديث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله .. » كيف شرحه؟
الشيخ: هذا قد جرى خلاف بين عائشة وبين ابن عمر وغيره من الصحابة، فالسيدة عائشة رضي الله عنها أنكرت هذا الحديث، وقالت: إنما قال عليه السلام هذا الحديث بالنسبة لبعض اليهود كانوا يبكون على ميتهم، لكن علماء الحديث ما وافقوها على الإنكار؛ ذلك لأن الحديث:«إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» رواه جماعة من الصحابة، غير ابن عمر رواه أبوه عمر، وغير عمر وابنه عبد الله رواه أيضًا المغيرة بن شعبة، ولذلك فلا مجال لتوهيم ابن عمر كما فعلت السيدة عائشة، كان يمكن هذا التوهيم لو كان ابن عمر وحده قد روى هذا الحديث، لكن ما دام أن معه أبوه ومعه المغيرة بن شعبة فالثلاثة أحفظ من واحد وهي عائشة.
لو كان ابن عمر لوحده كان يمكن حينئذ أن يغلب رأي عائشة وقولها على قول ابن عمر؛ ذلك بأن السيدة عائشة رضي الله عنها كما تعلمون هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي تصاحبه ما شاء الله في أكثر الأوقات بخلاف عبد الله بن عمر، فلو كان ابن
عمر هو وحده روى هذا الحديث وخطأته عائشة رضي الله عنها كان يمكن أن نقبل تخطئتها ونتبنى حديثها دون حديث ابن عمر، كما وقع لها في قضية أخرى: وهي أن ابن عمر حدث بأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في شهر رجب فقيل لعائشة: اسمعي عبد الله بن عمر ماذا يقول؟ قالت: ماذا يقول؟ قالوا: يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في شهر رجب، فقالت: لقد غفل عبد الله بن عمر يرحمه الله، ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة إلا في ذي القعدة.
جاء في بعض الروايات أن عائشة لما ذكرت هذا سمع كلامها ابن عمر فما تكلم بكلمة مما يشعر أنه كأنه شعر بأنه فعلًا هو واهم، لكن حديثنا:«أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» لا سبيل إلى تبني رأي عائشة وتخطئة عبد الله بن عمر كما فعلنا في حديث العمرة لما ذكرته آنفًا أن مع ابن عمر عمر نفسه والمغيرة بن شعبة.
[وهنا] شيء لا بد من ذكره؛ لأن سؤالك الجواب عليه ما تم .. سؤالك كان عن الحديث ما هو المعنى؟
للعلماء قولان في تفسير: يعذب ببكاء أهله عليه:
منهم من يقول: أن العذاب المذكور في الحديث هو عذاب الآخرة، ومنهم من يقول: المقصود بالعذاب هو التألم والحزن، والذي يقول هذا القول يعني: أن الميت يسمع بكاء الأحياء عليه فيأسف لأسفهم ويحزن لحزنهم، هذا هو العذاب [الذي] عناه الرسول في الحديث في قول هذا البعض، أما الأولون وهم الجمهور يقولون: يعذب فعلًا، وهنا يرد قول السيدة عائشة المذكور والمشار إليه آنفًا، أنها لماذا أنكرت هذا الحديث؟ لأنها فهمت أن العذاب هنا هو العذاب بمعنى التألم إما بالنار أو بالزمهرير أو ما شابه ذلك مما هو معروف، فقالت: لماذا يعذب هذا والله عز وجل يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]؟ أجاب العلماء عن هذه الشبهة: بأن المقصود من الحديث على المعنى الذي ذهب إليه الجمهور أن العذاب المعروف أنه إنما يعني به الميت الذي يموت ولا يوصي ولا ينصح أهله بألا يبكوا عليه، أما إذا قاموا بواجب التذكير والنصيحة ثم بكوا عليه فلا يضره ذلك؛ لأنه قد
أدى الواجب.
هذا مع ملاحظة أن المقصود بالبكاء ليس هو مطلق البكاء، وإنما المقصود به النياحة وهو رفع الصوت، فبرفع الصوت إذا كان الميت لم ينصح ولم يذكر أهله قبل وفاته بأنه إذا جاءتني الوفاة فلا تصيحوا ولا تنوحوا لأن هذا يكون سبب ليس لعذابكم فقط بل سبب لعذابي أنا، على هذا يفسر الحديث.
وخلاصة ذلك: أن الميت الذي لم يذكر أهله بما يجب عليه من النصح إذا مات ألا يبكوا عليه فهذا الذي هو يعذب، والعذاب ليس هو بمعنى الألم والحزن وإنما هو بمعنى العذاب الذي يستحقه العاصي يوم القيامة أو في القبر، ويؤيد هذا المعنى من السنة ومن النظر أيضًا، أما السنة ففي رواية للمغيرة بن شعبة قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه يوم القيامة، بيمنا التفسير الثاني الذي فسر العذاب بالألم فهو يعني وهو في القبر، إنما حديث المغيرة يقول: يعذب يوم القيامة.
أما النظر فسأذكره قريبًا إن شاء الله .. فالتفسير الثاني أنه يتألم فمعنى ذلك: أن الميت إذا مات ما انقطعت علاقته مع الناس فهو يحس بهم ويتألم بألمهم، وهذا الكلام ليس صحيحًا؛ لأن الميت إذا مات انقطعت علاقته بهذه الحياة الدنيا فهو لا يسمع ولا يحس بشيء كما قال تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] .. {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} [النمل: 80].
فإذًا: الأموات لا يسمعون فكيف يقال: إن الميت إذا بكى أو ناح أهله عليه هو يحس ببكائهم ويتألم لألمهم، هذا المعنى مع مخالفته للحديث يعذب يوم القيامة فهو يخالف نصوص أخرى في الكتاب وفي السنة التي تدل على أن الميت لا يسمع ولا يحس، فإذًا: المعنى الأول هو المعنى الصحيح.
(فتاوى رابغ (1) /00: 07: 48)